ثقافة و فنون “بلاك ميرور”… شرور البشرية تتفوق على توحش الذكاء الاصطناعي by admin 20 يونيو، 2023 written by admin 20 يونيو، 2023 187 الموسم الجديد يواصل التحذير من مخاطر التكنولوجيا ويدين الإنسان الذي ينجذب للاختيارات الأكثر بؤساً وظلامية اندبندنت عربية \ حميدة أبو هميلة كاتبة لم يعد أكثر ما يرعب في مستوى حلقات مسلسل “Black Mirror – المرآة السوداء” هو إغراقه في إظهار الخيال المظلم الذي يمكن أن تبدو عليه التكنولوجيا في المستقبل، لكن ما يثير الفزع في موسمه السادس هو أن ما يجري على الشاشة بات قريباً جداً من الواقع، إذ يشبه تماماً ما تفعله تقنيات الذكاء الاصطناعي التي انطلقت في طفرة غير مسبوقة خلال الأشهر الأخيرة، فالدراما التي تظهر الجانب الأكثر ظلامية للحياة الإلكترونية لم تعد خيالاً ولم تعد مستقبلاً، إنه الحاضر مع بعض الرتوش التي ربما نراها غداً أو بعد غد. قال النجم توم هانكس قبل أسابيع إنه لا يمانع من أن يتم عمل محاكاة لشخصه بعد وفاته ليظل بطلاً للأفلام حتى قيام الساعة، مشيراً إلى إمكانية إعادة تكوين ملامحه رقمياً في أي عمر يريد باستخدام تكنولوجيا التزييف العميق. لكن اللافت أن سلمى حايك كانت قد سبقت توم هانكس، وصورت بالفعل لمحة عما يفكر به من خلال دورها في أولى حلقات الموسم الجديد من “بلاك ميرور” التي حملت عنوان “جون شخصية بغيضة”، إذ نرى الأثر السيئ تماماً والأكثر إرباكاً لهذا الأمر، حينما يعطي الشخص إذناً باستغلال وجهه “الرقمي” كنسخة مطابقة للحقيقة لتظهر في عمل يشاهده سكان كوكب الأرض. لعنة البث المباشر لا يبشر المسلسل بتكنولوجيا متطورة، لكنه أخذ على عاتقه التحذير من الاستخدام البغيض لها وإشعار المتلهفين لكل جديد في هذا المجال بالقلق والخطر، بل والضيق أيضاً، فالملاحظ أنه منذ موسمه الأول عام 2011 وهو يغرق في التنبيه من أنه كلما باتت الأجهزة أكثر ذكاءً كانت أكثر مثالية في إفساد الحياة والمتعة. وبينما اعتبر البعض أن قصص العمل وصلت إلى سقفها الأعلى منذ موسمه الخامس قبل أربع سنوات جاء بما هو أكثر دهشة، واستند في موسمه السادس الذي بدأ عرضه أخيراً إلى الأفكار الذكية الأكثر قرباً من حاضرنا من دون الإبهار المبالغ فيه. من خلال قصة البداية “Joan Is Awful” يعود العمل ليذكر بأن ما نعتقد أنه يزيد من رفاهيتنا هو مجرد آلة مراقبة، حتى من يتوقعون أنهم ذوو نفوذ وسلطة يتساوون مع المهمشين في أنهم يتحولون في موقف ما إلى مجرد حلقة استعراضية، وذلك من خلال شخصية جون التي تفاجأ بحياتها تظهر على منصة تبدو مطابقة لـ”نتفليكس” في تصميمها وتحمل اسم “Streamberry ـ ستريمبيري”، فكل ما تفعله مهما كان خاصاً ومحرجاً يظهر للعلن، ويتسمر أمامه الجمهور. وجون ليست الوحيدة، إذ نكتشف أنها مجرد واحدة ضمن ملايين باعوا حق استغلال حياتهم للتطبيق من دون أن يلتفتوا إلى الشروط والأحكام التي وقعوا عليها، وهكذا نرى حكاية داخل حكاية داخل ثالثة بشكل متناه، لنشاهد بين سلمى حايك وكيت بلانشيت وآني ميرفي، وكل منهن تلوم الأخرى، حيث نرى لعنة البث المباشر الذي حول حياة البشر إلى جحيم في ذروة كارثيتها. فالأبطال هنا يعيشون حياتهم بالنهار ثم يجدونها أمامهم مجسدة ليلاً ليسهر عليها مشتركو المنصة، ثم تتداخل الأدوار وتهتز خصوصية المشاركين إلى الأبد مصحوبة بلعنة لا يمكن تداركها. خيال علمي أسود قد تكون تلك هي الحلقة الأكثر صخباً على مستوى الحوار والدراما، وفي حين تعتمد أيضاً الحلقة الثالثة “ما وراء البحر” بطولة رون بول وجوش هارتنت وكيت مارا أيضاً على أساس تقني، لكنها تنتصر للأحداث وتتسع فيها مساحة الصمت مثل باقي الحلقات، وتدور أحداثها عام 1969 حول إنشاء نسخة رقمية عن شخصين يعيشان على متن سفينة فضائية أعواماً عدة من أجل مهمة محددة، بينما نسخة المحاكاة تبقى على الأرض. وتدريجاً تنشأ المقارنات بين عالم كل منهما، إذ يفقد أحدهما عائلته بأكملها ويحاول أن يستحوذ على عائلة زميله ويزرع الشك بينه وبين زوجته، ومن هنا تتولد مشاعر الغيرة وتنشأ دوامة من المنافسة والكراهية، بالتالي يكون القتل هو النهاية الحتمية لحالة التحدي بينهما، وهي الحلقة التي اعتبرتها “تايم” الأميركية الأفضل هذا الموسم، ووصفتها بأنها دراما تمس القلب، وتذكر بروايات الخيال العلمي المؤثرة. وإن كان العمل الحاصل على حفنة من جوائز “إيمي” وضع نصب عينيه صناعة التكنولوجيا وتأثيراتها شديدة القتامة على حياة البشر، لكنه لا يبخس الإنسان حقه في تولي زمام الأمور، فالذات البشرية تبدو في بعض الأوقات أكثر سواداً وظلامية، وبحسب الدراما فالإنسان مهما كان راقياً ومتحضراً فستأتي عليه لحظة، ويلجأ فيها إلى العنف حينما يتوافق الموقف مع صفة ما كامنة لديه، فحتى الضعف الإنساني هنا يؤدي إلى الجريمة، واللقطات المتوالية تغرق في الدماء والتوحش، والتفنن في تعذيب الآخر واستعراض مهارات التفوق في الجريمة. من يربي الوحش؟ أكثر ما يميز الموسم السادس من “بلاك ميرور” هذه المرة أن المشاهد تحمل بعضاً من الفكاهة، كما أن الخيال العلمي لم يعد جامحاً للغاية، بل إنه يقترب كثيراً مما يلمسه الناس في يومهم العادي، ولهذا كانت المهمة صعبة في صنع قصة تدور في نفس الفلك المعتاد للعمل، لكن تحمل شيئاً من الدهشة اللامعة، بالتالي لجأ مبدعوه إلى مواجهة البشر بدوافعهم الفاسدة، إذ إنهم هم من يصنعون الوحش ثم في ما بعد يتذمرون من آثاره المدمرة. وعلى رغم القسوة الطاغية في إدانة بني الإنسان فإنها كانت طريقة معبرة عن التصرفات غير المسؤولة التي تسحق الآخرين، مثلما يحدث في حلقة “ميزي داي”، فالنجمة الشهيرة هنا تتحول إلى وحش عملاق حرفياً تلتهم كل من أمامها، بعد أن خسرت روحها، وضاقت ذرعاً باستغلال من حولها لها، وبمطاردة مصوري الباباراتزي، الذين يستمرون في التقاط الصور لها حتى وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة من أجل الفوز بانفراد يباع بمبالغ طائلة، الأحداث مرتبطة بعام 2006 تقريباً، بحسب الإشارة التي تأتي في البداية حول قرب ميلاد سوري ابنة توم كروز وكيتي هولمز، فيما الضحية التي تقتات عليها صحف الفضائح تحمل إسقاطات على عدد لا بأس به من نجمات هوليوود اللاتي واجهن فترات عصيبة وصاخبة مليئة بالأزمات وبينهن بريتني سبيرز. الذكاء الاصطناعي و”الشر الطبيعي” المسلسل البريطاني، الذي أبدعه تشارلي بروكر وعرض للمرة الأولى عبر القناة الرابعة البريطانية قبل 12 عاماً، منذ أن استحوذت عليه “نتفليكس” في عام 2015 وقد اكتسب قاعدة جماهيرية عريضة، إذ تصدر موسمه الجديد المكون من خمس حلقات فقط التريند في دول عدة بمجرد انطلاق البث بدا وكأنه بشر بما يحدث اليوم من مناقشات حول أخلاقيات التكنولوجيا، بخاصة بعد تصريحات عالم الكمبيوتر جيفري هينتون الملقب بعراب الذكاء الاصطناعي الذي استقال من منصبه في شركة “غوغل” مطلع مايو (أيار) الماضي، واصفاً التطور في هذا المجال بالمخيف بسبب تفوق تلك التكنولوجيا على الذكاء البشري، مما يحمل مخاطر لا يمكن التنبؤ بها على المجتمع والإنسانية، لكن هل يتفوق أيضاً على “الشر البشري”؟! بحسب “بلاك ميرور” فإنه فقط قد يستثير هذا الشر لكنه لا يزرعه في النفوس، وتبدو حلقات العمل المنفصلة وكأن كلاً منها بمثابة فيلم مستقل بذاته، وعلى رغم اختلاف عوالم الشخصيات بل تناقضها في بعض الأوقات، فإنها في النهاية يجمعها أن الأبطال لديهم نقطة تحول حاسمة أمام أنفسهم وفي كل مرة يضعفون وينجذبون للاختيار الأكثر بؤساً، وهو ما حدث مع بطلة “Demon 79” حين ترجم العنوان إلى “الشيطان 79” بائعة الأحذية التي بدت كأنها مضطرة إلى أن تبيع روحها للشيطان تحت ضغط وترهيب. لكن الواقع أنها من الداخل كانت تراودها نزعات انتقامية ضد قائمة طويلة ممن تتعامل معهم، فتمردت على كونها تنتمي إلى القطاع الأكثر تهميشاً، وحطمت تلك الصورة النمطية بسلسلة من الجرائم التي أفرغت فيها أحاسيس متراكمة ومختلطة جعلتها مضطربة، ولديها شعور دائم بالدونية وعدم التحقق، فيما بطل “بحيرة لوخ هينري” يترك الجمهور مع نهاية تثير الرعب واليأس في النفوس، فالشاب الذي كان ضحية لعائلة مخادعة ترتكب جرائم مروعة، وتسجلها على أشرطة فيديو في التسعينيات وتلهو بالجثث، بينما تدعي النزاهة في العلن وتحظى بالاحترام والتعاطف، تلمع عيناه بالشر المطلق، وكأن الإجرام بات قدراً محتماً في الأسرة، ويتبدل الطموح بين يوم وليلة، وبدلاً من أن يكون مخرج أفلام وثائقية متفائلة تحول إلى لاعب أساسي في حكاية مأسوية ضجت بها البلدة الاسكتلندية، ليؤكد مرة أخرى أن الإنسان أشد خطورة من أية تكنولوجيا متقدمة، ومن أية قفزات عملاقة في عالم الذكاء الاصطناعي. المزيد عن: المرآة السوداءبلاك ميرورالذكاء الاصطناعيسلمى حايكتوم هانكستوم كروز 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أوكرانيا تستعد لـ”الضربة الكبرى” وتسعى إلى تعزيز إنتاج أسلحة next post تزايد الاحتيال عبر استنساخ الصوت بالذكاء الاصطناعي You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024