يوهان برامز (1833 -1897) (غيتي) ثقافة و فنون برامز في حديث وهمي مع مجلة باريسية: ألحن أعمالي وأنا ألمع حذائي! by admin 8 فبراير، 2024 written by admin 8 فبراير، 2024 103 الموسيقي الألماني الذي لم يكن يعرفه أحد خارج بلاده حين عزفت كلارا شومان موسيقاه في باريس اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كان الأمر عبارة عن لعبة صحافية يستظرفها كثر من قراء تلك المجلة الموسيقية الفرنسية معتبرينها نصف لعبة على أية حال بالنظر أن المجلة لم تكن تغشهم في عنونتها موضوعها بأنه حوار وهمي أجراه واحد من محرريها مع بعض أساطين التأليف الموسيقي في البلدان المجاورة. وهي بالتالي اعترفت منذ البداية بأن الحوار لم يجر أصلاً، بل اخترعه محررها بعد عقود من رحيل الموسيقي الذي يفترض أن الحوار أجري معه. وتقوم اللعبة على ذلك الغش، لكنها نصف لعبة بالأحرى، طالما أن المحرر لم يخترع الأجوبة على “أسئلته” بل جاء بها جميعها من حوارات حقيقية كانت أجريت مع الفنان في حياته كما من كتابات معروفة له أو وردت في مذكراته. هذا ينطبق هنا على “الحوار” الذي نشرته “مجلة الموسيقى” الباريسية في سنوات الثمانينيات من القرن الـ20 زاعمة أنه أجري أصلاً في عام 1863 في مدينة هامبورغ شمال ألمانيا مع يوهان برامز الذي لم يكن أحد يعرفه خارج ألمانيا في ذلك الحين. ومن هنا كان نوعاً من المغامرة أن يحمل محرر المجلة حاسوبه الماكنتوش متوجهاً إلى الشمال الألماني ليقابل ذلك الموسيقي “المجهول” ويحاوره. ومن هنا يبدأ نص الحوار بالتأكيد على أن أحداً في أوروبا لم يكن يعرف برامز على رغم أن كلارا شومان وفي حفلة عزف باريسية لها في قاعة إيرار الباريسية عزفت بعض أعماله “لكن ذلك أتى على هامش حفلة مخصصة لأعمال زوجها روبيرت شومان، فمر عزفها التشجيعي لأعمال صديق العائلة الشاب من دون أن يلفت أحداً” كما تؤكد المجلة. شيء من الفرنسية ويخبرنا كاتب الحوار بأن المفاجأة الأولى التي طالعته عند لقائه برامز تمثلت في أن هذا الأخير بدا متحفظاً إنما من دون أي قدر من العدوانية المعتادة لدى الألمان، ثم أنه كان يتكلم بعض الفرنسية معترفاً أن معرفته بها لا تمنع كونه يتكلمها بلكنة لا تعد بأي إتقان لها في المستقبل. غير أن برامز ومنذ بداية الحوار اعترف بأنه “منذ عزف بعض مقطوعاتي على يد كلارا شومان في باريس قبل حين، بدأت تتآكلني رغبة حادة في لقاء برليوز ومندلسون وفرانز ليست الذين قيل لي إنهم يعتبرونني معاً سيد الموسيقى الجديدة”. ومهما يكن من أمر لم يفت الموسيقي الشاب أن يضيف هنا أن هذا الإعجاب بدا له طافحاً بالمسؤولية بالنسبة إليه متمنياً على الناس أن يعرفوا كم حجم المسؤولية التي يتضمها اعتبار موسيقي في بداياته “فناناً مستقبلياً”. وهنا يسأله المحرر عما يشعر به إزاء بعض من أعماله قدمها بنفسه في هانوفر ولايبزغ وغيرهما متجرئاً على ذلك أمام جمهور عرف بأنه جمهور ليست ومندلسون، فقال: “لكن الحفلة أسفرت عن فشل ذريع على أية حال. وأظن أن التجارب الأولى على العزف لم تثر أية حماسة لدى الموسيقيين ومن بعد ذلك بدت غير ذات جدوى أمام المستمعين ولا سيما منها الحركتان الأولى والثانية في كونشرتو البيانو والأوركسترا الذي كان محور الحفلة. صحيح أن الجمهور أصغى بالنتباه، لكنه لم يبد أي رد فعل. بيد أني أؤكد لكم أنني في المقابل لم يكن لدي أي رد فعل أنا الآخر على موقف الموسيقيين ثم المستمعين من بعد ذلك. على أية حال أنا واثق من أن موسيقاي ستعجب الناس لاحقاً ولا سيما حين أتوصل إلى الكمال في أدائي!”. كلارا شومان التي قدمت برامز للباريسيين (غيتي) تواضع ما وهنا يخبرنا المحرر الموسيقي بأن هذه الثقة بالنفس جعلته يتذكر كيف أن برامز بدأ حياته الموسيقية عازفاً مع والده الذي كان يدور من حانة إلى حانة، مقدماً أعماله وأعمال غيره من السابقين عليه للسكارى الصاخبين إلى حانة، “ترى ما الذي تركته تلك الجولات على فتى الـ13 الذي كنته بعد أن كنت في الخامسة حين تعلمت قراءة النوطة بل اخترعت لنفسك كما قيل لي منظمة مبتكرة التنويط؟”. وهنا عاد برامز إلى شيء من التواضع وهو يجيب سائله بأنه في الواقع اشتغل على “ابتكار” تلك القراءة قبل أن يدرك لاحقاً أن ذلك كان موجوداً منذ زمن بعيد من قبل ذلك “الابتكار”. لكن برامز لن يفوته هنا أن يشير إلى أنه يعتبر نفسه مؤلفاً موسيقياً أكثر منه عازفاً مؤدياً في الحانات مع والده “فأنا لم أتوقف لحظة منذ غزت الموسيقى وعيي عن التلحين علماً أن أجمل أفكاري الموسيقية التجديدية كانت تصل إلي آخر الليل فيما أنا عائد من حفلات العزف في الحانة بل حتى وأنا منهمك في تلميع حذائي عند الفجر. ويقيناً أنهم قلة أولئك الفنانون الذين يمكنهم الزعم بأن حياتهم عرفت جزءاً يسيراً من العز الذي عشت أنا فيه. أنا الذي علمتني تلك الصعوبات كثيراً مما تعلمته من الحياة، ناهيك بأنها صقلتني وأورثتني حسن العامل مع الظروف”. من دروس الحياة إلى الكتب لكن برامز لا يكتفي هنا بالحديث عما علمته إياه حياته، بل يوسع الدائرة ذاكراً كيف أن مصدراً آخر من مصادر المعرفة كان له دور كبير جداً في تكوينه: الكتب “فأنا ومنذ فتوتي عرفت كيف أكون قارئاً نهماً. لقد قرأت أعداداً هائلة من الكتب، بل أصارحك بأنني أنفقت على اقتناء الكتب معظم ما جنيته في حياتي حتى الآن. لكن ذلك كان ولا يزال يشكل لذتي الكبرى. لقد قرأت عدداً هائلاً من النصوص مما مكنني من أن أشق دروب حياتي وحدي. منذ البداية كنت مغرماً بروايات الفرسان والشرفاء منهم. ولكن ذات يوم وقعت بين يدي رواية شيللر “اللصوص” (أو “قطاع الطرق”)، لكني لم أكن في البداية أعرف أن مؤلفها هو ذلك الشاعر الكبير. لكني حين عرفت رحت أحصل على كل ما يتوافر لي من كتبه فكان هو مدرسة حقيقية بالنسبة إلي. وهنا ينتقل الحوار إلى مجال آخر فينطرح سؤال عملي يتعلق بكون برامز وبات معروفاً في العالم الجرماني منذ سنوات، لا يتوقف عن تسجيل نجاح تلو الآخر في كبريات “المدن الموسيقية” التي يقدم فيها حفلاته، من برلين إلى هانوفر وفيينا وصولاً أخيراً إلى دورتموند حيث عرضت عليه إدارة الكونسرفاتوار فيها، فهل تراه يتطلع الآن إلى الحصول على منصب من هذا النوع يا ترى؟ متشرد أبدي “لست أدري ـ يجيب الموسيقي مضيفاً ـ لقد بقيت سنوات طويلة حتى الآن وأنا أتجول من مدينة إلى أخرى ومن حفلة إلى أخرى. ومن هنا اعتدت على نمط حياة وعمل بت فيه غريباً في كل مكان عن ذلك المكان بالكاد أتطلع إلى الاستقرار في مدينة بعينها وعن الانتماء إلى مكان من دون آخر. ومع ذلك يحدث كثيراً أن أفكر بفرصة من ذلك النوع، لكن الذي يحدث دائماً هو أنهم، حتى حين يغريني الأمر، يختارون من هو أقل مني غربة، وهو ما حدث هنا في هامبورغ حيث فكروا باستبقائي في منصب من ذلك النوع لكني متردد في قبول موقع ربما ينتهي به الأمر إلى أن يصبح نوعاً من الروتين القاتل لفني. ومن هنا ها أنذا أفكر في ما نتحدث عن ذلك بالانتقال إلى فيينا التي دائماً ما استقبلتني خير استقبال. ربما كان اسقبال فيينا لي هو أفضل الحلول التي تلائمني أنا المتشرد الأبدي، فهي مدينة منفى حتى لأبنائها أنفسهم…”. فماذا لو اسقبلته فيينا وعرضت عليه منصباً دائماً؟ “بصراحة؟ من المؤكد أن الوصول إلى قرار بالتخلي عن حريتي لصالح منصب فيه استقرار ولو مريح، لم يكن بالسهولة التي يمكن بعضهم تصورها… حتى ولو أن كل ما يأتي من فيينا يبدو لي ولأي موسيقي آخر، مغرياً. ففيينا مدينة يمكن العازب فيها أن يبقى عازباً من دون مشكلات. ثم لا ننس أننا في فيينا يمكن لنا أن نشرب من الينابيع نفسها التي شرب منها بيتهوفن… أليس كذلك؟”. المزيد عن: التأليف الموسيقييوهان برامزكلارا شومانروبيرت شومان 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا تجاهلت الـ”أوسكار” أمير السينما المستقلة ريتشارد لينكلايتر؟ next post أندرو تابلر يكتب عن: إيران… إمبراطورية الميليشيات في الشرق الأوسط You may also like محمد علي اليوسفي: كل ثورة تأتي بوعود وخيبات 22 ديسمبر، 2024 سوريا والمثقفون الانتهازيون: المسامحة ولكن ليس النسيان 22 ديسمبر، 2024 حين انطلق “القانون في الطب” غازيا مستشفيات العالم... 22 ديسمبر، 2024 “انقلاب موسيقي” من إيغور سترافنسكي في أواخر حياته 21 ديسمبر، 2024 الإرهابيون أرسلوا رأس الصبي إلى أهله في “الذراري... 21 ديسمبر، 2024 “هند أو أجمل امرأة في العالم” لهدى بركات:... 21 ديسمبر، 2024 جواد الأسدي يسجن شخصياته المقهورة في “سيرك” 21 ديسمبر، 2024 عندما انبهر ترومان كابوتي بالمجرم في “بدم بارد” 21 ديسمبر، 2024 كاتبات يابانيات “متغربات” يتحدين تقاليد السرد العريق 21 ديسمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: حسن الصباح والإسماعيلية…... 20 ديسمبر، 2024