الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » الوجه الآخر للمأساة… الفن السوداني في زمن الحرب

الوجه الآخر للمأساة… الفن السوداني في زمن الحرب

by admin

 

عبر فنانون عن حال الدمار الهائل وبعضهم بحث عن وسائل للمقاومة بينما تجاوزها آخرون إلى ما هو أبعد

اندبندنت عربية / منى عبد الفتاح @munaabdelfattah

عانى السودانيون حروباً طويلة في إقليم الجنوب ودارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وعلى رغم ما خلفته هذه الحروب من مآس وحياة مليئة بحالات اللجوء والنزوح والشتات، إلا أنه عبر عنها من خلال الفن بأشكاله المختلفة، فكانت الأغنيات الملحمية الطويلة والخفيفة المتداولة شعبياً بلهجات البلاد المختلفة.

كما كان للفن التشكيلي سهمه العالي في التعبير عن بشاعة الحرب، ودخل الإنتاج السينمائي في التعبير عن تلك الفترة وتداعياتها التي تمظهرت في انفصال السودان من خلال أعمال عدة، منها فيلم “وداعاً جوليا” الذي حصد عدداً من الجوائز الدولية.

في الحرب الحالية، التي أكملت العام من دون حل يلوح في الأفق، عاش السودانيون حال صدمة كاملة، امتد أثرها من الخرطوم إلى أقاليم عدة، إذ كانت كلها بما فيها العاصمة بمدنها الثلاث تمثل سابقاً الملاذ الآمن للنازحين من الجنوب ودارفور وجبال النوبة، لتختبر أرواحهم حرباً لم يألفوها من قبل، لذلك ألجمت قدرتهم التعبيرية الدهشة إلى حين، ثم استفاقوا للتعبير عن تلك الحالة فنياً.

في المرحلة التالية من الحرب لم ينفصل السودانيون عن حياتهم ومناسباتهم الاجتماعية التي طغت فيها السياسة على الفن، فضجت بحفلات الزواج مسارح وصالات مدن عربية مثل الرياض ودبي والقاهرة والدوحة وغيرها، وعواصم غربية خصوصاً تلك التي تحتضن أعداداً كبيرة من الجالية السودانية واللاجئين، وفي آخر كل حفلة يختم الفنان حفلته بأغنية وطنية حماسية.

حشد الفن

لعبت الروحانيات الأفريقية والديانات القديمة دوراً في الحروب السودانية التاريخية، فكانت تستخدم الأغاني للتحفيز على الحرب في الممالك القديمة، كما كان لها دور مميز خلال أعمال السخرة التي فرضها المستعمر على السودانيين للتخفيف عن الأعباء النفسية والجسدية.

وفي التاريخ الحديث ظهرت الحكامات، و”الحكامة” في اللهجة السودانية هي شاعرة ومغنية شعبية، تمتلك شخصية قيادية، ارتبط دورها بإثارة الحماسة لدى رجال قبيلتها ومدحهم وإسباغ صفات الشهامة والشجاعة وغيرها في حال الإغارة على قبيلة أخرى.

وفي عهد الاستعمار كانت “الحكامة” تحض المحاربين على مواصلة الحرب ضده، وفي حين يرى بعضهم أن لها دوراً إيجابياً في التفاعل مع الأجواء السائدة، يرى آخرون أنها تثير الحنق وتستخدم أغنياتها للدفع بمجتمعاتها إلى حروب ثأرية طويلة.

لعبت الروحانيات الأفريقية والديانات القديمة دوراً في الحروب السودانية التاريخية (اندبندنت عربية- حسن حامد)

 

تطورت الصور الفنية إلى أخرى أيديولوجية، برعت فيها حكومة الرئيس السابق عمر البشير خلال حرب النظام ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق دي مبيور، ثم حرب دارفور وتمت عملية أدلجة كاملة لكل المؤسسات الفنية الرسمية والشعبية، فأصبح التفكير في تعبير فني خارج صندوق النظام ضرباً من التكفير.

بعد انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) 2018، بدأ التعبير من خلال عشرات اللوحات الجدارية على أوجه بنايات الخرطوم لتوثيق الثورة وتخليد ذكرى الثوار الذين سقطوا برصاص أمن النظام السابق. تنوعت الجداريات بين رسم الحشود الجماهيرية، ونماذج لأسلحة معبرة عن الملاحقات الأمنية، ومسارح مفتوحة في ميدان الاعتصام بالقيادة العامة للقوات المسلحة.

أما هذه الحرب فيعيشها فنانون مما دفعهم لاستغلال موهبتهم للتعبير عن أنفسهم أولاً، ثم لفت أنظار المجتمع الدولي إلى قضيتهم التي تتجاوز المدى الزمني لهذه الحرب، إلى جذورها وتداعياتها. وعليه جاء دور الفنانين في زمن الحرب، بمختلف وسائلهم، عبر بعضهم عن حال الدمار الهائلة، وبعضهم بحث من خلالها عن وسائل للمقاومة من خلال حشد الفن من أجل ترسيخ مفاهيم دعائية من منطلقات سياسية، بينما تجاوزها آخرون في أشكال تخيلية مستفيدين من دافعيتها للإبداع.

رمزية عالية

قال الفنان التشكيلي راشد دياب عن تجربته الفنية خلال الحرب “الفن التشكيلي يعبر عن الإحساس بالأشياء بشكل مختلف بصرياً، عندما اندلعت الحرب خرجت من الخرطوم، وكان الخروج نفسه عشوائياً، إذ طردنا من منازلنا وتركت ورائي حياتي وتاريخي وذاكرتي الفنية”.

وأضاف “لم نطرد من الأرض وحدها، فالأرض ستبقى ولكنني بسبب الحرب أفتقد ذكرياتي وممتلكاتي ومعظمها ذات رمزية عالية غير قابلة للتعويض مثل الجوائز والهدايا الخاصة، والتذكارات والشهادات التقديرية والتوثيق للرحلات المختلفة، فهي عصارة 50 عاماً من الحركة في العالم مع شخصيات مختلفة وفي مناسبات عدة”.

وعن أثر الحرب الحالية في الفن، أورد الفنان التشكيلي “بعد شهر واحد من الحرب أنتجت أعمالاً شاركت بها في معارض دولية، وكان أول معرض بعد الحرب في لبنان في مايو (أيار) الماضي، ثم في نيروبي والبرتغال والمغرب”.

وأضاف “كان معرضاً متنقلاً لازم لوحاته إحساس غريب علق عليه الزائرون، وهو إحساس الظلم والقهر الذي يطفر من اللوحات، عبرت فيها تعويضاً عما يمكن أن يقال في وحدة زمنية محددة”.

قدرة تعبيرية

على مستوى الرؤية الخاصة بالفنان يرى دياب أن “هذه الحرب أنتجت أعمالاً من منطلق مختلف ومن زاوية حرصت من خلالها على الوصول إلى حقائق الداخلية للمرئيات، فبرزت في أعمالي الصورة التخيلية العقلية وعبرت عن تركيبة الجهل والعنف والغباء”.

وأشار إلى أن “هناك أشياء سردية يعبر عنها كل بطريقته، فللروائي طريقة تختلف عن المسرحي، وللشاعر مدرسة تختلف عن تلك التي يتبعها الفنان التشكيلي الذي يعبر عن طريق اللوحة التي تجتمع فيها عناصر مختلفة تخلق إحساساً جديداً”.

“في زمن الحرب يأخذ الناس اعتبارات لأشياء كثيرة غير مرئية” (اندبندنت عربية- حسن حامد)

 

وواصل “رؤية الفنان التشكيلي هي مظهر من مظاهر الوجود الإنساني التي تعبر عن الحياة والنفس وتطور الذات، فإذا كانت الذات مغلقة وليس لديها أي التزامات بالتغيير، يكون الناس في حالة مستمرة من النزاعات والحروب، بشكل يطغى على الواقع، كحل سهل”.

وبين “في زمن الحرب يأخذ الناس اعتبارات لأشياء كثيرة غير مرئية، وبديهية مثل ما نملكه ونحس به تجاه السودان والأمن والاستقرار الذي كنا نعيشه، فاتخذت كل تلك المشاعر قيمة جديدة لا بد أن تقابلها قدرة تعبيرية عالية تعيدنا للواقع الذي كنا نحس أنه جزء من تكوين الآخر”.

ويرى دياب أن “للجوانب السياسية والدوافع الاجتماعية والاقتصادية أثراً كبيراً في نوعية الفن، كما أن عدم الاهتمام بالفنون كان له الأثر الواضح في تفاقم الجهل الإنساني. وعدم تطبيع الإنسان على سلوك حضاري جديد يولد حالات كثيرة من الحرمان والاضطهاد والتهميش، مما خلق خامات جيدة لزرع الفتن والعنصرية، وإيجاد مساحة لتبرير الأفعال القبيحة أثناء الحرب مثل السلب والنهب والاغتصاب بحجج واهية”.

كونفيدرالية الفن

اختلفت الآراء بين من يرى أن الحرب مدمرة للفنون لأنها تسلب البيئة المستقرة التي تنميها وتساعدها في الازدهار، وآخرين يرون أن حركة الفن تستثيرها الثورات والحروب باستحضارها للمشاعر الجمعية من غضب وحزن تجاه وضع سياسي واقتصادي واجتماعي مضطرب.

وفي ظروف الحرب الحالية كما في حروب سابقة، يواجه المجتمع السوداني تحديات كثيرة في مقدمها انتشار خطاب الكراهية وإعلاء الصوت العنصري والقبلي، وكترياق لهذه الحالة اتفق عدد من الفنانين السودانيين على تأسيس “كونفيدرالية الفنانين السودانيين” تجمع المبدعين في مدن وأرياف السودان للعمل وفق البيان الصادر عنها، على “إرساء قيم ومبادئ الحرية والسلام والعدالة، وتعزيز المواطنة الكاملة للجميع، ومقاومة العنصرية والعبودية والاضطهاد، وأشكال انتهاكات حقوق الإنسان كافة”.

“الفن التشكيلي يعبر عن الإحساس بالأشياء بشكل مختلف بصرياً” (اندبندنت عربية- حسن حامد)

 

يذكر أن المؤسسات الفنية المستقلة تعرضت خلال النظام السابق للملاحقة من الأجهزة الأمنية والعسكرية، وسيست الحركة الفنية التي انحصرت في المهرجانات المؤيدة للنظام وجف الإنتاج الفني المجتمعي، لذلك دعا بيان الكونفيدرالية إلى “تحصين الوعي الجمعي، ومحاربة خطاب الكراهية ودعوات تصديع الوجدان المشترك وتطبيب رواسب دعاية أمراء الحرب”، كما دعا إلى “انتزاع مؤسسات الفن والفنانين وإعادة ملكيتها للمجتمع إلى جانب رعاية المبدعين ومؤسسات العمل الفنية”.

تأطير الأغنيات

وفي الجانب الآخر من أشكال التعبير الفني خلال الحرب، أنتجت عشرات الأغنيات الشعبية، معبرة عن تحول من الفلكلور الغنائي بمفرداته المعبرة عن قضايا اجتماعية معينة مثل الزواج والعنوسة وغيرها، أو تناول الصفات الشخصية بالمدح، إلى قاموس جديد يعبر عن الحالة الاجتماعية في وقت الحرب بمفردات سياسية وعسكرية، يدخل فيها ذكر أسماء قيادات عسكرية، كل فنان بحسب موقفه سواء مع قوات الجيش أو مع قوات الدعم السريع، كما ينادي بعض منها بالسلام وضرورة التعايش السلمي.

توقع البعض أن “تكون هذه الأغنيات مصدراً لتوثيق فترة الحرب” (اندبندنت عربية- حسن حامد)

 

قال الناقد الفني محمد عوض “في هذه الحرب تم تداول الأغاني الشعبية على نطاق واسع، واخترقت صالات الحفلات خارج السودان، وتظهر فيها مفردات تتذكر المنازل والمدارس والجامعات، وأسماء شوارع الخرطوم وأسواقها والمدن السودانية وحالة الوصول إلى المطارات المختلفة”.

وأوضح عوض “على رغم أن الأغنيات في زمن الحرب تعبر عن انعدام الأمن والمخاوف والفراق والموت، إلا أن الأغنيات السودانية تحاول الهرب من هذه الحالة، وتعوض عنها بالحرمان والحنين”.

وأرجع الناقد الفني هذه الحالة إلى أن “الغناء السوداني ممارسة اجتماعية خالصة، تكون في الأفراح كما أن لها إرثاً تاريخياً في المآتم والأحزان معروف باسم [المناحات]، لذلك فهي في هذه الحرب لا تلعب دوراً معقداً، بل تعد وسيلة واضحة للمحافظة على الهوية السودانية في خضم ظروف مضطربة”.

وتوقع عوض بأن “تكون هذه الأغنيات، بعد نهاية الحرب، مصدراً لتوثيق فترة الحرب من خلال الروايات السائدة فيها الصريحة والمجازية والمستعارة، فعلى رغم بساطة كلماتها يمكن أن تترجم تجربة الحرب الزمنية والمكانية وتأطرها في خيال ملايين السودانيين من خلال تحليل فني واجتماعي عميق وموضوعي”.

المزيد عن: السودانحرب الجنرالينالجيش السودانيالفن السودانيقوات الدعم السريعالأغنية الشعبية

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00