ثقافة و فنون المفكر ريجيس دوبريه يكشف آثار الكتّاب الاساتذة في مساره by admin 19 يونيو، 2023 written by admin 19 يونيو، 2023 127 يرى في كتابه الجديد أن على الأديب أن يقرأ ليكتب جيدا والإبداع يبدأ بالتشكل مع الكتب اندبندنت عربية \ مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN لم ينضب بعد معين المفكر والمثقف الموسوعي ريجيس دوبريه، رفيق تشي غيفارا في مغامراته الجنوب أميركية، ومطلق الميديولوجيا، أو علم الوسائط، والعضو لأربع سنوات في “أكاديمية غونكور“، والناقد للرأسمالية ومجتمع الاستهلاك والصورة، والواضع مؤلفات ربطت بشكل لافت بين مجالات دراسية متباعدة كالفلسفة والدين والسياسة والفن والرواية والتقسيم الاجتماعي للعمل وتحليل تأثير وسائل الإعلام والاتصال على المجتمعات والعصر، ومنها “سلطة المثقفين في فرنسا”، و”الثورة في الثورة”، و”نقد العقل السياسي”، و”دروس في الميديولوجيا العامة”، و”حياة وموت الصورة”، و”النار المقدسة”، و”خطأ في الحساب”، و”القرن الأخضر”، وغيرها من الكتب. وها هو يضرب من جديد موعداً لقرائه مع كتابه الأخير المعنون “حيث أعمدة حية” الصادر في باريس عن دار “غاليمار”. الكتاب يشبه إلى حد بعيد الاعترافات أو المختارات، بل هو عبارة عن نزهة في مؤلفات أو نصوص الآخرين الذين تأثر بهم المفكر الفرنسي في حياته التي ارتبطت بكثير من الأحداث والثورات، وجالت بين قرنين من الزمن، هما النصف الثاني من القرن العشرين والربع الأول من القرن الواحد والعشرين. وبهذا الكتاب يفتتح دوبريه المولود سنة 1940 مجموعة كتب جديدة تصدرها الدار العريقة، تتناول الكتاب الذين أثرت نصوصهم ورواياتهم وأشعارهم في المسار الأدبي والفكري لعدد كبير من المؤلفين. “تجاوبات” بودلير كتابه الجديد “حيث أعمدة حية” (دار غاليمار) وعنوان الكتاب المستل من ديوان “أزهار الشر” لشارل بودلير، وتحديداً من مطلع قصيدة “تجاوبات”، “الطبيعة معبد فيه أعمدة حية، تصدر أحياناً كلمات مبهمة، هناك يمضي الإنسان عبر غابات من رموز، ترقبه بنظرات وادعة…”، هو للتعبير عن أن بعض الأدباء المعاصرين شكلوا المرجعية الثقافية التي استقى منها ريجيس دوبريه مكوناته الفكرية وأثروا في نتاجه الأدبي، بما تضمنه من أفكار ودلالات ظاهرة أو مضمرة، فكانوا بمعنى ما الركائز أو الأركان التي بنى عليها تجربته الكتابية والفكرية والسياسية. وأعمدة دوبريه الحية هم الفلاسفة والأدباء والشعراء موريس جنوفوا ولويس أراغون ومارغريت يورسنار وجان – بول سارتر وجوليان غراك وجان جيونو وسان جون بيرس والمؤرخ المقاوم دانيال كورديه، وغيرهم، وقد تسنى له معرفة بعضهم من كثب. ولعله بين صفحات كتبهم قد بدأ رحلته مع الكتابة، كأنه أدرك أن المرء لا يصبح كاتباً إلا بالقراءة. والكتاب المهدى بمعنى ما إلى هؤلاء العظام هو بمثابة اعتراف بالجميل، يكشف بوضوح عن أخذ دوبريه ببعض الأقوال والتجارب والأفكار من الذين سبقوه أو عاصروه. ولعله “التفاتة نحو الكبار الذين ساعدوني على النضج”، على ما يقول في مقدمته القصيرة للكتاب الذي يلامس المذكرات بأسلوب بعيد من صيغة المتكلم. أطروحة الكتاب الأساسية تقوم على أن الكاتب يحتاج أن يقرأ ليكتب جيداً، وأن الإبداع يبدأ بالتشكل مع القراءة، التي تمكنه من التعرف على أساليب وأفكار أخرى من خلال التأثير في شخصيته وإثراء لغة كتابته، بكلمات وعبارات أو بأفكار جديدة. فالأفكار ليست موضوعة على قارعة الطريق، ولا تهبط من علٍ، بل لكل فكرة جذورها المتأتية من نص ما، من كلمة ما، قالها أو خطها أحدهم، ما زالت تحيا في ذاكرة قارئها في علاقة مد وجزر تحكمها قوة جاذبية الفكرة وقربها من قلب القارئ/ الكاتب. دين الكبار بعبارة أخرى، إن كتاب ريجيس دوبريه الجديد نوع من إبراء ذمة أو إيفاء دين للكتاب الكبار الذين دون أن يعرفوا شجعوه على متابعة مسارهم أو الارتداد على أفكارهم. فكأني به يقول إن جميع الكتاب يخبئون في حنايا أضلعهم أشخاصاً سريين، غالباً ما ينتمون إلى أجيال سابقة، يعملون في داخلهم كمحرضين، أو بحسب تعبير جوليان غراك “شفعاء موقظين”، ولو غادر بعضهم المشهد الأدبي، غير أن كلماتهم وأفكارهم ما زالت تفعل في الآخرين. هم ليسوا دوماً الأكثر شهرة، ولعل أسماء بعضهم غير متوقعة، لكنهم بالتأكيد هم من أطلق العنان لإبداع كثيرين. عندما كان صديق تشي غيفارا (غاما) ويبدو لريجيس دوبريه أن من المستحيل أن يكتب أحدهم بمعزل عن تجارب الكتاب الذين سبقوه، ومن دون أن يغتذي من أفكار وحساسيات وآفاق أخرى، ومن دون أن يسافر في نصوص عديدة ما زالت تحضر في صورة ما في أعمال روائية أو شعرية أو فلسفية أعادت على طريقتها صوغ هذه الأفكار والحساسيات، مضفية عليها رؤية المؤلف ونظرته الخاصة. فالكاتب في النهاية هو محصلة الكتب التي قرأها والنصوص التي تشربها، والتي أصبحت جزءاً من كيانه. بهؤلاء الأدباء والمعلمين القريبين والبعيدين يشيد ريجيس دوبريه، ولعله يحلم يوماً ما برؤية مزيد من الكتاب الأكثر موهبة منه يكشفون على غراره عن ديونهم الفخرية لأدباء نهلوا من معين نصوصهم. في هذا الكتاب الجديد يروي ريجيس دوبريه إذا مسرى حياته من خلال الأسانيد الأدبية والسياسية التي كان لها وقع في تجربته الكتابية، كمثل لقائه ذات يوم بالشاعر لويس أراغون والحديث الذي دار بينهما حول مسألة الترتيب الأمثل للمكتبة، أو تحليله الدقيق الذي جعل من الروائي لويس فرديناند سيلين مقبولاً عند القراء على رغم معاداته السامية وتعاونه مع النازية. وعلاقته بروايات جوليان غراك وكلماتها المختارة بعناية كالأحجار الكريمة، التي ساعدته على فهم العالم في زمن الصور العابرة والشاشات المختلفة. ويكشف لنا في شكله المتسلسل بحسب الحروف الأبجدية عن وجه دوبريه الجديد المتربع على عرش سنوات العمر والمقترب بخطوات واثقة من الغياب، والذي ما زال مهتماً بأحوال العالم الراهن وقضاياه الكبرى وبمسائل الإبداع بعيداً من البشاعات اليومية وسطوة الابتذال. فلسفة وأدب يستوقف القارئ ما يقوله المؤلف عن الفيلسوف جان بول سارتر وحديثه عن كتابته الروائية والمسرحية ووصفه كتابه “الكلمات” بأنه “جوهرة أدبية”. فمن وجهة نظر دوبريه، برع جان بول سارتر في الكتابة الأدبية الإبداعية التي احتقرها أكثر منه في الفلسفة، وهو بالتالي أديب عظيم كما هو فيلسوف كبير. ويلفتنا كذلك حديثه عن رولان بارت، الذي يكن له أيضاً إعجاباً كبيراً، ويرى أن الأجيال القادمة لن تنسى “شذرات من خطاب عاشق” و”أسطوريات”، وهي مؤلفاته التي ستبقى في رأي دوبريه أكثر من أعمال بارت اللغوية المعقدة، كما يدافع عن بروست قائلاً “نحن لسنا بروستيين بالولادة، ولكن يمكن للجميع أن يصبحوا كذلك فيما بعد”، مصفياً حسابه مع أولئك الذين يتهمون بروست بالغطرسة. وإن ينس فلا ينس الحديث عن بول موران ولويس فرديناند سيلين المتعاملين مع النازية والمدافعين عن معاداة السامية، رافضاً الخلط بين النتاج الأدبي وشخصية الروائي وآرائه السياسية، مبدياً رأيه في العلاقة بين جمالية الأدب والقيم الأخلاقية ومسألة الخلط بين سلوك الكاتب ومواقفه السياسية ونتاجه الإبداعي. ثم يفرد دوبريه في كتابه هذا مكاناً خاصاً للروائي جوليان غراك “الرجل المرتب المزعج” و”المتمرد في البذلة المزررة”، الذي اخترع وحفر بفن رهيب “تاريخ المناظر الطبيعية”، متحدثاً عن علاقة التاريخ بالجغرافيا، مؤكداً أن “التاريخ من دون جغرافيا كارثة، وأن الجغرافيا من دون تاريخ مشكلة”، ناصحاً بإدراج كتابات جوليان غراك في برامج الدراسات البيئية، “حتى لا يتفوه البيئيون بتفاهات ويسيئوا استخدام اللغة الفرنسية”. ولعل هذه الأفكار التي تتقاطع في هذا الكتاب مع تأملات شخصية تتناول الإحساس بوطأة العمر الذي ينضب ويضيق العالم ويحد من القدرة على العمل، تترافق مع كثير من الأقوال والاستشهادات المستلة من كتابات بلزاك وهوغو ومورياك وغيرها من الروائع، وكأني بريجيس دوبريه يقول إن النصوص الكبيرة لا نهاية لها وهي تتعدد بتعدد قرائها، وهي ما زالت تفعل في الذين صهروها في ذواتهم، حتى جاءت أدباً نقياً مميزاً عرف كيفية تحرير القمح الجيد من الزيوان الكثير. يعي ريجيس دوبريه في كتابه الجميل هذا أهمية الكلمة المكتوبة والكتب والقراءة والتجارب الأدبية المختلفة. ولعله يضيء من خلاله عتمة الذين يكتفون بذواتهم ويرفضون الاعتراف بفضل الآخرين على نتاجهم. فيه نذوق جمال عبارته وعمق فكره واعترافه بمحدوديته التي تزداد حدة مع العمر، لكنها كالخمر العتيق تسكرنا وتفتح أمامنا أبوباً أدبية كانت إلى حين قريب موصدة. المزيد عن: مفكر فرنسيكاتبكتابالأدباء الكبارالأساتذةسارتركامولويس أراغونفلسفةالميدياعلم الإجتماع 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فهمي جدعان يراجع الفكر العربي المعاصر برؤية نقدية next post أول حكومة “تكنوقراط” في تاريخ الجمهورية التركية You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024