الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » “الماضي الأبيض” لآنا أخمتوفا ذكريات السعادات الصغيرة

“الماضي الأبيض” لآنا أخمتوفا ذكريات السعادات الصغيرة

by admin

كان شعرها يعبّر عن ذات قلقة تستشعر في وعيها الباطني التغيّرات التي ستحدث لا محالة

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

في عام 1917 كانت الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا قد بلغت الثامنة والعشرين من عمرها، وأصدرت قبل ذلك مجموعتين شعريتين لفتتا إليها الأنظار، وهما “مساء” و”المسبحة” اللتان كرّستاها واحدة من أبرز شعراء مجموعة “الآكمتيين” (القمم)، التي كان زوجها الشاعر نيكولا غوميليف من أبرز وجوهها. في 1917 إذن، بعد عام من انفصالها عن زوجها وتخليها عن المجموعة في زمن راحت روسيا تعرف مجموعة هائلة من اضطرابات أدّت في خريف العام نفسه إلى اندلاع ثورة أكتوبر (تشرين الأول) البلشفية، أصدرت أخمتوفا مجموعتها الشعرية الثالثة “الماضي الأبيض” التي ستعتبر على الفور من أجمل ما كتبته من شعر، حتى ولو أنّ معظم قصائدها بدت بعيدة جدّاً عما يحدث في بلادها.

نقول، معظم القصائد لا كلها. فالحال أن قراءة لاحقة لقصائد هذه المجموعة، التي سيُنظر إليها دائماً كونها عصيّة على الترجمة من جراء اشتغال الشاعرة البديع بل المذهل على اللغة فيها، ستجعلها تبدو وكأنها تحمل من طرف خفيّ طابعاً لصيقاً بالشعور المرهف الذي كان لدى الشاعرة التي بدت وكأنها تودِّع “إلى الأبد” عوالم عاشتها ورصدتها وكانت عزيزة على فؤادها.

لم تكن المسألة مسألة حدس سياسي أو موقف أيديولوجي بالطبع. فشعر أخماتوفا في ذلك الحين ولعقود طويلة من السنين بعد ذلك، لم يكن أبداً شعر نضال أيديولوجي أو سياسي، بل كان دائماً شعراً يعبّر عن ذات قلقة تستشعر في وعيها الباطني تلك التغيّرات التي لا محالة سوف تنتج عن أحداث قد لا نكون متنبهين إلى خطورتها.

التحضير لأزمنة الشجن المقبلة
بكلمات أخرى، بدا شعر أخماتوفا في “الماضي الأبيض” شعراً يقول الأزمنة الكئيبة المقبلة، ولو من خلال تمسّكه بالتفاصيل الصغيرة لحياة تبدو وكأنها تتسلل من بين أصابعنا موليّة من غير رجعة. من هنا، بينما كان معظم شعراء ومفكري تلك المرحلة، ورغم الحرب ومآسيها والظروف الكأداء التي يمر بها الروس، كما غيرهم من شعوب العالم، يتطلعون إلى التطورات الواعدة التي يرون أنها “لا شكّ سوف تخلق عالماً جديداً يصبون إليه”، كانت آنا أخماتوفا في قصائد تلك المجموعة، وكما ستظل في معظم شعرها لاحقاً وهو ما سنعود إليه بعد سطور، تنشد جنازة الوداع لتلك السعادات الصغيرة.

ولنقرأ هنا تلك القصيدة العابقة بالحزن، بل بالرعب من الآتي، التي تتحدّث فيها عن مجموعات البوهيميين المرحين السعداء الصاخبين الذين كانوا يملؤون حانات ومقاهي سانت بطرسبرغ، من خلال حديثها عن المجموعة التي كانت تعرفها وتعايشها جيداً في مقهى “الكلب الضال”، هناك حيث “في وسط مناخ دافئ تنبني وتتفكك صداقات بين أناس يجتمعون ليتبادلوا الأخبار والفكاهات وحكايات الغرام، بينما رائحة البن والقهوة تغمر المكان والقلوب والعقول، مشكّلة رائحة الصبا الروسي” معبّرة عنها بإيقاعات شعرية عابقة بالحنين، “لأنها روائح تختفي إلى الأبد، وقد ابتلعها الزمن بحيث لم يعد لها من وجود”.

صحيح، أن اللغة التي تعبر بها أخمتوفا عن ذلك تبدو جافة، لكن ذلك مقصود وموارب بالنظر إلى أن نظرة الشاعرة ومخاوفها وحنينها كانت كلها ماثلة ها هنا. وكأنّ الشعر في التباسه أراد أن يقول كلمته من دون أن يبدو وكأنه يفعل ذلك.

تلك كانت البداية
والحقيقة، أن في وسعنا أن نقول إن كل الشعر الذي كتبته آنا أخمتوفا طوال العقود الأربعة التالية، وسبّب لها كثيراً من المشكلات مع السلطات الأدبية، بل حتى السياسية، ما جعلها تبدو على الدوام شاعرة منشقة، قبل أن ينشقّ أحد من مواطنيها وزملائها، موجود هنا، في تلك القصائد الصغيرة البسيطة الهادئة المليئة بالشجن.

ونعرف، أن هذا الشجن ظل متواكباً مع حياة آنا أخمدوفا وشعرها حتى اللحظات الأخيرة من حياتها في عام 1966، هي التي ظلّت تشعر بفداحة الظلم الذي أحاق بها، وأفسد عليها معظم سنوات حياتها، مبدعة وإنسانة، طوال حقبة طويلة من الحكم الستاليني في الاتحاد السوفياتي. ومن المؤكد أنها حتى لم تبدِّل من شعورها ذاك رغم التكريم الذي نالته خلال السنوات الأخيرة من حياتها.

آنا أخمتوفا بريشة الرسام الروسي كوزما بيتروف فودكين (اندبندنت عربية)

مهما يكن، فإن ما يمكن قوله إن آنا أخمتوفا اعتبرت خلال سنواتها الأخيرة واحدة من أكبر الشعراء في العالم، ونظر الناس جميعاً إلى عملين أخيرين لها، على الأقل، بوصفهما من أجمل ما كتبته شاعرة في القرن العشرين. وهذان العملان هما: “قصيدة من دون بطل” و”قداس”.

واللافت أن آنا أخمتوفا نشرت هذين العملين خارج الاتحاد السوفياتي على الرغم من أن الزمن الذي نشرتهما فيه لم يكن زمن اضطهاد ولا ملاحقة. فـ”قصيدة من دون بطل” نُشِرت عام 1960 في نيويورك، أمّا “قداس” فبميونخ 1963. وهي المرحلة نفسها التي شهدت عودة ابن أخمتوفا الذي كان منفياً، كما شهدت آيات التكريم تنهال عليها، والنظام الحاكم في موسكو يتهاون مع تصريحاتها ومواقفها، بل يسمح لها، حتى، بالتجوّل في أوروبا الغربية، حيث مُنحت شهادتي دكتوراه فخرية في إيطاليا وبريطانيا.

لئن كان الزمن ابتسم لآنا أخمتوفا في سنواتها الأخيرة فإنّ الوضع لم يكن على ذلك النحو خلال سنوات العشرين والثلاثين، ثم خصوصاً خلال الأربعينيات، حين صارت السيدة محط هجمات الجدانوفيين، إذ يُروى أن جدانوف نفسه كان يقول عنها إنها “نصف راهبة، نصف عاهرة”.

اسم مستعار من جدة تتارية
ولدت آنا أخمتوفا عام 1889 لأب كان مهندساً في البحرية القيصرية، واسمها الأصلي غورولنكو، أمّا اسم أخمتوفا (وأصله أحمد) فاستعارته من جدّتها التتارية المسلمة، فرافقها طوال حياتها، وجعل كثيراً من قرّائها العرب يعتقدونها مسلمة الأصل. ولقد أمضت آنا طفولتها وصباها في الغرب من بطرسبرغ، قبل أن تلتحق بجامعة كييف، ثم بجامعة سانت بطرسبرغ نفسها، إذ درست الحقوق والآداب، وهي التي اكتشفت الشعر باكراً، كما اكتشفت لذة السفر وهي بعدُ مراهقة، فزارت إيطاليا وفرنسا، وفي فرنسا تعرّفت إلى الرسام موديغلياني الذي خلّد ملامحها في لوحات عدة، فُقِد معظمها خلال الحرب العالمية الثانية.

في 1912 نشرت أخمتوفا مجموعتيها الشعريتين الأوليين، قبل أن تنشر مجموعة “الماضي الأبيض” التي تعتبر بدايتها الحقيقية. وأسهمت تلك المجموعات في التعريف بها بأوساط النخبة الثقافية الروسية الباحثة عن مسالك ومعان في تلك الأزمان الصاخبة. وقبل فترة من ذلك كانت آنا تزوجت من الشاعر غوميليف أحد أقطاب النهضة الشعرية الروسية في ذلك الحين، كما ارتبطت بالثنائي مندلشتام ارتباطاً سوف تدفع ثمنه غالياً بعد ذلك خلال حقبة الإرهاب الستاليني.

اقرأ المزيد

وهي مع هؤلاء أسست في ذلك الحين تياراً شعرياً تميّز أسلوبه بالبساطة والوضوح كرد فعل على التيار الرمزي المعقّد الذي كان سائداً في الشعر الروسي في ذلك الحين. وكانت المجموعة تنهل تعبيراتها من ارتباط جذري ببساطة الأرض الروسية والتقاليد الشعبية ذات العلاقة بالروحانية الأرثوذكسية. وهذا الارتباط كلّف زوجها غوميليف غالياً عند قيام الثورة، إذ إن إصراره على الارتباط بالتقاليد الإيمانية والسلطة الملكية، دفع الثوار إلى إعدامه.

أمّا آنا فإنها ما لبثت أن تزوّجت المستشرق شيليكو، ثم أصدرت مجموعة شعرية جديدة في 1923 حملت اسم “العام المقدس 1921″، وكانت آخر مجموعة تصدرها في ذلك الحين، فبسبب صداقتها الثنائي مندلشتام ومواقفها العنيفة مُنع شعرها، ثم نُفي ابنها، واضطرّت إلى الإخلاد إلى ما يشبه الصمت المطبق طوال عشرات السنين لم تكتب خلالها أي قصائد كبيرة، بل اكتفت بدراسة شعر بوشكين وأعمال الترجمة.

لكن، مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ولأنها اتخذت كثيراً من المواقف الوطنية، وجدت آنا النظام يتسامح معها، فنشرت بعض شعرها القديم، ثم مجموعة جديدة بعنوان “الصفصافة”، ثم ازداد رضا النظام عنها بسبب وجودها في لينينغراد أيام الحصار، إذ أسهمت في رفع معنويات السكان وسط مناخات الإرهاب النازي، وراحت تزور المستشفيات وتواسي الجرحى، لكن ما أن انتهت الحرب وعاد الإرهاب يطال المثقفين، حتى كانت آنا واحدة من الضحايا، ما دفعها إلى صمتٍ جديدٍ تواصل حتى 1958، حين أيقظتها رياح التحرر الخروتشوفية من سُباتها، لكنها كانت أضحت عجوزاً وجزءاً من الماضي. غير أن هذا لم يمنع نهايتها من أن تكون مجيدة. وهي حين رحلت عن عالمنا من جراء أزمة قلبية، كانت تعتبر واحدة من أكبر الشعراء الذين أنجبتهم روسيا في القرن العشرين.

المزيد عن: الشاعرة آنا أخمتوفا/ديوان مساء/ديوان المسبحة/الصفصافة/روسيا/الاتحاد السوفياتي

 

 

You may also like

16 comments

Dena 11 أغسطس، 2020 - 2:29 ص

Incredible points. Outstanding arguments. Keep up the good
spirit.

my web page … content hosting

Reply
Shane 14 أغسطس، 2020 - 2:25 ص

I’d like to thank you for the efforts you’ve
put in penning this website. I’m hoping to view the same high-grade
blog posts by you in the future as well. In truth, your creative writing abilities has inspired me to
get my very own blog now 😉

Also visit my blog post … web hosting companies

Reply
Charolette 25 أغسطس، 2020 - 6:36 م

Valuable info. Fortunate me I discovered your site by accident, and I’m shocked why this coincidence did
not came about in advance! I bookmarked it.

Also visit my web site: website host

Reply
Randall 5 سبتمبر، 2020 - 1:40 ص

You actually make it seem so easy with your presentation but
I find this matter to be really something that I think I
would never understand. It seems too complicated
and extremely broad for me. I’m looking forward for
your next post, I’ll try to get the hang of it!

Feel free to visit my homepage – web host

Reply
Devkevege 19 نوفمبر، 2020 - 4:40 ص

viagra japan buy viagra no prescription overnight shipping walgreens viagra

Reply
Jgsvonere 14 ديسمبر، 2020 - 11:44 ص

viagra headache cure buy cheap viagra viagra for sale in florida

Reply
tinder dating 25 يناير، 2021 - 6:04 ص

tinder login, tinder sign up https://tinderdatingsiteus.com/

Reply
100% free dating sites 31 يناير، 2021 - 10:24 م

dating sites free http://freedatingsiteall.com

Reply
AhkdAnops 4 فبراير، 2021 - 4:00 ص

generic viagra online pharmacy canada pharma limited cvs pharmacy online

Reply
KuikReast 4 فبراير، 2021 - 2:26 م

buy viagra online australian no prescription viagra mit pay pal bezahlen viagra uk

Reply
plaquenil for rheumatoid arthritis 17 سبتمبر، 2021 - 4:25 ص Reply
modafinilhalflife 24 سبتمبر، 2021 - 4:13 ص

modafinil half life modafinil adhd

Reply
provigiluses 1 أكتوبر، 2021 - 9:49 ص

buy modalert online modafinil and alcohol

Reply
modalertonline 1 أكتوبر، 2021 - 11:12 ص

provigil 100 mg provigil prescription

Reply
Dinsexpf 1 أكتوبر، 2021 - 12:05 م

What dose of co- trimoxazole is used in a patient with a UTI? sulfamethoxazole

Reply
Morrismek 25 ديسمبر، 2022 - 7:24 ص

https://hydroxychloroquinex.com/ where to buy hydroxychloroquine

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00