مارغريت دوراس ومارغريت يورسنار في رسمة (صفحة الرواية الفرنسية - فيسبوك) ثقافة و فنون “المارغريتان” يورسنار ودوراس لا تزالان سيدتي المشهد الأدبي الفرنسي by admin 20 أكتوبر، 2024 written by admin 20 أكتوبر، 2024 65 كتابان جديدان يتناولان مسيرتهما وأعمالهما وبعض أسرارهما الشخصية اندبندنت عربية / مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN تصدرت الروائيتان مارغريت يورسنار (1903-1987) ومارغريت دوراس (1913-1996) المشهد الأدبي الفرنسي في القرن الـ20. وقد اهتم القراء بنتاجهما وتفاصيل حياتهما غير العادية. فيورسنار وقعت عديداً من القصص القصيرة والروايات والأشعار والمقالات البحثية والأعمال المسرحية والترجمات، وعلى رأسها “مذكرات هادريان”، وهي أول امرأة تنتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية. أما دوراس المولودة في سايغون حين كانت مستعمرة فرنسية، فكتبت عدداً من الروايات وسيناريوهات الأفلام كـ”هيروشيما حبيبتي” و”العاشق” التي طغت شهرتها على سائر أعمالها، بعد أن نالت عنها جائزة “غونكور”، مما جعلها واحدة من أكثر الروائيين الفرنسيين قراءة. كتاب “سر مارغريت دوراس الأخير” (فناك) ولا تزال كتابات يورسنار ودوراس وتفاصيل حياتهما موضع اهتمام الباحثين والنقاد. فقد صدر أخيراً في باريس كتابان يرويان الأعوام الأخيرة من حياتهما، لا سيما علاقاتهما العاطفية المعقدة. حمل الكتاب الأول المعنون “السر الأخير لمارغريت دوراس” (منشورات إكريتور، 2024) للكاتب آلان فيركوندوليه، رئيس جائزة مارغريت دوراس الذي يعد واحداً من أفضل من يعرفون حياتها وأعمالها. فقد خص كتاباتها بأول دراسة علمية (سيغرس، 1972)، ثم اتبعها بنحو 10 كتب تناولت جوانب مختلفة من أدبها، ترجمت كلها إلى أكثر من 20 لغة. أما الكتاب الثاني “شخص آخر ينتظرني هناك” للكاتب والأكاديمي كريستوف بيغو (منشورات دو لا مارتينيير، 2024)، فيكشف عن فصل غير معروف من حياة مارغريت يورسنار. ما يجمع بين الكتابين أنهما يرويان مغامرة أو تجربة عاشتها الأديبتان في الأعوام الأخيرة من حياتهما: علاقة عاطفية مع رجل مثلي الجنس وأصغر سناً منهما. يسرد كتاب “السر الأخير لمارغريت دوراس” تفاصيل لقاء دوراس سنة 1980، أي عندما كانت في 66 من عمرها، بـيان لومي الذي أعادت تسميته يان أندريا، البالغ من العمر آنذاك 27 سنة. ويروي كتاب “شخص آخر ينتظرني هناك”، العلاقة التي بدأت سنة 1978 بين مارغريت يورسنار التي كانت حينها في 75 من عمرها، وشاب في 29 من عمره، يدعى جيري ويلسون. تجربتان مختلفتان كتاب “شخص آخر ينتظرني هناك” (فناك) ليس بين الأديبتين من قاسم مشترك سوى الاسم الأول. وغالباً ما كانت الأوساط الأدبية تقدمهما ككاتبتين متعارضتين. فمارغريت دوراس نشأت في الهند الصينية الفرنسية، وانتمت إلى الحزب الشيوعي وأعلنت عن مناهضتها للاستعمار، إلى جانب خوضها تجارب أدبية متعددة كموجة “الرواية الجديدة” التي خالفت بعضاً من المبادئ التي قامت عليها الرواية الكلاسيكية، وأمضت سنواتها الأخيرة في باريس، إذ توفيت. أما مارغريت يورسنار الفرنسية البلجيكية، فقد قضت شبابها في مقاطعة الفلاندر الفرنسية، ثم هاجرت إلى الولايات المتحدة الأميركية سنة 1939 ولم تعد إلى أوروبا سوى لبضع مرات. وقد جسدت في كتاباتها أسلوباً كلاسيكياً مع اهتمام خاص بالعصور القديمة والوسطى وعصر النهضة، هي التي أتقنت اللاتينية واليونانية والإيطالية والإنجليزية. عاشت يورسنار حياة متحررة تجاوزت الأعراف الاجتماعية والعائلية والأدبية كافة وانطلقت مجازفة في مواضيع كتابات غير مألوفة. كانت علاقتا دوراس بيان أندريا ويورسنار بجيري ويلسون غير قابلتين للتعريف. كلاهما لعب في حياتهما دور أمين السر، علماً أن يان أندريا كان معجباً بأعمال دوراس ويعرف كتاباتها جيداً، ولربما جسد هذا الدور بجدية. أما جيري ويلسون المصور الأميركي، فاقتصر دوره على مرافقة يورسنار، المتعطشة للتعرف على العالم، في رحلاتها عبر أوروبا وآسيا وأفريقيا. لكن هاتين العلاقتين كانتا على الصعيد الشخصي وعلى مدى أعوام، عاصفتين وسامتين لكلتا الأديبتين. فقد ارتبطت كل واحدة منهما برجل لم يتورع عن شرب الكحول وتعاطي المخدرات وعن ممارسة العنف اللفظي والجسدي بحقهما، بحسب ما يروي الكتابان. الروائية مارغريت دوراس (دار مينوي) يقول آلان فيركوندوليه إن “السر الأخير” في حياة مارغريت دوراس هو سعيها إلى فهم ماهية المثلية الجنسية، بعد أن بدأت علاقتها مع يان أندريا. فهذا الباحث الأكاديمي الذي كرس معظم أبحاثه لأدب مارغريت دوراس والذي عرفها من كثب، رأى بعينه كيف قام أندريا بعزل الأديبة عن محيطها وإبعادها عن المقربين منها، دون أن تسمح لها هذه العزلة بفهم شريكها. فقد سيطر يان أندريا على دوراس التي “كانت تعتقد أنها قادرة على تغييره، وأنها ستكون قوية بما يكفي ليصبح مغاير الجنس. وهذا ما كان بالطبع مستحيلاً”. يضيف فيركوندوليه، أن “دوراس تخلت عن جميع الرجال الذين عرفتهم في حياتها. لكن الرجل الوحيد الذي لم تتخل عنه هو يان أندريا. فقد جعلته موضوعها، لا بل شيئها” واصفاً قصتها معه بـ”أقصى حدود التصوف في الحب”. علاقة حب يشهد كتاب فيركوندوليه إذاً على أسرار العلاقة بين مارغريت دوراس ويان أندريا المتأرجحة بين التقديس والحقيقة والسيطرة والتخلي، سارداً تعذر تحقيق رغبتها فيه بسبب مثليته الجنسية، مشدداً على كيفية تحول فعل الكتابة عندها إلى وسيلة وحيدة للوصول إلى الحب المطلق. يطرح الكتاب الأسئلة الآتية: هل كان اللقاء غير المتوقع بين يان أندريا ومارغريت دوراس مقدراً أم كان محض صدفة، وليد تحد أرادت دوراس مواجهته وحدها؟ هل كان هذا اللقاء الوسيلة الوحيدة لاستكشاف غوامض الرغبة التي تأسست عليها أعمالها؟ وكيف أمكن لدوراس عيش هذا الشغف والرغبة عندما يقاوم الشاب جسد المرأة؟ وكيف أمكن لها الهرب من هذا التحدي وفق آلية نفسية شائعة إلا بإسقاط رغبتها المكبوتة على فعل الكتابة، بحيث استسلمت دوراس في نهاية المطاف، جاعلة من “معشوقها الوسيم” بطل آخر نصوصها وأفلامها؟ القصة بحسب “السر الأخير لمارغريت دوراس” هي حصيلة سيطرة مزدوجة: من جهة سيطرة دوراس، المعجبة بشاب مفتون بأدبها كتب لها رسائل مشتعلة على مدى خمسة أعوام محاصراً وحدتها، وسيطرة يان أندريا الذي ظهر كالملاك أو كالشيطان في عزلة الكاتبة ويأسها. الروائية مارغريت يورسنار (دار غالميار) يقدم آلان فيركوندوليه هذه القصة للمرة الأولى، بجمالها الغامض، وهي قصة حب وإبداع تراجيدي بين شخصين لم تنته إلا بموت يان أندريا سنة 2014. أما كريستوف بيغو، البالغ من العمر 48 سنة، فهو أصغر من أن يكون قد عرف مارغريت يورسنار شخصياً وشهد علاقتها مع جيري ويلسون. لكنه قال إن يانيك غيو، الناشر الذي عرفها جيداً وكان حاضراً عند وفاتها، علق قائلاً “هذا بالضبط ما حدث”. يتطلع بيغو في “شخص آخر ينتظرني هناك” إلى إظهار لحظات الضعف والجوانب المظلمة في حياة مارغريت يورسنار، منزلاً إياها من عليائها، ولكن في الوقت عينه، مانحاً قراءه الرغبة في معانقتها والربت على كتفها. مثلية يورسنار لم تكن المثلية الجنسية قارة مجهولة بالنسبة ليورسنار التي كرست لها أول رواية رسائلية أصدرتها سنة 1929، دارت أحداثها في النمسا عشية الحرب العالمية الأولى. ففي هذه الرواية الموسومة “ألكسي أو كتاب المعركة الخاسرة” وهي عبارة عن رسالة قطيعة أرسلها زوج مثلي يدعى ألكسي إلى زوجته مونيك. فيها يصف الموسيقي الشاب البالغ من العمر 22 سنة، “المعركة الخاسرة” التي يخوضها منذ أعوام ضد طبيعة رغباته الجنسية المثلية، التي تدفعه إلى الانفصال عن زوجته لتحقيق ذاته، وهو أمر غير ممكن طالما أنه إلى جانبها. وقد لاحظ بعض النقاد أن هذه الرواية تضمنت للمرة الأولى تقنية سردية وصفت بأنها “صورة لصوت”. وهي تقنية ستظهر في عدة أعمال لاحقة للمؤلفة، لا سيما في رائعتها “مذكرات هادريان”. وقد عاشت يورسنار هي نفسها علاقة مثلية مع الأميركية غريس فريك (1903– 1979) الباحثة التي علمت اللغة الإنجليزية، وترجمت رواياتها، وأصبحت بسرعة عشيقتها بعد أول لقاء جمعهما. لكن كتاب بيغو يروي حلقة غير معروفة من الأعوام الأخيرة في حياة هذه المرأة المتمردة على التقاليد. ففي أواخر السبعينيات من القرن الماضي، كانت الأنظار كلها متجهة نحو مارغريت يورسنار، مؤلفة “مذكرات هادريان”، الرواية التاريخية التي منحتها شهرة واسعة وشكلت علامة أدبية فارقة في القرن الـ20، من خلال إعادة تشكيل ما توافر من وثائق واكتشافات وخيال إبداعي في صياغة سيرة وشخصية وعالم أحد أهم أباطرة الرومان. وعلى رغم ذلك، لا يعرف القراء عن الروائية سوى أنها عاشت حياة مستقرة على جزيرة في شمال شرقي الولايات المتحدة الأميركية. وقد فقدت في مطلع الثمانينيات رفيقتها التي قضت معها 40 عاماً، غريس فريك، والتي ترجمت “مذكرات هادريان” إلى اللغة الإنجليزية. وأنها في سن الـ76 لم تعد تنتظر من الحياة شيئاً. لكن لقاءها بمصور أميركي شاب يصغرها بـ46 سنة يدعى جيري ويلسون غير كل شيء. فمع هذا المصور المثلي البالغ من العمر آنذاك 29 سنة، عاشت يورسنار قصة حب غير متوقعة ومدمرة، قصة حب خارجة عن المألوف ألقى عليها فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب بظلاله، بعد أن فقدت بسببه رفيق سنواتها الأخيرة. فتوقفت الأديبة عن السفر وتوقف مع موت رفيقها مسرى حياتها. التقت يورسنار بجيري ويلسون أثناء تصوير لقاء لمصلحة التلفزيون الفرنسي أجراه معها عشيق جيري وحبيبه في منزلها في ولاية ماين الأميركية. تأثرت الروائية بجماله الذي ذكرها بحب مستحيل في فترة شبابها، وسعدت باكتشاف نقاط مشتركة معه، كمثل شغفه بعلم الطيور والموسيقى الأفرو-أميركية. توطدت معرفة يورسنار بهذا الشاب، فعينته سائقاً وسكرتيراً لها، وسرعان ما أصبح منظماً لرحلاتها حول العالم. هكذا بدأت نار حب غير متوقع بقدر ما هو خطر تشتعل في قلب يورسنار، حب مدمر بقدر ما هو مثمر على الصعيد الأدبي. فما هي دوافع هذا الشاب المضطرب والمفعم بالحيوية، وما هو مستقبل هذه العلاقة التي أقلقت أصدقاء الكاتبة والمقربين منها؟ من كبريات مدن أميركا والمحميات الطبيعية إلى أوروبا القديمة مروراً بمصر واليابان وكينيا والهند، “آخر ينتظرني هناك” هو الرواية الحقيقية لآخر سنوات واحدة من أعظم الكاتبات في القرن الـ20. هي رواية آسرة ورومانسية إلى حد الجنون مثلها مثل “السر الأخير لمارغريت دوراس”. نقرأ هاتين الروايتين بشغف لجمال أسلوب كتابتهما ولتضمنهما معلومات تلقي الضوء على ما عاشته هاتان الأديبتان في أواخر سني حياتهما المليئة بالتفاصيل المثيرة. المزيد عن: روائة فرنسيةيالمشهد الأدبيحبمثليةالرواية الجديدةأدب حديثالنسويةباريسنقد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “نورما” فنشينزو بلليني: من عرض أول “فاشل” إلى تحفة أوبرالية “خالدة” next post حروب الظل والوكالة: كيف نفهم فوضى الشرق الأوسط؟ You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024