العالم الغرائبي بريشة إيزابيل بلانته (صفحة الرسامة - فيسبوك) Uncategorized المؤرخ البريطاني فرانسيس يونغ يسائل الكائنات الخارقة by admin 29 يوليو، 2023 written by admin 29 يوليو، 2023 38 جولة في مملكة الظلام تكشف أن الجن أرواح لأسلاف منسية في عصور ما قبل التاريخ وشخصيات في الدراما الكبرى للتدين الشعبي اندبندنت عربية \ سناء عبد العزيز في محاولة محفوفة بالمخاطر، يتسلل المؤرخ فرانسيس يونغ عبر بوابة الزمن إلى العالم السفلي المظلم، المؤلف من كائنات أسطورية هجينة (الفون والساتير) وجن وجنيات وأرواح طيبة وشريرة، ومن أشباح يسكنون الغابات، وحوريات باهرات الجمال يتلهفن لسحب الضحايا إلى الأعماق حيث كتب عليهن العيش فيها. يطمح يونغ من خلال كتابه “شفق الآلهة: البدايات الغامضة للكائنات الخارقة للطبيعة في بريطانيا”، الصادر حديثاً عن منشورات جامعة كامبريدج، إلى كسر الصمت المفروض منذ الستينيات وتقديم أجوبة عن تلك الأسئلة لا سيما ما يتعلق بأصولها. من أين أتت؟ ولماذا عاشت في بريطانيا في العصور الوسطى – وخارجها – حتى عندما تحول العالم من حولها إلى المسيحية؟ مثل هذه الأسئلة عجز الباحثون في التراث الفولكلوري عن تقديم أجوبة نهائية لها، بسبب مناهج الماضي الإشكالية، وإن اقترح البعض عدداً من النظريات المحتملة، منها أن هذه المخلوقات مجرد انعكاس لسكان بريطانيا الأصليين الذين دُفعوا مرغمين إلى البراري، في عصور ما قبل التاريخ، ومن تلك البقاع القاحلة انتقلوا إلى أرض الأسطورة لتتخصب بجيناتهم. أو لربما ذات يوم، كانت تلك المخلوقات آلهة مطلقة القدرة، ثم تدنت رتبتها وتقلصت قدراتها بظهور المسيح. إلا أن يونغ ينبهنا إلى حقيقة أن الفولكلور تاريخ، ومن الممكن (بل من الواجب) دراسته من منظور تاريخي، بالاعتماد على الأدلة الأدبية والمادية لتتبع تطور الشخصيات الفولكلورية. وعلى رغم افتقار بعض الفترات القديمة إلى كثير من الأدلة، استعان يونغ بمجموعة متنوعة من التخصصات الأكاديمية وأدواتها لتتبع أثر “الآلهة الصغيرة” بالرجوع إلى الوراء بدءاً من العصر الحديدي إلى أواخر العصور الوسطى، وهو بتلك المحاولة، يتحدى الزعم القائل بأن الإجابة عن أصل الكائنات الخارقة، تاهت في ضباب الماضي. في الوقت نفسه، يعمل بنهجه الجديد على سد الفجوة الواسعة بين المؤرخين والفلكلوريين وبين القارىء العادي والمتخصص، وصرامة البحث الأكاديمي وتدفق الكتابة الإبداعية. كتاب “غسق الآلهة” (أمازون) صدر لفرانسيس يونغ (مواليد 1981) 18 كتاباً في مجال الفولكلور وتاريخ الأديان والمعتقدات الخارقة، منها “تاريخ طرد الأرواح الشريرة في المسيحية الكاثوليكية”، و”سحر في عالم ميرلين”. ترشح مرتين لجائزة كاثرين بريغز المرموقة التي تمنحها سنوياً جمعية الفولكلور في المملكة المتحدة. وله مجموعتان من القصص “الزجاج الأصفر” و”أطياف روما: حكايات شبحية من بريطانيا الرومانية” تدور معظم أحداثهما في مملكة الجن والأشباح التي سحرته بغموضها منذ فترة المراهقة. أكثر من بشر يحاول يونغ في كتابه دحض كافة الافتراضات التي تبناها كل من سبقوه، سواء الفكرة العنصرية عن شعوب “الأقزام” الأصليين التي عاشت في الجزر البريطانية، أو اعتقاد معظم الفلكوريين بأنها إما جاءت من إيرلندا أو تنتمي إلى التراث “السلتي” المشترك لإيرلندا وبريطانيا. ولكونها نشأت من معتقدات سابقة مختلفة، فقدت رواجها مع ظهور المسيحية، وهو ما لا يبتعد كثيراً من اقتراح عالمة الفولكلور البارزة كاثرين بريغز بأن الجنيات كانت على الأرجح، بعض أرواح الأسلاف المنسية في عصور ما قبل التاريخ. المؤرخ البريطاني فرانسيس يونغ أمام مكتبة جامعة كامبريدج (صفحة الكاتب – فيسبوك) يرفض يونغ بلا هوادة الافتراضات السابقة كافة، فهو لا يرى أن هناك أي شيء بشأن الجنيات يعود إلى التراث السلتي، لأن عديداً من الثقافات احتضنت الكائنات الخارقة، ولم يحل التبادل الثقافي المستمر، دون أن يحتفظ الخارقون بتاريخهم الخاص وسماتهم الفريدة أينما حلوا. إنهم بلا شك من نسل روما وعلى رغم وضوح النسب فهم ليسوا بقايا حقبة تاريخية بعيدة، بأي معنى. بل هم بالأحرى شخصيات في الدراما الكبرى في التدين الشعبي، تم خلقها تحديداً في لحظات الشك والخوف والحيرة وعجز الواقع عن تقديم أجوبة. إنها ببساطة وسيلة لتلبية حاجة الإنسان إلى معرفة ما استعصى عليه فهمه على نحو من السحر والغموض يضاهي قريحة الطبيعة في نسج الألغاز وهذا معناه أن الأسطورة ولدت من رحم الفضول. يرى يونغ أن “من المغري دائماً النظر إلى الفولكلور على أنه شيء خارج الزمن، وبطريقة ما في مأمن من التاريخ، نسيج من الذكريات الثقافية المغروسة عميقاً في الوعي الجماعي منذ زمن سحيق. ومع ذلك، فالحقيقة هي أن الفولكلور في حالة تنقل مستمر وتغير دائم، وقابل للتكيف مع أي ظروف ثقافية جديدة وكذلك على إعادة نفسه وتجميعها.” الخارقون في ثوب جديد في مقدمته الموجزة يذكر يونغ أن: “في أيام الملك آرثر، التي كان البريطانيون يتحدثون عنها بتقدير عظيم، امتلأت هذه الأرض بالجن…” وبعد أن جاء الرومان وقتلوا السكان الذين لم يتمكنوا من السيطرة عليهم، فقدت هذه الكائنات كثيراً من ملامحها وجرت عليها سنن التغيير وتم تكييفها وتحديثها وفق المعتقدات الجديدة التي بدأت في الظهور في إنجلترا وإيرلندا. في حكايات كانتربري التي كتبها جيفري شوسر بين عام 1387 وعام 1400، تظهر مرحلة جديدة من التغيير على لسان زوجة باث بأن الجنيات كانت موجودة بكثرة في إنجلترا، ولكن صلاة الرهبان تمكنت من إبعادها. يبدو أن الفولكلور في العصور الوسطى احتاج في إعادة بنائه وتطويعه إلى الاستعانة ببعض الكائنات الخارقة من الماضي الروماني الوثني، ليس على حالهم، بل من طريق المزج والدمج والقص واللصق والاستبدال مع ما هو شائع عن الأجناس والوحوش الغريبة، ووعي العامة بالفولكلور الجرماني عن الجن، وتفاعل النخبة مع الثقافة الشعبية، ليصبح الناتج فريقاً جديداً تماماً من الخارقين، ليسوا محض كيانات ناجية من آلهة وثنية، وإنما هي أكثر تعقيداً. إن “الفحص الدقيق لـ “الناجين” المزعومين، يكشف في معظم الحالات أنهم شيء آخر، شكل من أشكال التجديد الإبداعي يلبي الظروف المعاصرة، اندمجت فيه المعتقدات البريطانية والرومانية القديمة والمسيحية في العصور الوسطى واتخذت أشكالاً عديدة. لكن الدين الجديد أشار إليهم بالملائكة والشياطين في ظل وجود إله واحد لا يمكن رؤيته رؤية العين. وهناك عقيدة مسيحية ترى أن الجنيات كانت طبقة من الملائكة المنزوعة الرتبة وقد أمر الله بإغلاق أبواب السماء، لكن أولئك الذين ما زالوا في الجنة ظلوا ملائكة، والذين في الجحيم أصبحوا شياطين، أما من قبض عليهم في ما بينهما، فصاروا جناً. يفسر يونغ: “قد نعتبرها أشبه بسفينة ثيسيوس، تتغير بمرور الوقت، ولكنها تكتسب طبقات من المعنى الثقافي والتاريخي”. يتخذ يونغ في كتابه المليء بالملاحظات الدقيقة والأفكار الواضحة والشروح الموجزة عن سبب نجاة فكرة واندثار أخرى، منظوراً مختلفاً تماماً يرصد من خلاله الماضي ومعتقداته الراسخة، مع فحص شامل للنظريات السابقة، حين كان الإيمان بالأرواح الأرضية التي تهيمن على الطبيعة والوطن ومصير الإنسان، سمة من سمات الثقافات المتعاقبة. يرصد أيضاً أوجه التشابه بين الخلف والسلف في هذا العالم الغامض السري، كالارتباط بمصادر المياه، والمكانة التي احتلتها أرواح الطبيعة والقدر والمصير وما أتاحته للإنسان في المجتمعات الزراعية، من فهم لهبات الحياة اليومية وتقلباتها الممضة وإن اختلف طاقم الشخصيات من عصر إلى عصر. وعلى رغم عديد من عمليات الترحيل للأقدار الثلاثة وإعادة تخيلها في الفلكلور، استطاعت تلك الكائنات أن تحافظ على مكانتها عبر أكثر من ألفي سنة. في النهاية يؤكد يونغ أن فهم البشر لطبيعة علاقاتهم بالكائنات الخارقة، بوسعه أن يكشف كثيراً عن الإنسان وعلاقاته بالطبيعة حيث الينابيع والتلال موطن الآلهة الصغيرة. المزيد عن: العالم الغرائبيحكايات شعبيةالمخيلة الجماعيةالخوارقتأريخالأساطيرالأسلاف 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فضيحة أميركية عمرها نصف قرن: يوم كان الرئيس يستشير المنجمين next post المسرح الغنائي حيث ثقل الماضي يدين فراغ الحاضر You may also like الرئيس بري: ليس هذا ما اتفقنا وتفاهمنا عليه... 14 يناير، 2025 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 16 ديسمبر، 2024 اتحاد كتّاب الأسد ينال جائزة أسرع بيان استدارة! 13 ديسمبر، 2024 سامر أبو هواش يكتب قصيدة ما بعد غزة... 10 ديسمبر، 2024 الكتب رفيقة العزلة بمحتوياتها وملمسها ورائحة ورقها 9 ديسمبر، 2024 «نيويورك تايمز»: ماسك وسفير إيران لدى الأمم المتحدة... 15 نوفمبر، 2024 نتنياهو ينسف الاتفاق المرتقب لوقف حرب لبنان 2 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: صناعة أسطورة جاكسون بولوك... 29 أكتوبر، 2024 العمليات الخارجية الإيرانية في أوروبا: العلاقة الإجرامية 23 أكتوبر، 2024 الذكاء الاصطناعي يذكر بما أحدثته الثورة الصناعية قبل... 21 أكتوبر، 2024