فرنسوا تروفو (1932 -) (موقع السينما الفرنسية) ثقافة و فنون “الليل الأميركي” حلم فرنسوا تروفو الذي حققه خلال زيارة سياحية by admin 30 يناير، 2024 written by admin 30 يناير، 2024 130 العنوان تقني والديكورات مجانية تقريباً في فيلم أثار غضب السينمائيين اللبنانيين الشبان اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب منذ بداياته السينمائية التي انطبعت بموقفه السلبي مما كان سائداً في السينما المحلية عند بدايات سنوات الـ50، كان الفرنسي المعتبر واحداً من مؤسسي ما سمي “الموجة الجديدة” يحلم بأن يحقق يوماً فيلماً لم يكن للنوع الذي ينتمي إليه للسينما الفرنسية عهد به، لكنه كان رائجاً في نظيرتها الأميركية، حيث بدأ يحقق نجاحات كبيرة، بخاصة حين يقدم عليه سينمائيون هوليووديون كبار، وهو نوع يدور موضوع أفلامه من حول السينما نفسها، وسيسمى لاحقاً “الفيلم داخل الفيلم”، بيد أن فرنسوا تروفو تأخر في الوصول إلى هذا النوع السينمائي لأسباب عديدة ليس هنا مجال إحصائها، بل إنه حين حقق مشروعه الأول المنتمي إلى هذا النوع عند بدايات سنوات الـ70، وكان قد بات في أوج شهرته كواحد من كبار مؤسسي السينما الفرنسية الجديدة، وكان في مقدوره أن يفرض شروطه ورؤاه على المنتجين، لم يقدم على ذلك إلا بمحض الصدفة، وتحديداً في وقت إجازته الصيفية التي أمضاها في ذلك الحين سائحاً مع بناته في مدينة نيس في الجنوب الغربي من فرنسا. ومن خلال زيارة عارضة قام بها كنوع من الحج السينمائي في استوديوهات “لا فيكتورين” في نيس، والتي كانت قد أقفلت منذ زمن، وتحديداً تحت وطأة التيار الذي أسسه تروفو بنفسه معلناً استغناء السينما عن الديكورات للتصوير في الشارع، وما إلى ذلك من تجديدات مدهشة في عالم السينما. مزار للفرجة فقط كانت استوديوهات “لا فيكتورين” قد باتت مزاراً لهواة السينما ومحترفيها تعبق أزقتها ومبانيها بذكريات أفلام/ علامات صورت فيها طوال عقود سابقة من الزمن. والحال أن ما لفت نظر تروفو خلال زيارات راح يقوم بها إلى المكان فيما العائلة ترتاح عند شواطئ المدينة كما عند شواطئ مدينة كان المجاورة، كانت ديكورات أقيمت هناك منذ سنوات قليلة وباتت متروكة لحالها، وقد بدأ شيء من الاهتراء يطاولها تركيباً وألواناً. والحقيقة أن المخرج الشاب لم يكن في حاجة إلى أن يسأل عن تلك الديكورات. فهو كان يعرف أنها بنيت لكي تصور فيها مشاهد فيلم اشتغل عليه المخرج الأميركي جون هستون مقتبساً عن مسرحية الفرنسي جان جيرودو “مجنون شايو”، على عادته من نهل مواضيع أفلامه من أعمال أدبية كان متميزاً في اقتباسها. وهكذا خلال زياراته المتعددة والحالمة لتلك الديكورات، استعاد تروفو حلمه القديم، بفيلم يتحدث عن تصوير فيلم، خاصة أنه رأى أن الديكورات جاهزة، وعليه فقط أن يتعهد إزالتها بعدما ينتهي من تصوير فيلم فيها، وذلك بالنظر إلى أن الشركة الأميركية التي تولت إنتاج فيلم هستون لم تبال بإزالتها، إذ لم يطالبها الاستوديو بذلك، فاكتفت بمبارحة المكان ما إن انتهت من تصوير المشاهد. وهكذا فيما كان تروفو يتجول حالما بتلك الأفلام الكبيرة التي كانت صورت في المكان نفسه، راح يستوحي موضوعاً ملائماً لحلمه انطلاقاً من تلك الواجهات والبنايات التي تشكل ديكوراً ممكناً لموضوع سينمائي يلائم ذلك الحلم. تروفو يوجه جاكلين بيسيه في فيلم “الليل الأميركي” (موقع الفيلم) الديكورات تلد الفيلم وهكذا، تدريجاً تكونت ملامح الفيلم الجديد، وقد ولد من رحم تلك الديكورات، وسيكون هو بالطبع فيلم “الليل الأميركي” الذي كان موضوعه تصوير فيلم من داخل الحبكة، التي تدور كما سنعرف لاحقاً، من حول حياة التصوير في السينما من داخل تفاصيل تلك الحياة في محاولة موفقة لاستغلال الديكورات المبنية، والتي سيروي تروفو بفرح أنها لعلها كانت أول ديكورات سينمائية على مثل ذلك الإتقان والثراء صور فيها، وستكون كلفتها في نهاية الأمر كلفة إزالتها لا كلفة بنائها، ما يختصر كثيراً جداً من موازنة الفيلم ويشكل عامل إغراء لمموليه الذي بدلاً من أن ينفقوا على بناء محطة مترو وينابيع مياه وكازينو وشرفة فسيحة لمقهى ودرجاً فسيحاً على النمط السائد في حي مونمارتر الباريسي، ليس عليهم أن ينفقوا سوى على ردم كل ذلك بعد فروغ فرنسوا تروفو من التصوير، بل سيتمكنون من الاستحواذ أيضاً على مخلفات تلك الديكورات، لكن الأجمل من ذلك كله كان يكمن في التاريخ الأقدم لتلك الديكورات. فالحقيقة أن تروفو سيعرف، متأخراً هذه المرة، أن الشركة الأميركية المنتجة لـ”مجنون شايو” لم تبن الديكورات من أجل هذا الفيلم، بل هي اشترتها جاهزة بعد سنوات من تشييدها لزوم فيلم حققه بيتر أوستينوف في عام 1965 عن رواية للكاتب الفرنسي رومان غاري عنوانها “الليدي. ل”، حيث يقوم بول نيومان بدور مناضل فوضوي ينسف حياً بأكمله هو حي باريسي جرى تشييده كديكور حينها في استوديو “لا فيكتورين” المذكور. ولم يكن الديكور في حقيقة أمره سوى ساحة باريسية فيها مقهى ومقر مصرف ومحطة وقود وصالون حلاقة. وكان الأمر الوحيد اللافت يتعلق بالمشهد المركزي الذي يقوم فيه المناضل الفوضوي بنسف الحي بأكمله. ومن هنا شيد ذلك الديكور بشكل يجعله يتحمل عملية النسف. من ثم حين استخدم الديكور لاحقاً في أفلام تالية بالاستفادة من الأريحية الأميركية التي بدت هنا قائمة على الكسل أكثر مما على الكرم راح الديكور يعدل تدريجاً مع كل ترميم، وذلك لأن الاستوديو استطاع أن يغري المنتجين الذين راحوا يستسهلون استعماله فيلماً بعد فيلم قبل “مجنون شايو” وبعده. فيلم أغضب مناضلين لبنانيين ومن المؤكد أن ذلك الماضي السينمائي لديكورات باتت مهجورة كان من شأنه أن أوحى لتروفو بفكرة جعل الاستخدام الجديد للديكورات، وقد بات متاحاً الآن، يتعلق بفيلمه العتيد المنتمي إلى النوع الأميركي، الفيلم داخل الفيلم، ومن هنا خطرت له حكايات سينمائية عديدة، منها ما يتعلق بحكاية ولادة الموجة الجديدة، أو ما يتعلق بتاريخ تلك الديكورات نفسها، لكنه ذات لحظة تساءل، “ولكن ماذا لو أجعل الفيلم استعراضاً لمهنة السينما نفسها؟”، وتحديداً من خلال رغبة تستبد به في أن تكون جاكلين بيسيه، النجمة الأميركية، بطلة الفيلم، وأن يحمل عنوانه إشارة إلى شيء أميركي ما. فاختار تعبيراً تقنياً يتعلق بتقنية “الليل الأميركي” – وهي تقنية تصوير مشهد من المفترض أنه يدور ليلاً، تصويره نهاراً مع مرشحات تحول ضوء النهار إلى ضوء ليلي (ونعرف أن ذلك الاختيار تسبب في سوء تفاهم جعله يدمغ حين رافق عرض الفيلم في مهرجان أقيم عامها في بلدة بيت مري في الجبل اللبناني، بممالأة “الإمبريالية الأميركية” من قبلنا نحن معشر السينمائيين الشبان في لبنان ممن لم نستسغ العنوان معتقدين أن تروفو قد بات “عميلاً أميركياً”، وهو أمر شرحه لنا بهدوء ورزانة، ولكن بقدر من السخرية لم يزعجنا، إذ اعتبرناه دليلاً على عمالته لقاتلي الفيتناميين، الساكتين عن فضائح رؤسائهم في “ووترغيت” وغيرها… لقد شرح لنا الأمر بتودد يومها، لكننا لم نقتنع طبعاً إلا بعد ذلك بسنوات فتتالت كتاباتنا الاعتذارية، لكن تروفو لم يعلم بها، إذ كان في تلك الأثناء قد رحل عن عالمنا! وراء الكاميرا بات أمامها المهم أن فيلم تروفو استقر في نهاية الأمر على فيلم سينمائي له حكاية وموضوع لعب هو فيه دور مخرج سينمائي يصور فيلماً داخل الفيلم في ديكورات سينمائية، وفيه تلعب جاكلين بيسيه التي سيقول دائماً إنه منذ البداية كان يحلم بأن تلعب في ذلك الفيلم “السينمائي بامتياز” دور البطولة، لكنه كان قد إلى على نفسه أن تكون بطلة نادرة من بطلات أفلامه تنفد بجلدها من محاولاته إيقاعها في غرامه – كما كان قد اعتاد أن يفعل مع معظم الممثلات اللاتي أدارهن في أفلامه بما فيهن كاترين دونوف وكلود جاد، وبالطبع فاني أردان التي كانت غرامه الأخير. في “الليل الأميركي” كان تروفو في نهاية الأمر، يتحدث عن غرام آخر له هو، كما سيقال بعد إنجاز الفيلم وعرضه بحيث سيعد واحداً من أنجح أفلامه، إلى جانب تاليه، إنما بعد 6 أفلام بديعة أخرى، “المترو الأخير” عن الحياة المسرحية الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، واحداً من أنجح أفلامه لدى النقاد كما لدى الجمهور العريض. الجمهور الذي كان أكثر ما أحبه في الفيلم على الأرجح، هيام مخرجه بالسينما وتسامحه في استعراض حياتها الداخلية من خلال استعراضه حيوية هذا الفن والشؤون البسيطة المتعلقة بشتى العاملين وراء الكاميرا وغرامياتهم، وذلك وسط ديكورات سينمائية حقيقية مثلت دورها على الشاشة، وهذه المرة بوصفها… ديكورات. المزيد عن: فرنسوا تروفوالسينما الفرنسيةفيلم داخل الفيلمبيتر أوستينوفجاكلين بيسيه 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أنباء عن حراك سعودي – عربي لاستشراف مستقبل غزة next post لا تكون الحياة سعيدة إلا بعد اختبار الموت روائيا You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024