من الفيلم الكوري المأخوذ من رواية _حقي في تدمير نفسي_ (ملف الفيلم) ثقافة و فنون الكوري كيم يونغ ها يرسم روائيا سيرة قاتل متسلسل by admin 29 أبريل، 2025 written by admin 29 أبريل، 2025 9 الموت عنوة عمل جدير بالاحتفاء في “حقي في تدمير نفسي” اندبندنت عربية / عبد الكريم الحجراوي يتولى السرد في رواية “حقي في تدمير نفسي”، قاتل من نوع خاص، يقرر كتابة حكاياته مع عملائه الذين حفزهم على الانتحار، والدفع بها إلى دور النشر تباعاً، وتتضمن الرواية حكايتين لاثنين ممن أسهم في قتلهم، الأولى لفتاة تدعى “يهوديت” انتحرت بفتح صمام موقد الغاز في مطبخها، والثانية “ميمي” قطعت شرايين يدها. ويعكس حرص القاتل على نشر مثل هذه القصص إلى رغبته في تبرير سلوكه الإجرامي بمنحه نوعاً من الشرعية الفكرية، من ناحية ورغبته في استفزاز المجتمع، لجعله يواجه أسئلة حول معنى الحياة والموت. الرواية الكورية بالترجمة العربية (دار صفصافة) ويشير العنوان، “حقي في تدمير نفسي” إلى تصريح أدلت به الروائية الفرنسية فرنسواز ساغان (1935- 2004) أمام المحكمة دفاعاً عن نفسها، في الاتهامات الموجهة إليها المتعلقة بإدمانها للمخدرات. إذ عرفت ساغان بحياتها الصاخبة وعديد من التصريحات الجريئة حول الحياة والموت، من بينها تأكيدها على حق الإنسان في تقرير مصيره، حتى لو كان ذلك يشمل إنهاء حياته. وهو المحور الذي تدور حوله رواية الكوري كيم يونغ ها، حول القاتل المتسلسل الذي يختار ضحاياه بعناية شديدة، ممن فقدوا الأمل في الحياة، ويقترح عليهم الوسيلة المناسبة للانتحار. احتفاء بالموت يتفنن في اختيار ضحاياه خصوصاً من السيدات اللاتي جرى انتهاكهن جسدياً، فيأتي على ذكر ثلاث فتيات في روايته نجح في قتل اثنتين منهن، ولم يشر إلى مصير الثالثة، والرابط بينهن أنهن اضطررن للعمل في مهن جعلت أجسادهن مباحة، وهو ما أورثهن شعوراً بالخواء وفقدان معنى الحياة. يظهر في العمل احتفاء السارد بالموت باعتباره عملاً سامياً، ووسيلته كي يحاكي دور الإله، “ففي هذا الزمن هناك طريقتان ليصبح البشر آلهة إما الخلق أو القتل” ص15. ويعمل على تبريره ورسمه بصورة شاعرية مستعيناً باقتباسات من كتاب عالميين. ينقل عن شكسبير قوله، “هل من الخطيئة أن نهرع إلى العرين السري للموت قبل أن يجرؤ الموت ويأتي إلينا”، ومقولة الشاعرة والروائية الأميركية سيلفيا بلاث، “إن تناثر الدم شعراً، لا توجد طريقة لإيقافه”. ويعلق القاتل على تلك المقولة قائلاً، “لم يتحل عملائي بموهبة سيلفيا بلاث الأدبية ولكنهم توجوا نهاياتهم بالقدر نفسه من الجمال الذي أنهت به حياتها” ص16. أما القول “الموت لا يقل سحراً عن الحياة” فاقتبسه من الشاعر الفرنسي الروماني تريستان تزارا. رغبات مكبوتة الرواية بالأصل الكوري (أمازون) ينظر السارد إلى السعي إلى الموت على أنه “استخلاص للرغبات المكبوتة في أعماق اللاوعي لعملائه وأنه يعمل على تحرير هذه الرغبات المكبوتة، لتزداد جموحاً” ص 14، مما يظهر القاتل المحترف في هذا الطرح على أنه يتعامل مع الموت ليس كنهاية وإنما كطقس للتحرر بدلاً من كونه مجرد فناء. وهذه الفكرة تقترب من الفلسفات التي ترى في الموت لحظة انفجار للحقيقة الداخلية، حيث تتجلى الرغبات التي كانت مدفونة خلف أسوار المجتمع والأخلاق. هذه النظرة ربما مستوحاة من التحليل النفسي الفرويدي الذي يرى أن الرغبات المكبوتة في اللاوعي تدفع الأفراد نحو تدمير الذات، لكنه لا يراها كفعل سلبي بل كتحرر حتمي. فنحن أمام قاتل محترف من نوع خاص لا يقتل ضحاياه مباشرة، بل يمنحهم “الموت الذي يناسبهم” بإرادة وطلب منهم، وكأنه وسيط بين اللاوعي والرغبة في الفناء. يبرر القاتل أفعاله إذن بمنظور فلسفي ويرى نفسه محرراً ومنفذاً للرغبات الدفينة للعملاء. فمن وجهة نظره “من لا يستطيعون القتل لا يستطيعون الحب أيضاً”. ينظر إلى الموت على أنه نوع من الولادة الجديدة، كما في الفلسفات الشرقية التي ترى في الفناء انتقالاً. يختار طريقة الانتحار التي تناسب العميل بناءً على تحليله النفسي العميق لما يقوله ضحاياه الذين يسهبون في الحديث عن أنفسهم. يرى في كل طريقة موت يقترحها عليهم شاعرية ودلالات خاصة وجماليات جديرة بالاحتفاء. ويضيق ذرعاً بابتذال الموت الحادث في الزمن الحديث مما أفقده جلاله وجماله، “فقد أصبح الموت الآن محتوىً إباحياً يبث مباشرة على التلفاز، والمذابح التي كانت تكتشف من الإشاعات سرعان ما تذاع الآن بالتفصيل عبر الأقمار الاصطناعية” ص 96. يحتفى القاتل بالموت لكنه في الوقت نفسه يعادي الخلود، “لأنه يحنط الجمال ومن ثم يفقده الديناميكية التي تميزه”، مما يحيلنا فكرة نيتشه عن أن الحياة يجب أن تكون حركة وتطوراً مستمراً، بينما يمثل الخلود توقفاً، مثل لوحة معلقة في متحف فقدت قدرتها على التحول. “موت مارا” يقترن الموت مع الفن في هذه الرواية، فالقاتل يعشق اللوحات الفنية، خصوصاً تلك التي تجسد الموت، مثل لوحة “موت مارا” للفنان الفرنسي جاك لويس ديفيد (1748- 1825) التي تعود إلى عام 1793. تلك اللوحة حاول مرراً إعادة رسمها لكن “تكمن المعضلة في الارتياح البادي علي مارا بلوحتي، بينما مارا في لوحة ديفيد لا يبدو عليه استياء شاب ثوري في أعقاب غدر مفاجئ ولا راحة من تركوا مشقة هذه الحياة، هادئاً رغم آلامه وناقماً رغم تفهمه، كل هذه المشاعر المتضاربة داخل النفس البشرية أدركها ديفيد في تعبير يعلو وجه رجل ميت” ص 7. أما لوحة “يهوديت” للفنان النمسوي غوستاف كليمت (1862- 1918م) فيراها “ذروة الجمال المحنط”… “كانت عيناها تنظران إلى العالم بلذة ما. بدت مستريحة مع انفراجة بسيطة بشفتيها ولم يكن صدرها المكشوف ملوناً بلون الجلد الطبيعي بل كان أزرق، فبدت كجثة، وهنا يكمن سر جاذبيتها” ص 72. موت ساردانابال أما اللوحة الثالثة التي حظيت باهتمام السارد/ القاتل فهي لوحة “موت ساردانابال” للفنان الفرنسي أوجين ديلاكرو (1798- 1863) ويكشف عن سر ولعه بها، ليس طابعها الرومانسي المنمق ولكن الملك البابلي الجالس في الزاوية اليسرى العلوية من اللوحة، يحدق في الدم المتدفق من جثة والدته ومحظياته متكئاً بذراعه على وسادة، يتعاطف مع الملك التعيس “الذي أقام مأدبة موت دامية في بابل المتحضرة، إذا قام رسام عادي برسم هذه اللوحة لكان صورة ساردانابال حزيناً وذراعيه فوق رأسه، لكن ديلاكروا كان قد فهم مكنون شخص أراد أن يترأس الموت” (ص142- 143) . فاللوحات الثلاثة التي سلط عليها القاتل الضوء تعتمد على الموت كتيمة رئيسة، فاللوحة الأولى تصور اغتيال القائد الثوري جان بول مارا في حمامه على يد شارلوت كورداي. ويظهر فيها الموت هادئاً مقدساً، وتصور مارا شهيداً للثورة الفرنسية، مستوحاة من وضعية المسيح في لوحات النزول عن الصليب. فهي لوحة تعكس رؤية القاتل في الرواية للموت كـ”لحظة صفاء”، حيث ينقى الإنسان من ضجيج الحياة ويصبح أيقونة. واللوحة الثانية تصور مشهد قتل دموي تقطع يهوديت رأس القائد الآشوري هولوفرنيس لإنقاذ شعبها. قتل وحشي لكنه مبرر، لوحة يقدم فيها القتل كفعل تحرري، انتقام، فالقاتل في الرواية يرى نفسه محرراً، يخلص ضحاياه من حياة لا تستحق العيش، تماماً كما أن يهوديت تقتل هولوفرنيس كجزء من مصير محتوم. واللوحة الثالثة تعكس مشهداً درامياً لانتحار الملك الآشوري سارانابال، الذي أمر بتدمير ممتلكاته وقتل جواريه قبل سقوطه. اللوحة تمثل الموت كفوضى، تدمير ذاتي، وجنون العظمة، فحيث لا يموت الملك وحده، بل يجر معه كل شيء. فالقاتل يربط القاتل في الرواية هذه الفكرة برفضه للخلود، حيث يرى أن الجمال يكمن في اللحظة، وليس في الاستمرار الأبدي. فكل واحدة من هذه اللوحات تقدم زاوية مختلفة حول الموت، مما يثري فلسفة القاتل ويجعل نظرته أكثر تعقيداً، حيث يتعامل مع الموت كعمل فني متكامل، وليس مجرد حدث عابر، كما أن كل لوحة من اللوحات الثلاثة قابلتها امرأة التقي بها القاتل في الحقيقة سواء يهوديت أو فتاة هونغ كونغ أو ميمي. المزيد عن: روائي كوريروايةأدب بوليسيرواية جريمةالقاتل المتسلسلالموتالتدميرالنفسالانتحار 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “لعنة لوكريشيا بورجيا” تصيب دونيزيتي صاحب الأوبرات الـ70 You may also like “لعنة لوكريشيا بورجيا” تصيب دونيزيتي صاحب الأوبرات الـ70 29 أبريل، 2025 موسوليني ينتقل من زعيم فاشي إلى بطل روائي 29 أبريل، 2025 قضايا الأدب والترجمة والتعددية الثقافية تشغل معرض الرباط 29 أبريل، 2025 الموجة النسوية الثالثة كما تتجلى في 4 روايات 29 أبريل، 2025 دورر الألماني… سافر إلى “المجهول” وعاد فنانا استثنائيا 29 أبريل، 2025 أشهر صدامات هوليوود في مواقع التصوير 29 أبريل، 2025 “6 أيام” فيلم استثنائي لكنه مصاب بلوثة الاقتباس 27 أبريل، 2025 هل ما زال فن الغرافيك صوتاً للجماهير كما... 27 أبريل، 2025 الياباني إيبوزي يستجمع أصوات ومصائر ضحايا حروب الآخرين 27 أبريل، 2025 إدوارد مونخ: وجوه بين العزلة والجنون 26 أبريل، 2025