تزداد الأصوات الداعية إلى تقييم الأساليب المعمارية القديمة في شقيها النظري والتطبيقي (أن سبلاش) ثقافة و فنون العودة إلى اكتشاف العمارة القديمة ليس نوستالجيا by admin 29 أكتوبر، 2024 written by admin 29 أكتوبر، 2024 59 التعلم من طريقة فهم الإنسان للمواد المحلية وتسخيرها وتطويعها بطرق بسيطة سمحت له بالتكيف مع البيئة المحيطة واستغلالها اندبندنت عربية / نيرمين علي كاتبة سورية @nermenali1 ربما يبدو مستغرباً بعض الشيء في ظل التطور التكنولوجي واتساع رقعة تطبيقاته تعمد بعض المعماريين الرجوع إلى الابتكارات المعمارية الأولى، إذ غالباً ما ينظر إلى التفكير في الماضي على أنه نوستالجيا أو علامة على التراجع إلى الخلف، إلا أنه في العمارة الأمر مختلف تماماً. إرث معماري استطاع الأسلاف باستخدام أدوات بسيطة، ولكنها فعالة، إظهار قوة المهارة البشرية في التعامل مع المواد المحلية بدقة وكفاءة، وإنتاج مبانٍ مستقرة وعملية، أظهرت قدرة تحمل مذهلة على رغم التحديات التاريخية التي واجهتها، مع مراعاة المناخ والمناظر الطبيعية والحاجات الثقافية والاجتماعية للمجتمع، واستطاعت هذه العقلية المبدعة البسيطة إضفاء قيم جمالية ورمزية في الوقت ذاته. ومن هنا سيحصل المعماري عند الاتصال مع الماضي على منهل من المعرفة المتراكمة عبر الأجيال، تمكنه من استخلاص الدروس والخروج بحلول للتحديات الحالية. فالفكر المعماري يقدر الإرث ويثمن الاتصال مع الجذور والأسلاف والتعلم من طريقة فهمهم للمواد المحلية وتسخيرها وتطويعها بطرق بسيطة سمحت لهم بالتكيف مع البيئة المحيطة واستغلالها أفضل استغلال. استطاع الأسلاف باستخدام أدوات بسيطة إظهار قوة المهارة البشرية (أن سبلاش) وفي عصر مهووس بالمستقبل تأتي التكنولوجيا حاملة معها إجابات عن تساؤلات كثيرة، لكنها تخفي في الوقت ذاته مجموعة من التحديات، فمع كل تطور جديد تزداد متطلبات الطاقة والشروط المناخية نسبة لازدياد عدد العمليات المطلوبة لإنجازه، ليبدو لنا وكأن الالتزام ببعض التقاليد القديمة أكثر أماناً ونفعاً واستدامة مقارنة بنظيراتها الأعلى تطوراً. واليوم، تزداد الأصوات الداعية إلى إعادة مراجعة ودراسة الخصائص وتقييم الأساليب المعمارية القديمة في شقيها النظري والتطبيقي، مع ارتفاع المطالب بإيجاد حلول أكثر استدامة واتساقاً مع الوضع الحالي. وحدة معمارية قديمة صديقة للبيئة والحقيقة الجلية أن هناك منازل وقرى بأكملها مبنية بطرق قديمة جداً وباستخدام مواد محلية مثل التراب والخشب والقش والخيزران والصوف والجلد وبصور وتصاميم مدروسة وجدران بسماكة توفر العزل الحراري والحماية، وعلى رغم بساطتها ما زالت حتى اليوم محافظة على متانتها. على سبيل المثال تمثل مضيفات القصب المبنية في الأهوار جنوب العراق حرفة تقليدية انتقلت عبر العصور من خلال الممارسة والأنشطة الثقافية والتاريخ الشفوي وشكلت تراثاً ثقافياً غنياً، بناها السكان الأصليون (عرب الأهوار أو المعدان)، باستخدام القصب المحلي المحصود من المنطقة ذاتها، مع إضافة مواد بسيطة أخرى مثل القش والطين، وعلى رغم مظهرها الهش، فإن المضيفات بصورتها المعروفة حالياً متينة بصورة كبيرة، ويمتد عمرها لأعوام طويلة، ترجع أصولها إلى الحضارة السومرية، وكان وجد رسم لها في منحوتة جبسية في أوروك تعود لـ3200 قبل الميلاد. منازل وقرى مبنية بطرق قديمة جداً وبمواد محلية (أن سبلاش) وتصنف المضيفات كوحدة بناء معمارية صديقة للبيئة، وتسمح طريقة البناء، التي تتميز بالأعمدة والأقواس، بالتجميع السريع للهياكل الكبيرة في غضون أيام قليلة، وتبنى بحيث تصف مجموعة من سيقان القصب الجاف، التي لا بد أن تكون فردية بحسب العرف السومري، وتربط بحبال مفتولة من القصب نفسه، وتشبك الجدران الجانبية للمضيف من شرائح القصب المتصالبة بزاوية تسمح بالتهوية صيفاً وترصف شتاءً بحصائر القصب المجدول للحفاظ على الدفء، وكذلك يسقف المضيف بها، ومن الملازمات أن يبنى موقد في الثلث الأول من جهة مدخل المضيف لتحضير القهوة العربية. والأمثلة والتطبيقات كثيرة وتختلف التقنيات مع اختلاف المنطقة وطبيعتها المناخية، إلا أنها كلها تصب في جعبة الفكر المعماري المحلي الذي حقق اكتفاءً واستدامة واتساقاً مع المكان. المادة العابرة للعصور أما بالنسبة إلى مواد البناء التي عبرت معنا عبر العصور، فيكتسب الجير اليوم دوراً بارزاً في تعزيز العمارة المعاصرة. وللجير تاريخ طويل يعود إلى آلاف السنين في صناعة البناء، إذ لعب دوراً أساساً في الحفاظ على المباني والآثار القديمة مثل الكنائس والقلاع وغيرها. وعلى رغم وجود حضارات سابقة استخدمت مونة الجير في بناء الهياكل الكبيرة، فإنه يعتقد أن الرومان كانوا أول من استخدمه في البناء، وفي نحو عام 4000 قبل الميلاد استخدم المصريون القدماء الجير الحي المخلوط بالماء كمادة بناء أساسية، وبحلول القرن الـ18، أدى فهم البشر لخصائص الجير الهيدروليكي إلى الوصول إلى تكنولوجيا وبراءة اختراع أسمنت بورتلاند، ومن القرن الـ19 حتى الوقت الحاضر، أدى ظهور أسمنت بورتلاندي إلى خفض كبير في استخدام الجير في البناء بسبب قوتها وتصلبها السريع. وفي حين للجير تطبيقات متعددة في الصناعات الغذائية والزراعية والكيماوية والتعدينية، إلا أنه يعد إحدى مواد البناء الرئيسة في الهندسة المعمارية بسبب تعدد استخداماته وقدرته على الالتصاق والعزل المائي وقابليته للعمل والأداء والثبات والمتانة، مما يسمح بإنشاء مونة البناء والجص الداخلي أو الخارجي، وتعد مونة الجير مادة ديناميكية قادرة على التفاعل مع البيئة بعد التصلب أثناء عملية الكربنة والتكيف مع التغيرات في الأبنية. وعلى رغم أن مونة الجير والجص قد لا تكون متينة للغاية في الظروف المناخية القاسية للغاية، فإنه يمكن مواجهة ذلك باستخدام الجير الهيدروليكي أو دمج الأسمنت البورتلاندي. ويعد الجير مادة بناء صديقة للبيئة نظراً إلى مزاياه البيئية الكبيرة، إذ يؤدي إنتاجه في درجات حرارة أقل من الجير العادي (OPC) وطاقة أقل أثناء إحراقه وتكليسه، إلى خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والحد الأدنى من الانكماش ومنع التشقق، كما أن له قدرة على تعديل الرطوبة إضافة إلى خصائصه العازلة حرارياً وصوتياً، لذا يمكن أن يسهم استخدامه بالصورة الصحيحة في خفض الطلب على الطاقة وتقليل الانبعاثات السامة في الغلاف الجوي. المزيد عن: التطور التكنولوجيالابتكارات المعماريةنوستالجياالمهارة البشريةالمناخمنازلالبناءالترابالخشبالقشالقصبالجير 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “خريطة العظام” ملحمة روائية بريطانية توجز مسار المرأة next post شبح الحصار التام يخيم على لبنان You may also like مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024