ثقافة و فنونعربي العمانية هدى حمد تخترع مدينة تمنع فيها القراءة by admin 22 سبتمبر، 2022 written by admin 22 سبتمبر، 2022 14 “لا يذكرون في مجاز” رواية تتراوح بين التخييل والترميز الوجودي اندبندنت عربية \ كاتيا الطويل @katiatawil “لا يذكرون في مجاز” هي الرواية الخامسة للكاتبة العمانية هدى حمد (دار الآداب، 2022) إلى جانب مجموعات قصصية، ويجد القارئ نفسه أمام عنوان غامض مبهم تزيد من غموضه غرابة صفحة الغلاف التي تصور طيف امرأة موشحة بالأسود وواقفة إزاء جبل من الكلمات. فمن هم الذين لا يذكرون في مجاز، ولماذا لا يتم ذكرهم، وماذا يحصل إن ذكروا، وما المقصود بكلمة مجاز، ولماذا هذه الجملة الفعلية الواقعة في صيغة النفي منذ العنوان؟ نفي وصمت وفانتازيا المجاز في اللغة هو ما تجاوز وما تخطى ما وضع له من معنى، ليقوم إذاً تضاد بين الحقيقة والمجاز أي بين الواقع الملموس وما تعداه وتجاوزه من خيال وحلم وعجيب. ومجاز في رواية هدى حمد هي قرية نائية مسورة بثلاثة جبال عظيمة تعزل أهلها وتمنع عنهم ضجيج العالم الخارجي وأفكاره ومعتقداته وعاداته. مجاز هي قرية اعتاد أهلها الصمت والخوف والإذعان في ظل وجود سيد الحصن ومستشاره الحاكمين المطلقين الآمرين الناهيين في الشؤون كلها واللذين يقرران في أمور أهل القرية جميعهم. الرواية الجديدة لهدى حمد (دار الآداب) إن مجاز قرية تختلف عن غيرها من القرى، فالقراءة فيها ممنوعة والكلمات ممنوعة والكتب ممنوعة وكل من يقرأ ويطلع على ما يحصل في العالم الخارجي تتم معاقبته ويتم إرساله إلى جبل الغائب أو جبل المنسيين الذين قرأوا وعوقبوا ولم يعد أحد يجرؤ على التلفظ باسمهم. إن الذين “لا يذكرون في مجاز” هم إذاً الخطأة الآثمون الذين يقرأون في السر ويدخلون إلى القرية الكتب المحرمة. يجلب هؤلاء الآثمون بحسب سيد الحصن ومستشاره اللعنة على القرية وعلى أهلها فتنحسر الأمطار وتجف الآبار ويموت الزرع وتموت الماشية ويلم وباء بالأهالي فيولد الأطفال بعاهات ويموت الشبان من دون سبب. تقول الرواية “لا يعقل أن يتوقف المطر وتجف الآبار وتقل البركة، إلا إذا كان هنالك من هو منسي، هنالك من هو جالب للغضب والنقمة” (ص: 57). ست قصص ترد في هذه الرواية على مدار ست ليال حول شخصيات ملعونة تقرأ سراً وتنال عقابها وترسل إلى جبل المنسيين. ست ليال تشبه بغرابتها وتداخلها السردي ليالي شهرزاد كما تذكر بموضوعتها محرقة الكتب في رواية “فهرنهايت 451” للأميركي راي برادبري التي يتم فيها حرق الكتب على درجة حرارة 451 فهرنهايت. وكذلك لا يمكن لمن يقرأ رواية هدى حمد ألا يفكر بملعوني خالد خليفة أولئك الذين “لم يصل عليهم أحد”، ليتضافر النفي مع خطيئة القراءة ويتحول القراء إلى مغضوب عليهم آثمين يجلبون اللعنة على من يحيط بهم أو حتى على من يذكر اسمهم مجرد ذكر. إن مجاز هي قرية تتخطى الواقع وتعاقب أهل القراءة والكتابة وتنفيهم إلى جبل المنسيين وتمنع ذكر اسمهم مجدداً، ليتحول العالم المروي إلى فضاء مثير للفضول وللدهشة في الآن نفسه. سرد لولبي متداخل الطبقات تقدم هدى حمد في روايتها “لا يذكرون في مجاز” أربعة فضاءات سردية أو أربع طبقات من السرد يختلف الراوي في كل منها عن الآخر. بما معناه، تبني هدى حمد روايتها على أربعة مستويات سردية وأربعة أصوات روائية. الروائية العمانية هدى حمد (صفحة الكاتبة – فيسبوك) الفضاء الأول هو فضاء الكاتبة/ الراوية الواقعية التي تبحث عن موضوع لسردها والتي تعيش في بيتها في مسقط مع زوجها وتحب كنبتها الصفراء ومكتبتها الكبيرة وحياتها اليومية بتفاصيلها الهادئة الرتيبة، هذا الفضاء الأول هو فضاء الواقع والحقيقة الذي لا يشوبه خيال ولا مجاز ويقع في إطار الحياة اليومية الطبيعية. الفضاء الثاني أو المستوى الثاني للسرد هو مستوى اللاوعي الذي يتحقق عندما تدخل الكاتبة في غيبوبة وتلتقي جدتها في نوع من عالم برزخي انتقالي فاصل بين الحقيقة والخيال. فتبدأ هنا مغامرة البحث عن قصة قرية مجاز وأهلها. في هذه المرحلة تجسد الجدة دور “المعلم” أو “المرشد” الذي يحرك السرد ويساعد البطلة على تخطي العقبات. الفضاء الثالث هو فضاء السرد السحري الذي يحول الكاتبة الواقعية إلى قارئة ومتلقية تشبه في مكانتها من النص مكانتنا نحن القراء، هذا الفضاء الثالث تروي أحداثه بثينة الثائبة وهي إحدى الجدات البعيدات للكاتبة وقد عرفت قرية مجاز وزارتها واكتشفت قصص المنسيين من أهلها. هذه الجدة نفسها تصبح متلقية في فضاء سردي رابع وأخير يخبر قصصه رجل. للمرة الأولى في الرواية يمسك بزمام السرد رجل يعتبره أهل مجاز منبوذاً وغير متوازن عقلياً تماماً، وهو الضحاك. في مستوى سردي رابع يسرد الضحاك في ستة فصول وست ليال قصص المنسيين أو الذين “لا يذكرون في مجاز” لتشكل هذه القصص صلب الرواية وجوهرها وتتحول الكاتبة وجدتها وجدتها الأخرى إلى مستمعات متلقيات كحالنا نحن. إن السرد في هذه الرواية لا يتتابع بل يتداخل، تماماً كما هي حال السرد في “ألف ليلة وليلة”، فالراوي في أحد المستويات يصبح هو نفسه المتلقي في المستوى التالي والشخصيات تتحول جميعها إلى راوية لقصصها عندما يحين وقت إخبارها لذكرياتها وتاريخها، هذا السرد اللولبي متعدد المستويات والأصوات يشكل متاهة سردية وحفراً روائياً تعززه اللغة السهلة البسيطة، فقد قامت هدى حمد بخيار حكيم جداً وهو اعتماد لغة واضحة سهلة بسيطة غير مركبة وغير معقدة. تترك اللغة المساحة كلها للسرد وللفضاءات السردية، فلا صور كثيرة ولا محسنات متراكمة ولا جمل طويلة معقدة. على العكس، مع السرد ذي الطبقات المتعددة أتت اللغة سهلة ملائمة. بكثرة مستويات السرد وبتتالي الساردين كان من الضروري على حمد أن تعتمد لغة بسيطة تترك مساحة تنفس وراحة للقارئ وإلا لكان من المحال على هذا الأخير أن يستمتع بالسرد وأن يستوعب الأحداث. رواية أليغورية رمزية يفصل جابر عصفور من بين غيره من النقاد أسس الرواية الأليغورية في مقدمة “غابة الحق” لفرنسيس مراش التي يمكن اعتبارها من أولى الروايات الألغورية في الأدب العربي الحديث. إن الرواية الأليغورية هي بحسب تعريفه رواية فلسفية رمزية تحمل في طياتها مستويات متعددة من المعاني يكتشفها القارئ بحسب ثقافته ومعرفته. وتختار هدى حمد أن تضع رواية أليغورية في عملها هذا على ما قد يظنه القارئ في البداية من أنها رواية واقعية. إن رواية “لا يذكرون في مجاز” هي رواية فلسفية اجتماعية سياسية دينية تجسد المدينة الفاسدة التي يحكمها رجال أنانيون طماعون يضعون مآربهم الخاصة قبل الخير العام وقبل مصلحة الشعب. إن سيد الحصن ومستشاره بسيطرتهما التامة والكاملة على القرية وأهلها هما مرآة الحاكم الفاسد الجشع الذي يمنع القراءة عن رعيته ويجبرها على قبول ما يسمح به فقط. إن كل ما يعاكس رغبة سيد الحصن وأوامره يتحول إلى إثم ضد الله وإلى جريمة تعاقب عليها الحاضرة بالنفي والعزل والنسيان. إن كل من يخالف أوامر سيد الحصن ويوسع آفاقه ويفكر يتحول إلى عدو ملعون، إلى منسي لا يمكن أن يذكر أو حتى إن يبقى داخل القرية. إن قصص المنسيين في حد ذاتها قصص سحر وأساطير طبعاً لكنها قصص رمزية لها أبعاد اجتماعية: إن من يقرأ يعاقب، من يفكر ينفى، من يشكل خطراً على سلطة سيد الحصن يعتبر كافراً آثماً يجب أن يبعد إلى جبل الغائب. إن قرية مجاز التي يعني اسمها القرية البعيدة عن الواقع إنما هي قرية مستنبطة من صلب الواقع ومن صلب مآزقه. إن تسلط سيد مجاز وعزله لمن يخالفه هو مأساة واقعية حقيقية هربت هدى حمد من سردها بفظاظة وتحد وألبستها ثوب الحكاية الرمزية الخيالية التي تدور في عالم برزخي يقع بين الحقيقة والخيال. “لا يذكرون في مجاز” متاهة سردية متماسكة تثير الدهشة والفضول في نفس القارئ وتتركه على نهمه لمزيد من قصص المنسيين. فهذا النص البرزخي الواقع بين عالم واقعي وعالم غير ملموس يقدم فانتازيا واقعية فيها من الرمزية والعمق ما لا يتوقعه القارئ في البداية أبداً. المزيد عن: روائية عمانية\تخييل سردي\فانتازيا\مدينة\القراءة\العقاب\الوجودية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Nova Scotia’s urged to prepare for ‘significant weather’ from Fiona next post خبراء يحذرون من مخططات إيرانية تهدد أمن الأردن You may also like مستقبل مقاومة هوليوود الليبرالية بوجه ترمب 29 نوفمبر، 2024 نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024