بأقلامهمعربي العزلة أو كيف تلوم حبيبك ألف مرةٍ في الدقيقة… by admin 24 أبريل، 2020 written by admin 24 أبريل، 2020 187 مجلة رمان الثقافية / أسماء الغول / كاتبة من فلسطين أراقب نفسي من داخلها، كأنّي أعيش بين مرايا مُكبّرة، أواجهها يومياً… أحدّثها… ألومها… أكرهها… أشفق عليها، أغلبها وتغلبني، أداوي جروحها، تتكبّر علي، فأعود لأداويها، تهزمني، فأكرهها ثم أشفق عليها. أشعر كأنّي سيارةٌ قديمةٌ تحتاج إلى تصليح، إلّا أنّ الميكانيكيّ مفقودٌ وسط الصحراء، منزلي صحراء، لا يوجد حولي مجلى وفرن وغسالة وتلفزيون، وأمامي سلطة أفوكادو وعصير تفاح، حواسك تلخص لك الكون في هذه اللحظة، وحواسي معزولة فلا أرى سوى رمال صفراء، معزولة بالحزن وليس بالكورونا، معزولة عن العائلة والحب والأصدقاء الحقيقيين، إلّا أنّ هذه أيضاً صفات الغربة وليس الحجر المنزليّ فقط… أليس كذلك؟ كيف تفرق الغربة عن الحجر المنزلي؟ إنّها مجرد غربة داخل غربة، ربما كنت ألقي التحيّة بالسابق هنا أو هناك، أقابل أحد المعارف صدفةً في مهرجان أو حافلة، لكنّي اليوم أمام غربتي وجهاً لوجه، قلباً لقلب، ولا شيء ينتج عن ذلك سوى مزيد من الغوص داخلك، مزيد من استرجاع الماضي دون بكاءٍ على الأطلال. إنّي أحسد العائلات التي تتواصل مع بعضها البعض كل يوم، أحسد أعياد الميلاد، أحسد الفرنسيين الذين يخرجون إلى الحديقة القريبة ليلعبوا معاً، أحسد المنازل الممتلئة بأفرادها، أحسد شجاراتهم، ضحكاتهم، أحسد الأصوات الحقيقيّة، لا يحتاجون لرفع صوت التلفاز خلال مسلسل تافه كي يشعروا أنّ حياة تجري حولهم. هل تنقصني الحياة أكثر ما كانت تنقصني؟، كيف غدوت وحيدة إلى هذه الدرجة؟، معزولة حد نبذ ذاتي باختيارها. ابني يلعب بلاي ستيشن أغلب الوقت، لأول مرة لا ألومه فمنظمة الصحة العالميّة بنفسها نصحت بذلك، كي يشعر الأطفال أنّهم يتواصلون مع آخرين، ابنتي ترسم أو تلعب بغرفتها، أحضّر الوجبات وأنقلها إلى غرفهم، أشعر كأنّني أعمل في فندق بخدمة الغرف، مع فارق أنّي أتلقى عناقاً وابتسامة حب بين الحين والآخر. يجب أن يكون اسمها “العودة” وليس العزلة، عودة للأصدقاء القدامى، للأغاني التي كنت تحبها، عودة لنفسك، هي عودة أكثر منها اكتشاف أشياء جديدة، ما فتحته فترة الحجر المنزليّ عوالم قديمة كنا تركناها منذ زمن بعيد. والدتي عادت تحيك الصوف خلال إقامتها في تركيا، وتصنع لنا القبعات واللفحات على أمل اللقاء، صديقتي تبحث عن أرقام زملائها الذين كانوا يعملون معها في أول الصحف التي تعيّنت بها، أمّا صديقي الباريسي فقد تفرغ أخيراً لكتابه كي ينهيه هذه المرة، وأنا استمع إلى “حلف القمر” بصوت جورج وسوف في صباه. إنّ الحياة فجأة تسير ببطء بل أكثر بطئاً من بطء ميلان كونديرا، كنت في خضم تحركاتي بين الحافلة والدراجة والمترو كي ألحق بمواعيدي اليوميّة بين مدرسة ابنتي وكورس اللغة وقهوة الصباح أتساءل كثيراً متى ستهدأ هذه البلاد؟ أشتاق إلى تسيّب بلادنا والإضرابات وكسل الناس وعدم أخذ الأمور بجديّة، ثم فجأة توقف كلُّ شيء. لم أكن أتخيل أنّي سأشتاق إلى الصباح البارد حين أصحب ابنتي إلى المدرسة، أو إلى ربيع العام الماضي، فالربيع الحالي يفصل بيني وبينه باب، بل أكثر من ذلك أن تتخيله ملوثاً بالكورونا بمجرد خروجك إلى الشوارع يجعلك لا تفكر بأيّ فصل أنت. لا ألبث أتذكر الشاب مورسو من رواية “الغريب” لكامو حين جعلته عزلته في السجن يراقب كل التفاصيل في الجدران والأرضيّة ويصفها بدقة واهتمام لم يفعله من قبل، كما يسترجع لوم الآخرين له على أنّه لم يبكِ على وفاة أمّه، بل ربّما لم يحزن، ورفض رؤيتها قبل الدّفن، وفي اليوم التالي تعرّف على فتاة وذهب معها وشاهدا فيلمًا ساخرًا وبعدها ذهبا إلى البحر، واتخذت المحكمة كل هذه التفاصيل لإثبات إدانته بقتل أحدهم على الشاطئ، ولن تسمع لحظة ندم واحدة من مورسو، فهو يعتبر ما قام به طبيعيّاً. لكن ما يفعله معنا الحجر أنّ اللوم يتضخم داخلنا وليس كما حدث مع مورسو، ولا أدري كيف..! من الصعب فصل الكتابة اليوميّة عن الحياة الحقيقيّة، قالت لي صديقة أنها لامت حبيبها على فتاة يحدّثها كل يوم، يعرفها منذ طفولته، لامته بشدة وكان رده أن عندها خمسة آلاف صديقٍ على الفيسبوك لكن منذ متى الفيسبوك يمنحنا أصدقاء؟، منذ متى كان بينك وبين أصدقاء الفيسبوك ماضي مشترك وذكريات تضحكان عليها؟. هل فعلاً صديقتي الوحيدة مثلي، تغار عليه أم تغار منهما بسبب عزلتها، هل فعلاً يهمها ذاك الحبيب أم أنّها تحتاج أن تصب اهتمامها نحو شيء ما، وربما أنّ الأرواح المجروحة تتجاذب لتزيد بأسها بأساً فتشعر أنّها بحالة جيدة وتنكل ببعضها بعضاً. أترون مثل هذه الأفكار ما يفعله بك الحجر المنزليّ، إنّ النظر إلى اللاشيء في سقف المترو أو التورط داخل ازدحام ما لهو أفضل لك من أن تقف أمام نفسك وتعاتبها. 8 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ما وراء الخير والشر عند نيتشه next post Nigerian woman rescued in Lebanon after being posted for sale on Facebook You may also like عبد الرحمن الراشد يكتب عن: حافظ وليس بشار 26 ديسمبر، 2024 بيل ترو تكتب عن: تفاصيل أسبوع استثنائي في... 26 ديسمبر، 2024 ندى أندراوس تكتب عن: هوكشتاين وإنجاز الرئاسة بعد... 25 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن: العودة إلى دمشق.. المدينة... 25 ديسمبر، 2024 بناء سوريا ما بعد الأسد: كيفية التأكد من... 25 ديسمبر، 2024 طارق الشامي يكتب عن: هل تضبط واشنطن إيقاع... 24 ديسمبر، 2024 سام هيلير يكتب عن: كيف يمكن الحفاظ على... 24 ديسمبر، 2024 مايكل ماكفول يكتب عن: كيف يمكن لترمب إنهاء... 24 ديسمبر، 2024 حسام عيتاني يكتب عن: جنبلاط في دمشق.. فتح... 23 ديسمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: جنبلاط والشرع وجروح الأسدين 23 ديسمبر، 2024 8 comments Megan 11 أغسطس، 2020 - 8:05 م It’s an remarkable paragraph in support of all the online viewers; they will take advantage from it I am sure. Here is my page – hosting services Reply Carlo 24 أغسطس، 2020 - 11:34 م What i do not realize is in fact how you’re now not really much more neatly-preferred than you may be right now. You are very intelligent. You understand thus significantly in the case of this topic, produced me personally consider it from numerous varied angles. Its like men and women are not involved until it is something to do with Lady gaga! Your personal stuffs nice. At all times handle it up! cheap flights y2yxvvfw Reply Lucio 26 أغسطس، 2020 - 11:01 م Hey there! I just wanted to ask if you ever have any trouble with hackers? My last blog (wordpress) was hacked and I ended up losing many months of hard work due to no data backup. Do you have any methods to stop hackers? Stop by my website – cheap flights Reply Tawanna 5 سبتمبر، 2020 - 3:27 ص What’s up Dear, are you genuinely visiting this website daily, if so after that you will absolutely take pleasant know-how. Have a look at my webpage – web hosting company Reply Shonda 5 سبتمبر، 2020 - 9:40 ص I was very pleased to find this site. I wanted to thank you for ones time due to this wonderful read!! I definitely really liked every bit of it and I have you saved to fav to check out new information in your blog. Feel free to surf to my blog post: web hosting reviews Reply Tinder dating site 25 يناير، 2021 - 1:11 ص browse tinder for free , tinder sign up https://tinderdatingsiteus.com/ Reply зарубежные сериалы смотреть онлайн 24 مارس، 2024 - 3:29 ص Have you ever thought about publishing an e-book or guest authoring on other websites? I have a blog centered on the same subjects you discuss and would really like to have you share some stories/information. I know my subscribers would value your work. If you are even remotely interested, feel free to send me an e mail. Reply sheriff badges 13 أغسطس، 2024 - 3:27 م I love how you addressed this issue. Very insightful! Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.