من الفن التراثي الصيني (صفحة فن صيني - فيسبوك) ثقافة و فنون الصراع الديني في صورته الأسطورية كما تقدمه “المرسال” by admin 11 ديسمبر، 2023 written by admin 11 ديسمبر، 2023 204 ليو ليانغ تشنغ ينسج عالماً غرائبياً يوازي واقع الصين في أزمنة غابرة اندبندنت عربية / علي عطا “للسماء بوابة مصنوعة من خشب التوت، تُفتح لتعبر من خلالها أرواح من يموت مِن أهل الأرض. لكن ذلك لا يحدث في حال كان جسد الميت مفصولاً عن رأسه”. ما سبق هو غيضٌ من فيضِ أساطير يؤمن بها شعبان متجاوران. لطالما سادت بينهما روحُ السلام؛ انطلاقاً من انتمائهما لدين واحد، يشملهم جميعاً ومعهم حيواناتهم الأليفة وعلى رأسها الحمير، التي لا يكاد وجودها ينفصل عن وجود أصحابها من البشر. لكن الأمر سرعان ما سيختلف جذرياً بمجرد أن يترك أحد الشعبين ذلك الدين ليعتنق ديناً جديداً. تستعر الحرب بين الشعبين اللذين تضمهما مملكتان، الأولى اسمها “بيشا” والثانية تسمى “هيلا”، تقعان على ضفتي نهر جاف. هذا ملخص متن رواية “المرسال” للروائي الصيني ليو ليانغ تشنغ، والتي صدرت بترجمة يحيى مختار عن “مجموعة بيت الحكمة للثقافة” في القاهرة. الرواية في ذاتها تبدو وكأنها أسطورة لا تمت بأي اتصال مباشر مع الوقت الراهن. لكن تأمل أحداثها التي يفترض أنها وقعت في زمن غابر، كان فيه السيف والحصان عنصرين لا غنى عنهما في قوام أي جيش، سيجد ما يمكن تأويله باعتباره شأناً لا يزال يلازم الإنسانية إلى الآن، وأقصد به الحرب التي تزهق الأرواح، بلا شفقة، لهذا السبب أو ذاك، وبأسلحة تختلف من زمن إلى آخر، وكأنها قدر محتوم. “هيلا” دُفِعَت دفعاً إلى اعتناق دين جديد حتى أن راهبها الأكبر ظل لنحو ثلاث سنوات يتظاهر بأنه غيّر دينه، بينما كان يردد سراً تراتيل جرى تحريمها. وعقب اشتعال تلك الحرب من دون أن يلوح في الأفق أي أمل بانتهائها، جرى حظر تبادل الرسائل بين المملكتين بالشكل التقليدي المعتاد، فكلّف الراهب الأكبر في مملكة “بيشا” مرسالا يدعى “كو” باصطحاب أتَان عذراء، حتى يوصلها إلى الراهب الأكبر في “هيلا”، على ألا يطلع أحداً على فحوى المهمة المكلّف بها، علما أن الرحلة من معبد تلك المملكة إلى معبد المملكة الأخرى تستغرق ستة شهور. وهي محفوفة بمخاطر جمّة، أقلها إقبال ذكور الحمير على الحمارة “شيه” رغبة في التزاوج معها، قبل أن يستلمها كاهن “هيلا”. أساطير وأسئلة وجودية الرواية الصينية بالترجمة العربية (بيت الحكمة) لم يعرف “كو” أن الكاهن الأكبر لمملكة “بيشا” نقش النصوص المقدسة لديانته تحت وبر الأتان، ليستعين بها كاهن “هيلا” في تثبيت العقيدة في نفوس أتباعه الذين يتعرضون ويتعرض هو معهم لضغوط وتهديدات بالقتل حتى يدخلوا في الدين الجديد. يؤمن الطرفان بأن باب السماء لا يُفتَح لرأسٍ بلا جسد، ولذلك كان كل منهما يحرص على قطع رؤوس قتلاه من الفريق الآخر. هنا يصبح لا مفر من وصل الرأس المقطوع بجسده ليتمكن من ولوج السماء، وإلا سيظل شبحه هائما على وجهه في البرية بلا أمل في بلوغ المستقر. وفي ثنايا ذلك النسيج جرى تضفير الكثير من الخرافات والأساطير مع عدد لا بأس به من الأسئلة الوجودية والأطروحات الفلسفية في ماهية الحياة وما يترتب على الموت، وما ينتج عن تصارع الأفكار. “كو”، لا ينتمي، أصلاً، إلى مملكة “بيشا”. فقد اختطف من مملكة ثالثة وهو طفل ثم اشتراه شخص من مملكة “بيشا” يعمل في مهنة نقل الرسائل الشفاهية وتولى تربيته وتعليمه أصول تلك المهنة، ومن ثم اعتنق ديانة “كون” التي نبذتها مملكة “هيلا”. قال له معلمه: “إذا تعلمت الكتابة ستحبها، وستتولد لديك الرغبة في الكتابة، وستتوقف عن الكلام، ومهنتنا هي نقل الكلام وليس الكتابة” ص 193. وبالرغم من ذلك تعلم “كو” كتابة لغة “هوانغ”. لغة “هوانغ” هي صاحبة الكلمة العليا في الكثير من الأحوال في مملكة “بيشا”. وعادة ترسل مملكة “بيشا” سفراء إلى المناطق التي تتحدث بلغة “هوانغ”. كما أن حديث شعب مملكة “بيشا” لا يخلو من بعض العبارات بلغة هوانغ، وكأن الأخيرة هي الداعم والملاذ للغة “بيشا”. ماعز بشري تعي “شيه”، أن هناك أسفل شعر ظهرها نقوشاً، لكنها لا تعرف كنهها. يخبرنا الراوي الخارجي العليم بما تفكر فيه وما تشعر به سواء تجاه بني جنسها أو تجاه بني البشر. ويترك لها المجال في بعض المواضع لتتولى هي السرد. كما يتولاه في مواضع أخرى شبح يلازم تلك الحمارة في أغلب زمن الرحلة يتألف من رأس جندي من هيلا وجسد جندي من “بيشا”. تعرف أمها وأباها، كما تعرف أنها مشتهاة من ذكور الحمير الفتية، وحتى من بعض البشر! في الطريق سيظهر “ماعز بشري” على نحو فانتازي يذكر بحكايات “ألف ليلة وليلة”، لكن سرعان ما سيتبين أنه جاسوس يجمع المعلومات من معسكر العدو متنكرا في هيئة ماعز وسط قطع من الأغنام. كان “كو” قد سمع منذ زمن عن شعب “التاي” الذي يربي مثل هذا الماعز البشري، للتغلب على صعوبات باتت تعيق عمل المرسال الطبيعي. الجنرال تشوكنوك قائد جيش مملكة “بيشا”، كان يعرف هو الآخر بهذا الأمر. ومن ثم تعامل معه على أنه أسير وحاول استنطاقه ليعرف طبيعة المهمة التي كلف بها من قائده. ولما رفض الكلام تم تعليق راعيه ويدعى “ماجيانهان” في وضع مقلوب بغصن شجرة، فاعترف بأنه من أتباع ديانة “تيان” المضطهدة في مملكة “بيشا”، وأنه على اتصال بأتباع الديانة هذه المقيمين في “هيلا” التي بدّلت ديانتها من ديانة “كون” إلى ديانة “تيان”. كان يجمع المعلومات تحت ستار أنه راعي أغنام. الماعز البشري لم يكن سوى صبي أجاد بعد تدريب طويل المشي على أربع والثغاء مثل الماعز ونقل الرسائل من راعيه إلى جيش “هيلا” ليتمكن من معرفة ثغرات جيش العدو ويهزمه. الكاتب الصيني ليو ليانغ تشنغ في قريته (بيت الحكمة) فناء معبد “كون” الغربي بنيّ مرتفعاً خصيصا لمنع نهيق الحمير من الوصول إلى المعبد من الداخل. كانت تنهق مهما بلغ منها التعب. عندما وصل ارتفاع الجدار إلى تسعة أقدام صارت الحمير تخشى السير بجواره. ثم توقفت عن العناد والنهيق. ومع ذلك واصل الراهب الأكبر تعلية الجدار إلى أن مات. وهنا اشتكت المملكة المجاورة من أن الجدار يمنع عنها الشمس. “بيشا” تقع شرق “هيلا”. كان عليهم هدم الجدار في غضون عشرة أيام بحسب إنذار تلقوه. لكن جيش مملكة “بيشا” اتجه صوب المملكة المجاورة وهدم معبدها؛ “معبد تيان الكبير”. ردّت مملكة “هيلا” بعنف. وردت الأخرى بإطلاق الضراط والفساء من مؤخرات الحمير والبشر صوب العدو. ثم ذاعت شهرة رائحة مملكة “هيلا” الكريهة في كل مكان منذ ذلك الحين. وبحسب إحدى الأساطير التي تتكئ الرواية في بنيانها عليها، فإن عيون الحمير تستطيع رؤية شكل الصوت ولونه. استدارت الريح برأسها وعادت تصدر صريراً متوجهة صوب عاصمة مملكة “بيشا”. وفي ظل الصراع المحتدم أطيح برؤوس الكثير في “بيشا” من أهل مدينة “هيلا” عقابا لهم لأنهم غيروا ديانتهم. دُمرت معابدهم وأحرق كتابهم المقدس. “كو” عندما توقف عند الباب الجانبي للفناء الخلفي لمعبد كون الغربي في “بيشا”، فُتح الباب، فشاهد أنثى حمار صغيرة مقيّدة بالداخل. قال له الراهب الأكبر: “أستأذنك في أن تصحبها إلى مملكة هيلا، وتسلمها إلى الراهب مانشنغ في معبد تاوهوا”. قال له: “أنا أنقل الرسائل فقط وليس الحمير”. ردّ: “يمكن اعتبارها رسالة”. هنا شعرت الحمارة “شيه” أن هذا الرجل ذا اللحية سيكون في خدمتها من الآن فصاعداً”. ترجم يحيى مختار فإن هذه الرواية تنطوي على “نص مغاير ومغامرة فريدة في عالم غرائبي غارق في الخيال والأساطير المحملة بطابع المناطق الغربية الصينية”. ويحسب لمختار الذي سبق له أن ترجم العديد من الأعمال الأدبية والفكرية من الصينية إلى العربية أنه نجح في إنجاز ترجمة سلسة لرواية “المرسال” التي تكاد تكون عملاً ملحمياً (500 صفحة من القطع فوق المتوسط) بأحداثها الأسطورية وشخوصها من البشر والحيوانات والأشباح. يقول يحيى مختار في مقدمته للترجمة: “تعمد الكاتب أن تنتهي الرواية دون أن يحدد ما آلت إليه الأمور بين المملكتين، وكأنه يريد أن يقول إنه لا يوجد تصالح في عالم البشر، وعلى النقيض من ذلك، يبرز حالة التواصل بين البشر والحيوانات، والتصالح بين الأشباح، وليؤكد – ربما – أن الحياة ليست البداية والموت ليس النهاية، وأن التصالح لا يحدث إلا بعد الموت، أو إن الإيمان والمعتقد غير خاضعين لمؤامرات البشر، كما أن الصراعات العقائدية لا تجلب سوى الويلات”. ويبقى أن نذكر أن ليو ليانغ تشنغ هو شاعر، يعيش في منطقة شينغيانغ. ومن دواوينه: “الشمس الساطعة فوق الرمال الصفراء”. ومن رواياته: “تربة هشة”، و”حفر جوفاء”. وله الكثير من القصص المدرجة ضمن المناهج الدراسية لطلاب المرحلتين الثانوية والجامعية في الصين. حصل على جائزة لو شون للأدب في دورتها السادسة. انتقل للعيش في بلدة مولي في منطقة شينغيانغ عام 2013، وأسس قرية تسايتسيقو للفنانين، وأكاديمية مولي التعليمية وشغل منصب عميد تلك الأكاديمية. ويذكر أن قرية تسايتسيقو تقع على بعد أكثر من 200 كيلومتر شرق مدينة أورومتشي، حاضرة منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم في شمال غربي الصين. ويشار إلى أن ليو ليانغ تشنغ، كان بين أبرز ضيوف معرض أبوظبي الدولي للكتاب في مايو / أيار الماضي. المزيد عن: روائي صينيروايةالأساطيرالمملكة القديمةتخييلالجماعةالصراعالماوراء 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كيف نكتب تاريخ الأفكار التي شكّلت العالم؟ next post فحوص الدم تكشف عن سرعة شيخوخة الأعضاء You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024