مشهد من فيلم لولا مونتيس (1956) (موقع الفيلم) ثقافة و فنون “السبعة الكبار” يتدخلون في معركة فرنسية – فرنسية من أجل فيلم سينمائي by admin 21 أغسطس، 2023 written by admin 21 أغسطس، 2023 103 يوم قسم “لولا مونتيس” الجمهور عمودياً وأعاد معركة “هرناني” إلى الأذهان اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب كان ذلك في عام 1956 يوم كان النقد السينمائي والكتابة عن السينما بشكل جدي يحترمان الكلمة والمعنى، ويجعلان من كل مقال قضية وسجالاً يصب في نهاية الأمر في طاحونة ثقافة عامة عرفت كيف تجعل من السينما قضية جمالية – فلسفية واجتماعية طبعاً، وكانت المناسبة عرض فيلم قسم النقاد والجمهور، هو “لولا مونتيس” للسينمائي الألماني – الفرنسي ماكس أوفولس، والحقيقة أننا لا يمكننا النظر إلى هذا الفيلم اليوم بوصفه تحفة فنية كبرى، كما يجدر بكل فيلم كبير أن يكون، لكن أهميته، عدا عن كونها تاريخية تموضع الفيلم في تصنيف معين يجب أخذه في الاعتبار ويكاد يمهد لسينما المرأة والسينما الصائبة في بعدها الاجتماعي بشكل عام، تكمن في تجديدات شكلية تنتمي إلى لغة سينمائية تجديدية لا ريب أنه كان لها تأثيرها الكبير حتى من بعد ما نسي الفيلم وخرج من حيز التداول السجالي، أما في ذلك الحين فكان في صلب السجال بل أكثر من ذلك: في حيز سجال لا يأخذ في حسبانه أية شروخ أيديولوجية (وحزبية بالتالي)، بل ينطلق من حيث يجب أن ينطلق، أي من بعده وجدواه السينمائيين، ومن هنا حين نراجع اليوم ملف السجالات التي اندلعت من حول “لولا مونتيس” سيدهشنا وقوف نقاد وسينمائيين يساريين ضد يساريين آخرين في تقييم الفيلم، كما وجود نقاد وسينمائيين يمينيين في المقلب الآخر أي متعارضين في ما بينهم في نظرتهم إلى الفيلم. فرانسوا تروفو: الناقد الشاب الذي أشعل المعركة (أ ف ب) سبعة كبار ولعل في مقدورنا في هذا السياق أن نقول إن السجال حول فيلم أوفولس هذا وصل إلى أوجه، ببيان مناصر للفيلم وقعه سبعة من كبار السينمائيين والمثقفين الفرنسيين حينها، كنوع من الاستطراد لمقال كان قد نشره، فرانسوا تروفو الذي لم يكن قد صار سينمائياً كبيراً بعد، بل كان يكتب عن السينما مقالات مشاكسة بالغة العنف لا شك أنها قدمت مساهمة لافتة في ولادة “الموجة الجديدة” الفرنسية ونظرية “سينما المؤلف” في الوقت نفسه. ومن المعروف أن تروفو كان من مريدي سيد النقد السينمائي الفرنسي حينها أندريه بازان الذي كان وراء تأسيس “كراسات السينما”، بالتالي وراء ولادة ذلك الجيل من الهواة والنقاد الذين سيتحولون بسرعة إلى مخرجين وربما تكون المعركة السجالية التي خاضوها في هذا الجانب أو ذاك، من حول “لولا مونتيس” منطلقهم نحو ذلك كله، مما يعني بالنسبة إلينا هنا أن السجال حول هذا الفيلم كان من النقاط المؤسسة لكل ذلك التجديد الذي طاول السينما الفرنسية ونقدها منذ ذلك الحين. ملصق فيلم “لولا مونتيس” (موقع الفيلم) وهنا نتوقف عند تلك “المعركة” التي سماها البعض “معركة هرناني الجديدة” تيمناً بالمعركة التي اندلعت قبل نحو قرن من ذلك، حول تقديم مسرحية “هرناني” لفكتور هوغو على خشبة المسرح الباريسي، وشارك فيها كثر من بينهم ثيوفيل غوتيه المدافع عن المسرحية مما جعل المعركة تعتبر الرحم التي ولد منها المسرح الرومنطيقي الفرنسي إلى حد ما. فعم يحكي هذا الفيلم الانعطافي؟ حياة امرأة ينطلق فيلم “لولا مونتيس” من اقتباس، موفق وأمين على أية حال، لرواية “حياة لولا مونتيس الاستثنائية” للكاتب سيسيل سان لوران، يستعرض فيها هذا الكاتب الذي اشتهر دائماً بحكاياته ذات الصبغة الاجتماعية العاطفية، حكاية فنانة استعراض حقيقية ها هي ذي تعمل الآن في سيرك حيث تروي كل ليلة تحت رقابة صاحب السيرك القاسي والجشع، قام بالدور الممثل الإنجليزي الكبير بيتر أوستينوف، ولعبت دور لولا مونتيس الفاتنة الفرنسية مارتين كارول، تروي فصولاً من أمجاد حياتها قبل أن تنحط للعمل في السيرك: فتردد بأسى كيف انطلقت في صباها من زواج كارثي في مسقط رأسها الاسكتلندي، وكيف سرعان ما أصبحت عشيقة الموسيقي فرانز ليست قبل أن تصبح محظية للودفيغ ملك بافاريا إذ تباغتهما ثورة عام 1848 فتسقط الملك عن عرشه وتحولها من سيدة كبيرة إلى ما يشبه العاهرة، والحقيقة أن الكاتب الفرنسي إنما كان يريد أن يقدم حكاية عاطفية ميلودرامية وعظية لا أكثر، تنفع لكي تباع ككتاب بمئات آلاف النسخ، كما أن منتجي الفيلم المقتبس عنها أرادوا أن يكون فيلمهم إنتاجاً عالمياً تشارك فيه طاقات إبداعية تنتمي إلى أمم أوروبية كثيرة، غير أن المخرج تمكن من أن يحول المشروع إلى حلقة إضافية في سلسلة أفلام اشتهر بها واعتبرت أفلاماً تساند المرأة وتقدم مآسيها، ولو في الحالات القصوى على الشاشة الكبيرة، وكان ذلك هو دأب ماكس أوفولس عبر أفلام لافتة في هذا المجال له مثل “الخطيبة المبيعة” و”ليبيلي” و”رسالة من امرأة مجهولة” و”مدام فلان…” وطبعاً “الدائرة” المقتبس عن النمسوي آرثر شنيتزلر الذي سيقتبس عنه ستانلي كوبريك فيلمه الأخير “عيون مغلقة على اتساعها”. توليفة موفقة باختصار، تمكن أوفولس هنا من أن يقدم توليفة سينمائية – تاريخية – اجتماعية في زمن كان مثل هذه التوليفة يمكنه أن يتحول بسهولة إلى معركة سجالية، وهكذا كان الأمر، في فرنسا ذلك الحين في الأقل. فبسرعة راحت الكتابات تتوالى ولا سيما في الصحيفتين الكبيرتين “لوموند” و”لو فيغارو” وبتواقيع يعتبر أصحابها من كبار أصحاب الرأي في السينما، ولكن في غير السينما أيضاً، ولكن بتواقيع أكثر شباباً ومنها توقيع تروفو الذي كتب متحدثاً عن صورة الفيلم التي رآها “من الغنى بحيث لا يمكن المتفرج أن يستوعب كل ما يراه بنظرة واحدة، ويقيناً أن مبدع الفيلم قصد ذلك تماماً كما أنه كثف الحوارات وراكمها بعضها فوق بعض، بحيث يحتاج الأمر إلى نباهة فائقة لاستيعاب كل ما يقال”. وبالنسبة إلى تروفو كانت تلك هي السينما الجديدة التي لم يعتد عليها الجمهور، “ومن هنا إذا كان هذا الجمهور قد استنكف عن حضور الفيلم فما هذا إلا لأنه لم يعتد بعد على مثل هذه السينما الذكية والعميقة”، ولقد ختم تروفو حينها كلامه قائلاً “لذا، إن توجب علينا أن نصارع سنصارع، وإن وجب علينا أن نساجل سنساجل”، والحقيقة أن هذه “الدعوة” كانت هي ما حرك “السبعة الكبار” (جان كوكتو وألكسندر آستروك وروبرتو روسيليني وجاك بيكر وجاك تاتي وكريستيان جاك وبيار كاست) كي يصيغوا البيان المشترك الذي أوصل المعركة إلى ذروتها حين نشرته صحيفة “لو فيغارو” 5 فبراير (شباط) 1956، وجاء فيه بشكل خاص “لقد سمعنا في المدينة كلاماً كثيراً جيداً وعاطلاً في حق هذا الفيلم الذي بعد أن شاهدناه وجدنا من المحتم علينا أن نهاتف بعضنا بعضاً كي نتبادل انطباعاتنا في شأنه، ولقد توافقنا في ما بيننا على أن هذا الفيلم هو عبارة عن مشروع إبداعي بالغ الأهمية والجدة، وضروري إلى أبعد الحدود، إنه فيلم شديد الأهمية يأتي في وقت تحتاج فيه السينما إلى استنشاق هذا الهواء الجديد والطازج، ومهما يكن من أمر، لقد سمعنا أيضاً من يقول إن هذا الفيلم لا يعجب الجمهور العريض وإن السينما إنما تصنع من أجل هذا الجمهور. وجوابنا هنا أنه لا يمكن لأحد أن يقول إن الجمهور لن يشاهد هذا الفيلم الذي بدأ عرضه للتو، ومن ناحية أخرى، يقيناً أن (لولا مونتيس) هذا لا يشبه بأية حال من الأحوال تلك الأفلام التي اعتيد صنعها وعرضها، ومن الطبيعي بالتالي أن يشعر قطاع من جمهور السينما بالارتباك أمام مثل هذا الفيلم”. من أجل السينما وجمهورها ويتابع البيان قائلاً “والحقيقة أننا نتساءل هنا عما إذا كان من حقنا أن نطلب من الجمهور الذي يأتي لمشاهدة هذا الفيلم ورأسه معبأ بالكتابات المتناقضة عنه وبشتى أنواع الإشاعات بصدده، أن يكون من الشجاعة، إن استساغ الفيلم، بحيث يعبر عن إعجابه به علناً، وإننا لنرى بعد كل شيء أن هذا الفيلم هو في المقام الأول، فعل احترام تجاه جمهور السينما الذي غالباً ما يساء التعامل معه من قبل استعراضات هزيلة المستوى تنسف ذوقه وما لديه من حساسية فنية، يقيناً في نهاية الأمر، أننا لسنا هنا أمام فيلم ترفيهي بل أمام عمل يحث على التفكير، وإننا لنعتقد أن الجمهور يحب أن يفكر أيضاً (…) وما الدفاع عن (لولا مونتيس) سوى دفاع عن السينما نفسها بالنظر إلى أن كل مسعى إلى تجديد الفن السينمائي سيكون في صالح السينما وجمهورها معاً”. المزيد عن: فيلم لولا مونتيسفيلم سينمائيمعركة هرنانيفرانسوا تروفوبيتر أوستينوفمارتين كارول 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حقنة تعطي الدماغ نفس فوائد ممارسة التمارين الرياضية next post عن صعود رياض سلامة وأفوله You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024