باتت أعداد متزايدة من الطلاب المشاركين في مشاريع الأمم المتحدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإمدادها بسبل التفاوض وأسرار ممارسة الضغوط على ممثلي الدول الأخرى (أ ف ب) الذكاء الاصطناعي الذكاء الاصطناعي لاعب دبلوماسي ومفاوض على طاولة السلام by admin 7 نوفمبر، 2024 written by admin 7 نوفمبر، 2024 63 الاجتماعات خلف أبواب مغلقة لتقريب وجهات نظر أو بسط العضلات السياسية لم تعد حكراً على السياسي الداهية اندبندنت عربية / أمينة خيري قبل نحو قرن بدأ ما يعرف بـ”نموذج الأمم المتحدة” كأداة تدريبية عملية للطلاب الراغبين في محاكاة عمل منظمة الأمم المتحدة، وذلك ضمن الأنشطة الأكاديمية في جامعاتهم. عقود طويلة وآلاف الجامعات حول العالم، ثم انضمت إليها المدارس تعقد نماذج محاكاة ليتدرب الطلاب على كيفية المحادثات والمفاوضات واتخاذ القرارات وسن السياسات، وتوسعت الفكرة لتشمل هيئات إقليمية مثل الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وكذلك اجتماعات وزراء الخارجية حيث يجري الطلاب حلقات نقاش وتفاوض تحاكي ما يجري على أرض الواقع لعدة أيام على سبيل التدريب. ينتهي اليوم الأول ويعودون ليبحثوا ويجولوا بين صفحات الكتب، ثم في دهاليز محركات البحث على الإنترنت لاستقاء مزيد من المعلومات عن العلاقات بين الدول، والصراعات بينها، وسبل حل أو تصعيد أو تخفيف الخلافات، كل بحسب الدور الموكل إليه. الذكاء الاصطناعي مرجعاً في العامين الماضيين، باتت أعداد متزايدة من الطلاب تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإمدادها بسبل التفاوض وأسرار ممارسة الضغوط على ممثلي الدول الأخرى وسن السياسات واتخاذ قرارات تتعلق بمحاكاة الدبلوماسية في ورشهم واجتماعاتهم الافتراضية. ورش الكوكب واجتماعاته الحقيقية المنعقدة خلف أبواب مغلقة لتقريب وجهات نظر هنا، أو بسط عضلات سياسية هناك، أو الوصول إلى حلول دبلوماسية ترضي جميع الأطراف بحسب موازنات القوى وحسابات المصالح في كل مكان لم تعد حكراً على السياسي الداهية والدبلوماسي الجهبذ والمؤرخ المحنك ومتخصص القانون الدولي الماكر وضابط الاستخبارات الحاذق، بل فوجئ الجميع ذات يوم بلاعب جديد على طاولة المفاوضات وقاعات الدبلوماسية اسمه الذكاء الاصطناعي. ما يجري في قاعات الدبلوماسية وعلى طاولات المفاوضات شديد الشبه بالشطرنج، إذ تعتمد على الخداع والمراوغة، يسميها البعض احتيالاً ونصباً وافتراءً، ويراها آخرون بصيرة وذكاءً وإدراكاً. قادم بثقة وسواء كانت هذه أو تلك، فإن الذكاء الاصطناعي يعلن أنه قادم بثقة وسرعة ليدلو بدلوه، ويقوم بدور لم يطرأ على بال أو حسبان. قبل أشهر قليلة، أعلنت شركة “ميتا” المالكة لـ”فيسبوك” أنها طورت برنامجها “شيشرون” بصورة جعلته يتفوق على أداء اللاعبين البشر بـ10 أضعاف في لعبة إستراتيجية اسمها “الدبلوماسية”. “الدبلوماسية” لعبة لوحية عبارة عن مزيج من لعبة البوكر الورقية، ولعبة “مخاطرة” أو “ريسك” (Risk) اللوحية، وبرنامج “الناجي” أو “سرفيفور” (Survivor) التلفزيوني، تعتمد على سبعة لاعبين يتمثل كل منهم في إحدى القوى الأوروبية عام 1901. القوى هي، بريطانيا وألمانيا وروسيا وتركيا والنمسا- المجر وإيطاليا وفرنسا. ويهدف كل من اللاعبين، باعتباره ممثلاً عن قوة عظمى واحدة، إلى السيطرة على نصف لوحة اللعب (أوروبا) كحد أدنى. وحتى يتمكن اللاعبون من الوصول إلى الهدف المرجو، ألا وهو السيطرة والهيمنة، عليهم جميعاً التفاوض والتعاون وتبادل الثقة والدعم من جهة، والتنافس من أجل السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من جهة أخرى. بحسب “ميتا”، تقوم أساسيات اللعبة على التحكم في غالبية الخريطة الموجودة على شاشات اللاعبين، يتفاوض اللاعبون لعقد التحالفات ويدعمون بعضهم البعض عبر المحادثات “الخاصة” بين اثنين، لا توجد اتفاقات ملزمة، لذلك يُمسح للاعبين بتحريف الخطط والخروج عليها وعقد الصفقات المزدوجة، وبعد انتهاء المفاوضات، يكتب اللاعبون التحركات التي ستُنفَذ في وقت واحد على افتراض أن الجميع يثقون في قيام الآخرين بما اتفقوا على عمله، مع العلم أن الطريقة الوحيدة للفوز هي بناء الثقة والتفوق في التفاوض، والتعاون بين اللاعبين. رئيس الوزراء السنغافوري لورانس وونغ (يسار) مصافحاً الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو بعد اجتماعهما في قصر ميرديكا في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، الأربعاء 6 نوفمبر الحالي (أ ب) “شيشرون” بالصدفة؟ غير معروف إن كان الاسم الذي اختارته “ميتا” للبرنامج “شيشرون”، الذي تفوق على اللاعبين البشر، ذا دلالة، أم جاء بمحض الصدفة، فسيرة “شيشرون” السياسية، الكاتب والخطيب الروماني المفوّه الذي ولد في مطلع القرن الثاني قبل الميلاد تظل ملتبسة ومثيرة للجدل، هل كان فيلسوفاً مثقفاً في أجواء فاسدة؟ أم كان ثرياً يعتمد على جاهه وماله؟ أم أنه كان مجرد شخصية انتهازية لا تسعى إلا وراء مصالحها الشخصية ومكتسباتها المادية؟ على أية حال، انتهى الحال بـ”شيشرون” بأن أصدر القنصل الروماني مارك أنطونيو قراراً بقطع رأسه، عقاباً له على مهاجمته القنصل في خطبه السياسية، واعتراضه الدائم على خطواته الدبلوماسية. يراوغ كالبشر الطريف واللافت أنه على رغم أن “ميتا” أكدت مراراً أن اللعبة مصممة بصورة تضمن عدم فوز أي من اللاعبين إلا في حال توافرت الثقة والدعم بين الجميع، ولم يطعن أحدهم الآخر في ظهره، أو حنث بما تم الاتفاق عليه، أو فعل عكس ما قال، إلا أن علماء مراقبين للبرامج والتطبيقات التكنولوجية يقولون إن الألعاب من هذا النوع لا تختلف كثيراً عن البشر في دهائها والتفافاتها وميلها أحياناً إلى الخيانة والكذب في سبيل الوصول إلى حلول سياسية رابحة. بحسب دراسة “تحذيرية” أجراها عالم الحساب وعلوم المعرفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” الأميركي بيتر مارك، طوَّر عدد كبير من أنظمة الذكاء الاصطناعي قدراته، بصورة جعلتها تقدم معلومات خاطئة لمستخدميها من البشر عن عمد. ويشير مارك إلى أن بعض هذه الأنظمة والتطبيقات أتقن فن الخداع. وعلى رغم ما أشار إليه مارك من أن أسباب لجوء بعض برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى الخداع والكذب تظل غير معروفة، فإنه يعتقد أنه نشأ لسبب بسيط ويمكن للبشر أن يفهموه جيداً من منطلق الخبرات الحقيقية، وقال “يعتقد أن خداع الذكاء الاصطناعي ينشأ لأن يتبين أن الإستراتيجيات التي تقوم على الخداع أفضل طريقة للأداء الجيد التي تضمن للبرنامج أو التطبيق أن يؤدي مهمته المحددة، بصورة مبسّطة، الخداع يساعد على تحقيق الهدف بصورة أسرع وأكثر كفاءة”. خريطة الصراعات نظرة سريعة إلى خريطة العالم السياسية والأمنية والإستراتيجية الحالية تستدعي التفكير الجدي في الاستعانة بلاعبين مؤثرين جدد، إذ ربما ينجحون في ما تعثر فيه البشر. توسع رقعة المعارك والصراعات المسلحة، وتفاقم أعداد النازحين واللاجئين، وتفاقم الحروب التجارية والاقتصادية والسياسية، وانكماش مساحات الحوار، واتساع ساحات الصدام، وغيرها تهيمن على خريطة الكوكب، ولا تبدو آفاق الحلول قريبة أو احتمالات النجاة منتظَرة في نهاية نفق الصراعات، لذلك تبدو مقاربات الذكاء الاصطناعي والدبلوماسية وكأنها طوق نجاة حتى إشعار آخر. إشعار مبكر نسبياً قدمه “تشاتام هاوس” أو “المعهد الدولي للشؤون الملكية” (مؤسسة بحثية بريطانية) وذلك في ورقة عنوانها “الذكاء الاصطناعي والشؤون الدولية: الاضطراب متوقع” المنشورة عام 2018 والمحدثة عام 2020. وأشارت الورقة إلى أن السياسة هي أحد أصعب الأنشطة التي يمكن أتمتتها بين كل الأنشطة والسلوكيات البشرية. “السياسة باعتبارها آلية موازنة الأهداف المتنافسة، عملية معقدة بطبيعتها، وتعكس مدى تعقيد السلوك البشري على المستوى الفردي والجماعي، لا سيما حين يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية”. الذكاء الاصطناعي يعلن أنه قادم بثقة وسرعة ليدلو بدلوه، ويقوم بدور لم يطرأ على بال أو حسبان (رويترز) وزير خارجية روبوت؟ وعلى رغم ترجيح الورقة عدم الاستغناء عن البشر سياسياً ودبلوماسياً في المستقبل القريب، والاستعانة بدلاً منهم بالذكاء الاصطناعي بصورة كاملة، فإن علامات وأمارات اللجوء إلى الآلات في السياسة والدبلوماسية وإدارة الحروب والصراعات والسلام، تلوح في الأفق، ومنها ما دخل حيّز التنفيذ بالفعل. تشير الورقة إلى استبعاد قرب وجود رئيس دولة روبوت أو وزير خارجية آلي في المستقبل القريب، لكن هذا لا يعني أن الذكاء الاصطناعي لن يؤثر في السياسة الدولية بطرق شتى. ويتوقع أن تتجلى هذه التأثيرات في تغيرات تطرأ على طريقة البشر من الساسة والدبلوماسيين في اتخاذ القرارات، وليس تكليف الذكاء الاصطناعي باتخاذ القرار، وهذا سيحتاج إلى حكمة وسرعة واستعداد بشري للتعامل الأمثل مع تعاظم دور الذكاء الاصطناعي في السياسة والدبلوماسية على مستوى العالم. قال عن نفسه “الذكاء الاصطناعي” نفسه أفاد بالمعلومات التالية في إطار شرحه عن دوره في الدبلوماسية “أصبح الذكاء الاصطناعي يُستخدم بصورة كبيرة لمساعدة الساسة والدبلوماسيين على اتخاذ قرارات مستنيرة ومواجهات التحديات بصورة أكثر فاعلية، وأبرز الاستخدامات في الدبلوماسية هي، تحليل البيانات إذ يمكن له أن يعالج ويحلل البيانات الواردة من البعثات الدبلوماسية، مثل التقارير والاتصالات والاستخبارات المفتوحة المصدر، والتحليلات التنبؤية فيحلل البيانات التاريخية في ضوء الاتجاهات الحالي للخروج بنتائج محتملة للتحركات الدبلوماسية والأحداث الجيوسياسية. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤتمت المهمات الدبلوماسية الروتينية، مما يتيح للدبلوماسيين خصخصة قدر أوفر من الجهد والتركيز للعمل السياسي والإستراتيجي. ويملك الذكاء الاصطناعي القدرة على المساعدة في إدارة الأزمات عبر تحديد المواضيع الأكثر أهمية، وكذلك شبكات المصالح والتأثير، وتنسيق المشاركة لتوجيه الاستجابات السياسية وردود الفعل الرسمية تجاه الأزمة، كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تخطيط وتصميم الحملات الدبلوماسية بهدف مخاطبة حاجات المواطنين والتطرق إلى اهتماماتهم وأولوياتهم، كما يمكنه بكل سهولة اختبار الرسائل السياسية والدبلوماسية قبل إطلاقها، وتحليل ردود الفعل الشعبية المتوقعة عبر تحليل الأخبار وتعليقات السوشيال ميديا”. ولا تتوقف ملكات الذكاء الاصطناعي في الدبلوماسية والسياسة عند هذا الحد، بل يقول عن نفسه إنه قادر على تحليل المشاعر المدعمة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما شأنه أن يساعد الساسة والدبلوماسيين على فهم مكامن ومصادر السرديات الاستبدادية في المجتمعات المستهدفة، وذلك لوضعها في الحسبان أثناء سَنّ السياسات واتخاذ القرارات. اعتماد قريب لا بعيد يظن البعض أن الحديث عن الاعتماد أو الاستعانة بخدمات الذكاء الاصطناعي لتحديد مصائر الدول سياسياً واتخاذ الخطوات الدبلوماسية، وكذلك الدفع من أجل السلام أو المضي قدماً في إشعال الصراعات هو أشبه بالحديث عن مستقبل الزوج الروبوت، أو الحيوان الأليف الرقمي. الحقيقة هي أن دولاً وأحزاباً وكيانات سياسية بدأت تجس نبض الذكاء الاصطناعي في السياسة وإدارة الأزمات، وذلك بعدما تأكدت كفاءته في ساحة المعركة، وتكبيد “العدو” أكبر كمية من الدمار والخراب والقتل بأقل تحركات فعلية على الأرض. “الحزب الوطني الليبرالي” في كوينزلاند في أستراليا اتخذ خطوة جريئة قبل أشهر حين قرر اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي لوضع تصور عام لأداء السياسي الأسترالي ستيفن مايلز عندما كان رئيساً لوزراء كوينزلاند. هذه الخطوة سلطت الضوء للمرة الأولى رسمياً على الإمكانات الكامنة في الذكاء الاصطناعي في الحملات السياسية، وإن أثارت الكثير من الجدل حول مدى أخلاقيتها. دور بات معتاداً وتجدر الإشارة إلى أن عدداً من الحملات السياسية في دول مختلفة من العالم استخدمت الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك الناخبين وصياغة الرسائل السياسية المرجوة أثناء الانتخابات والحصول على محتوى مقنع يولده الذكاء الاصطناعي. وفي هذا المحتوى تكمن معضلة كبرى لدى استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الدبلوماسيين والساسة، لا سيما مسائل الدفع بالأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة والمفبركة لتشويه الساسة أو تجميل صورهم، وتوجيه الرأي العام بحسب المراد. أما دور الذكاء الاصطناعي في الدبلوماسية والمفاوضات وسَن السياسات، فلا يزال في أول الطريق. الدبلوماسية الرقمية أستاذ الدبلوماسية الرقمية في جامعة أوكسفورد، كورنليو بيولا يشير في ورقة عنوانها “الذكاء الاصطناعي وإدارة الأزمات الدبلوماسية” (2022)، إلى أن “الذكاء الاصطناعي يعد بثورة على الطريقة التي يتم بها التعامل مع الأزمات الدولية، سواء توقعها أو فهمها أو إدارتها”، وهو يرى أنه “يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تقدم المساعدة للدبلوماسيين وصنّاع القرار في أوقات الأزمات، وذلك بمساعدتهم على فهم المعطيات والوقائع الموجودة فعلياً عبر التحليلات الوصفية، ورسم الاتجاهات والأنماط المتوقعة لتطور الأزمة أو التحليلات التنبؤية، ثم تقييم صحة إستراتيجيات الاستجابة عبر التحليلات الإرشادية، أما كيف يمكن لهذه النماذج النظرية أن يتم تطبيقها عملياً، فهذا يبقى قيد الدراسة والتحليل”. وتتطرق الورقة إلى منظومتين ثابتتين في أوقات الأزمات، الأولى هي “ضباب الحرب” ويقصد بها انخفاض مستوى الدقة والشفافية في المعلومات المتبادلة في أوقات الحروب والصراعات، وهو ما يدفع قادة الدول إلى تعويض هذه الضبابية عبر تهويل قيمة البيانات المتاحة واتخاذ القرارات بناءً عليها. والمنظومة الثانية هي الاحتكاك بين عاملَي المصادفة والفعل في أوقات الأزمات والحروب أيضاً. هذا الاحتكاك ينجم عن الفروق الشاسعة بين الحرب الحقيقية والحرب على الورق، وعنصر المفاجأة الذي كثيراً ما يعتري الحروب، وهو ما يجعل أبسط القرارات بالغة الصعوبة. الدفاع والخارجية وهنا تفرق الورقة بين أهداف وزراء الدفاع، إذ يهدف القائد الحربي إلى كسب المعركة بالحسابات العسكرية، وأهداف وزراء الخارجية الذين يعتمدون في عملهم على إرسال واستقبال الرسائل بين بعضهم البعض، ويعنيهم في المقام الأول فهم كيفية تعامل الحكومات الأخرى مع الأزمات الدائرة من حيث العقوبات الدولية، والمساعدات العسكرية، والقرارات التي يتم الضغط من أجل إصدارها في الأمم المتحدة، مفاوضات السلام وغيرها. وما يعني وزراء الخارجية هو فهم وتوقع التحركات السياسية والدبلوماسية للدول الأخرى، ومدة التزام كل دولة بموقفها المعلن، وكيف ومتى يمكن أن تغير سياستها، وهنا، بحسب الورقة، “يبزغ دور الذكاء الاصطناعي في تقديم العون لكل دولة على حدة”. علامات وأمارات اللجوء إلى الآلات في السياسة والدبلوماسية وإدارة الحروب والصراعات والسلام، تلوح في الأفق، ومنها ما دخل حيّز التنفيذ بالفعل (أ ف ب) التحيز الخوارزمي الذكاء الاصطناعي يعتمد على الخوارزميات والمحتوى الموجود على الإنترنت، وكلاهما ليس منزهاً عن الهوى والانحياز. مسمى “التحيز الخوارزمي” بات معروفاً، وهو يحدث حين تتخذ الخوارزميات قرارات من شأنها أن تلحق الضرر بمجموعات معينة من الأشخاص مثل النساء والملونين ومعتنقي ديانة بعينها وغيرهم بصورة منهجية عبر نتائج البحث. أما المحتوى، فاليد العليا فيه هي لمن يضخ الكم الأكبر من البيانات والمعلومات، وللغة الأكثر استخداماً وتداولاً أيضاً، ألا وهي اللغة الإنجليزية أيضاً. كما أن التحيز المعرفي ليس بالأمر الجديد في المحتوى، ويعرف خبراء التقنيات الرقمية أن الزج بالتحيز في المحتوى أمر بالغ السهولة، في حين أن تنقية المحتوى من التحيز أمر بالغ الصعوبة، ويكاد يكون مستحيلاً، ولخص موقع “بي بي سي” الإنجليزي قصة التحيز في المحتوى عبر عنوان بليغ وهو “آلة التحيز: كيف تخبرك غوغل بما تود أن تسمع؟” (نوفمبر 2024). وعلى رغم أن الموضوع يتطرق إلى الانتخابات الأميركية والمنافسة الشرسة بين كامالا هاريس ودونالد ترمب، فإن أسلوب عمل “آلة التحيز” لا يتغير. تطرق الموضوع الصحافي إلى ما يجده الناخب الأميركي الذي لم يكن قد حسم أمره بعد من نتائج بحث على “غوغل”، وكيف أن الناخبين يتلقون إجابات متناقضة عن كلا المرشحين حتى حين يكون السؤال متطابقاً. والأسباب كثيرة، لكن أبرزها يتعلق بتاريخ البحث، وإن كان المستخدم يميل إلى البحث عن “روعة هاريس وبؤس ترمب” أو “روعة ترمب وبؤس هاريس”، وكيف أن نتائج البحث تنظم نفسها على هذا الأساس، لتمد المستخدم بما يرضيه، وليس بما هو موجود على أرض الواقع بالضرورة. آمال وأحلام وأضغاث آمال أو أحلام أو أضغاثها تحوم حول قدرة الذكاء الاصطناعي في القيام بدور الوسيط في السلام. الطريف أو المثير أو كلاهما، هو أن منظمة الأمم المتحدة طرقت باب الذكاء الاصطناعي قبل نحو ثلاثة أعوام بحثاً عن دعم في مجال تنمية قدرات التفاوض وحل النزاعات. الأمين العام أنطونيو غوتيريش قال إنه بمقارنة الذكاء الاصطناعي بآلة الطباعة، يلاحظ أن الأمر استغرق أكثر من 50 عاماً حتى تصبح الكتب المطبوعة متاحة بصورة كبيرة في أنحاء أوروبا. وجاء الذكاء الاصطناعي و”تشات جي بي تي” ليصلا إلى مئة مليون مستخدم في شهرين. وعلى رغم الكثير من التحذيرات من الآثار السلبية أو السيئة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فإن باب الآثار الإيجابية بقي مفتوحاً، أحد الأبواب يكمن في الوساطة لإحلال السلام. الطرفان المتحاربان يحتاجان غالباً إلى وساطة طرف ثالث لمساعدتهما على التوصل إلى السلام. ويقوم الطرف الثالث بمهمة تهدئة المشاعر المحتقنة وتقريب وجهات النظر وطرح الحلول وإقناع الطرفين بالتنازل قليلاً للوصول إلى حل وسط، هذا الطرف الثالث يكون في حاجة إلى ترسانة كاملة من المعلومات التاريخية والفهم للبيئة الثقافية والسياسية والجغرافية والنفسية للنزاع والمشكلات القانونية وغيرها. وهنا يضطلع دور الذكاء الاصطناعي، لا كوسيط ينضم إلى طاولة التفاوض، ولكن كمساعد معلوماتي وثقافي للوسيط قبل أن يصل إلى الطاولة. من أرّخ ماذا؟ وهنا يعاد طرح السؤال، ما هي المصادر التي يغرف منها الذكاء الاصطناعي المعلومات؟ وهل هي منحازة لطرف دون آخر؟ وهل مَن أرّخ الصراع يقف على مسافة واحدة من المتحاربين؟ تسأل “تشات جي بي تي”، هل “حماس” إرهابية؟ تأتيك الإجابة، “نعم، تُصنف ’حماس‘ كمنظمة إرهابية من قبل عدد من الدول، مثل الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي، بسبب استخدام العنف ضد المدنيين وأهدافها السياسية، ومع ذلك هناك دول ومنظمات أخرى تعتبر ’حماس‘ حركة مقاومة شرعية، تختلف الآراء حول تصنيف ’حماس‘ بناءً على السياق السياسي ووجهات النظر المختلفة”. ثم تسأل، هل إسرائيل إرهابية؟ تأتي الإجابة، “الاتهامات بارتكاب أعمال إرهابية تُوجه أيضاً إلى إسرائيل، وبخاصة في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعض الأفراد والدول يعتبرون أن تصرفات الجيش الإسرائيلي، مثل الهجمات على المدنيين والبنية التحتية في غزة والضفة الغربية، تمثل أعمالاً إرهابية، من ناحية أخرى، تبرر إسرائيل هذه الأعمال بأنها تهدف إلى حماية أمنها من التهديدات، بما في ذلك الهجمات من الجماعات المسلحة مثل ’حماس‘”. ثم تلحق الإجابات بهذه الجملة، “يعتبر هذا الصراع معقداً، وتتباين وجهات النظر حول تصرفات كلا الطرفين بناءً على الخلفيات السياسية والثقافية”. الذكاء يجيب تحاول العثور على إجابة محددة، هل يمكن تحقيق السلام في الشرق الأوسط؟ تأتيك إجابة طويلة عن العوامل التي تعرقل السلام من اختلافات سياسية وتدخلات خارجية واعتداءات متبادلة، ثم يرأف “تشات جي بي تي” بالسائل، فيضيف، “على رغم الصعوبات، يبقى الأمل في إمكانية تحقيق السلام قائماً من خلال الحوار والتفاهم المتبادل”. تتكرر المحاولة، ويُطرح السؤال، هل في إمكان الذكاء الاصطناعي تحقيق السلام في الشرق الأوسط؟ يتم سرد ما يمكن للذكاء الاصطناعي عمله مثل تحليل البينات ومحاربة المعلومات الخاطئة والمساعدة في التنمية الاقتصادية وغيرها، ثم يؤكد أنه على رغم قدرة الذكاء الاصطناعي على المساعدة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط عبر تقديم أدوات ورؤى مفيدة، فإنه لا بديل عن العنصر البشري والتعاطف الإنساني والرغبة الحقيقية في التعاون وعبور مرحلة الانقسامات. المزيد عن: الذكاء الاصطناعيالدبلوماسيةوضع السياساتالتفاوضالعنصر البشريالتحيز الثقافيالخوارزمياتميتاالانتخابات الأميركيةشيشرون 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ماذا تتوقع كوريا الشمالية في مقابل إرسال قوات لمحاربة أوكرانيا؟ next post وعد “السلام” منح ترمب أصوات الناخبين العرب You may also like البشر والذكاء الاصطناعي شراكة لاختراق كل المجالات 21 ديسمبر، 2024 كيف أصبح «كلود» روبوت الدردشة المفضل لدى خبراء... 19 ديسمبر، 2024 الذكاء الاصطناعي قد يكشف سمات شخصيتك من خلال... 19 ديسمبر، 2024 هل يعالج الذكاء الاصطناعي الشعور بالوحدة؟ 18 ديسمبر، 2024 كل ما تحتاج إلى معرفته عن ميزة «Image... 18 ديسمبر، 2024 توقعات «غوغل»: ما الذي ينتظر الذكاء الاصطناعي في... 18 ديسمبر، 2024 “الروبوت المجرم” يشكل “عصابة” بفضل الذكاء الاصطناعي 1 ديسمبر، 2024 الذكاء الاصطناعي ربما ينهي عقلية الإجهاد لدى المبدعين 1 ديسمبر، 2024 حوار فلسفي مع الذكاء الاصطناعي: كيف تفكّر الآلة... 25 نوفمبر، 2024 قلق من استخدام الذكاء الاصطناعي لتصنيع أسلحة بيولوجية... 25 نوفمبر، 2024