مادياً كان يمر في وسط برلين لكنه معنوياً كان يقطع أوروبا المنقسمة بين قطبي الحرب الباردة (أ ف ب) ثقافة و فنون الجدار… قصة المنع والبوح by admin 4 أغسطس، 2023 written by admin 4 أغسطس، 2023 166 يرسم الحدود ويفصل الجيوش ويباعد البشر وعليه كتب الإنسان منذ الأزل وحتى الآن أحلامه وأوجاعه اندبندنت عربية \ فيديل سبيتي كان من المفترض أن يظل الجدار مجرد حاجز أو حائط أو سور أو سد، لكنه تطور عبر التاريخ من حال بدائية يؤدي فيها دور الحاجز بين مساحتين أو الفاصل بين فضائين، إلى جزء من الحدود كما الحال مع سور الصين العظيم، وإلى جدار سياسي حين فصل بين برلين الشرقية والغربية واضعاً بذلك حداً بين عالمين مختلفين ومتصارعين. كما يمكن له أن يكون حاجزاً في العلاقات الاجتماعية، أو عائقاً أمام الأفكار، أو مانعاً حدودياً يراقب دخول المسافرين والبضائع، ويقرر الحدود الفاصلة بين دولتين. يعتبر الجدار في علم الهندسة دعامة استقرار في المبنى من جهة، ومساعداً في تحديد تخطيط المساحة من جهة ثانية، وفي علم النفس العاطفي هو آلية دفاع أو حاجز عاطفي يخلقه الشخص لحماية نفسه من الألم العاطفي أو الضعف. الجدار مادياً ومعنوياً قاموس جامعة “كامبريدج” الإنجليزي يعتبر أن لكلمة الجدار مدلولين، الأول حقيقي والآخر مجازي. ففي الواقع الملموس هو عنصر بنائي يحدد بثلاثة أبعاد: السماكة والطول والارتفاع، ووظيفته الرئيسة هي وضع حدود للمسافات وعزل الفضاء. وانحصرت وظيفة الجدار في ما مضى بدور محدد وبسيط هو العزل والحماية لكل ما يوجد في الداخل من كل ما يقع بالخارج، وفي زمننا الحاضر أصبح الجدار عنصراً إنشائياً هندسياً يحمل أوزاناً تفوق وزنه الذاتي. أما المدلول المجازي للجدار فهو افتراض أنه عائق نفسي غير ملموس يمنعنا من بعض التصرفات، فالقوانين والعادات والتقاليد والأعراف كلها جدران بين الناس. وطالما اعتبر أبو علم النفس العيادي سيغموند فرويد أن قمع الرغبات والغرائز الفردية من أجل المصلحة العامة هو بمثابة جدران نبنيها في داخلنا، وتؤدي إلى إصابة كل شخص فينا بعصاب نفسي معين يصبح مقبولاً اجتماعياً طالما يحقق الغاية منه، أي تنظيم العيش الجماعي عبر “قمع الأنا الأعلى”. وتستعمل عبارة “هدم الجدران” في لغة السياسة بشكل كبير، خصوصاً عندما تعني الانفتاح والتواصل مع الآخر المختلف، ودائماً يوصف “المحافظون” في مختلف المجتمعات، الذين يحاربون التقدم التقني وتطور العلاقات الاجتماعية وانفتاحها لأسباب شتى بأنهم يبنون جدراناً أمام قطار التقدم البشري، وكذلك يوصف وقوف لاعبي كرة القدم كحائط في مواجهة راكل الكرة في رمية حرة قريبة من المرمى. والجدار الذي يشير إلى مضمون سلبي يوصف بالمسلح أو الحديدي أو الفولاذي، وغالباً ما يفصل بين المتحاربين في المعارك الكبرى مثل حائط النورماندي في الحرب الثانية، وجدار بارليف على قناة السويس الذي اقتحمه المصريون في حرب 1973. ويمكنه أن يكون جداراً سياسياً وواقعياً في الوقت عينه كجدار برلين الذي بني من الأسمنت والحديد وأطنان الأسلاك الشائكة، فهو مادياً كان يمر في وسط برلين، لكنه معنوياً كان في وسط أوروبا الوسطى المنقسمة بين قطبي الحرب الباردة. على جدران الكهوف ترك الإنسان الأول بصمات لا تمحى (أ ف ب) يشيع بعض المحللين السياسيين اليوم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول إعادة بناء جدار حديدي بين شرق أوروبا الأورثوذكسي وغربها الكاثوليكي، وهو الجدار الفولاذي نفسه الذي أنشأه النظام الشيوعي سابقاً، الذي أقامه قبلهما النظام القيصري في القرن الـ19 وفي الحرب العالمية الأولى. وهناك جدار الفصل الذي أقامته الحكومة الإسرائيلية مع الضفة الغربية، وهو ما يسميه الفلسطينيون “جدار الفصل العنصري”، والإسرائيليون “جدار الحماية” من الهجمات العسكرية الفردية التي يقوم بها الفلسطينيون. وهناك في البقعة نفسها “حائط المبكى” لدى اليهود، وهو نفسه الذي يسميه المسلمون “حائط البراق”، حيث انطلق نبي الإسلام في معراجه إلى السماء. وبشكل أكثر كوميدية هناك الجدار الحدودي الذي أراد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بناءه على الحدود مع المكسيك كي يوقف الهجرة غير الشرعية من جنوب أميركا إلى الولايات المتحدة، وكانت كلفة هذا الجدار تبلغ مليارات الدولارات لأنه يمتد على مسافة هائلة بتنويعات جغرافية معقدة، عدا عن تأثيراته البيئية في هجرة الحيوانات بين الشمال والجنوب. ومثل هذه الجدران بينت في دول أوروبية متوسطية كثيرة، وعلى ضفة المانش الإنجليزية لمنع المهاجرين غير الشرعيين من العبور. وللجدار في أجسادنا أعمال مهمة، فهو جدار الخلية الذي يتسم بأهمية كبيرة في تركيبها وبنائها وتطورها، وهو طبقة صلبة تحيط بالخلية وتقوم بتحديد شكلها وتوفير الحماية لها من الخدوش والأخطار الخارجية. ويتكون الجدار الخلوي من ثلاث طبقات تتألف من معادن مختلفة أهمها البروتين والسليلوز، وتعد النباتات والفطريات والبكتيريا أمثلة على الكائنات الحية التي تمتلك جداراً خلوياً. بات حدوداً مرسومة بدقة وجداراً سياسياً يفصل بين عالمين ضدين (أ ف ب) وفي جسم الإنسان هناك جدار الأوعية الدموية التي تعمل كأنابيب الضخ الحديثة وتتناسب مع ضخ الدم من القلب إلى أصغر شعيرة دموية، وهناك جدار المعدة الحساس الذي بسببه اعتبر الطبيب الأكبر ابن سينا أن “المعدة بيت الداء”، والجدار الذي يفصل بين داخل الجسم وخارجه، وهو الجلد المكون من طبقات من الخلايا تجدد نفسها بنفسها لتوازن حرارة الجسم بين الخارج والداخل وتحميه من أشعة الشمس المباشرة وتحافظ على الضغط المتوازن داخله. والجلد الرقيق الذي يغطي جسد الإنسان من بين أقوى الجدران الموجودة على الإطلاق، فهو كالسور العالي المنيع المحروس جيداً، الذي يمنع أي دخيل غير مرغوب به من المرور إلى داخل الجسم وأعضائه، وأما الجدار الأهم في جسم الإنسان وجميع الكائنات الحية فهو جدار القلب. جدران العصر الإلكتروني في تاريخ “ما قبل الجدار” استخدم إنسان الغابة جدران الكهوف التي صنعتها الطبيعة وسيلة للتعبير وترك رسائله عليها بواسطة الرسم، وأضافت هذه الرسوم إلى معارفنا حول الإنسان العاقل ساكن الكهوف، وهي أولى الجدران الطبيعية التي قام الإنسان بتقليد بنائها. اليوم في العصر الحديث تبنى الجدران في برامج الكومبيوتر لحمايتها من القرصنة أو الفيروسات الإلكترونية، وباتت من المهمات الأساسية للحكومات المتقدمة على جبهات الحرب الإلكترونية التي تتسع يوماً بعد يوم حتى أصبح بإمكانها أن تحقق أضراراً أكبر من أضرار الحرب الكلاسيكية بين الجيوش. يسميه اليهود “حائط المبكى” والمسلمون “حائط البراق” (أ ف ب) ومكان الكتابة ونشر الصور والفيديوهات والآراء في وسائل التواصل الاجتماعي هو جدران أيضاً، فهناك جدار “فيسبوك” و”إكس” و”تيك توك”، وهو يشبه جدار الشارع الذي يستخدمه رسامو الـ”غرافيتي” لإرسال رسائلهم عبره، وكما قد يتم منع رسامي الـ”غرافيتي” من الرسم في الأماكن العامة يمكن لإدارات وسائل التواصل الاجتماعي وقف التدوين والنشر عبرها بسبب مخالفة شروط الوسيلة الإلكترونية، ويحدد وقت المنع بحسب شدة المخالفة التي يرتكبها الناشر. من بين الفنانين المجهولين لفن الرسم الجداري أو الـ”غرافيتي” الفنان بانكسي، وهو ناشط سياسي ورسام ومخرج سينمائي بريطاني ولد عام 1974، وبدأ في الكتابة على الجدران وهو لم يتجاوز الـ12 سنة. ولاحظ المراقبون لرسومه أنها تشبه إلى حد كبير رسوم فنان الـ”إستنسل” الفرنسي الشهير بليك لي رات، مما جعله ملاحقاً من المعجبين ونقاد هذا الفن الرائع، ومن أشهر رسومه تلك التي خطها على جدار الفصل الإسرائيلي، التي تتناول مواضيع حرية التنقل والفصل العنصري بين الناس. واشتهرت لوحته التي تصور فتاة صغيرة تحمل بالوناً، وبيعت بملايين الدولارات قبل سنوات. وهناك جدار القبة الحديدية الصاروخية في إسرائيل، وهو عبارة عن شبكة دفاعية ضد الصواريخ التي تطلقها المنظمات الفلسطينية المسلحة. وتسمية هذه الشبكة بالقبة الحديدية يشي في ذهن السامع بأنها لا تخترق على رغم أن صواريخ كثيرة تسقط في إسرائيل من دون أن تتمكن تلك القبة من التصدي لها، وهكذا فالقبة المعنوية أو المتخيلة يمكنها أن تحمل ثقوباً معنوية ومتخيلة أيضاً. وطالما تحدى مخترعو برنامج Windows Firewall بأنه من أقوى برامج الحماية للملفات الخاصة الموجودة على الكومبيوتر، والملفات العامة التي يستخدمها الجهاز نفسه للدخول إلى شبكة الإنترنت، وبذلك فهو يتولى تصفية وعزل أية محاولة تسلل يقوم بها قراصنة الشبكة. واسم Firewall (الجدار الناري) مشتق من الجدران الطينية التي تبنى بين بيوت القش والقصب والخشب لكي تمنع انتقال النار من بيت إلى آخر لدى وقوع حريق، وكان بناء هذا النوع من الجدران منتشر في فترات مختلفة في أوروبا. المزيد عن: الجدارالفصل العنصريالحدودجدار الخليةقوارب الهجرةترمبإسرائيلفلسطين 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رضوان السيد يكتب عن.. ديفيد هيرست: حذارِ الدول الصغيرة! next post عائلة يعقوب اليهودية اللبنانية تتفكك في رواية “جاكوفا” You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024