ثقافة و فنونعربي “الثاني والثالث من مايو” لـ غويا… الفن تحت وطأة الأيديولوجيا by admin 16 مارس، 2020 written by admin 16 مارس، 2020 119 سمعة المماليك ضحية لمزاج الرسام وهواه الفرنسي اندبندنت عربية/ إبراهيم العريس باحث وكاتب لا يحتاج عدد كبير من الإسبان لأن يكونوا يمينيين متطرفين أو فاشيين حتى ينصرفوا إلى إبداء شيء – أو حتى كثير – من العتب على العرب حين يتعلق الأمر بمزيج من حديث السياسة والتاريخ. ولنبادر هنا منذ الآن للقول أن احتلال العرب لإسبانيا عند نهاية القرون الوسطى ومُكوثهم هناك ما يقارب السبعة قرون لا علاقة له بالأمر. بل على العكس حيث إن الإسبان العاتبين اليوم هم أنفسهم الذين يقرّون عادة بأن الحقبة الأندلسية في تاريخهم كانت واحدة من أزهى حقبات ذلك التاريخ، وبالتالي فإن عرب الأندلس لا علاقة لهم بالأمر. المسألة أقرب إلينا تاريخياً وربما تتلخص في مرحلتين، تتعلق أحداثهما بمساهمة عربية بائسة في الحرب التي شنها فرانكو وفاشيّوه ضد القوى الديمقراطية الإسبانية حتى سحقها مباشرة قبيل الحرب العالمية الثانية، على شكل مقاتلين مغاربة استدعاهم فرانكو ونكّلوا بالثائرين. راجع في هذا، على سبيل المثال، ما يكتبه المناضل الأممي الفلسطيني نحاتي صدقي في مذكراته عن محاولاته ردع بني جلدته العرب من المساهمة في تلك الجريمة وفشله في ذلك. أما المرحلة الأقدم فلنقل أنها تتلخص في لوحة، أو لوحتين. واللافت هنا أننا إذا كنا استشهدنا على الحادثة الأجد بإبداع، ها نحن نستشهد على الحادثة الأقدم بإبداع كذلك، وكأننا في الحالتين نذكّر أن الإبداع يبقى الشهادة الأهم والأصدق على مجريات التاريخ. ثورة إسبانية ضد نابليون أما العملان الفنيان اللذان نذكرهما في هذا السياق بالنسبة إلى الأقدم فهما من رسم الفنان الإسباني فرانشيسكو غويا، وهما يمثلان ثنائية فنية مدهشة تتألف من لوحتين تحملان عنوانين متشابهين؛ “الثاني من مايو 1808″ و”الثالث من مايو 1808”. للأولى موضوع يحمله عنوانها الفرعي “مدريد، الثورة ضد المماليك”، فيما تحمل الثانية عنوان “الإعدام على جبل برينسيبيو”. ما لدينا هنا ما يمكن اعتباره تسجيلاً فنياً قام به الرسام الإسباني الأكبر في ذلك الحين لحدث تاريخي لا يمكنه أن يبرح مخيلات الشعب الإسباني على الإطلاق، ومن الواضح أنه هو ما يشكل موضوع العتب على العرب، أو فلنقل هنا، للتخصيص، على المسلمين على اعتبار أن المماليك لا يمكن حسبانهم عرباً إلا في المخيلة الشعبية التي اعتادت ألا تفرق بين الاثنين. ولكن مهما يكن من أمر، لا بد من القول أن المغزى، بالنسبة إلينا، ليس هنا. بل في مكان آخر إلى حد كبير. تحديداً في ما أراد الرسام نفسه أن يقوله في اللوحتين. فإذا كان يقال عادة في عالم الفن “الكلاسيكي” الكبير أن ثمة دائماً تقريباً، لغزاً يحمّله الفنان للوحته يشكل نوعا من “وصية” أو “حضّ على التفكير” أو أي شيء من القبيل، هل يمكننا أن نقول في حضرة هاتين اللوحتين، مع تفاوت في التعبير والمعنى والحدّة، إن اللغز الذي تركه الفنان هنا يمكنه أن يكون نوعاً من “التبرير الذاتي” بشكل أو بآخر؟ سنحاول ذلك، من خلال الرجوع في الزمن إلى تلك المرحلة والنظر إلى الموضوع كله من منظور الرسام، المنظور الذي لن يتوضح لنا إلا من خلال لعبة تفكيكية تأتي من تحليل الشكل المباشر لهذين العملين الفنيين، أي من خلال التصدي مباشرة لـ”اللغز” الذي نشير إليه. فالحكاية تبدأ من الحدث نفسه. لقد ثار شعب مدريد يومها ضد فرنسيي نابليون بونابرت الذين كانوا بقيادة شقيق هذا الأخير جوزف، ملك نابولي، المعيّن من قبل الإمبراطور حاكما عاما لإسبانيا. كانت ثورة عنيفة جابه فيها أهل مدريد القوات الفرنسية بعنف في محاولة منهم لمنع اقتياد ابن ملكهم شارل الرابع أسيراً إلى فرنسا. وهكذا صوّر الرسام الانتفاضة في اللوحة الأولى، ليصوّر ما أسفرت عنه في اللوحة الثانية: إعدام الجنود الفرنسيين لعدد من الثوار قرب “بويرتا ديل صول” التي صارت من حينها رمزاً وطنياً مدريدياً كبيراً. واللوحتان ضخمتان (عرض كل منهما 345 سم وارتفاعها 266سم)، وتعلقان اليوم متجاورتين في متحف البرادو في العاصمة الإسبانية لتقولا شيئاً من التاريخ، ولكن أشياء عديدة من عظمة الفن حين يدنو من التاريخ. ثم، بالنسبة إلينا هنا، الموقف الأيديولوجي للفنان من ذلك التاريخ، وهو ما يشكل “اللغز” الذي نشير إليه، أو فلنسمّه “وصية الفنان الأيديولوجية” بغية تسهيل الأمور. لوحة “الثاني من مايو 1808” للفنان الإسباني فرانشيسكو غويا (غيتي) ذلك الهوى الفرنسيّ قبل ذلك، علينا أن نقول شيئين، أولهما أن الفنان، وعلى عكس ما توحي به اللوحتان، لم يرسم حدثي هذه الثنائية فور حدوثه، بل بعد نحو ستّ سنوات من ذلك، أي في عام 1814، ناهيك، وتلك هي النقطة الثانية، أنه لم يكن شاهداً عياناً على الحدث هو الذي لم يكن موجوداً في المكان عند حدوثه. ولننتقل الآن إلى الجزء الأهم من الموضوع ككل لنصل إلى ما يعنينا منه نحن العرب! الجزء الأهم أن غويا الذي يبدو مغرقاً في وطنيته وتمجيده للشعب المدريدي وتعاطفه مع مأساة الثوار الذين يجري إعدامهم، كان وبقي طوال حياته مؤيداً للثورة الفرنسية لما طرأ في فرنسا بعد تلك الثورة بما في ذلك وصول نابليون إلى الحكم ومن ثم مدّه سيطرته لتشمل العديد من البلدان والمناطق الأوروبية. صحيح أن فناناً من طينة غويا، حتى ولو كان هواه فرنسيّا، ما كان من شأنه أبداً أن يقف ضد ثورة الإسبان على المحتل الفرنسي حتى وإن كان التاريخ يؤكد لنا أنه لم يكن من مؤيدي الأسرة المالكة الإسبانية، لكن فناناً كغويا كان يعرف كيف يجد الحل لذلك التناقض الذي يعصر جوانحه، ومن ثمّ يجد متنفسّاً له عبر فنه، السلاح الوحيد الذي يملكه ويمكنه أن يعبر فيه عن مكنونات نفسه، سواء آتى ذلك بشكل واعٍ ومباشر، أو بشكل موارب أو غير واعٍ. وفي يقيننا أن الوعي وتفكير سنوات طويلة هما ما أوصل غويا إلى الحلّ. فنحن إذا تأملنا اللوحة الأولى لن نجد فرنسيين في اللوحة. الجنود المتوحشون الممتشقون سيوفهم يضربون بها أعناق الثوار الإسبان هم غالبيتهم من المماليك القساة المسيطرين على المشهد إلى درجة ينسى معها المشاهد أن ثمة معركة هنا يمثل الفرنسيون فيها الجانب المعادي، ويتناسون أن هؤلاء المماليك هم أتباع نابليون يأتمرون بأمره ويعيشون على ما يدفعه لهم كمرتزقة حقيقيين. فلا يبقى من الصورة سوى مشهد “عرب مسلمين” يذكّر أهل إسبانيا بـ”احتلال المسلمين” و”العرب” لبلادهم طوال قرون سبقت مجيء الفرنسيين ونابليونهم. محاكمة النوايا؟ السؤال هنا هو: هل كان فرانشيسكو غويا (1746 – 1828) يتعمّد ذلك؟ الأرجح نعم، حتى ولو كانوا يبدو بريئاً من ذلك التفكير براءة الذئب من دم ابن يعقوب. خاصة أن اللوحة الثانية تأتي لتستكمل المشهد مؤكدة أرجحية “وعي الفنان تماماً لما يفعل”. ففي اللوحة الثانية لدينا مشهد الإعدام: ثلة من جنود غفلي الوجوه والسمات مشهرين بنادقهم يلتقطهم الرسام من الخلف فيما تواجه المتفرج مجموعة من الثوار الذين يجري إعدامهم وسقط بعضهم أرضاً، فيما يستعد آخرون بكل شجاعة لتلقي مصيرهم. والحقيقة أنه فيما نلاحظ إسبانيّة الثوار واضحة في الملابس والملامح والشجاعة، تغيب فرنسيّة الجنود الأشرار تماماً. فإذا كان الواقع التاريخي يقول إن فرق الإعدام بإطلاق الرصاص كانت فرنسية بينما عُهد إلى المماليك بالدور الأقسى والضرب بالسيوف، حرص الفنان، كما يخيّل إلينا، على اللجوء إلى هذا النوع البصري من “تجهيل الفاعل” تمشيّاً، كما نقترح، مع هواه الفرنسيّ. نقول “كما نقترح” لأن ما نفعله هنا ليس أكثر من استقراء للغز الذي نرى أن الفنان قد خلفه لنا ضمن إطار “المسكوت عنه” في فنه. ولئن كنا نخاطر هنا بأن نبدو وكأننا نمارس محاكمة للنوايا، فإن ما يعزينا، نحن محبي فنّ غويا، هو أن زمناً طويلاً مر على الانتفاضة والإعدام وإنجاز اللوحات، من شأنه أن يخفف من غلواء من قد يرون فيما نقول تحميلاً للفن بأكثر مما يحتمل! المزيد عن: غويا/فرنسا/إسبانيا/نابليون بونابرت/الفنان الإسباني فرانشيسكو غويا 29 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post محمد برادة يروي الاختفاء الملتبس لامرأة مغربية مثقفة next post جائزة محمود درويش تعلن أسماء الفائزين… والفنان محمد بكري شخصية العام You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 29 comments зарубежные сериалы смотреть онлайн 22 مارس، 2024 - 7:58 م WOW just what I was searching for. Came here by searching for %keyword% Reply бот глаз бога телеграмм 11 أبريل، 2024 - 6:37 ص You’re so awesome! I don’t suppose I’ve read something like this before. So great to find someone with a few original thoughts on this issue. Really.. thanks for starting this up. This site is something that’s needed on the web, someone with a little originality! Reply cs 2 live casino site 2024 8 مايو، 2024 - 9:16 ص Hiya! I know this is kinda off topic however I’d figured I’d ask. Would you be interested in exchanging links or maybe guest writing a blog article or vice-versa? My site discusses a lot of the same subjects as yours and I feel we could greatly benefit from each other. If you happen to be interested feel free to send me an e-mail. I look forward to hearing from you! Wonderful blog by the way! Reply Гомельский государственный университет имени Франциска Скорины 16 مايو، 2024 - 10:27 ص Крупный учебный и научно-исследовательский центр Республики Беларусь. Высшее образование в сфере гуманитарных и естественных наук на 12 факультетах по 35 специальностям первой ступени образования и 22 специальностям второй, 69 специализациям. Reply гостиничные чеки Санкт Петербург 25 مايو، 2024 - 1:49 ص What’s up everybody, here every one is sharing such familiarity, thus it’s good to read this website, and I used to go to see this website daily. Reply купить удостоверение тракториста машиниста 31 مايو، 2024 - 4:37 ص Because the admin of this site is working, no hesitation very rapidly it will be well-known, due to its quality contents. Reply 乱伦色情 4 يونيو، 2024 - 3:16 ص Nice answer back in return of this question with firm arguments and describing all regarding that. Reply www.russa24-diploms-srednee.com 11 يونيو، 2024 - 8:09 ص It’s remarkable in favor of me to have a site, which is valuable in favor of my experience. thanks admin Reply хот фиеста casino 13 يونيو، 2024 - 9:22 ص Yesterday, while I was at work, my sister stole my iphone and tested to see if it can survive a twenty five foot drop, just so she can be a youtube sensation. My iPad is now broken and she has 83 views. I know this is completely off topic but I had to share it with someone! Reply Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 10:03 ص After looking into a few of the blog articles on your web site, I truly like your way of blogging. I bookmarked it to my bookmark site list and will be checking back soon. Please check out my web site as well and let me know how you feel. Reply Теннис онлайн 29 يونيو، 2024 - 12:55 ص Oh my goodness! Incredible article dude! Thanks, However I am encountering difficulties with your RSS. I don’t know why I am unable to subscribe to it. Is there anybody else getting the same RSS problems? Anyone who knows the solution will you kindly respond? Thanx!! Reply Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 3:05 ص Have you ever considered about including a little bit more than just your articles? I mean, what you say is valuable and all. However just imagine if you added some great graphics or video clips to give your posts more, “pop”! Your content is excellent but with images and clips, this site could certainly be one of the most beneficial in its niche. Terrific blog! Reply Теннис онлайн 1 يوليو، 2024 - 4:44 ص Nice blog here! Also your website quite a bit up fast! What host are you the use of? Can I am getting your associate link for your host? I desire my site loaded up as fast as yours lol Reply Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 9:41 م Remarkable! Its truly awesome piece of writing, I have got much clear idea regarding from this piece of writing. Reply Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 11:16 ص Hey there! I could have sworn I’ve been to this site before but after browsing through some of the post I realized it’s new to me. Anyways, I’m definitely glad I found it and I’ll be bookmarking and checking back often! Reply Прогнозы на футбол 4 يوليو، 2024 - 12:36 ص Good day! This is kind of off topic but I need some advice from an established blog. Is it very hard to set up your own blog? I’m not very techincal but I can figure things out pretty fast. I’m thinking about setting up my own but I’m not sure where to start. Do you have any points or suggestions? Cheers Reply Прогнозы на футбол 4 يوليو، 2024 - 1:22 م I absolutely love your blog and find the majority of your post’s to be what precisely I’m looking for. Do you offer guest writers to write content for you personally? I wouldn’t mind composing a post or elaborating on some of the subjects you write related to here. Again, awesome web log! Reply строительство автомоек под ключ 7 يوليو، 2024 - 1:10 ص “Франшиза автомойки” от нас подразумевает полную поддержку и совместные усилия. Мы тесно взаимодействуем с каждым из наших партнеров. Reply автомойка под ключ 7 يوليو، 2024 - 1:58 م “Строительство автомоек под ключ” с нашей командой гарантирует использование последних технологий и высочайших стандартов качества. Reply автомойка самообслуживания под ключ 8 يوليو، 2024 - 1:59 ص Выбирая франшизу автомойки, вы получаете готовый бизнес-план, маркетинговую поддержку и постоянное обновление технологий. Reply автомойка под ключ 8 يوليو، 2024 - 1:28 م Мойка самообслуживания под ключ — это удобно и выгодно. Оборудование европейского качества обеспечит стабильную прибыль. Reply строительство автомойки под ключ 9 يوليو، 2024 - 1:14 ص Строительство автомойки под ключ – это удобный способ получить готовый бизнес без хлопот. Мы предоставляем полный пакет услуг, от проектирования до запуска. Reply Прогнозы на футбол 10 يوليو، 2024 - 3:50 ص I was recommended this blog by my cousin. I am not sure whether this post is written by him as no one else know such detailed about my problem. You are wonderful! Thanks! Reply Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 7:32 ص Thanks designed for sharing such a pleasant thought, post is nice, thats why i have read it fully Reply автомойка под ключ 15 يوليو، 2024 - 6:22 ص Ищете надежного партнера для строительства автомойки? Мы предложим индивидуальные решения и полное сопровождение проекта от начала до конца. Reply купить JAC 19 أغسطس، 2024 - 12:12 م Hi there Dear, are you in fact visiting this site daily, if so after that you will definitely take nice experience. Reply theguardian 23 أغسطس، 2024 - 11:11 ص What’s up everyone, it’s my first pay a visit at this website, and article is in fact fruitful in favor of me, keep up posting these articles. Reply theguardian 26 أغسطس، 2024 - 3:34 ص Hey very interesting blog! Reply theguardian 26 أغسطس، 2024 - 6:20 م Thank you a bunch for sharing this with all folks you really understand what you are talking approximately! Bookmarked. Please also visit my site =). We may have a link trade contract among us Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.