ثقافة و فنونعربي الأوكراني لوزنيتسا يستعيد زمن “الهولوكوست بالرصاص” by admin 1 مايو، 2022 written by admin 1 مايو، 2022 26 فيلمه التسجيلي “بابي يار: السياق” يكشف كيفية قتل المدنيين في الحروب اندبندنت عربية \ وائل سعيد يعد وادي “بابي يار” في الشمال الغربي لمدينة كييف في أوكرانيا ضمن المناطق التي شهدت بداية الحلقات الدموية النازية في ما سمي بـ”الهولوكوست بالرصاص”. حدث ذلك في عام 1941 على مدى يومين، وقد قُتل ما يُقارب 34 ألفاً من اليهود الأوكرانيين على أيدي الجنود الألمان وبمساعدة من الشرطة الأوكرانية من دون أي تدخل من السكان المحليين. يستعيد المخرج الأوكراني سيرجي لوزنيتسا أحداث الـ48 ساعة في فيلمه التسجيلي “بابي يار: السياق”، الذي عُرض في مهرجان لندن السينمائي، وافتتح به منتدى الأفلام في نيويورك برنامج الشهر الحالي لعام 2022. وفي حديث سابق له مع “الغارديان” البريطانية، أفاد المخرج أن السياق الجديد الذي يطرحه الفيلم ليس هو معرفة ما حدث بالفعل، بل بالأحرى مناقشة الطريقة التي يتيح بها مفهوم الحرب تدمير المدنيين، في ظل الصمت العالمي. يتهم لوزنيتسا بعض الأسماء التي أطلق عليهم اسم “أصدقاء بوتين في هوليوود”، من أمثال ستيفن سيغال وليوناردو دي كابريو وجيرارد ديبارديو وميكي رورك، فهم “النجوم الذين احتضنوا الديكتاتور الروسي”، مشيراً إلى أن عقارب الساعة الآن تلف في الاتجاه المعاكس. فبعد الدمار الذي أحدثته روسيا في سوريا جاء الدور على أوكرانيا مؤكداً أن سياسة بعض الدول التي تمتلك الوسائل لوقف ما يحدث، يتعاملون مع الموقف “بطريقة غير أخلاقية”، بزعم أن تدخلهم قد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة. “في حين أن الحرب الثالثة قد بدأت بالفعل” كما يرى؛ محذراً في الوقت نفسه من أن الغزو الروسي لن يقف عند أوكرانيا فحسب؛ “بل إن بولندا ستكون التالية، ثم مولدوفا ودول البلطيق، بعد ذلك يأتي الدور على ألمانيا وفرنسا أيضاً، فليس ثمة من حد لتطلعات روسيا الأيديولوجية”. ولا يقتصر الأمر على وجود بوتين فحسب؛ فهو ليس إلا “الرجل الأول” في استراتيجية كبيرة. المخرج الأوكراني سيرجي لوزنيتسا (الخدمة الإعلامية) تصريحات لوزنيتسا جرَّت عليه الكثير، وفتحت أمامه أبواب الإقصاء، فبعد ثلاثة أيام من دخول الدبابات الروسية بلاده، أعلن استقالته من أكاديمية السينما الأوروبية وطُرد من هيئة الجوائز في أكاديمية السينما الأوكرانية لكونه “عالمياً”، كما صرح في رسالة طويلة نُشرت في صحيفة “سكرين دايلي” “أعتقد أن علينا أن نعرف الحقيقة، فمعرفة التاريخ هي أفضل وسيلة دفاع ضد الإبادة الزمنية، عندما تتحول الذاكرة إلى نسيان وعندما يطغى الماضي على المستقبل، فإن صوت السينما هو ما يعبر عن الحقيقة، الحقيقة التي هي السبيل الوحيد للخروج من مستنقع السوفيات وما بعده، فالإرث القديم للاتحاد السوفياتي لم يختلف عن اليوم”. المقبرة اليهودية القديمة في سن صغيرة، كان لوزنيتسا ينتقل من الحي الذي يعيش فيه إلى منطقة مجاورة لـ”بابي يار” للذهاب إلى المسبح “كنت أستقل الحافلة من منزلي وأعود سيراً عبر المنطقة المُشجرة المحيطة بالوادي. في الواقع كنت أتجول عبر بقايا المقبرة اليهودية القديمة، وذات يوم صادفت شاهداً جديداً من الحجر نُقش عليه بالروسية نصب تذكاري”. حين سأل طفل العاشرة والده عما يعنيه ذلك وما تاريخ هذه المنطقة، لم يتلقَّ سوى إجابات غامضة “كان هذا موضوعاً محظوراً في كييف في السبعينيات؛ وحتى في الخمسينيات بعد الحرب مباشرة غُطيت مأساة (بابي يار) بكفن من الصمت”. بوستر الفيلم (الخدمة الإعلامية) عندما غزا الألمان الاتحاد السوفياتي عام 1941 جلبوا الكاميرات إلى جانب الأسلحة، كذلك فعل الجيش السوفياتي عندما استعاد كييف بعد ذلك بعامين، ليترك الفريقان سجلاً سينمائياً كبيراً من آلاف المشاهد والصور غاب معظمها عن الأنظار منذ نهاية الحرب. إلا أن فعل القتل نفسه دائماً ما كان يحدث خارج نطاق الكاميرا، لذلك لا يتضمن الفيلم لقطات توثيقية للمذبحة نفسها، وإن كان يزخر بالعديد من الصور الحميمية لعائلات تنتظر الموت؛ امرأة شابة برفقة صبي يصوبان عيونهم جهة الكاميرا، ثم يتجولان بجوار الملابس المكومة وممتلكات الموتى، قفازات للأطفال، صور من المدرسة وفي مناسبات عائلية، ساق اصطناعية تبحث عن جسد كانت يوماً تنتمي إليه! على صفحة الحقول الثلجية تناثرت الجثث في وضع التشنج، القنابل انفجرت وسط كييف وشنق 12 ألمانياً أدينوا بارتكاب فظائع بعد الحرب… حدث كل ذلك باتفاق جمعي كما لو أنها رغبة دفينة في العنف المفرط. يقول لوزنيتسا “قصدت أن أُغمر المتفرج العصري بأجواء ذلك الوقت، ليس لتفسير التاريخ ولكن لإظهار مساحات مدفونة من السلوك البشري للتشجيع على طرح المزيد من الأسئلة. إنها نقطة بداية فحسب ولا تحمل إجابات مؤكدة”. وهو ما يتفق مع مقولة شابلن عن طبيعة الفن “قبل أن أعرف إلى أين أنا ذاهب، ينبغي أولاً أن أصل هناك”. يرى الناقد ديميتريوس ماثيو أن “الفيلم يعتمد على لقطات استثنائية تجعلنا نحدق مباشرة في الظلام، بقصته المبتكرة عن مفاهيم الغزو والاحتلال والإبادات الجماعية، إن لوزنيتسا وفريقه يصنعون المعجزات بموادهم الأرشيفية”. ووصفته بعض الدوريات الأجنبية بـ”المدهش”، فهو يتعامل بمنتهى الكياسة مع ضجيج المعركة الطاحنة. لكن شهادات الناجين هي الأكثر فظاعة لكونها تعبر عن واقع حقيقي، وتبقى شهادة الجندي الألماني مجرد أمر شرير لا قيمة له. من بين المشاهير الناجين من المذبحة الممثلة دينا برونيتشيفا وهي يهودية سوفياتية أنكرت هويتها حين تم القبض عليها مُدعية أنها كانت قادمة لتوديع شخص ما، إلا أن الألمان أجبروها على السير نحو الوادي وخلع ملابسها وقبل إطلاق النار عليها وسط مجاميع أخرى، ألقت بنفسها فوق كومة من الجثث كميتة حتى حل الظلام وتمكنت من الهرب. الكاميرا المتلصصة في أفلامه الروائية يميل لوزنيتسا إلى ما يمكن تسميته بالكاميرا المُتلصصة، فهو يُتيح لها مراقبة الوجوه عن قرب من دون الظهور أو التوجيه. وربما تماشى ذلك مع عقلية الترصد الأمنية لقوى القمع الأوروبية التي تظهر في جل أفلامه. في “مخلوق لطيف” 2016 يظهر الجانب القاسي لمشاعر المواطنين بعضهم تجاه بعض، في مواجهة قسوة البيروقراطية الحكومية وتعسف القوانين، وهو ما يخلق حالة كبيرة من اللا مبالاة يديرها الحزب تارة والشعب تارة أخرى. يتبع لوزنيتسا، في أفلامه الوثائقية التي تحتل النسبة الكبرى في عمله، الطريقة نفسها تقريباً، فهو يدع المشاهد المُقتطعة تشي بالمسكوت عنه، مازجاً بين الألوان والأبيض والأسود بغرض الفصل الزمني حيناً، أو على مستوى الحالة النفسية للحدث أحياناً أخرى. في فيلمه “جنازة رسمية” 2019 تبدأ المشاهد الافتتاحية المطولة بإذاعة خطاب رسمي، وكل فئات الشعب تنصت بإجلال لخبر وفاة الزعيم الروسي جوزيف ستالين في الخامس من مارس (آذار) 1953، وكيف يتضمن الخطاب أدق التفاصيل عما قبل الوفاة، من تزايد ضربات قلب الزعيم ودخوله في غيبوبة وما إلى ذلك، في صورة تهكمية تطرح مفهوم العبادة الشعبية لشخصية الديكتاتور الروسي. ما أبعدته السياسة تُقربه السينما انطلق قبل أيام المؤتمر الصحافي للإعلان عن تفاصيل الدورة الجديدة الـ75 لمهرجان “كان” السينمائي 17/28 مايو (أيار) المقبل، وعقب المؤتمر أجرت مجلة “الشاشة البريطانية” حواراً مع رئيس المهرجان المخرج الفرنسي تييري فريمو، ومن بين الأسئلة الموجهة لفريمو تعرضه للمقاومة من بعض الأشخاص الذين يدعون إلى مقاطعة الثقافة الروسية بكاملها. “لا نريد مقاطعة الفنانين الروس، كل ما نريده هو تأكيد دعمنا للشعب الأوكراني ومعارضتنا للحرب العدوانية التي يشنها بوتين”. بهذه الكلمات عبر فريمو عن الفصل التام بين الفن والمواقف السياسية، معلناً عن مشاركة ذات وجهين للصراع الدائر. فمن روسيا يشترك المخرج كيريل سيريبنيكوف بفيلم “زوجة تشايكوفسكي” ويحكي عن العلاقة المضطربة بين أشهر الموسيقيين الروس وزوجته أنتونينا ميليوكوفا. ومن أوكرانيا يُعرض فيلم “رؤية الفراشة” للمخرج الشاب مكسيم ناكونيتشني وفيه يتتبع القصة القاسية لامرأة أوكرانية تكافح من أجل العودة إلى حياتها الطبيعية بعد تجربتها المريرة كأسيرة حرب. أما سيرجي لوزنيتسا فيشترك بأحدث أفلامه “التاريخ الطبيعي للدمار” عن كتاب بالعنوان نفسه للكاتب الألماني دبليو جي سيبالد، صدر عام 1999 وأحدث ضجة هائلة في المجتمع الألماني، فهو يرصد ردود الفعل الألمانية عقب الحرب العالمية الثانية. فـ”الإحساس بالإذلال الوطني الذي شعر به الملايين من الألمان في السنوات الأخيرة من الحرب، لم يجد أبدًا طريقاً حقيقياً للتوثيق، وأولئك الذين تأثروا بشكل مباشر بالتجربة لم يشاركوها ولم ينقلوها إلى الجيل المقبل”. المزيد عن: سينما أوكرانية \ فيلم \ مخرج \ روسيا \ بوتين \ الإبادة \ النازية \ المجزرة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post في البدء الحداثة انطلقت من أفريقيا next post كيف يعيش الشاعر الحديث تجربة صوفية في عصر صاخب؟ You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024