من رسوم تراثية رافقت طبعات "البولتافا" (موقع الشاعر) ثقافة و فنون الأميرة التي وقعت في الحب على خلفيات الحروب الدامية by admin 10 سبتمبر، 2024 written by admin 10 سبتمبر، 2024 65 “البولتافا” للروسي بوشكين: الشعر الحائر بين والخيانة والوطنية والغرام اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هي واحدة من العبارات الأكثر شهرة المرتبطة بالولادة الكبرى للرواية الروسية، ولا سيما في القرن الـ19 الذي شهد ظهور عدد كبير من الروايات والقصص التي سجلت تلك الولادة، وظهور عدد من أعظم أدباء العالم على مر تاريخه. كانت العبارة التي تنسب عادة إلى فيودور دوستويفسكي تقول بصورة قاطعة وبسيط “إننا نحن معشر الروائيين الروس إنما طلعنا جميعاً من معطف غوغول”. والحقيقة أن هذه العبارة التي يعرفها ويرددها كل من له علاقة بذلك الأدب الروسي العظيم، لا يمكنها أن تكون مكتملة إلى إذا تواكبت مع ما قد لا يتردد عن قوله القسم الأعظم من الشعراء الروس في القرن الـ19 من “أننا جميعاً ولدنا من غنائيات ألكسندر بوشكين“، ذلك أن هذا الأخير، والمعتبر عن حق، المؤسس الحقيقي للأدب الروسي الحديث، لعب في الشعر الدور نفسه الذي لعبه نيكولاي غوغول في الرواية، وهو اعتمد في هذا، على تلك الأجواء، والمواقف التي كان تعلم باكراً كيف يخلقها، مستخدماً إياها في نهاية الأمر، عناصر “خبطة مسرحية” تأتي مفاجئة بعد تسلسل بطيء لما يجري. ألكسندر بوشكين (1799 – 1837) (موقع غيتي) في النثر كما في الشعر وينطبق هذا على مسرحيات بوشكين، كما على نصوصه الروائية والشعرية، إذ نحن لو قلبنا عوالمه التي نعرفها في أذهاننا، سنجد هذه العوالم مملوءة، مثلاً “بفارس برونزي يطارد بيروقراطياً في شوارع بطرسبورغ”، أو “سنجاباً يجلس داخل قفص من البلور يقشر حبات لوز باحثاً عن زمردة داخل النواة الذهبية”، أو “بائع توابيت يجلس ليلة الميلاد حول مائدة عشاء دعا إليها كل زبائنه الذين سبق لهم أن شغلوا ما باع من توابيت”… كل هذه وغيرها من المواقف تشكل العالم الشعري لبوشكين الذي، على رغم أنه لم يعش سوى 38 سنة، أبدع للأدب الروسي روائع لا تنسى، بل إن بعض روائعه يعد من قبيل التراث القومي بما يحتويه من مواقف وطنية أسست لارتباط الأدب بحياة الشعب وتطلعاته المستقبلية، وغالباً مرتبطة، بصورة وثيقة، مع نظرته إلى ماضيه. وفي هذا الإطار، قد يكفينا أن نذكر أعمالاً مثل “أوجين يونيغين”، و”البوهيميون”، و”حكاية البابا وتابعه بالدو”، وربما كذلك “موتسارت وسالييري” التي اقتبس منها ولو مبتورة فيلم “أماديوس”، الذي يعد أعظم تحية سينمائية قدمت للموسيقي النمسوي المعجزة، وغيرها من أعمال سيقال دائماً إنها عرفت كيف تجمع بين عوالم “مؤسس” الرواية التاريخية سير والتر سكوت، وعوالم الأخوين غريم، الألمانيين، اللذين أبدعا في حكايات الأطفال، مع تساؤلات دائمة عما إذا كان بوشكين عرف حقاً أعمال هؤلاء الكتاب. حرية تعبيرية مطلقة ومهما يكن من أمر، فإن جزءاً من أهمية أعمال بوشكين يكمن في استخدامه حريته التعبيرية في تعامله مع حكايات وأساطير قديمة ترتبط بالفولكلور المحلي، ولا سيما بفولكلور “الموجيك” الريفي، وكذلك بالتاريخ الروسي، إذ عرف بوشكين كيف يمزج في أعمال عدة له بين هذا التاريخ الواقعي وأجواء الفولكلور الأسطورية ورؤاه الذاتية. وفي هذا الإطار، يبرز عمله “البولتافا” استثنائياً وذا دلالة، لأنه، حتى وإن كان لا يعد عادة من أكبر أعماله، قدم ذلك المزيج الخلاق الذي أبدعه بوشكين ولجأ إليه كثر من بعده، وليس داخل إطار الأدب الروسي نفسه. و”البولتافا” التي نشرها ألكسندر بوشكين في الوقت نفسه الذي كان منكباً على كتابة واحد من أعماله الكبرى “أوجين يونيغين”، أي في عام 1828، عبارة عن قصيدة طويلة تتألف من ثلاثة أناشيد، وتروي فصلاً تاريخياً من فصول الماضي الروسي المعقد والعميق في آنٍ معاً. فالإطار التاريخي للقصيدة هو النضال الوطني الذي خاضه بطرس الأكبر ومساعدوه العسكريون ضد ملك السويد شارل الـ12 الذي أتى إلى روسيا غازياً مدمراً، في وقت كانت الصراعات فيه داخل روسيا، من الضخامة بحيث سهلت للعدو عمله. ولئن كان بوشكين اختار هذا الإطار التاريخي القومي الذي يحفظه كل روسي عن ظهر قلب، فإنما لكي يقدم من خلاله حكاية حب شديدة الرومنطيقية، لم تحل سيطرتها على العمل ككل، من دون بروز العنصر التاريخي، ليس بصفته إطاراً فحسب، بل بصفته جزءاً أساساً من الموضوع. حكاية حب استثنائية وبطلة قصة الحب الرومنطيقية في “البولتافا” هي الصبية الحسناء ماريا، ابنة كوتشوباي، الذي يعمل في خدمة القيصر، ويعد من مساعديه الأوفياء. والمشكلة هنا هي أن ماريا وقعت، من دون أي مبرر، في غرام القائد العجوز ماتزيبا، رئيس مقاتلي “الكوزاك”. ويصل بها هواها إلى حد الفرار من منزل أبيها لكي تعيش لدى حبيبها العجوز، وهنا يقرر كوتشوباي، وقد استبد به الغضب الشديد إزاء ما حدث، أن ينتقم من ماتزيبا ويخلص ابنته من هذا الغرام الذي يسيء إليها وإليه هو، بيد أن ماتزيبا يتمكن من كوتشوباي، إذ يتهمه بأنه يخون سيده القيصر ويتواطأ مع الأعداء السويديين ويتصل بهم، وبهذا يسجنه في القلعة ويأمر جنوده بأن يسوموه آيات التعذيب، لكن ماتزيبا كان شريراً مرتين هنا، ذلك أنه هو نفسه الذي كان طوال ذلك الوقت يقيم اتصالات مع الأعداء بغية تسهيل انتصارهم على القيصر طامعاً في أن يكون له الحكم من بعده، وفي خضم هذا كله يحدث أن يتنبه ماتزيبا فجأة إلى خطورة ما يقوم به، ويبدأ في داخله صراع عنيف، من المؤكد أن الفقرات التي تصفه في هذه القصيدة هي أقوى ما فيها، ولا سيما تلك الفقرات التي تصور لنا العجوز ماتزيبا وقد نهض من فراشه وسط الليل البهيم تطارده الأشباح والأفكار السود، ويروح متجولاً في حدائق القصر وقاعاته وقد استبدت به هواجسه وضروب القلق والحيرة، يفكر بما فعل وبما بقي عليه ليفعله. وذات لحظة خلال واحدة من تلك الجولات التي تمزق القائد العاشق العجوز يحدث أن صرخة عنيفة تطلع لتمزق هدوء الليل، داخلة مباشرة إلى فؤاد كوتشوباي الملتاع: إنها صرخة كوتشوباي الذي كان الجنود يعذبونه في تلك اللحظة للمرة الأخيرة قبل أن ينفذوا به حكم إعدام صدر في حقه بسبب “خيانته”. أما العاشقة الضالة الحسناء ماريا، والتي كانت أخطرت بموعد تنفيذ الحكم بإعدام أبيها قبل دقائق فحسب، فإنها أمام ذهولها تعجز عن إنقاذه، إذ يدهمها الوقت. هزيمة السويديين في تلك الأثناء تكون المعركة الكبيرة بين بطرس الأكبر وجيوش السويديين الغزاة بدأت، وهي المعركة المعروفة باسم “البولتافا”، والتي أعطت القصيدة اسمها، ويحدث خلال تلك المعركة أن يلحق القيصر الروسي بجيوش شارل الـ12 السويدي هزيمة ساحقة ترده على أعقابه. ويكون من آثار ذلك أن يضطر العجوز الخائن ماتزيبا إلى الهرب بدوره لكنه قبل رحيله، يجد نفسه فجأة في مواجهة ماريا، التي تلتقيه هنا للمرة الأخيرة، في مشهد يحمل عند بدايته قدراً كبيراً من الالتباس الخلاق: فهل أصيبت ماريا بالجنون؟ أم أنها لا تزال عاشقة متيمة بهذا القائد الخائن؟ إن بوشكين حرص هنا على ألا يضفي على هذا المشهد أي طابع واقعي، بل جعله أشبه بحلم خيالي نرى فيه ماريا وهي تتوسل إلى ماتزيبا أن يأخذها معه لكي تقاسمه أحزانه وبؤسه، وهنا فجأة، تسقط كل الأقنعة: ترى ماريا ماتزيبا على حقيقته الصارخة التي كان فؤادها معمياً عنها من قبل: تراه مجرد عجوز كريه ودموي، وتبتعد هكذا منه متراجعة وعلى وجهها ملامح ضارية فيما تنبعث من فمها ضحكة مجنونة. لفترة طويلة من الزمن كانت قصيدة “البولتافا” واحدة من أشهر قصائد بوشكين، وأشبه بنشيد قومي روسي، إلى درجة انه إذا كانت أعمال كبيرة له صنعت مكانته، فإن “البولتافا” صنعت شعبية هذا الشاعر الذي ولد في موسكو عام 1799 ليموت فيها خلال مبارزة في عام 1837، وبعدما كان كتب بعض أجمل روائع الأدب الروسي، روايات ومسرحيات وحكايات أطفال، مؤكداً دائماً أنه إنما ينتمي إلى سلالة قياصرة هذا الوطن “الذي لا أريد أبداً أن أبدله، ولا أن أبادل تاريخ أجدادي فيه بأي تاريخ على الإطلاق”. ويقيناً، إن أعمال بوشكين تعكس هذا الموقف بقوة، وهي ظلت حية ولا تزال حية حتى الآن، لقوتها التعبيرية واللغوية المؤسسة، ولكن أيضاً لارتباطها بذلك التاريخ. المزيد عن: البولتافاألكسندر بوشكينالرواية الروسيةفيودور دوستويفسكيغوغولالأدب الروسي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “الظل الأخير” مسرحية سعودية تطرح أسئلة وجودية next post السينما العربية بين التمويل المحلي والدعم الأجنبي You may also like يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لنوفمبر 2024 15 نوفمبر، 2024 “بناء العقل الثاني” يواجه أخطار التكنولوجيا وإدمان الإنترنت 15 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: التشخيص والتجريد يتآلفان في... 15 نوفمبر، 2024 عندما لاعب التلفزيون الذكي كاسباروف على رقعة الشطرنج 15 نوفمبر، 2024 غريملينز يحول فوضى فيلم “درجة ثانية” إلى نجاح... 15 نوفمبر، 2024 فلسطين حاضرة في انطلاق مهرجان القاهرة السينمائي 14 نوفمبر، 2024 أنجلينا جولي تواجه شخصية ماريا كالاس في فيلم جديد 14 نوفمبر، 2024