مشهد من فيلم "الجميع يحب تودة". ثقافة و فنون الأفلام العربية المرشحة في أوسكار 2025… هموم وتطلعات by admin 2 ديسمبر، 2024 written by admin 2 ديسمبر، 2024 23 غزة حاضرة في فيلم جماعي وتجارب أخرى تحاكي الواقع الاجتماعي المجلة / أريج جمال أعلنت أكاديمية الأوسكار لفنون وعلوم السينما الأميركية الخميس 21 نوفمبر/ تشرين الثاني قائمتها الطويلة للأفلام المتنافسة على جائزة أفضل فيلم أجنبي في دورتها الـ 97، على أن تُعلن القائمة القصيرة في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الحالي. بين هذه الأفلام سبعة أفلام عربية، أعلنت بلدانها ترشيحها رسميا لمسابقة الأوسكار فئة أفضل فيلم أجنبي عام 2025 (أو أفضل فيلم أنتج خارج الولايات المتحدة، وناطق بلغة غير إنكليزية). هذا الترشيح الرسمي هو أقرب الى نوع من المنتخبات السينمائية، إذ تختار كل دولة الفيلم الذي تراه معبرا عن صوتها السينمائي وقادرا على المنافسة الدولية. وهذا العام تقدمت فلسطين ولبنان والعراق والجزائر ومصر والمغرب وتونس، بأفلامها. وأيا كانت نتيجة هذه الترشيحات الأولية، فهي تظل خطوة لتشجيع السينمائيين العرب من ناحية على العمل والاستمرار، ومن ناحية ثانية لترويج هذه الأعمال بين جمهور العالم العربي، الذي سينجذب بالطبع لهذا الاقتران بين اسم الأوسكار وعناوين أفلام يعرفها، وتتكلم لغته. من بين هذه الأفلام ما هو قصير، كمجموعة الأفلام الفلسطينية التي تُشكِّل شريطا واحدا طويلا، “من المسافة صفر”، لعدد من صُنّاع السينما الفلسطينيين وإشراف رشيد مشهراوي، وفيلم “ميسي بغداد” الطويل المأخوذ عن فيلم قصير للمخرج العراقي سهيم عمر خليفة، ومنها الروائي الطويل، كالجزائري القائم على وقائع حقيقية “196 مترا” للمخرج شكيب طالب بن دياب، وهناك الفيلم التجاري المصري الذي حقق نجاحات في شباكي التذاكر المصري والسعودي، “الرحلة 404″، من إخراج هاني خليفة، ثم هناك “الجميع يحب تودة” لمخرجه المغربي نبيل عيوش، الذي عُرِض أولا في فئة “بريميير” ضمن الدورة الماضية لمهرجان “كان” السينمائي، وكان أول عمل سينمائي مغربي يصل إلى هذه المشاركة. في السطور التالية، نتوقف أمام هذه الأعمال، تُرى ما كانت همومها وتطلعاتها؟ ما نقاط قوتها، في المنافسة الصعبة المنتظرة، وكذلك ما نقاط ضعفها؟ “من المسافة صفر”… في قلب غزة وسط الظرف السياسي والإنساني الصعب، الذي تمرّ به غزة، ويعايش الشعب الفلسطيني قسوته التي تفوق أشد أفلام الرعب ظلمة، يأتي هذا الفيلم، أو مجموعة الأفلام، لتُثبت أن السينما هي أيضا صوت لمَنْ يُراد إسكات أصواتهم، وهي كذلك أداة في يد مَنْ لا يملكون الإمكانات لصناعة البروباغندا، بما أن السينما في الأصل فن، فن سابع، أي جماع الفنون التي تسبقها. من هنا يمكن النظر إلى “من المسافة صفر” على أنه أحد أهم الترشيحات العربية هذا العام، على مستوى الموضوع بالطبع، لكن أيضا على مستوى مفهوم الفن ووظيفته. المشروع من تمويل الأردن وقطر وفلسطين، وقد وضع الموسيقى له الموسيقار نصير شمة. يمكن النظر إلى “من المسافة صفر” على أنه أحد أهم الترشيحات العربية هذا العام، على مستوى الموضوع وعلى مستوى مفهوم الفن ووظيفته في هذا الشريط، حملت الكاميرا مجموعة من صُنّاع السينما الغزاويين، ليصوروا عيشتهم اليومية، وعيشة أحبابهم، وقد يفقدونهم أثناء التصوير، حتى إن المخرجة اعتماد وشاح في فيلم “تاكسي ونيسة” تقاطع القصّة، وتخاطبنا عبر الكاميرا، معلنة موت أخيها، تخبرنا كيف كان يُفترض بالفيلم أن يتطور، وكيف فقدت مع فقدها لشقيقها كل قدرة على مواصلة العمل. مع ذلك، هناك أيضا أفلام أخرى بمثابة دعوات الى المقاومة، بالابتهاج ورفض الكآبة وروح الانتقام مثل فيلم “لا”، لمخرجته هنا عليوة، ذلك أن مزايا “من المسافة صفر” هو تحرُّره من الأيديولوجيا وتركيزه على الناس كناس، لا كأرقام. ملصق فيلم “من المسافة صفر”. بالطبع تتفاوت المستويات الفنية للأفلام، وإحكامها في حال كانت روائية أو قصة مصنوعة فوق الأنقاض، لكنها جميعا تشترك في قدرتها على نقلنا إلى عالم غزة الحالي، في التآلف مع مفرداته، مثلا شكل المعيش اليومي داخل الخيام، مشقة الحصول على مياه، والتحايل على المواد الخشبية لتكوين حطب لطهي الطعام، هذه وغيرها، تفاصيل تعرّفها لنا الأفلام. علاوة على ذلك، تحضر السينما نفسها كحلم بعيد المنال كما في “عذرا سينما” لأحمد حسونة، أو بوصفها بديلا للكتابة والمكتبة المتروكة في “أحمال زائدة” لعلاء إسلام أيوب، و”سلفيز” لريما محمود، غير أنها تبقى في جميع الأحوال وثيقة على المكان والزمان والبشر. بعض الأفلام مسّت أوضاع الأطفال في مشهد الحرب الكبير، مثل “بشرة ناعمة” لخميس مشهراوي، الذي يتحدث عن العادة المُفزِعة التي اكتسبها سكان غزة من كتابة أسماء أولادهم على أجسادهم، كي يتمكنوا من جمع أشلائهم لاحقا في حال موتهم. عالم آخر، ما بين الموت والحياة، ذلك الذي يجعلنا نختبره “من المسافة صفر”، وأصوات تستحق بلا شك الوصول إلى أكبر عدد من المتفرجين، حول العالم. “أرزة”… التحايل على قسوة الحياة في لبنان من إخراج ميرا شعيب، وسيناريو فيصل شعيب ولؤي خريس، يأتي “أرزة”، الفيلم الذي لا يناسبه وصف أكثر من الحيوية، حيوية الأحداث، وتطورها المنطقي السلس، حيوية الحبكة والبناء المحكِم للعمل، الفيلم إنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية. و”أرزة” التي تؤديها ديامان أبو عبود، هي ربة منزل مجتهدة، تصنع بيديها الماهرتين الفطائر كل يوم وتبيعها بالتوصيل لمن يطلبها عبر الهاتف. تمثل أرزة العديد من النساء العربيات اللواتي يعشن الظروف نفسها، يقاسينها في صمت عمل يدر ربحا قليلا وسط ظرف اقتصادي غير هيّن في بيروت، لكن أرزة المسؤولة عن ابنها الشاب كِنان (بلال الحموي)، وأختها نصف العاقلة ليلى (بيتي توتل)، تود التوسع في هذا العمل، لأن تلك هي تقريبا الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة مع ارتفاع الأسعار، وشح السلع. تستميل حكاية أرزة المتفرج بسهولة، فهي في النهاية عن امرأة مكافحة، ومُعيلة لا تكفّ عن التحايل على الحياة ولا تعدم خفة الظل. أي أن أرزة تمثل في النهاية، العديد من النساء العربيات اللواتي يعشن الظروف نفسها، يقاسينها في صمت، ولعلّ أمومة أرزة هي حاميتها من الجنون، ولولاها لتحولت إلى نموذج ليلى شقيقتها، في وحدتها وأعبائها وتخلي المجتمع عنها. مشهد من فيلم “أرزة”. تقطع أرزة مع ابنها كِنان رحلة في المجتمع اللبناني وبين الطوائف والمناطق، بحثا عن الدراجة النارية الذي كانت اشترته له بشق الأنفس، لتوصيل فطائرها الى الزبائن. في رحلة بحثها عمن يساندها تتقمص أرزة، هويات عديدة ومتغيرة، وتحاكي لسان أبناء هذه المناطق، مرتدية علاماتهم الدينية مؤقتا. هذه الحيلة، تخلق بطبيعة الحال، الكثير من المواقف الكوميدية، والعبارات الكاشفة عن تعقيد الوضع في بيروت واحتقانه، لكن من منظور مواطنة شبه محايدة، لا انتماء محددا لها، كما أُريد لها في الفيلم، إنها إنسانة تود تدبير أوضاع معاشها اليومي، وما الذي سيعبر عن إلحاح العادي، واليومي أكثر من خَبز الفطائر وأكلها؟ قبل أن تنجح أرزة في تقمص هويات المجتمع اللبناني المتفرقة كي تصل إلى مبتغاها، نجحت ديامان أبو عبود في الدخول إلى جلد شخصية أرزة، حتى بدا تكوينها الجسماني النحيل والثابت، وعروق يديها المشدودتين وابتسامتها التي لا تغيب، تفاصيل لا يمكن تخيّل شخصية أرزة بلاها. في الفيلم لحظات من الدفء الإنساني، وبحث الشباب عن الحب في مواجهة الأزمة. صحيح أن حكاية ليلى التي جنّت لغياب حبيبها منذ سنوات، قد لا تكون أكثر الثيمات جدة في الأفلام العربية، إلا أن “أرزة” يبقى في المجمل فيلم ذكيا، نابضا، قادرا على عقد صلة فورية مع المشاهد. “ميسي بغداد”… الحرب والموت والأمل في العراق من إنتاج مشترك بين بلجيكا وألمانيا وهولندا والعراق، يأتي فيلم “ميسي بغداد” مرشح العراق لمسابقة الأوسكار، وهو من سيناريو كوبي فان ستينبيرغ وإخراج سهيم عمر خليفة. ينهض الفيلم الطويل على فيلم قصير بالعنوان نفسه، وللمخرج والمؤلف نفسيهما، أُنتِج قبل نحو عشرة أعوام، ويمكن مشاهدته بسهولة عبر الإنترنت. ينتبه “ميسي بغداد” الى بُعدي الشغف والأمل في حكاية حمودي، وهي في المناسبة نقطة قوته المبدئية في منافسة الأوسكار الدولية أما الفيلم الطويل المرشح للأوسكار، الذي كان يمكن تغيير اسمه قليلا، تفاديا للخلط بين العملين، فيحكي قصة الصبي حمودي، المغرم بلعب كرة القدم، والمعجب بالأخص بنجمها الذائع الصيت ميسي، وهو يحلم باحتراف اللعبة في المستقبل، مع فقده لإحدى ساقيه، إثر تفجير إرهابي وقع في مدينته العراقية. يدور الفيلم القصير حول قصة مأسوية أخرى في حياة الصبي حمودي حين يفقد أباه، نتيجة انفجار إرهابي ثانٍ يتعرضان إليه في طريقهما لتصليح التلفاز الذي يشاهد حمودي من خلاله مباريات كرة القدم، ويدعو أقرانه للمشاهدة معه، لأن المشاهدة هي وسيلته الوحيدة للشعور بالاندماج وسطهم، هم الذين ينبذونه في العادة، بسبب إعاقته وانعكاسها على أدائه في مباريات الكرة بالحيّ. ملصق فيلم “ميسي بغداد”. في المقابل، يركز الفيلم الطويل على رحلة حمودي للقاء نجومه العالميين المحبوبين مثل مبابي وميسي، وعلى تمسكه بحلم لعب كرة القدم، وتمرنه المستمر عليها، من دون أن تعيقه ساقه المفقودة. ولعلّ الفيلم الطويل يتجاوز النزوع الميلودرامي الزاعق الذي وسم الفيلم القصير، وينتبه أكثر الى بُعدي الشغف والأمل في حكاية حمودي، وهي في المناسبة نقطة قوته المبدئية في منافسة الأوسكار الدولية، لا سيما أن من يلعب دور حمودي في الفيلم هو الصبي أحمد محمد عبد الله، الذي تتطابق قصة حياته تقريبا مع قصة الفيلم. هو بدوره عاشق لكرة القدم، فقد ساقه وأباه، دفعة واحدة نتيجة قصف إرهابي من “داعش” على منطقة قرب منزلهما. صُوّرت أغلب مشاهد الفيلم في العراق، وقد حصد بالفعل على جوائز من مهرجانات سينما عالمية، كأفضل فيلم، وأفضل إخراج وأفضل سيناريو من مهرجان أربا السينمائي الدولي. “196 مترا/ الجزائر”… طغيان الأسلوب الهوليوودي عن وقائع حقيقية يأتي الفيلم من سيناريو وإخراج شكيب طالب بن دياب، وشكيب هو أيضا واضع موسيقى العمل، وشارك في مونتاجه مع فؤاد بنحمو. يمكن لهذا الجهد أن يعطينا فكرة عن مدى شغف الصانع بفيلمه الذي يتناول موضوع اختطاف الأطفال، أو بالأحرى الطفلات، على يد قاتل متسلسل وصائد صغيرات مجهول. ينتمي الفيلم إلى نوع الإثارة والغموض، ويجيء أسلوبه السينمائي مقاربا بشدة لهذا النوع من الأفلام الهوليوودية، وهو يُذكِّر خصوصا بفيلم Black phone الذي أنتج عام 2021، من إخراج سكوت دريكسون، ومستلهما قصصا حقيقية. انتصر شكيب طالب بن دياب أكثر للأسلوب، وحقق فيلما ربما يملك فرصا جيدة للتصعيد في المسابقة الأميركية للأفلام الأجنبية يدخل “196 مترا/ الجزائر” مباشرة في موضوعه، ويقدم في مشهده الأول، واقعة انتزاع الصغيرة من بين رفاقها التي ستقلب رأسا على عقب، أحد الأحياء الهادئة في الجزائر، إنما مع تطوّر الأحداث، نكتشف أن هذا الهدوء مخادع، وأن أحداثا أخرى من اختطاف الصغيرات قد وقعت في محيطه، لكن الأهالي تكتموا عليها، لأنهم رأوا فيها نوعا من العار الذي يستدعي الإخفاء حسب الفكر الشرقي. هذا التكتم يعرقل عملية البحث عن الطفلة المفقودة، وهي المهمة التي يتصدى لها المحقق سامي (نبيل عسلي)، المتشنج على الدوام، والذي يرفض بسبب الدوافع الشرقية نفسها التعاون مع الطبيبة النفسية دنيا عاصم (مريم مجكان)، تقريبا لأنها امرأة، ولا يثنيها مع ذلك، هذا التوتر في العلاقة مع المحقق عن خوض تحقيق نفسي وروحي ومواز، تعتمد فيه أحيانا على إشارات الأحلام، وعلى ما تقودها إليه علامات صدمتها الأولى، إذ يتضح في نقطة معينة من الفيلم، أنها بدورها كانت ضحية للاختطاف وهي صغيرة، وأنها لم تتمكن قط من تجاوز آثار ما بعد الكرب. مشهد من فيلم “196مترا”. على أي حال، يمرّ الفيلم، على فساد بعض العاملين في جهاز الشرطة، وشعورهم بالإنهاك المتواصل الذي يمنعهم من بذل الجهد المطلوب لإنقاذ مَنْ يمكن إنقاذهن. وهو عائق إضافي يقابل المحقق المخلص لكن المستوحد سامي في سباقه ضد الزمن لإنقاذ الضحية الأخيرة، والقبض على المجرم الفارّ. إلى هذا يتعرض الفيلم، لكن بلا عمق، لمعاناة العاملين في جهاز الشرطة خلال فترة العشرية السوداء في الجزائر، والشعور بالاستياء الذي لا يزالون يعانونه، جرّاء ما شهدوه آنذاك من جرائم بشعة. وبين كل هذه الموضوعات: الاختطاف، ومعاناة كرب ما بعد الصدمة، والتلميح بالاغتصاب، وسطوة السيكوباتيين، وصائدي الصغيرات… يبدو بناء الفيلم إلى حد ما مشتتا، ومركزا أكثر على الأسلوب السينمائي الهوليوودي الجذاب، وعلى الإيقاع اللاهث، الذي يميز هذا النوع من الأفلام. يتحلّى “الرحلة 404” بميزة في المسابقة، وهي خصوصية موضوعه وخصوصية الثقافة التي يعبّر عنها ولعلّ المواجهة الثلاثية بين الطبيبة دنيا والمعتدي، والضحية المسلوبة الإرادة الواقعة تحت سطوة جلادها، هي أحد أهم مشاهد هذا الفيلم، على مستوى بناءه النفسي والدرامي، وربما تتفوق في المعنى على مشاهد المطاردات مثلا التي حظيت بالمساحة الكبرى من السيناريو، غير أن المخرج شكيب طالب بن دياب انتصر أكثر للأسلوب، وحقق فيلما ربما يملك فرصا جيدة للتصعيد في المسابقة الأميركية للأفلام الأجنبية. “الرحلة 404″… الذنب والتوبة وفقا للإيمان الشعبي المصري ربما يكون هذا الفيلم، من تأليف محمد رجاء وإخراج هاني خليفة، أحد أكثر الأفلام التي أثارت النقاشات حولها ضمن إنتاجات السينما المصرية لهذا العام. إضافة إلى تحقيقه اهتماما نقديا لافتا، لاقى “الرحلة 404” إقبالا جماهيريا كبيرا في شباك التذاكر، وأثار انتباه جمهور العالم العربي. الفيلم في مستواه المباشر، يتناول حكاية غادة سعيد، وهي التي اعتاشت من جسدها فترة، قبل أن تقرر “التوبة” بالمعنى الاجتماعي، وبدء حياة كفاح عادية كغيرها من النساء. تقرر غادة أن تتوج حياتها الجديدة، التي تجرّ مع ذلك العديد من الأذيال القديمة، برحلة حج، تحصل معها على “التوبة” بمعناها الديني أيضا، إلا أن سلسلة من الأحداث المباغتة، تهدد رحلتها تلك، وتزعزع كيانها، فإذا بها تخشى من أن “تضعف” حسب التعبير الشعبي، وتعود مجددا إلى ماضيها. ملصق فيلم “الرحلة 404”. في المستوى غير المباشر، يمكن القول إن “الرحلة 404” يستكشف معنى الغفران لا سيما للنساء، وفقا للفهم الشعبي، وليس فهم المثقفين. ولعلّ هذه النقطة الأخيرة هي التي أثارت الكثير من الجدال في شأن الفيلم، إذ نظر البعض إليه كعمل رجعي، لا يقف في صف تحرر أجساد النساء من شراك تصوّرات المجتمع. مع ذلك، من الصعب لمهاجمي الفيلم إنكار أن النظرة الشعبية التي تدين النساء، وتجعل منهن أكباش فداء للعائلات ولأزواجهن، ولا تغفر لهن بطبيعة الحال مِهن الجسد، إن صح الوصف، ليست من اختراع الفيلم، وأنها أمر واقع سيوفه مسلطة علينا جميعا كنساء شرقيات بشكل أو بآخر، وإلا ما كتبت كاتبة نسوية كبيرة كنوال السعداوي العشرات من أعمالها، لتوعية النساء أنفسهن بطبيعة دور الضحية، الذي يولدن ويكبرن فيه. يواصل نبيل عيوش ما كان بدأه في “علّي صوتك”، وهو موضوع الأبطال المتمسكين بحلم الموسيقى والغناء في قلب مجتمعات أصولية وفقا لهذا المنطق، يتحلّى “الرحلة 404” بميزة في المسابقة، وهي خصوصية موضوعه وخصوصية الثقافة التي يعبّر عنها، وهذه بطبيعة الحال أحد المعايير التي تُفحَص من خلالها أفلام المسابقة. مع ذلك، فإن هذه الميزة نفسها يمكن أن تتحول بسهولة إلى عيب، ولنا أن نتساءل إن كان الجمهور غير المصري، وغير العربي بطبيعة الحال، يستطيع أن يفهم، بلا عون من شروح خارج الفيلم، طبيعة السياق الثقافي والفكري الذي تدور فيه قصة الفيلم، والذي أنتج عقدة بطلته. هذا سؤال لا نملك نحن الإجابة عنه، لكننا سننتظر وننرى. “الجميع يحب تودة”… فن العيطة والشيخات المغربيات كأن المخرج المغربي الشهير نبيل عيوش، يواصل في “الجميع يحب تودة”، ما كان بدأه في “علّي صوتك” الذي عُرِض عام 2021، وهو موضوع الأبطال المتمسكين بحلم الموسيقى والغناء في قلب مجتمعات أصولية ترفض الفن وتحرّمه تحت دعاوى شتى، لكن هذا التحريم لا يمنع بطبيعة الحال مسيرة أبطاله الحالمين. هذه المرة، من تأليفه بالاشتراك مع مريم توزاني، يتناول عيوش موضوع الشيخات، وهن المغنيات المتخصصات في أداء فن العيطة المغربي، المعروف بأن من يؤديه في العادة رجال. في سبيل اختراق هذا الاحتكار الذكوري، تغامر المغنيات بالسمعة، وتتحمل النظرات اللائمة للناس، تودة، بطلة الفيلم التي تؤديها نسرين راضي، هي واحدة من تلك المتمردات. مشهد من فيلم “الجميع يحب تودة”. ووفقا لما ينقله موقع “آلو سينيه” الفرنسي يقول نبيل عيوش: “لطالما حضرت الشيخات في أفلامي، ولطالما أثرن اهتمامي، وتمنيت أن يكن في قلب أعمالي. أكنّ كل إعجاب للنساء القويات، بلا شك لأن أمي امرأة قوية، وهي التي تولت تربيتي. من أجل هذا، أردتُ أن أمنح أولئك النساء صوتا في أفلامي”. ويرى عيوش أن “الجميع يحب تودة” فيلم غنائي: “للموسيقى في الفيلم دور مركزي، إلى حد أنها تصير سردية في ذاتها، سواء عن طريق موسيقى العيطة، أو الأغاني الشعبية المغربية التي تغنيها بطلة الفيلم تودة في الكباريهات، لأن الكلمات في أغنيات الفيلم تحمل معاني في ذاتها”. يطرح “ما بين” سؤال الهوية الجنسية وحيرة بعض الأفراد إزاءها، وهو سؤال لا يزال حساسا في العالم العربي من المنتظر أن يبدأ العرض الرسمي في فرنسا لفيلم “الجميع يحب تودة” في 18 ديسمبر/ كانون الأول، وليس معلنا حتى الآن متى تبدأ عروضه التجارية العربية. “ما بين”… قصة عن الهوية الجنسية في فيلم تونسي يطرح الفيلم التونسي “ما بين” سؤال الهوية الجنسية وحيرة بعض الأفراد إزاءها، وهو سؤال لا يزال حساسا ويحظى بطرح خجول للغاية، ومتكتّم في العالم العربي. وحسب موقع “هوليوود ريبورتر”، يحكي الفيلم عن شخصية شمس التي تنقلب حياتها رأسا على عقب إذ تكتشف في نفسها هوية جنسية مختلفة لما اعتقدته في البداية وما اعتقده الآخرون. الفيلم من بطولة أمينة بن اسماعيل ومحمد مراد وسناء بالشيخ وفاطمة بن سعيدان. ملصق فيلم “الما بين” التونسي. كانت تونس نافست ضمن فئة الأوسكار نفسها من قبل عام 2020 بفيلم كوثر بن هنية، “الرجل الذي باع ظهره”، وفي عام 2023، نافست المخرجة التونسية مرة ثانية في مسابقة الأوسكار، بفيلمها “بنات ألفة” الذي رُشح لجائزة أفضل فيلم تسجيلي. المزيد عن: سينما السينما أفلام أفلام مصرية مصر تونس المغرب لبنان غزة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post غسان شربل يكتب عن: سوريا… أخطار الساحة وضرورة الدولة next post بول سالم يكتب عن: فرصة لبنان… والمسار الصعب You may also like هل هناك مدرسة فلسفية مغربية؟ 3 ديسمبر، 2024 “الجميلات النائمات” في رحلة الحب والموت 3 ديسمبر، 2024 “أعراس” لسترافنسكي: تقاليد الريف الروسي تغزو الموسيقى الأوروبية 3 ديسمبر، 2024 العراقي قيس الزبيدي ترك اثرا كبيرا في السينما... 3 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: لُقى «سمهرم» في محافظة... 3 ديسمبر، 2024 “أيام الرخص” تسترجع الأربعينيات الليبرالية في مصر 2 ديسمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الفن والجنون وجهان لعبقرية... 2 ديسمبر، 2024 ما حدود قدرة كُتاب الظل على نقل التجارب... 2 ديسمبر، 2024 برامانتي بصحبة ليوناردو سنوات بداياته في خدمة آل... 2 ديسمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 2 ديسمبر، 2024