ثقافة و فنونعربي “الأرملة كوديرك” لجورج سيمنون تكثف مئات النصوص by admin 12 مايو، 2020 written by admin 12 مايو، 2020 28 حكاية عائلية لرسم أخلاقيات مجتمع منعزل في فضاءات أنانياته اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هل كان جورج سيمنون كاتباً كبيراً حقيقياً أم تراه كان ظاهرة مدهشة تستحق لاستثنائيتها أن تُذكر في كتاب غينيس للأرقام القياسية أكثر مما في الموسوعات والتواريخ الأدبية؟ الحقيقة أن السجال حول هذا الموضوع لم يتوقف طوال نصف القرن الذي ظل سيمنون خلاله سيداً كبيراً من سادة الكتابة القصصية والروائية في القرن الـ 20. وحتى رحيله في العام 1983 لم يقف السجال، وكيف يفعل وفتوى أندريه جيد المبكرة لم تتمكن من ذلك. لقد قال جيد منذ أواسط القرن الـ 20 أن جورج سيمنون هو أكبر كاتب باللغة الفرنسية في ذلك القرن، لكن هذا التأكيد لم يبدل من الأمور شيئاً، وكيف يفعل والأرقام في حد ذاتها تتحدث عما يمكن أن يكون “أعجوبة” إبداعية غريبة امتدت من أول ثلاثينات القرن الـ 20 لتتواصل حتى موت صاحبها: حوالى 240 رواية نشرها خلال حياته، حوالى 150 قصة وأقصوصة، مئات المقالات والدراسات، نصوص عدة في السيرة الذاتية إضافة الى أكثر من 170 فيلماً اقتبست من نصوصه، وعلى يد بعض عتاة المبدعين السينمائيين من مارسيل كارنيه إلى غرانييه دوفير ومن كلود شابرول إلى برنار تافرنييه وجان بيار ملفيل وصولاً إلى الهزلي البريطاني روان إتكنسون (مستر بين) الذي اقتبس عدداً كبيراً من حلقات للتلفزة البريطانية من نصوص له. ولنضف إلى هذا أن الحكاية تقول لنا إنه كان يكتب ما بين 70 و80 صفحة يومياً، والنتيجة: كاتب حقيقي كبير أم ظاهرة؟ اقرأ المزيد قضايا العالم الشائكة في “أبناء الإنسان” لدوروثي جيمس “العين والروح” لميرلو بونتي فلسفة في ظل سارتر وضده “صبية تعزف البيانو” لبول سيزان “الخرتيت” ليونيسكو… الرجل الأخير يدافع عن إنسانيته احتفال مثلث لأننا عاجزون عن الإتيان بجواب قاطع، قد يكون من الأنسب هنا أن “نحتفل” بمرور 90 عاماً على إنجاز سيمنون روايته الأولى في العام 1930، لنتوقف عند واحدة من رواياته وهي تلك التي أوصلتها السينما إلى ذروة الشهرة حين حُوّلت في العام 1970، قبل نصف قرن من الآن، إلى فيلم من بطولة آلان ديلون وسيمون سينيوريه، ونعني بذلك “الأرملة كوديرك” التي خطّ سيمنون على صفحتها الأخيرة حين أنجزها “الأول من مايو (أيار) 1940” أي أنها كتبت قبل 80 عاماً. تدور الرواية حول الشاب جان الآتي لاجئاً إلى المكان هارباً من ماض وضعه على مسافة من حياته العائلية المرفهة، وها هو الآن يُستخدم في منزل ومزرعة آل كوديرك من قبل “الأرملة كوديرك” الملقبة بـ “تاتي”، والتي تهيمن على البيت الريفي المعزول بعد أن مات زوجها وبقيت هي ترعى أباه العجوز المريض وتعيش صدامات يومية مع شقيقتين للزوج الراحل منزعجتين من سيطرة “تاتي” على البيت والمزرعة لارتباطها بالأب، ومن هنا، ما إن يدخل جان إلى حياة هذه العائلة ويبدو واضحاً أن “تاتي” قد استأثرت به وصولاً إلى إقامة علاقة معه مانعة الأختين من الاقتراب منه، حتى تبدأ هاتان في محاولة انتزاعه منها. ومن هنا تتمحور الحكاية على هذا الصراع الذي بعدما يبدأ صامتاً يتطور إلى صراع مكشوف متحولاً أحياناً إلى اشتباكات بالأيدي ينتج منها ذات لحظة وقوع “تاتي” مريضة، ما يجعل جان قادراً على مد شبكته إلى فليسي صغرى الشقيقتين والحسناء الوحيدة في البيت، وطبعاً سيحدث بعد حين أنّ “تاتي” تتنبه لما حدث وتجابه جان الذي يجد أن الوقت قد حان لمصارحتها بأنها لا تملكه، وهنا يجن جنون “تاتي” وتهجم عليه فلا يكون منه إلا أن يخبطها بالمطرقة ويصيب منها مقتلاً. جورج سيمنون (1903 ـ 1983) “أغرب من غريب كامو” من الواضح أن سيمنون، في ما هو أبعد من الحدث الروائي نفسه، عرف كيف يكثف هنا عدداً كبيراً من التيمات التي كثيراً ما وُجدت في رواياته الأساسية الأخرى، من سيطرة النساء على الحدث، في السراء والضراء، إلى غربة البطل والمسافة التي يقيمها بينه وبين العالم (غربة شبهها أندريه جيد نفسه هنا بغربة ميرسو بطل “غريب” كامو، مفضلاً غريب سيمنون على ذلك الأخير)، والبحث المستحيل عن الحرية، ناهيك بتكثيف الأحداث زمنياً ومكانياً، ما يجعل من “الأرملة كوديرك” عملاً يكثف جزءاً كبيراً من عمل سيمنون ككل. والحقية أن سيمنون، في اشتغاله على مواضيعه منطلقاً من أحداث اجتماعية تبدأ بسيطة لتتعقد تراجيدياً أو بوليسياً ولا سيما اجتماعياً من منطلق السبر النفسي لما يصنع أخلاقيات المجتمع، وهي كلها عناصر نجدها مكثفة في هذه الرواية، وجعل من المهام المنوطة بالنقد، على صعوبة في أدغال رواياته والشخصيات التي تملأها، والبحث عن تلك المعاني التي تأخذ وقتها قبل الظهور بكل وضوح في خلفية ما يبدو أول الأمر حدثياً لا أكثر. جمع المجد من طرفيه في فرنسا، بدأ اهتمام النقاد بسيمنون إذاً باكراً منذ أصدر روايته الأولى الموقعة باسمه في العامين 1930 و1931، والتي كان التحري “ميغري” الذي سيكرر حضوره في عدد كبير من روايات سيمنون الأخرى ليصبح منافساً رئيسياً لبوارو آغاثا كريستي وهولمز آرثر كونان دويل، شخصيتها المحورية، يومها وفور صدور الرواية، أقبل عليها القراء بحماس اضطر الكاتب إلى كتابة 17 رواية أخرى تروي مغامرات التحري نفسه، خلال الأشهر الـ 17 التالية. في ذلك الحين، كان سيمنون في الـ 28 من عمره وتمكن باكراً بالتالي من أن يجمع المجد من طرفيه: نال حظوة لدى القراء وحظوة لدى أساطين الحياة الأدبية، وساند ذلك كله قدرته الهائلة على الإنتاج، فأضحى واحدة من أكبر وأهم الظواهر الأدبية في القرن الـ 20، ومع هذا لم يكن سيمنون من الذين يضفون طابع العظمة على أعمالهم، بل كان لا يفتأ يردد أنه إنما يغرف دائماً من خمسة أو ستة مواضيع كبيرة لا وجود لغيرها في عالم الأدب “الفارق ينبع من نظرة الكتاب المختلفة إلى هذه المواضيع نفسها”. بين بلجيكا وفرنسا ولد جورج سيمنون في لياج ببلجيكا من أسرة فرنسية بلجيكية مختلطة وبدأ عمله في الصحافة المحلية، وهو بعد في الـ 16 من عمره، وكان في الـ 19 حين ارتحل إلى باريس بحثاً عن مستقبل له، وبدأ الكتابة بالفعل عام 1922 حيث راح ينكبّ على طباعة ما يصل إلى 80 صفحة على الآلة الكاتبة يومياً، وظل ذلك هو دأبه حتى عام 1936 حيث كان قد أنجز أكثر من 1500 قصة قصيرة، فراح يركز أكثر على الروايات الطويلة وعلى مغامرات “ميغري”. في العام 1945 رحل سيمنون ليعيش في الولايات المتحدة ردحاً من الزمن ثم تنقل بعد ذلك بين فرنسا وسويسرا غير أن تنقله لم يمنعه من مواصلة الكتابة والإنتاج بشكل يومي ومنتظم، وإن كان قد دفعه إلى التقليل من الروايات التي تحكي عن مغامرات التحري “ميغري”، وإلى الغوص أكثر وأكثر في الروايات ذات البعد الدرامي والنفساني، ونجده في تلك الروايات، وقد تمكن من إبداع شخصيات ومواقف تستند إلى تكثيف لغوي هائل وإلى اقتصاد مدهش في الإمكانيات. دراسة نفسية أخلاقية وتأتي في مقدمة تلك الروايات طبعاً، “الأرملة كوديرك” التي تعتبر دراسة نفسية أخلاقية في العلاقة بين الشخصيات، كما أشرنا، ونتوقف خصوصاً عند “الأضواء الحمر” و”موت الجميلة” وهما روايتاه الأشهر اللتان كتبهما انطلاقاً من جولته الأميركية، وفيهما حلل أولويات مجتمع الاستهلاك وتأثيره في النفوس البشرية، قبل نصف قرن من الزمن، على الأقل، على فورة سنوات الـ 60 السوسيولوجية التي ركّزت على مثل ذلك التحليل. أما روايته “الرئيس” فإنها دراسة ثاقبة حادة عن عالم النظم البرلمانية، غير أن هذا لا يعني أبداً أن سيمنون لم يعمد، حتى في رواياته البوليسية العادية، إلى وضع معالم تحليلية حول عالم السياسة والبورجوازية والسلطة والمال وغيرها، وهو ما يجعل من مجمل أعماله نظرة تأملية في أخلاقيات القرن الـ 20 ويعطي المشروعية لأولئك الباحثين الذي وصفوه بكونه بلزاك الأزمنة الحديثة. المزيد عن: الأرملة كوديركجورج سي/منون/أندريه جيد/مارسيل كارنيه/غرانييه دوفير/كلود شابرول/برنار تافرنييه/جان بيار ملفيل/روان إتكنسون/آلان ديلون/سيمون سينيوريه 13 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “الأموال السوداء” وسيلة الجزائر للنجاة من شبح الركود next post وليد فارس: إلى أين تتجه العلاقات الأميركية الخليجية في مرحلة كورونا؟ You may also like أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 13 comments Christi 20 يونيو، 2020 - 9:05 ص An outstanding share! I have just forwarded this onto a colleague who was doing a little homework on this. And he actually ordered me lunch due to the fact that I stumbled upon it for him… lol. So let me reword this…. Thank YOU for the meal!! But yeah, thanx for spending some time to discuss this topic here on your internet site. Feel free to visit my web-site … because g Reply Darcy 21 يونيو، 2020 - 11:19 ص Undeniably consider that which you stated. Your favorite justification seemed to be on the web the simplest thing to understand of. I say to you, I certainly get annoyed even as people consider issues that they just do not know about. You managed to hit the nail upon the top as smartly as defined out the entire thing without having side effect , folks can take a signal. Will likely be back to get more. Thanks Feel free to visit my homepage :: g what Reply Douglas 27 يوليو، 2020 - 12:28 م Thanks for one’s marvelous posting! I genuinely enjoyed reading it, you will be a great author.I will be sure to bookmark your blog and may come back later on. I want to encourage you to definitely continue your great posts, have a nice day! Here is my web-site … cheap plane tickets Reply Jack 29 يوليو، 2020 - 5:17 ص Every weekend i used to visit this website, for the reason that i wish for enjoyment, as this this site conations actually good funny stuff too. Look at my web site :: insanely cheap flights Reply Jodie 6 أغسطس، 2020 - 1:28 م Thank you, I’ve recently been looking for information about this topic for a long time and yours is the greatest I’ve discovered so far. But, what about the conclusion? Are you positive concerning the supply? Take a look at my blog … web hosting service Reply Dorine 25 أغسطس، 2020 - 3:54 ص If you wish for to increase your familiarity only keep visiting this web page and be updated with the newest information posted here. y2yxvvfw cheap flights Reply Palma 25 أغسطس، 2020 - 7:43 ص I know this website presents quality depending articles or reviews and extra stuff, is there any other web site which presents these kinds of information in quality? cheap flights 32hvAj4 Reply Melva 26 أغسطس، 2020 - 8:18 ص You actually make it seem so easy along with your presentation however I to find this matter to be really one thing which I believe I’d by no means understand. It seems too complex and extremely wide for me. I am having a look forward on your subsequent put up, I’ll attempt to get the cling of it! Here is my site: cheap flights Reply Chanel 27 أغسطس، 2020 - 10:06 ص Hurrah, that’s what I was searching for, what a stuff! existing here at this weblog, thanks admin of this web page. Feel free to surf to my site :: cheap flights Reply Kaylene 28 أغسطس، 2020 - 1:20 م Saved as a favorite, I really like your blog! Take a look at my web blog black mass Reply Wilda 31 أغسطس، 2020 - 5:46 ص great issues altogether, you simply won a new reader. What might you suggest in regards to your publish that you simply made a few days ago? Any sure? my web site: black mass Reply Cheryle 31 أغسطس، 2020 - 1:20 م Hey! I’m at work browsing your blog from my new apple iphone! Just wanted to say I love reading through your blog and look forward to all your posts! Keep up the superb work! Feel free to visit my web-site … best web hosting Reply badge for police 14 أغسطس، 2024 - 10:34 م I found this very helpful and will be sharing it with my friends. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.