الحشود بريشة ريمون ألتيس (صفحة الرسام - فيسبوك) ثقافة و فنون إيلينا بوفو تكشف الأفكار الخاطئة عن ظاهرة الحشود by admin 16 أبريل، 2024 written by admin 16 أبريل، 2024 96 تتناول الباحثة الفرنسية الصور النمطية والشعارات الشائعة والسلوكات غير المتوقعة وعنف الأفراد والجماعات اندبندنت عربية / مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN على تقاطع بين الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع يقع الكتاب الأخير للباحثة الفرنسية إيلينا بوفو المسمى “ميكانيكا الجموع، حركات خارج السيطرة؟” الصادر حديثاً في باريس عن دار آرمان كولان، وفيه تعود الباحثة والأستاذة الجامعية إلى دراسة جذور ظاهرة الجموع أو الحشود وتتبع كل ما كتب عنها عبر التاريخ. ولعل هذا الكتاب يفاجئ قراءه الذين يظن معظمهم أنهم قادرون على تحديد هذه الظاهرة وفهم آليات اشتغالها. فيظهر لهم الصور النمطية والأفكار المغلوطة والكليشيهات التي ترافقها والتي تتجاور فيها السلوكات غير المتوقعة والعنف الخارج عن السيطرة مع ولادة مفاجئة للحمة جديدة تجمع بين الأفراد والجماعات المختلفة. فكيف ترسم بوفو معالم ظاهرة الجموع أو “بروفيلها”، والتي غالباً ما تكون عدوانية ومتوحشة وسريعة الانفعال والغضب؟ ومن أين تتأتى هذه التمثلات المرادفة لهذه الظاهرة؟ وما السياقات التاريخية والثقافية التي أدت إلى ظهورها؟ تتبع إيلينا بوفو إذاً أصول هذه الأفكار الخاطئة المرتبطة بمفهوم الجموع أو الجماهير التي شغلت بشدة الوعي الأوروبي في القرنين الـ19 والـ20، منذ كتابات المؤرخ الفرنسي جول ميشليه (1798 – 1874)، الذي افتتن بحشود الثوار التي رافقت اندلاع الثورة الفرنسية، وأبحاث الألماني – البريطاني إلياس كانيتي (1905 – 1995) الحائز جائزة نوبل للآداب سنة 1981، والذي تناول في كتاب شامل بعنوان “الجموع والقوة” (غاليمار، 1966) تحليل هذه الظاهرة. فتدرس النصوص الرئيسة التي أثرت في نظرتنا إلى الجموع وظهور علم جديد هو “علم نفس الجماهير”، بحسب عنوان الكتاب الشهير الذي وقعه الطبيب وعالم النفس الاجتماعي والأنثروبولوجي المثير للجدل غوستاف لوبون (1841 – 1931) الصادر في فرنسا سنة 1895، والذي لا يمكن للقراء الملمين بالعلوم الإنسانية فصل هذا المصطلح عن اسمه، بوصفه أول من خاض البحث في هذا المجال. وقد لاحظ لوبون في كتابه هذا أن النظر إلى الجموع اتصف أولاً بالسلبية، إذ اعتبر المفهوم مرادفاً للهمجية واللاعقلانية والتأثر السهل بشخصية أي قائد أو زعيم. كتاب “ميكانيكا الجموع” (دار أرمان كولان) وافترض بأن العناصر غير المتجانسة التي تكونه، يمكن لها، في ظروف معينة، أن تشكل أساساً جديداً لحشد يتمتع أفراده بخصائص تختلف كثيراً عن خصائصهم كأفراد، ذلك أن مشاعر وأفكار جميع الأفراد في الحشد تسير في اتجاه واحد، تتلاشى فيه شخصياتهم الواعية لصالح عقل جماعي يتصف بخصائص محددة. من هذه الخصائص اختفاء الشخصية الواعية وظهور الشخصية الفاقدة للوعي والمدعومة بمشاعر قوة لا تقهر، تستند إلى عدم الكشف عن الهوية، مما يسمح للمرء بالاستسلام لغرائزه وانتقال مشاعره وتصرفاته وفق مصطلح “العدوى”، كأن يضحي بمصلحته الخاصة لصالح المصلحة الجماعية، فيصبح سريع التأثر والانقياد نحو الاتجاه الذي تحدده الجماهير، والذين يعملون على تحويل أفكاره ومشاعره إلى أفعال ملموسة. ولعل ظاهرة الحشد تتبدى هنا كتكتل موحد ذات سلوك نشط ومعبر ومذعن ومعاد، تكتل يميل إلى العفوية واللاعقلانية وفقدان السيطرة على الذات وعدم الكشف عن الهوية. قراءة تاريخية تستعرض إيلينا بوفو في كتابها هذا كل هذه التحليلات والدراسات والتحديدات التي سبق لها أن قاربت موضوع الحشود، لتبين لنا الأبعاد الأسطورية والأيديولوجية التي تحفل بها، لكن هذا الجانب السلبي الذي رافق لعقود هذه الظاهرة الاجتماعية، والتي تحفل به هذه الدراسات، لم يمنع الباحثة من التشديد على أن هذه النصوص القديمة والمنسية ما زالت تطرح علينا أسئلة وجيهة راهنة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تخبرنا الكاتبة أنه بعد ثلاث سنوات من صدور كتاب لوبون المتأثر بكتابات المؤرخ والفيلسوف الفرنسي هيبوليت تين (1823 – 1893) الذي قدم في أعقاب الحرب الفرنسية البروسية عام 1871 أول رواية حديثة في إطار علم نفس الحشود، مساهماً إلى جانب عالم الاجتماع الفرنسي غابرييل تارد (1843 – 1904) في تشكيل الأدوات والمفاهيم التي تكون الأسس النظرية لهذه الظاهرة من خلال حديثه عن فكرة عودة الجموع، لا سيما تلك التي تتشكل أثناء الثورات وتحت غطاء العقل، إلى الغرائز البدائية، وفكرة “عدوى العواطف” التي سيطورها فيما بعد تارد، أن هذين المفكرين هما أول من قدم الأسس الفكرية لتطور علم سيكولوجيا الحشود. وتوضح لنا أنه بعد كتابات تين ولوبون، أدخل تارد فكرتي “المحاكاة” و”العامة” كمفاتيح لفهم سلوك الجموع وما يطلق عليه اليوم اسم “الرأي العام”. لوحة للرسام غايتان دو سيغين (صفحة الرسام – فيسبوك) ومن بين مجموعة الكتب والنصوص التي توقفت الباحثة عندها، أشير أيضاً إلى كتاب الطبيب والمفكر ورائد التحليل النفسي سيغموند فرويد “علم نفس الجماهير وتحليل الأنا” الصادر سنة 1921، وكتاب الفيلسوف وعالم الاجتماع الإسباني خوسيه أورتيغا إي غاسيت “ثورة الجماهير” الصادر سنة 1961. تمرد الشعوب في هذين الكتابين، كما في غيرهما من الكتب، تقول بوفو إن ظاهرة الجموع تبدت كمرادف لتمرد الشعوب الغاضبة والمنتفضة على الظلم. وقد بني هذا التعريف بحسبها على واقعة اقتحام سجن الباستيل أثناء الثورة الفرنسية سنة 1789، لكنه سرعان ما بدأ بالانتشار في القرون اللاحقة من خلال التظاهرات والإضرابات والاضطرابات الناجمة مثلاً عن قضية الضابط الفرنسي اليهودي دريفوس، ومن خلال النصوص الأدبية كما في رواية إميل زولا “جرمينال” التي حملت صرخة الاحتجاج ضد الاضطهاد والبؤس والفقر والاستلاب والاستغلال، أو رواية فيكتور هيغو “نوتردام دو باري”. ولكن في النهاية، كيف تحدد بوفو ظاهرة الجموع وآليات عملها؟ استناداً إلى الأحداث التاريخية ونظريات علماء نفس الجماهير، تقول إيلينا بوفو إن هذه الظاهرة متعددة الجوانب، وغالباً ما تترافق على مستوى الآليات مع انعدام الإرادة الفردية وتفكك قيود المدنية واختفاء الشخصية الواعية وانتشار الأفعال والعواطف المضخمة في محاكاة لسلوك القطيع والخضوع الأعمى للزعيم. وهي في تساؤلها عن هذه الظاهرة تعيد طرح إشكالية أهدافها وتأثيراتها في الجماهير الفعلية والافتراضية، بما في ذلك تلك التي تتربع على عرش منصات التواصل الاجتماعي، مستعيدة بعض أعمال عالم الاجتماع الأميركي هيربرت بلومر (1900 – 1987) الذي ميز بين أربعة أنواع من الجموع: الجمع العارض الذي يتكون إثر حادثة يجتمع لمشاهدته أناس مختلفون، والجمع النظامي الذي يواكب حدثاً محدداً كمشاهدة مباراة في كرة القدم، والجمع الفاعل الذي نشاهده في التظاهرات والذي يتميز سلوكه بالحدة والانفعالية، وأخيراً الجمع المعبر والذي يجتمع فيه أفراد كحشد المصلين الذين يشاركون في إحياء طقوس دينية أو غيرها من الطقوس. في هذا الكتاب تجمع المؤلفة بين الفلسفة والتاريخ والعلوم الاجتماعية بهدف رسم معالم هذا المفهوم والإشارة إلى التباساته ومعانيه المتضاربة. وتفسر لنا كيف أن الحشود والجموع لا تؤلف شعباً، وكيف أن البلاغة وفصاحة اللسان وجمال التعبير أدوات ضرورية في تكوين هذه الظاهرة. وتتطرق الباحثة كذلك إلى الربط الخاطئ بين هذه الظاهرة والأيديولوجيات البغيضة التي ظهرت في أوروبا في القرن الـ20، فتعمل على حل هذا الارتباط وعلى فصل هذه الظاهرة عن الدلالات السياسية. يأتي كتاب إيلينا بوفو متجاوزاً في مراجعه وأسانيده حدود فرنسا، إذ تهتم فيه الباحثة بأعمال الكتاب الإيطاليين، كعالمي الاجتماع والجريمة تشيزاري لومبروزو وسكيبيو سيغيلي، الذي يتبدى وفق تحليلاتها كالمؤسس الحقيقي لعلم الجموع، فتولي كتاباته اهتماماً خاصاً. تدرس الكاتبة كذلك التوترات والتحركات المتعلقة بالآليات التي تحكم مفهوم الجموع، وترصد الطريقة التي يمكن للجماعة أن تغير الفرد من خلالها، مقاربة الإشكالية من زوايا مختلفة. باختصار، يندرج كتاب “ميكانيكا الجموع، حركات خارج السيطرة؟” في إطار سلسلة من الأبحاث والكتابات سبق للمؤلفة أن نشرتها حول الحشود والجموع التي بدأ الاهتمام العلمي بدراستها في أوروبا في النصف الثاني من القرن الـ19. وتقول بوفو إن الحاجة إلى جعل هذه الظاهرة موضوعاً علمياً لم يملها آنذاك أي مشروع سياسي. واليوم، في وقت تتنامى فيه هذه الظاهرة في كل أنحاء العالم، فإن محاولة درسها وتحديد معالمها علمياً وموضوعياً أصبحت أكثر من ضرورية، إذ تداخلت في تركيب معرفتنا بها مشاعر متضاربة وتخيلات مشوشة وهواجس ومخاوف مختلفة. فما الحشود؟ وما قوانين سلوكها؟ وما خطورتها؟ هذا بالضبط ما تقدمه إيلينا بوفو في كتابها الجامع الذي يختصر كل الدراسات الفلسفية والنفسية والتاريخية والأدبية والاجتماعية التي تناولت هذه الظاهرة. المزيد عن: ظاهرة الحشودالجماهيرالعنفالجماعاتالأفرادالسوسيولوجياالفلسفةالتاريخالشعاراتبحث 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post واشنطن تستعد لطرح مقاتلات ذات معايير تكنولوجية خارقة next post كوبولا العائد مفاجأة الدورة الـ77 من مهرجان “كان” You may also like فلسفة الحياة أي أن نفكر في أحوالنا اليومية والعالم 29 ديسمبر، 2024 هوبيما الرسام الهولندي الذي أسس المدرسة الطبيعية الإنجليزية 29 ديسمبر، 2024 “الحمار الذهبي” من أقدم السرديات الكبرى في التاريخ 29 ديسمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: بين “سقوط الأسد” و”مئة... 29 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن العودة إلى دمشق: قصر... 29 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن: العودة إلى دمشق.. عشوائية... 29 ديسمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024