الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » “إيبيريا” لإيزاك ألبينيز من الأندلس إلى شبه الجزيرة بأكملها

“إيبيريا” لإيزاك ألبينيز من الأندلس إلى شبه الجزيرة بأكملها

by admin

روح محلية من مبدع عاش تجربة الحداثة والغربة حتى النهاية

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

لعل الأكثر مدعاة للدهشة في المسار الإبداعي للموسيقي الإسباني إيزاك ألبينيز هي تلك “الجدلية” التي قامت بين إحساسه بوطنه الإسباني وتعبيره عن ذلك الإحساس، إذ نجده يقترب بموسيقاه من الجزيرة الإيبيرية بمقدار ما كان مقيماً خارجها، وبالتالي يبتعد عن تلك الحساسيات المحلية عندما يكون مقيماً داخل تلك المنطقة الثرية من العالم، لا سيما في الأندلس. ومن المؤكد أن الدليل الأكبر على هذا هو العمل الكبير الأخير الذي أنجزه قبل فترة يسيرة من رحيله، حين كان مقيماً في الجانب الفرنسي من الحدود مع إسبانيا. وهذا العمل الذي يعتبر الأغنى والأكثر نضوجاً بين مجمل إنجازات ألبينيز الفنية، يعتبر في الوقت نفسه من أكثر أعماله دنواً من التراث الموسيقي الإسباني ذي الوجوه المتعددة. ونتحدث هنا طبعاً عن مجموعته الختامية “إيبيريا” التي كتبها للبيانو بين 1905 و1909 أي العام نفسه الذي رحل في شهره الخامس بعد أشهر قليلة من تدوينه النوتات الأخيرة للمقطوعة الـ12 التي تختتم المجموعة.

إنجازات “فرنسية”

على الرغم من أن تلك المجموعة تحمل اسم “إيبيريا” الذي يعني شبه الجزيرة “الإسبانية” ككل، فإن ألبينيز كرّس المقطوعات التي تتألف منها، ويستغرق عزفها قرابة الساعة ونصف الساعة، للمنطقة الأندلسية من إسبانيا. ولقد باشر الموسيقي كتابتها وهو مريض في باريس لتقدم تباعاً من قبل العازفة بلانش سيلفا بدءاً من ربيع عام 1906 في قاعة “بليال” الباريسية، ويتتابع تقديمها بعد ذلك في باريس باستثناء المجموعة الثانية منها، والتي قدمت للمرة الأولى في مدينة سان – جان – دي لوس. وتتألف المجموعة من ثلاثة أقسام، أو “كتب”، ينقسم كل واحد منها إلى ثلاث قطع موسيقية تحمل كل منها اسم مدينة أو منطقة أندلسية أو خصيصة من الخصائص العائدة إلى منطقة معينة من تلك المناطق. وهكذا نجدنا تباعاً أمام تنويعات موسيقية تكاد تكون مألوفة إلى حد مدهش في المناطق التي تحمل أسماءها أو ما يشير إليها: “بويرتو” قادش و”كوربوس كريستي” إشبيلية بعد التمهيد في الكتاب الأول، ثم “رودينيا” في إقليم مالاغا (حيث الرقصة مستوحاة هنا من الفلامنغو)، و”المرية”، ثم “تريانو” المستوحاة من الفلامنغو الإشبيلي في الكتاب الثاني، وفي الكتاب الثالث يطالعنا تباعاً “الفايسين” المستوحى من حي الغجر في غرناطة، وبعد ذلك “البولو” التي تحيل إلى حي شعبي في مدريد ولكن كذلك إلى رقصة أندلسية، ومن ثم إلى “لابابييس” المحيلة المشيرة إلى حي مدريدي شعبي آخر ولكن أيضاً إلى إيقاع تانغو معروف في الأندلس، أما في الكتاب الرابع والأخير فنجدنا أولاً مع موسيقى من مدينة مالاغا ثم قطعة تنتمي إلى خيريس، وأخيراً كخاتمة لذلك كله مع قطعة معنونة “إيريتانيا” على اسم نزل في مدينة إشبيلية كان له شأن في صبا الموسيقي.

حيوية الإبداع

وفي هذه القطع الموسيقية التي يهدي ألبينيز كل “كتاب” منها إلى سيدة من اللاتي عرفهن، وبالكاد يحس المستمع إليها طعم المرض الذي كان يتآكل الفنان في سنوات عمره القصير الأخيرة، حرص الموسيقي على أن يرسم خيوطاً جوهرية لما يمكننا اعتباره وصيته الفنية، بقدر ما كان نوعاً من التكملة والاستطراد لتلك المقطوعات الرائعة التي كان أنجزها قبل “إيبيريا” بنحو عقد ونصف العقد من السنين، لتطلق شهرته الفنية في إسبانيا قبل أن تعم تلك الشهرة أوروبا بأسرها. فهو كتب موسيقى “المتتالية الإسبانية” بين 1883 و1894، ما يعني أن بدايات كتابته الموسيقية هنا تزامنت مع بدايات انطلاقته. ولكن بقدر ما راح في تلك القطع الأولى يستلهم كباراً من الموسيقيين الأوروبيين، ويحاول التقاط الحس الشعبي دامجاً إياه بحداثة موسيقية أجنبية لاحت فيها ملامح الموسيقى الروسية، التي كان من الواضح تأثره العميق بها (بورودين ورمسكي – كورساكوف بين آخرين)، سوف تكون الأولوية في قطع “إيبيريا” التي ختم بها حياته، للاستلهامات المحلية الأندلسية الخالصة، بما في ذلك تلك الموسيقى الشرقية التي لم تبرح خياله لحظة حتى، ولا في تلك الأعمال البالغة الحداثة التي أنتجها خلال مرحلته “الأوروبية” الخالصة، والتي شهدت إنتاجه أعمالاً أوبرالية منحته قسطاً من عالمية كان يتطلع إليها أول أمره. ويمكننا القول طبعاً إن تلك العالمية ستعود وتندمج خفية في موسيقى مرحلته الأخيرة، لتضحي جزءاً يكاد يكون خفياً من القطع الـ12 التي تؤلف “إيبيريا” وتعطيها نكهة شرقية لا لبس فيها.

ما يبحث عنه الفنان

مهما يكن، وعلى الرغم من تلك الروح الأندلسية الشرقية التي طبعت المجموعة الأخيرة التي وضعها ألبينيز عن أندلسه، فإنه عُرف دائماً بكونه من أكثر الموسيقيين الإسبان المعاصرين له أوروبية. بمعنى أن تكوينه الفني ومزاجه الشخصي، ناهيك عن التفاته الدائم ناحية أوروبا، كلها أمور كان من شأنها أن تجعل ألبينيز واحداً من أكثر الفنانين الإسبان ابتعاداً عن الروح الشرقية ورومانسيتها الحالمة وإيقاعاتها المدهشة. لكن الرجل، بعد جولة أوروبية طويلة، وبعد ارتحال لافت في عقلانية وسط أوروبا وشمالها، عاد ذات يوم ليكتشف أن ما يبحث عنه حقاً، في الفن وتحديداً في الموسيقى، كان دائماً موجوداً هناك، في الأرض الأندلسية. ومنذ تلك اللحظة صارت ألحانه، المكتوبة في معظها كقطع للبيانو، مطبوعة بالشرق أكثر من أي موسيقى أوروبية أخرى، بل جاءت في ذلك متقدمة كثيراً على المقطوعات ذات الروح الشرقية (أو بالأصح الاستشراقية) التي كان يؤلفها في أزمان متقاربة، موسيقيون مثل إدفارد غريغ، وسميتانا والروسي الكبير ريمسكي – كورساكوف. فلئن كانت موسيقى هؤلاء، انطبعت بروح “شرقية” متصورة فضلاً عن الرومانسية الأوروبية التي صاغت، في نهاية الأمر، شرقاً خاصاً بها، فإن موسيقى ألبينيز، خصوصاً تلك التي كتبها بعد سن النضج، وبعد عودته إلى إسبانيا من ترحاله الأوروبي، جاءت وارثة للموسيقى الإسبانية التي كانت بدورها وريثة الإيقاعات – والألحان الأندلسية العربية القديمة.

فنان منذ الطفولة

ولد ألبينيز عام 1860 في مدينة كامبرودون الإسبانية، وكان في الرابعة من عمره حين كشف باكراً عن حس موسيقي رهيف، وبدأ يعزف على البيانو ثم نجده وقد اضطر للهرب من البيت، وكان في الثالثة عشرة حين أراد أبوه منعه من احتراف العمل الموسيقي، وعاش متنقلاً يعمل عازفاً للبيانو حتى يؤمن عيشه. وإذ تكرر هربه مرتين لم يجد أبوه مفراً من الرضوخ لمشيئته، فوافقه على اختياره المصيري، بل ساعده على الالتحاق بكونسرفاتوار لايبتزغ في ألمانيا حيث شرع يدرس الموسيقى. بعد ذلك حين نفدت نقوده، التحق بمعهد بروكسل (بلجيكا) الموسيقي بفضل منحة حكومية ملكية قُدمت له. وفي عام 1883، كان في الـ23 حين أنهى دروسه وعاد ليقيم في إسبانيا حيث بدأ يدرس الموسيقى، أولاً في معاهد برشلونة، ثم في مدريد. وسنجده بدءاً من عام 1890 قد عاش تحولاً أساسياً في حياته جعله يأخذ التأليف الموسيقي على محمل الجد، خصوصاً أنه كان في تلك الآونة بدأ يخضع لنفوذ المؤلف الكبير فيليبي بدريل، الذي كان يعتبر الأب الشرعي للموسيقى الوطنية الإسبانية. وفي عام 1893 توجه ألبينيز إلى باريس حيث اختلط بعدد من كبار الموسيقيين الذين كانوا قد بدأوا الاهتمام بالموسيقى الشعبية ومنهم فنسان دندي وبول دوكا، وبفضل ذلك الاختلاط تعمق اهتمام ألبينيز بالحس الشعبي، وذلك بالتوازي مع إصابته بمرض “برايت” الذي سيصيبه بعد ذلك بالشلل ثم يقضي عليه، إذ ارتحل عن عالمنا في ربيع 1909، وكان لا يزال في الـ49 من عمره.

مبدع حتى اللحظات الأخيرة

مهما يكن، فإن أهمية ألبينيز، الذي جرب أنواع الكتابة الموسيقية كلها بما فيها الأغاني الأوبرالية، تكمن في مقطوعات البيانو الشهيرة التي كتبها، والتي استخدمت في غالبيتها ألحاناً وتقاسيم وإيقاعات مستقاة من الحس الأندلسي. أما عمله الأشهر فيبقى مجموعة “إيبيريا” التي وكما أشرنا ألّف مقطوعاتها المختلفة بين عامي 1906 و1909، أي ظل يكتبها حتى أيامه الأخيرة، وتتألف من 12 قطعة، ويرى كثير من المؤرخين والنقاد أنها من أكثر الأعمال الموسيقية تعبيراً عن الروح الأندلسية.

المزيد عن: إيزاك آلبينيز/موسيقى/إسبانيا/الأندلس/الجزيرة الإيبيرية/إيبيريا/بلانش سيلفا

 

 

You may also like

19 comments

sites dating 16 مايو، 2021 - 5:15 م

Informative article, just what I was looking for.

Reply
lovas.ru 16 مايو، 2021 - 5:18 م

It’s an awesome paragraph designed for all the internet viewers;
they will get advantage from it I am sure.

Reply
slot online 16 مايو، 2021 - 5:24 م

You actually make it seem really easy with your presentation but I
find this topic to be really something which I feel I might by no means understand.
It sort of feels too complicated and extremely wide for me.
I am taking a look ahead in your next put up, I will try to get the
hang of it!

Reply
cellulari 2021 16 مايو، 2021 - 5:35 م

If you would like to grow your experience just keep visiting this site and be updated with the most
up-to-date information posted here.

my site cellulari 2021

Reply
live casino online 16 مايو، 2021 - 6:12 م

I was curious if you ever considered changing the layout of your website?
Its very well written; I love what youve got to say.
But maybe you could a little more in the way of content so people
could connect with it better. Youve got an awful lot of text for only having 1 or two images.
Maybe you could space it out better?

Reply
New Construction Forecast 16 مايو، 2021 - 6:23 م

I do not even know how I ended up here, but I thought this post was
good. I don’t know who you are but definitely you’re going to a famous blogger if
you are not already 😉 Cheers!

Reply
carne 16 مايو، 2021 - 7:11 م

With havin so much content do you ever run into any problems of plagorism
or copyright infringement? My website has a lot of exclusive content I’ve
either created myself or outsourced but it looks like a lot
of it is popping it up all over the web without my agreement.
Do you know any methods to help reduce content from being ripped off?
I’d genuinely appreciate it.

Reply
Superslot 16 مايو، 2021 - 7:11 م

Excellent post. I was checking constantly this blog and I am inspired!
Very helpful info particularly the closing section 🙂 I handle such information much.
I was looking for this certain information for a very long time.
Thank you and best of luck.

Reply
slot 365 16 مايو، 2021 - 7:24 م

Attractive component of content. I just stumbled upon your weblog and in accession capital to say that I acquire in fact
loved account your weblog posts. Anyway I will be subscribing
on your augment or even I fulfillment you access consistently rapidly.

Reply
Dennis 16 مايو، 2021 - 7:42 م

Hello there, just became aware of your blog through Google, and found that it’s
truly informative. I am gonna watch out for brussels.
I’ll be grateful if you continue this in future.
Many people will be benefited from your writing.
Cheers!

Reply
New Construction Forecast 16 مايو، 2021 - 7:51 م

What’s up, this weekend is fastidious in support of me, since this occasion i am reading this impressive informative piece
of writing here at my residence.

Reply
s 128 16 مايو، 2021 - 8:29 م

What’s Going down i’m new to this, I stumbled upon this I have found It absolutely helpful and it has helped me out
loads. I hope to contribute & aid other customers like its helped me.
Good job.

Reply
berkey water filter customer service 16 مايو، 2021 - 8:37 م

It’s also very best to buy a water filter that
saves power when on standby mode. As a normal rule of thumb, it will need to have at least a 5-stage filtration course of.
Typically, manufacturers have their in-house repairman who is
aware of better in fixing your water filter than other professionals.
The purification chamber have to be manufactured from steel so it
could function for a long time. Buying a water filter that can carry out dual-process filtration is greatest in case you
are prepared to spend further dollars on your machine.
The water filter that you’re planning to purchase mustn’t restrict its operate to eliminating contaminants.

You can also decide to buy a machine with an integrated kitchen timer.
If you want to benefit from your water filter, it’s best to consider purchasing
machines that include special filters. Massive families will benefit from
a high-performing water filter. Some high-end models additionally characteristic a controller that may scan the purity of the water all the time.

Reply
betflix 16 مايو، 2021 - 8:53 م

No matter if some one searches for his vital thing, thus he/she wishes to be available
that in detail, thus that thing is maintained over here.

Reply
authentic-shoes.com 16 مايو، 2021 - 9:03 م

At this time it seems like Drupal is the top blogging platform available right now.
(from what I’ve read) Is that what you’re using on your blog?

Reply
SPERM HEARDER 16 مايو، 2021 - 9:20 م

I constantly spent my half an hour to read this weblog’s articles daily along
with a mug of coffee.

Reply
video seks 16 مايو، 2021 - 9:24 م

Thanks for the marvelous posting! I genuinely enjoyed reading it, you could be
a great author.I will be sure to bookmark your blog and will eventually come
back in the foreseeable future. I want to encourage you continue your great writing, have
a nice morning!

Reply
online jigsaw puzzles 16 مايو، 2021 - 9:24 م

Howdy exceptional blog! Does running a blog similar to
this require a lot of work? I’ve very little expertise in computer
programming however I was hoping to start my own blog in the near future.
Anyhow, should you have any ideas or techniques for
new blog owners please share. I understand this is off topic but I simply needed to ask.
Thanks a lot!

Also visit my page … online jigsaw puzzles

Reply
Thiết kế phòng hát karaoke 16 مايو، 2021 - 9:39 م

When I originally commented I clicked the
“Notify me when new comments are added” checkbox and now each time a comment is added I get several e-mails with the same comment.
Is there any way you can remove people from that service?
Many thanks!

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00