جنازة في لوحة تشكيلية فرنسية (موسوعة الفن التشكيلي) ثقافة و فنون إميل زولا يرصد أحوال الموتى الفرنسيين لقرائه الروس by admin 7 فبراير، 2025 written by admin 7 فبراير، 2025 23 5 حكايات من الكاتب الواقعي لتكذيب مقولة إن الناس سواسية أمام الموت اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب يبدو أنها فكرة كان الكاتب الفرنسي إميل زولا يحملها وتنغص عليه عيشه منذ شبابه المبكر، فكرة أن “الناس متعادلون أمام الموت”، التي تعلمها في صفوف دراسته ولاحظ دائماً في حياته أنه من المستحيل أن تنطبق في كل مكان وزمان، ولكن إذا كان صاحب الروايات الاجتماعية المغرقة في واقعيتها إلى درجة أن النقد في زمانه قد استعاد في سبيل أن يكون منصفاً في توصيف أدبه، فكرة “الأدب الطبيعي”، قد استنكف عن الدنو من الفكرة بصورة مباشرة وصريحة لنقضها، وهو الذي امتلأت رواياته وقصصه القصيرة بالموت والموتى، فإنه لاحقاً وما إن حانت له الفرصة للقيام بذلك خارج بلاده، لم يتردد، بل إنه خص النقض بخمسة نصوص جرى تعامل قرائه معها على اعتبارها قصصاً قصيرة من دون أن يغضبه ذلك، لكنها لم تكن قصصاً قصيرة، كانت في حقيقتها تحقيقات صحافية ارتدت مسوح القصص القصيرة من دون أن تكون حتى قصيرة، كانت متوسطة الطول على الأرجح. وكتبت للصحافة الروسية بصورة يجعلها متأرجحة بين القصص القصيرة والتحقيقات الصحافية، بناءً على طلب منها، فاغتنم زولا الفرصة لتحقيق مأرب كان يتآكله منذ زمن بعيد وفحواه تبيان أن “لا… ليس الناس سواسية أمام الموت!”، بل إن المسألة طبقية اجتماعية أولاً وآخراً، ولئن كان قراؤه قد تعاملوا مع تلك النصوص بوصفها أعمالاً إبداعية فإنهم لم يكونوا مخطئين، فإميل زولا هو إميل زولا الذي كان كل ما يكتبه إبداعاً حقيقياً على أية حال. تعاون مثمر مع الروس النصوص الخمسة التي نتحدث عنها هنا هي تلك التي تطبع عادة من بعد ما نشرت أول الأمر في مجلة “الرسول الروسي” التي كانت أصلاً قد كتبت من أجلها، تحت عنوان كانت تحمله على أية حال كحلقات صحافية: “كيف يموت الناس في فرنسا”. وهو كتبها متفرقة خلال النصف الثاني من سبعينيات القرن الـ19 الذي كانت فيه شهرته وشهرة سلسلة رواياته “الطبيعية” عن “آل روغون – ماكار“، قد عمت أوروبا وأنحاء عديدة أخرى من العالم، لذا كان ما بات ينشر من نتاجه وتوقيعه قادراً على اجتذاب القراء حيثما نشر. ومن هنا لم يكن غريباً أن يتصل به الروس طالبين منه أن يكتب نصوصاً طويلة تعرف قراءه بجوانب عديدة من الحياة الاجتماعية الفرنسية، وهكذا ولدت النصوص الخمسة حول الموت، وما يعادلها من نصوص حول الحياة الباريسية ومجموعة أخرى حول عادات الزواج لدى الطبقات الاجتماعية الفرنسية، ومجموعة ثالثة حول حياة رجال الدين الفرنسيين، وما إلى ذلك. المهم أن نصوص الموت تبقى الأشهر بين تلك المجموعات التي راحت المجلة الروسية تنشرها بصورة ممنهجة، مما عرف الروس حقاً بشتى نواحي الحياة في المجتمع الفرنسي. والحال أنه إذا كان معظم المجموعات قد اتسم بقدر لافت من الموضوعية والحياد في التعاطي مع الموضوعات، حياداً يكاد ينتمي إلى علم الاجتماع من جانب الكاتب، فالمجموعة المتعلقة بالموت تبدو الأكثر دقة وربما لأنها أصلاً كانت تشغل بال زولا منذ شبابه المبكر كما نوهنا قبل سطور، فيعتبر المسألة بالنسبة إليه قضية شخصية. إميل زولا (1840 – 1902): جهود سوسيولوجية من الكاتب الكبير (غيتي) من قلب المجتمع الحقيقي ومع ذلك على رغم ارتباط النصوص ببعد ذاتي لدى زولا، لا بد من أن نلاحظ أنه لا يرفق أي نص بأي تعليق أو يورد في شأنه أية ملاحظات، فهو كان يعرف أن كل “لوحة” من اللوحات الخمس التي يرسمها للأموات الخمسة الذين يتحدث عن موتهم وجنازاتهم تباعاً، كافية من دون إفراط في التدخل منه، لقول ما يريد قوله… ومنذ زمن بعيد. وزولا يقدم لنا هنا خمس لوحات عن الموت تختلف كل منها عن الأربع الأخرى تبعاً للاختلاف الواضح بين الطبقات الخمس التي ينتمي إليها الموتى الذين يسرد الكاتب تفاصيل رحيل كل واحد منهم وكأنه يقدم تحقيقاً صحافياً عن تلك المناسبة المؤسية، وهكذا نجدنا تباعاً أمام موت وجنازة شخص ينتمي إلى طبقة النبلاء العريقة، ليتلوه في مصيره نفسه راحل ينتمي إلى البورجوازية الموسرة، ومن بعده واحد من صغار التجار يتلوه ابن أسرة من العمال “البروليتاريين”، وأخيراً مزارع عجوز يختم السلسلة، السلسلة التي لن تخبرنا المجلة أو زولا نفسه بما إذا كانت اللوحات التي تكونها من بنات مخيلة الكاتب أم أنه يصف فيها حقاً فصول موت وجنازات شهدها، أو شهد بعضاً منها في الأقل بنفسه، غير أن الوصف هو من الدقة في تفاصيل التفاصيل سواء كان ذلك في رسم المشهد أو التعمق في تصوير ردود فعل المحيطين بالراحل المرحوم، سواء كانوا من أقاربه أو من الجيران أو حتى من عابرين صدفة بمكان الجنازة فيتوقفون لتقديم آيات الاحترام، إن كان الراحل من الطبقات الدنيا، أو آيات الشماتة إن كان من أبناء الطبقات العليا! وهذا كله يرد وكأنه مصور بكاميرا فوتوغرافية – وكان إميل زولا معروفاً في ذلك الحين بتحمسه للتصوير الفوتوغرافي الذي كان من الاختراعات الجديدة في أيامه، وراح يمارسه ببراعة حتى ليخدم به أسلوبه الدقيق في جمع المعلومات من أجل كل كتابة له لاحقة. غير أن هذا لا علاقة له مباشرة بموضوعنا هنا، بيد أن ثمة علاقة على أية حال هنا علاقة يمكن وصفها بالمواربة، فحواها ذلك التقسيم الطبقي العام الذي تنم عنه الفروق بين الجنازات، بل حتى تفريق الناس أنفسهم في رد الفعل الذي يبدونه تجاه كل واحد من الموتى بحسب طبقته وثروته كما ألمحنا قبل سطور. جزء من أدب اجتماعي كبير وقد يبدو لنا هذا الأمر هنا بالغ الأهمية في علاقته بالتاريخ الذي رسمه إميل زولا (1840 – 1902) للعقود العديدة التي يؤرخ لها لأهم أعوام عهد الإمبراطورية الثانية في فرنسا، أي تلك الحقبة التي نهضت خلالها طبقات اجتماعية عدة تحل محل الأرستقراطية البائدة من ناحية، ومحل الحثالة الدنيا من ناحية أخرى وهو ما يشكل في نهاية المطاف الجوهر التاريخي لرواياته الـ20 التي تتألف منها سلسلة “آل روغون ماكار”، التي رفعت اسمه ككاتب اجتماعي إلى أعلى الذرى في زمنه، وانطلاقاً من هنا قد يجوز اعتبار زولا واحداً من أبرز الكتاب الروائيين الذين ارتسمت على أيديهم التوزعات الطبقية خلال تلك المرحلة الزمنية ذات الأهمية البالغة في حياة أوروبا بصورة عامة وفرنسا بصورة خاصة. ومن هنا يمكننا أن نرى في الخلاصة الفكرية للوحات الخمس التي تتألف منها مجموعة “كيف يموت الناس في فرنسا” نوعاً من استكمال “علمي” لذلك الجهد السوسيولوجي الكبير الذي بذله الكاتب وهو يؤرخ، روائياً، لتفاعل الناس مع القضية الطبقية ولو من خلال تفاعلهم مع قضية الموت ورد فعلهم تجاه تلك القضية رد فعل يصوره زولا ببرودة شديدة لا تخلو مع ذلك من نفحة ذاتية تتعلق بما ذكرناه في مبتدأ هذا الكلام. المزيد عن: إميل زولافكرة الموتالأدب الواقعي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عندما توحد الموسيقى الشعوب وتفرق بينها next post من إصدارات فبراير البريطانية: تدريب الفيلة وسيرة ديكنز You may also like من إصدارات فبراير البريطانية: تدريب الفيلة وسيرة ديكنز 7 فبراير، 2025 عندما توحد الموسيقى الشعوب وتفرق بينها 7 فبراير، 2025 “الموناليزا”… تحفة البشرية الخالدة تغير عنوانها 7 فبراير، 2025 الشعراء والعشاق والأمكنة والأشياء كما رآهم فان غوغ 7 فبراير، 2025 الجسد الأمومي مرجع وجودي يحتفي به الشعر 6 فبراير، 2025 هوليوود بعد وادي السيليكون تخنع أيضا لـترمب 6 فبراير، 2025 لويز بروكس تختتم السينما الصامتة بتحفتها “لولو” 6 فبراير، 2025 “فرصة العيش” كما ناقشها الفلاسفة وقالوا بها 6 فبراير، 2025 “خطيبة للبيع” أوبرا هزلية تشيكية تحولت إلى رمز... 5 فبراير، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: =هل الشعر والفن قابلان... 5 فبراير، 2025