ثقافة و فنونعربي أوهوون رسام استثنائي من كوريا البعيدة يساجل حول الفن والسياسة by admin 5 أبريل، 2022 written by admin 5 أبريل، 2022 38 عاش للفن والنساء اختفى في الطبيعة وكسر احتكارات السينمات التقليدية اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب بعد الفشل التجاري الكبير الذي كان من نصيب فيلمه “مغنية البانسوري” في العام 1993، قرر المخرج والكاتب الكوري الجنوبي إيم كوون تايك ألا يتراجع مهما كان الأمر عن الدرب التي كان اختارها لنفسه عبر تقديم تاريخ بلاده من طريق متابعة حياة كبار فنانيها. وهكذا راح يشتغل على شريط عن حياة رسام عصر الجوزيون، كيم هونغ دو المعروف عالمياً بدانوون. لكنه ذات يوم اكتشف أنه لا يملك معلومات كافية تمكنه من ذلك، فقرر أن يستبدله بحياة رسام آخر من مرحلة نهاية القرن التاسع عشر، كان أكثر ذاتية من الأول وربما أقل تعبيراً عن تاريخ الفن في هذا البلد إنما أكثر ارتباطاً بالحساسية الفنية نفسها. ولسوف يقول لاحقاً إنه لم يندم أبداً على ذلك التغيير بالنظر إلى أن الفيلم الذي نتج عنه وعنوانه “ثمل إلى النساء والرسم” كان في نهاية الأمر التحفة السينمائية التي كان يتطلع إلى تحقيقها منذ بداية عمله السينمائي. وكان خير برهان على ذلك فوز الفيلم بجائزة الإخراج في دورة العام 2002 لمهرجان “كان” السينمائي في الجنوب الفرنسي، وتعويضه بالتالي على إخفاق فيلمه الأسبق حتى في عروضه الكانية. من الستيني المخضرم قبل أن يعرض فيلم “ثمل إلى النساء والرسم” لم يكن أحد، في الحقيقة، متنبهاً إليه حتى وإن كان معروفاً أنه سيشارك في المسابقة الرسمية لـ”كان” في ذلك الحين. صحيح أن مخرجه إم كوون تايك كان لفت الأنظار قبل أعوام بفيلم عنوانه “شونهيانغ” عرض بدوره في “كان” ولاقى معجبيه، كما أنه قد اشتهر قبل عقد تقريباً بفيلم “مغنية البانسوري” الذي أطلقه وأطلق السينما الكورية في العالم، مع أن تقبله ظل محدوداً كما أشرنا، وظلت تسبق المخرج سمعته كمخرج ستيني مخضرم حقق ما يقرب من مئة فيلم طوال 40 عاماً، ولا يمكن، بالتالي، أن نتوقع منه مفاجأة حقيقية. غير أنه منذ اللحظة التي عرض فيها “ثمل إلى النساء والرسم”، اعتبر مفاجأة حقيقية، وراح الحديث عنه كمرشح وافر الحظ للسعفة الذهبية يتصاعد تباعاً، بل أن كثراً أبدوا خيبة أملهم حين كان على مخرجه أن يكتفي بجائزة الإخراج. على خطى كبار الملحميين ومهما يكن من أمر فإن هذا الفيلم ليس من الأفلام التي تثير إجماعاً منذ الوهلة الأولى. أنه واحد من تلك الأفلام التي تفرز جمهورها أول الأمر، لتعود وتحقق الإجماع ولكن بعد حين، مثله في هذا مثل “أندريه روبليف” لأندريه تاركوفسكي، و”درسو أوزالا” لأكيرا كوروساوا. والحقيقة أن ذكر هذين الفيلمين، والتثنية عليهما هنا بـ”فالستاف” أورسون ويلز، ليس عبثياً ولا من قبيل المجازفة، فهذا الفيلم الكوري ينتمي تحديداً إلى هذا النوع من السينما الملحمية، حتى وإن كان يفتقر في النهاية إلى عبقرية ويلز وتاركوفسكي وكوروساوا. يفتقر إلى عبقريتهم ولكن ليس إلى حرفيتهم. ففيلم إم كوون تايك مشغول بعد كل شيء بحرفية سينمائية عالية، استخدم المخرج في تحقيقها كل الأدوات التقنية والإبداعية المتاحة له، من ديكورات وملابس وموسيقى وأداء ممثلين محترفين من طراز رفيع إلى آخر ما هنالك من عناصر تقنية عرف كيف يحركها ويطورها مثل مايسترو يقود أوركسترا محترفة. بين الفرد والتاريخ غير أن الأهم من هذا كله هو موضوع الفيلم. وهذا الموضوع يتمحور من حول رسام كوري عاش فعلاً في خضم عصر النهضة الكورية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. إذ ولد في العام 1843، ليعود ويختفي دون أن يترك أي أثر بعد ذلك بـ54 عاماً، وكان بلغ أوج شهرته ومكانته كمجدد رئيسي في فن الرسم الكوري. ولئن كان الفيلم يقدمه لنا في مشهده الأخير وهو يقفز داخل فرن النار الذي يسخن فيه الصلصال، فإن كتابة على الشاشة تأتي لتقول أنه صعد إلى جبل الجواهر ولم يعد من هناك أبداً. وحتى إذا كانت نهاية هذا الرسام أسطورية إلى هذا الحد، فإن الأهم منها حياته: حياته الخاصة كمتشرد تمكن من أن يتغلب على واقعه البائس ليصبح من شخصيات كوريا اللامعة ورسامها الأول. وحياته في خضم الأحداث التاريخية العاصفة التي عاشتها كوريا في زمنه، حيث تلاحقت عليها الاحتلالات من صينية ويابانية وغربية، وتتالت فيها التأثيرات الفنية والثقافية بشكل عام. وكان “أوهوون” (وهو اللقب الذي اختاره الرسام لنفسه) في خضم تلك الأحداث والتأثيرات. ما الحب إلا للحبيب الأول يبدأ الفيلم، وهنا تكمن واحدة من نقاط قوته، والرسام في خضم مجده، يناقش كبار الإصلاحيين والمفكرين والأعيان، مسائل السياسة والفن، ثم يعود بنا الفيلم إلى الوراء لنراه فتى مضطهداً فقيراً… ونتابع الحكاية، كيف نمت موهبته محلياً أول الأمر، ثم على صعيد البلد كله، وكيف كان الظمأ دائماً لديه إلى حب ترسخ في ذهنه وعاطفته ولم يبارحه أبداً، حتى صارت كل النساء اللواتي أحب دائماً، مجرد صورة عن تلك الحبيبة الأولى المشتهاة. وكانت المعجزة الأولى في حياة أوهوون، هي أنه لم يكن مقدراً له أن يصبح رساماً ومثقفاً لأنه أصلاً ينتمي إلى طائفة المشردين… بل كان لفترة ما متسولاً، تتقلب الحياة به، ويجابهها هو مستسلماً حيناً متمرداً في أحيان أخرى، ينتهي به الأمر إلى البلاط الملكي حين يطلب منه أن يحقق لوحات للقصر ولتمجيد الغزاة، وهو العابث الذي لا يطلب أي شيء من الحياة. لا يهمه منها سوى الشراب والنساء والرسم. ويمر في لحظات شك وأزمات إبداعية بين الحين والآخر. وهو خلال حياته القصيرة يعيش حباً، أو علاقة جنسية بحتة مع لا يقل عن خمس نساء. أخرهن فتاة هوى تقدم لنا علاقته معها واحداً من أقوى مشاهد الفيلم: فهو حين يلتقيها يخيل إليه أنها تشبه واحدة من النساء اللواتي أحب في ماضيه، لكن الفتاة – وهي تصغره بأكثر من ثلث قرن – ترغب في إنجاب طفل منه، يرث عنه موهبته وشخصيته، “بل وسيكون فناناً أكثر منك” تقول له، وتجبره رغم تعبه وخوار قوته على ممارسة الحب معها، طالبة إليه أن يبذل جهده فيفعل ولكن في اللحظة نفسها حيث، يتدافع جنود انقلاب عسكري يحملونه بعيداً عن المرأة، التي يضيع أملها هي بالطفل، في قت يصل هو إلى نهايته. في مواجهة أحداث عاصفة وبين بداية عيشه ونهايته، يجابه أوهوون تلك الأحداث العاصفة التي غيرت بلاده وقلبتها رأساً على عقب، وهو غالباً ما جابه ذلك كله باللامبالاة. إذاً عدا الخمر والرسم والنساء، لم يكن هو ليأبه بأي شيء. ولقد عرف الفيلم كيف يبرز هذا العنصر، عبر إيقاعه وعبر النظرة المزدوجة التي هيمنت على الفيلم كله: نظرة الفيلم إلى حياة أوهوون، ونظرة أوهوون إلى حياة بلده وزمنه. وبهذه النظرة المزدوجة التحم العام بالخاص، دون أن يفقد أي منهما مكوناته من أجل تسهيل مهمة الآخر: فلا أوهوون خضع للمنطق العام، على رغم علاقاته مع الإصلاحيين وموقفه التقدمي المفضل لدخول العصر (وهو أمر أمنه الاحتلال الياباني، جزئياً) على الانطواء على الماضي بشكل رجعي (وهو ما كان الاحتلال الصيني يعد به)، ولا التاريخ ترك نفسه ومساره لكي يتوقف طويلاً عند الفنان وأعماله. كان الأمر أشبه باتفاق “جنتلمان” عرف الفيلم كيف يبرزه. وكانت النتيجة في نهاية الأمر نحو ساعتين من المتعة البصرية والفكرية المتكاملة، في فيلم استثنائي جميل غاص في السينما حتى أعماقها، وفي التاريخ حتى جوهره. لكنه أكثر من هذا أو ذاك غاص في حياة رجل أراد أن يكون على هامش كل شيء. أراد أن يكون فرداً. أراد أن يعيش حياته. فكان له ما أراد حتى ولو أنه دفع الثمن غالياً. وكان لكوريا الجنوبية التي كانت تعيش ذروة صعودها الاقتصادي والفني فانضافت إليه انطلاقة سينمائية غير متوقعة ستعرف نجاحات هائلة منذ ذلك الحين، نجاحات تمثلت في سينما جديدة عرفت كيف تكسر احتكارات السنمات التقليدية. المزيد عن: تراث الإنسان \ إيم كوون تايك \ كوريا الجنوبية \ كيم هونغ دو \ مغنية البانسوري \ مهرجان كان 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فيلم مصاصي الدماء “موربيوس” تصدّر شباك التذاكر في أميركا الشمالية next post إسبانيا تحتفل بالذكرى العشرين لرحيل خوسيه ثيلا رائد الحداثة You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024