لوحة تمثل أحد مشاهد _حياة في سبيل القيصر_ لميخائيل غلينكا (موسوعة الفنون الكلاسيكية) ثقافة و فنون أوبرا “شعبية” روسية تمجد القيصر “المنقذ” by admin 4 يونيو، 2025 written by admin 4 يونيو، 2025 22 غلينكا يستلهم مئات الأغاني الفولكلورية ليؤسس مجموعة الخمسة عبر عمل نسيه التاريخ اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب يجمع مؤرخو الموسيقى الروسية، لا سيما منهم أولئك الذين صبوا القسم الأكبر من اهتمامهم على تلك المجموعة من الموسيقيين التي عرفت خلال الثلثين الأخيرين من القرن الـ19 بمجموعة “الخمسة” على أن مؤسسها الأكبر لم يكن سوى المبدع ميخائيل غلينكا (1804 – 1857)، حتى وإن كان معظم أعضاء المجموعة الباقين قد حققوا من الشهرة ما فاق شهرته (بورودين وموسورغسكي وريمسكي – كورساكوف وبالاكيريف…). ولربما يكون غلينكا قد صرف وقته على شؤون تتعلق بالمجموعة مما أخره في مجال الاهتمام بإنتاجه الخاص متيحاً لرفاقه أن يشقوا طريقهم إلى الأمام بقوة لم يكن لديه هو الوقت الكافي للتفرغ لها. ومهما يكن من أمر هنا، على عكس ما يحدث عادة لكثير من التجمعات والتيارات الإبداعية في الموسيقى وغير الموسيقى، قد يمكننا أن نحدد التاريخ التقريبي الذي سجل بداية “الخمسة” بالمعنى العلمي التاريخي للكلمة. وهو عام 1836 الذي شهد التقديم الأول في مدينة سان بطرسبورغ لأوبرا غلينكا التي يمكن اعتبارها الإعلان الحقيقي عن ولادة المجموعة. ومن ثم، الإعلان الحقيقي عن الدمج التام بين تراث الموسيقى الشعبية الروسية، بما فيها تلك الآتية من مناطق الأطراف في الإمبراطورية الروسية، والمناهج الغربية في كتابة الأوبرا، في تجاوز تام لتلك المناهج. ولنذكر هنا أن ذلك التجاوز كان على الضد تحديداً من مفاهيم تشايكوفسكي المعتبرة غربية التوجه في موسقة الحياة الفنية الروسية، حتى وإن سلمنا بأن الفوارق هنا ليست دقيقة وأن أسباباً ربما تكون شخصية هي التي جعلت تشايكوفسكي يعد العدو الأول لموسيقيي “الخمسة” ومن لف لفهم. غير أن هذا ليس موضوعنا هنا. تمجيد “قيصر” منسي موضوعنا هو ذلك العمل الغنائي، وقد لا نقول: الأوبرالي– الكبير الذي شهدته العاصمة الروسية في عام 1836، معلناً الولادتين اللتين نوهنا بهما في السطور السابقة، ولادة الأوبرا على النمط الروسي الخالص، وولادة مجموعة “الخمسة”. غير أن الولادتين لم تكونا في البال ليلة العرض. ذلك أن كل ما كان يشغل بال الحضور، وكانوا من كبار المثقفين والمبدعين وأهل المجتمع والسياسة، إنما هو الطريقة التي أقام بها غلينكا، الدمج الخلاق بين التراث الشعبي والسياسة واندفاعاته الوطنية الشخصية. ونعرف بالطبع أن هذه الأخيرة لا يمكنها أن تفرض حضورها إلا من خلال إبراز الأدوار السيئة التي يقوم بها مناوئو وحدة الوطن ومحاولو عرقلة بناء تاريخه، في مقابل بطولة فردية أو بطولات مجموعة من الأفراد. ويقيناً فإن العمل الغنائي الكبير الذي عرض في تلك الأمسية لم يشذ عن تلك القاعدة التي نعرف أنها لا تزال رائجة وفعالة حتى اليوم. غير أن أعداء روسيا الذين انصب عليهم جام غضب خالقي ذلك العمل ليلتها كانوا البولنديين، لا الألمان كالعادة ولا الأوكرانيين كما هي الحال اليوم… ولعل غلينكا كان موفقاً حينها في استخدام “المشجب البولندي” تكئة لموسيقاه المحلية مستخدمة لمقارعة النزعة التغريبية الموسيقية كما يمثلها تشايكوفسكي. ومن هنا لم يكن مستغرباً أن تتركز حكاية مغناته على ذلك “القيصر” الروسي الذي كان شبه منسي حينها، وبالتحديد لأنه لم يحكم البلاد أبداً، بل كان مجرد “مشروع قيصر” وقضى نحبه خلال الصراع العنيف والبطولي الذي خاضه ضد… البولنديين الطامعين ليس فقط بالأراضي والشعوب الروسية، بل بالعرش الإمبراطوري يسيطرون عليه من خلال صنيعة لهم. ميخائيل غلينكا (1804 – 1857) (غيتي) صراع على السلطة والحقيقة أن المغناة وعنوانها النهائي الذي عرفت به منذ عروضها الأولى كان “حياة في سبيل القيصر” كانت تحمل اسم غلينكا، وكانت من إبداعه غير أن كثراً من المبدعين الروس شاركوا في إيصالها إلى تلك الليلة الافتتاحية التي كانت أشبه بتظاهرة وطنية حقيقية في تاريخ البلاد، وليس فقط من خلال المضمون الوطني الخالص للعمل، بل أكثر من ذلك، من خلال البعد الموسيقي نفسه الذي وصفه أحد الصحافيين المتحمسين يومها بأنه “صفعة للغرب، من خلال صفعة وجهت إلى صنائع ذلك الغرب”. لكن ذلك كله يبقى ضئيل الأهمية مقارنة بالعنصرين الرئيسين في خلفية “حياة في سبيل القيصر”: عنصر الاستعانة بمئات الجمل اللحنية المعروفة في تاريخ الموسيقى والغناء الروسيين، وعنصر مشاركة أكبر عدد ممكن من المبدعين الروس في صياغة التفاصيل وهم من المتحلقين على أية حال، من حول بوشكين نفسه، مؤمناً البعد الرومانسي الذي لا تستقيم أية بطولة من دونه، ومن حول غوغول الذي أمن الروح التاريخية بل الواقعية للعمل، وحتى الشاعر جوكوفسكي الذي كان مؤدباً لولي العهد الذي سيحكم لاحقاً باسم القيصر ألكسندر الثاني. والحال أن أولئك الثلاثة لم يكونوا سوى النواة في عمل مشترك تحمس للمشاركة فيه نحو دزينة أخرى من كبار المبدعين الروس في مجال الشعر والرقص الشعبي وتصميم الأزياء وجمع الأغنيات الشعبية المعروفة. ولكنهم جميعاً عملوا تحت قيادة غلينكا الذي وصف هو نفسه جهوده هنا بجهود “أم العروس” على أية حال. ولكن القول ماذا في نهاية الأمر؟ فلاح في الغابات للحديث عن “إيفان سوسانين” وهو “القيصر” الذي ظلت المغناة تحمل اسمه عنواناً لها لأيام قليلة قبل تقديم العرض حيث أبدل العنوان بذلك “الشعار الوطني”، بحسب تعبير بعض الصحافة حينها، الذي مكن المغناة من أن تتحول من عمل تاريخي غامض الموضوع إلى عمل وطني يخدم ظروف المرحلة. علماً أن الطريقة التي جرت بها عملية تكييف الأغنيات مع الموضوع أتت بدورها لتخدم المرحلة. بل لنقل بالأحرى: تكييف الموضوع مع الأغنيات. والفارق كبير بين الحالتين كما يمكننا أن نتصور. لكنه فارق خدم العمل ككل إذ فرض عليه هيمنة الفن الشعبي بدلاً من أن يفرض على هذا الأخير هيمنة البعد… السياسي حتى وإن كان هذا لم يغب لحظة عن مغناة همها الأساس تقديم تاريخ وطني من خلال الغناء الشعبي العريق، وعبر تحطيم صورة أعداء الوطن، البولنديين هذه المرة كما نوهنا. يبقى أن أحداث المغناة تعود بنا إلى عام 1633 حين قام الملك البولندي سيغسموند، متذرعاً بضرورة أن يعطي روسيا قيصراً جديداً “يلائم تطلعات شعبها”، قام بعبور الغابات الروسية الضارية وصولاً إلى موسكو بقواته كي يخطف هناك القيصر الشاب ميخائيل رومانوف جاعلاً منه لعبة بين يديه. ولكن في الغابات الوحشية كان يعيش الفلاح البسيط إيفان سوسانين مع ابنته أنطونيدا والفتى فانيا ابن الثالثة عشر الذي كان الفلاح قد التقطه من تشرده ورباه. وكان من الطبيعي للملك البولندي ألا يحسب حساباً لذلك الثلاثي، لكنه كان مخطئاً في حساباته كما سنرى. وذلك لأن فلاحي المنطقة متحلقون من حول زعيمهم النزيه هذا، فهموا ما الذي يسعى ملك الأعداء إليه فتسلحوا وقرروا مقاومته ووأد مخططاته. كما أرسلوا الفتى فانيا إلى موسكو كي يحذر سلطاتها من مخططات قائد الأعداء. أما سوسانين الذي كان هو من أرسل فانيا لتلك المهمة، فإنه انضم إلى البولنديين متذرعاً بمناصرتهم، بينما مشي بهم في دروب متعرجة لا توصلهم إلى مكان. وهو ما كشفه لهم ما إن أدرك أن فانيا قد قام بمهمته التحذيرية خير قيام. ومن هنا نرى سوسانين يصرخ في الأعداء إن الوطن قد أنقذ حقاً. صحيح أن البولنديين سيعذبون سوسانين أبشع عذاب قبل أن يعدموه، لكن موته سيكشف بطولاته ولن يلبث الروس أن يثأروا له من البولنديين الذي تسبب هو في خسارتهم وإفشال كل مخططاتهم. ومن هنا اتخذت تلك المغناة التي ستستغرق وقتاً قبل أن يتم التعامل معها بوصفها “أوبرا حقيقية بالمعنى الإبداعي للكلمة”، اتخذت ذلك الطابع الوطني مستعينة في ذلك بالقدرة الهائلة التي أبداها غلينكا في مجال جعل موسيقى الأوبرا وبشكل عام، تبدو وكأنها دمج وتكثيف لأعظم ما في الغناء الروسي منذ أزمانه السحيقة. وهو أمر لم يغب عن بال الجمهور الذي سيعبر عند خروجه تلك الليلة من العرض، عن ولعه بذلك الاستخدام “الجديد” لفنون الشعب في فن “همه الأول والأخير أن يخدم ذلك الشعب” كما سيقول غلينكا نفسه لاحقاً وفي حقبة باتت فيها تلك المغناة العمل الفني الأكثر شعبية في التاريخ الروسي. المزيد عن: الموسيقى الروسيةميخائيل غلينكاريمسكي – كورساكوفتشايكوفسكيالقيصر ألكسندر الثانيفن الأوبرا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post القهوة لشيخوخة أفضل فقط للنساء next post رحلة الدولار نحو التراجع في 6 أسابيع… ما الأسباب؟ You may also like أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لشهر يونيو 2025 6 يونيو، 2025 بحثا عن عناصر التجريب في المسرح العربي “البديل” 6 يونيو، 2025 “قصة سليمان” فيلم فرنسي عن اللجوء يحبس الانفاس 6 يونيو، 2025 هولدرلن يتقصى انتحار الفيلسوف هربا من الجواب المدمر 6 يونيو، 2025 رحيل هادئ لسيدة المسرح العربي سميحة أيوب عن... 4 يونيو، 2025 هل يهدد موفق طريف في إسرائيل زعامة آل... 3 يونيو، 2025 غريتا غاربو “تنطق” للمرة الأولى في فيلم يوجين... 3 يونيو، 2025 مهى سلطان تكتب عن : سمير الصايغ في... 3 يونيو، 2025 مارغريت ووكر: مرافعة أدبية ضد العبودية 3 يونيو، 2025 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 2 يونيو، 2025