الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Home » أندريه جيد يفضح في “الرحلة إلى الكونغو” الكولونيالية الأوروبية في أفريقيا

أندريه جيد يفضح في “الرحلة إلى الكونغو” الكولونيالية الأوروبية في أفريقيا

by admin

 

 

الكاتب الفرنسي الذي أثار غضب الكل في رواياته حصد حنق اليمين واليسار معاً في كتبه

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

“ما الذي أنت ذاهب للعثور عليه هناك؟”، “في الحقيقة أنا أنتظر أن أكون هناك حتى أعرف ما الذي سأعثر عليه”. هذا السؤال والجواب يجدهما المرء في الصفحة الأولى من واحد من أجمل كتب الفرنسي أندريه جيد. وهو كتاب “الرحلة إلى الكونغو” الذي استكمله، بعد حين، بكتاب مشابه عنونه “عودة من تشاد”. ويشكل الكتابان معاً نصاً عن سياق واحدة من رحلات جيد الأفريقية. ولعل العبارتين المذكورتين تشكلان مفتاحاً، وإن غامضاً بعض الشيء، لفهم توق جيد الدائم إلى الترحال. وهو توق بدأ لديه باكراً، إذ إن رحلة الكونغو، في عام 1925، لا تشكل سوى جزء لاحق من الاستجابة إليه. إذ منذ يفاعته، جعل أندريه جيد السفر جزءاً أساساً من حياته، لكنه سفر، كان سرعان ما اتخذ بالنسبة إليه سمة البحث عن الذات. فجيد لم يكن أبداً سائحاً ولا ذا غاية محددة من تجواله، حتى وإن كان معروفاً بأنه قام ببعض رحلاته، ولا سيما هذه الكونغولية منها، بدعم وتأييد من مسؤولين سياسيين فرنسيين (ليون بلوم وآخرون) كانوا أصدقاء له، ومن هنا لم يترددوا، حين فاتحهم بأمر الرحلة أن زودوه بأوراق مهام رسمية تسهل له طريقه وعلاقاته مع الناس في بلدان كانت لا تزال، في ذلك الحين، خاضعة للكولونيالية، الفرنسية من ناحية والبلجيكية من ناحية أخرى. والحال أن هذه الصفة “الرسمية” للرحلة، لم تمنع جيد من أن يجعل من كتابيه هذين، وثيقة إدانة لاستغلال البيض للسود، وللقهر الذي كان الأوروبيون يعاملون به سكان البلاد الأصليين. ومن هنا، اعتبر “الرحلة إلى الكونغو” و”عودة من تشاد”، من أوائل الكتب الحديثة التي أخذت على عاتقها فضح الممارسات الكولونيالية في أفريقيا.

أندريه جيد (1869 – 1951) خلال رحلته الأفريقية (موسوعة الأدب الفرنسي)

 

بورجوازي في خط التقدم

وهنا، علينا ألا ننسى أن أندريه جيد، على رغم بورجوازيته وثرائه، كان في ذلك الحين يقف ويكتب في صفوف الفكر التقدمي، بل كان حتى صديقاً للحزب الشيوعي الفرنسي، غير أن هذه الصداقة لن تطول، وتحديداً بسبب رحلة أخرى سيقوم بها جيد إلى الاتحاد السوفياتي، بدعوة رسمية من سلطات شيوعية كانت تأمل منه أن يكتب كل ما هو إيجابي عما ستمكنه من أن يراه، لكنه بعد عودته كتب واحداً من النصوص الأكثر قسوة ووضوحاً في إدانته للستالينية، ما أثار في وجهه عاصفة غضب الشيوعيين في فرنسا، كما في أنحاء عدة من العالم. صحيح أن هذا قد لا تكون له علاقة بالرحلة الأفريقية السابقة، ولكن في الحالتين لدينا الكاتب الحر وقد راح يتمعن متفرساً في القمع الرأسمالي – الكولونيالي، كما في القمع “الاشتراكي” ليتساوى من منظوره القمعان.

مهما يكن من أمر، لا بأس من القول هنا إن اندريه جيد حدد روح رحلته الكونغولية، منذ البداية، إذ أهدى النص إلى “ذكرى جوزيف كونراد”. وكونراد كما نعرف هو الكاتب الإنجليزي، من أصل بولندي، الذي جعل من واحد من أقوى كتبه، “في قلب الظلمات” الذي منه اقتبس فرانسيس فورد كوبولا جوهر فيلمه “يوم القيامة… الآن”، محضر إدانة لممارسات الرجل الأبيض إزاء الأفارقة، وفي المنطقة نفسها بالتحديد. ولكن، لئن بنى كونراد كتابه على شكل رواية، فإن جيد آثر الأسلوب الوثائقي، آثر أن يرصد الواقع كما هو، كما يراه بنفسه، ولكن، طبعاً، من دون أن يتنبه إلى ما سيتنبه إليه مواطنه تيودور مونو، الرحالة والأب الفرنسي الإنساني الشهير، الذي سيروي أنه التقاه في الكونغو، ليدهشه أن جيد، يسير على رأس قافلة تضم عشرات العبيد السود الذين كانوا يخدمونه، وسط مناخ يخلو من الإنسانية، ولنغض الطرف عن هذا، حاسبينه في خانة تناقضات رجل الإنسانية الأبيض في تعاطيه مع نظرته إلى الشعوب المستضعفة. إذ، حسبنا هنا أن يكون جيد، قد رفع الصوت في ذلك الوقت المبكر موصلاً إلى قارئه الأوروبي صورة رآها حقيقية لما يجري هناك.

صدمة كاتب حسن النوايا

و”ما يجري هناك” كان صادماً حقاً كما يفيدنا الكتاب، كان صادماً في ما شاهده وخبره أندريه جيد شخصياً، أو في ما روي له، في أماكن عدة وصل إليها وتجول فيها، وكان معظم تلك الأماكن يشكل أراضي تستغلها الشركات الفرنسية والبلجيكية وعلى رأسها “شركة غابات الكونغو الأعلى” التي كانت تملك في تلك المنطقة الواسعة من الأراضي، احتكار استخراج مادة الكاوتشوك، والحقيقة أن ما صدم جيد هو أن هذه الشركة كانت تتصرف بصفتها دولة، لها محاكمها وجيوشها ومسلحوها وقوانينها، وهي بهذه الصفة، وكما روى الزعيم القبائلي سامبا نغونو لجيد، كان من حقها، وفعلته مراراً، أن تجمع السكان الذين قد يتمردون على تعليماتها، فتضرب الرجال بالرصاص وتقطع أوصال النساء، بل تحرق الأطفال وهم أحياء. هذا روي لجيد، أما ما رآه بأم عينه، وقال لاحقاً أنه أشعره بالخجل، فكان أطفالاً وفتياناً يجمعون لتمهيد تلك الدروب الموحلة، التي ستمر عليها قافلة جيد نفسه، بصفته محملاً برسائل حكومية تكلفه بمهمة!

لقد دفع هذا كله، من بين عشرات الحكايات والوقائع التي يوردها أندريه جيد في الكتاب، دفع الكاتب إلى التساؤل حول كنه ذلك الحق الذي يجعل الإنسان الأبيض الآتي إلى القارة السوداء من بعيد، قادراً على فعل ما يفعل من دون أن يجد رادعاً أو رقيباً. ومع هذا، فإن الكاتب لم ينس للحظة أنه بعد كل شيء كاتب وأديب، ومن هنا نراه يحول صفحات الكتاب إلى نص شديد الجمال والقوة، يمتزج فيه محضر الاتهام القاسي، بصور الناس والطبيعة، وبالتسلل إلى أعماق نفوس البشر الذين كان يلتقيهم فيتركون لديه انطباعات شديدة التناقض وفائقة القوة في الوقت نفسه. وهنا، من ناحية أسلوب الكتابة نفسه، قد يكون مفيداً أن نذكر أن أندريه جيد الذي لم يضع الكتاب إلا لاحقاً، وانطلاقاً من يوميات سريعة وتخطيطية كان يدونها يوماً بعد يوم خلال الرحلة، وبدءاً من يومها الثالث تحديداً، فكر أول الأمر، وبعدما اشتغل على الأمر مع صديقه الكاتب والمخرج السينمائي إيف أليغريه، أن يجعل النص دراسة علمية ممنهجة حول الأماكن التي زارها في أفريقيا وحول الممارسات الكولونيالية اللاإنسانية فيها، بيد أنه عاد وغير فكره وقد قرر أن يجعل النص على شكل يوميات يضع فيه ما دونه صفحة بعد صفحة، من دون أن يدخل عليه أية تفسيرات أو استنتاجات لاحقة.

“كارثة أفريقية”

وتلك الاستنتاجات سترد في نص كتبه جيد لاحقاً مع أليغريه فيه جزء من رحلته الكونغولية كما من رحلته التشادية، في عنوان “كارثة أفريقيا الاستوائية”، وكان أشبه بتقرير استكمل ما أورده جيد في الكتابين. والحال أن هذا كله كان له أثر بالغ إذ حرك الأقلام والصحافة في ذلك الحين، من ناحية لفضح تلك الممارسات، ومن ناحية ثانية لشتم أندريه جيد، من قبل الأقلام اليمينية الفرنسية، في انتظار أن تتبعها، في الهجوم عليه لاحقاً، الأفلام اليسارية بسبب فضحه الستالينية السوفياتية، كما أشرنا، ومن ناحية ثالثة، للنظر إلى هذا الكاتب بصفته الاستمرار الطبيعي لتقاليد فرنسية في أدب الرحلات، لا تكتفي بالسياحة والتأمل الطبيعي، بل تتجاوز هذا لتكون صوتاً لضمير حي يرصد الجرائم ويتحدث عنها من دون أية شوفينية أو اعتزاز قومي مزيف.

وأندريه جيد (1869-1951) كان واحداً من أكبر وأبرز الأدباء الفرنسيين خلال النصف الأول من القرن الـ20، وهو نال جائزة “نوبل” للآداب، في عام 1947، تتويجاً لسلسلة كبيرة من الأعمال الأدبية والفكرية التي أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها عبرت، بلغة جزلة، عن قلق أجيال بأكملها من الكتاب والمفكرين. وهو خلف عدداً من الروايات ومن نصوص أدب الرحلات، ومن كتب التأمل النقدي والتاريخي، ما يصعب وضع لائحة به. أما أبرز أعماله الروائية فمنها “اللاأخلاقي” و”مزيفو النقود” و”أقبية الفاتيكان” و”السيمفونية الرعوية” و”الأغذية الأرضية”. ونذكر هنا أن جيد عرف أفريقيا الشمالية ومصر من كثب، كما أنه كان هو الذي عرف الحياة الأدبية الفرنسية على عميد الأدب العربي طه حسين، كما أنه كتب مقدمة لا تنسى، للترجمة الفرنسية التي صدرت في الفرنسية لكتاب “الأيام” الذي هو أشبه بسيرة ذاتية لطه حسين الذي بادله التحية بأن شجع على ترجمة كتبه ونصوصه إلى العربية يوم كان مسؤولاً عن مجلة “الكاتب المصري” ودار النشر التابعة لها.

المزيد عن: أندريه جيدالكونغوجوزيف كونرادتيودور مونوطه حسين

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00