الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » “أنا كلوديوس” لروبرت غريفز صورة الزمن الراهن في مرآة الماضي

“أنا كلوديوس” لروبرت غريفز صورة الزمن الراهن في مرآة الماضي

by admin

الإمبراطور الذي لعب دور الأبله لينجو من براثن جدته الداهية

اندلندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب

هل يمكن النظر حقاً إلى رواية “أنا كلوديوس” للكاتب الإنجليزي روبرت غريفز باعتبارها رواية بالمعنى المتعارف عليه للكلمة؟ سؤال يصعب العثور على إجابة قاطعة عنه حتى وإن كان كل ما في النص ينضح بمناخ روائي لا لبس فيه، ومع ذلك نكاد نجد أنفسنا في نحو الـ 500 صفحة التي يضمها هذا الكتاب أمام نوع من سيرة ذاتية تتخذ شكل رواية. والحقيقة أن الزمن الذي صدرت فيه الرواية عام 1934 كان أبكر من أن يمكن من حسم موضوع التصنيف ولكن لاحقاً مع تزايد الأعمال الأدبية “الروائية” التي تنحو النحو الذي بنى عليه غريفز كتابه هذا، ومن ذلك رواية “مذكرات هادريان” (1951) لمرغريت يورسنار التي كان الاحتفال بظهورها كبيراً ولا يدع مجالاً لأي التباس، كان من الطبيعي أن يشمل نوع من إعادة الاعتبار “أنا كلوديوس” كرواية وصفت بأنها “رواية أوتوبيوغرافية” وبالتالي كان في إمكان الكاتب أن يفخر بأنه كان من أوائل الذين خاضوا النوع، ولكن كذلك بأن في التصنيف ما يبرر له خروجه أحياناً كثيرة عن الوقائع التاريخية المتعلقة بحياة الإمبراطور الروماني الذي أرخ لحياته في هذا النص وصولاً إلى تسنمه عرش الإمبراطورية لحظة بداية انحدارها، علما بأن غريفز عاد وجعل للرواية جزءاً ثانياً يستكمل ذلك الجزء الأول متابعاً حياة كلوديوس منذ وصوله العرش وحتى مماته.

نجاح غير متوقع

المهم وخارج حكاية التصنيف هذه لا بد من الإشارة منذ الآن الى أن “أنا، كلوديوس” حققت من النجاح ما لم تحققه أي رواية أخرى في تاريخ الأدب التاريخي إذ تقول الحكاية، إن الرواية التي كتبها غريفز خلال فترة قصيرة من الزمن لمجرد أن تعود عليه ببعض مال يفي به ديونه، ومن هنا باع حقوقها مقابل 4 آلاف جنيه استرليني آنذاك، طبعت 10 مرات خلال سنتين، وعادت عليه بضعف المبلغ المتفق عليه، ناهيك عن شراء المنتج ألكسندر كوردا لحقوق أفلمتها في فيلم لم يحققه أبداً، وكان من المفروض أن يمثل فيها تشارلز لوتون الدور الرئيس.

المهم أكثر من ذلك أن الحدث التاريخي يُروى لنا بلسان كلوديوس ويصف أحوال الإمبراطورية الرومانية بين مقتل يوليوس قيصر ومقتل وريثه كاليغولا، حتى وإن كانت تسهب في تفاصيل الوقائع التاريخية مستندة إلى مدونات تاسيتوس وسويتونيوس وغيرهما من مؤرخي الإمبراطورية الرومانية، سرعان ما افترض عدد من المؤرخين والباحثين أن غريفز إذا كان قد لوى عنق التاريخ بعض الشيء فيها مدخلاً علاقات وأحداثاً تبدو أقرب إلى وقائع القرن الـ 20 منها إلى حقائق تتعلق بالزمن القديم، فإنه إنما فعل ذلك عن قصد لكي يجعل من الرواية نوعاً من مرآة تاريخية يرى فيها أبناء القرن الـ 20 ذواتهم في مرحلة ما بين الحربين العالميتين وفي لحظة الانهيارات الغربية الكبرى.

حكاية “الأبله” المتلعثم

“أنا كلوديوس” التي صنفها استفتاء أجرته مجلة “تايم” الأميركية بوصفها واحدة من أفضل 100 رواية كتبت باللغة الإنجليزية منذ عام 1923 وحتى لحظة إجراء الاستفتاء عام 2005، تروي إذن فصلاً أولاً من حياة كلوديوس على لسانه، بعد أن تقدمه لما بوصفه رابع إمبراطورات الرومان هو الذي سيحكم بين عام 41 و54 قبل الميلاد. وكان حفيد مارك أنطوني، وحفيد أخ أوغسطس قيصر. ومن المعروف تاريخياً أن أسرة كلوديوس قد حرصت أول الأمر على إبقائه بعيداً من الشؤون العامة والعالم الخارجي بسبب تلعثمه والعديد من علامات التخلف التي كانت تعتريه، وذلك حتى بلغ الـ 50 من عمره وبات لا بد من تتويجه بعدما أمضى سنوات عدة منكباً على كتابة تاريخ للدولة لم يكن من الممكن الوثوق به على أي حال، ولقد كان التتويج تحت رعاية جدته المريعة ليفيا وأمه أنطونيا ماينور اللتين كانتا تتحكمان بالأسرة الحاكمة من الداخل.

“الحقيقة ولا شيء غيرها”

والرواية التي يفترض أن كلوديوس دوّن فصولها وهو متربع على العرش مستعيداً الرغبة في خوض الكتابة التاريخية، تؤكد لنا منذ صفحاتها الأولى بلسان مؤلفها أنها إنما تتطلع إلى قول الحقيقة في ما يتعلق بتاريخ الأسرة وتاريخ الإمبراطورية التي يعتبر كلوديوس نفسه “أميناً عليها وعلى صدقيتها”. ولعل البطل الفرد في أحداث ذلك الكتاب الأول هو أوغسطوس الذي يحدثنا كلوديوس كراو للأحداث أنه كان يسعى إلى ترتيب شؤون الحكم معتمداً على سلسلة من شخصيات من أقاربه أو المحيطين به، أبرزهم مارتشيلوس وماركوس أغريبا وغايوس سيزار ولوقيوس سيزار، لكن المشكلة أن هؤلاء جميعاً راحوا يموتون تباعاً وغالباً ميتات غامضة. بيد أن كلوديوس لا يتورع هنا عن التأكيد بوضوح أن كل تلك الميتات إنما كانت بفعل مؤامرات ومناورات من تدبير الداهية ليفيا، جدته التي كان همها من وراء ذلك كله أن توصل ابنها تيبيريوس، عم الكاتب إلى العرش من بعد أوغسطوس.

شؤون عائلية

ويخبرنا كلوديوس هنا أن كل ذلك كان يحدث وبلغ أوجه في الوقت الذي ولد هو فيه، مليئاً بالعاهات الخلقية والنفسية التي سرعان ما جعت منه موضع سخرية العائلة وشفقتها لكنها أبعدته، كما أشرنا، عن إمكان أن يكون هو ذات لحظة وريثاً للعرش، وبالتالي أنقذته كما سوف نفهم ضمناً، من بطش ليفيا، بل إن هذه لم تتردد من دون تعزيز رغباته الكتابية من خلال تخصيص مؤرخ كبير هو أثينودوروس علمه الكتابة وزرع فيه حب الأدب والتاريخ.

وكان ثمة من خلصاء كلوديوس منذ صباه، صديقه أسينيوس بوليو الذي كان أول من نصحه بأن يلعب دور الأبله كي ينقذ نفسه من براثن المناورات الدائرة دائماً حول العرش، والحقيقة أن كلوديوس يتقن هذا الدور ويختبئ خلفه بحيث يصبح طوع بنان جدته التي ستزوجه المرأة الصلبة أورغولانيلا التي سرعان ما يسأمها ليقترن بالفتاة الطيبة آييلا التي تتواطأ معه، وعلى الأقل حتى يصل كاليغولا إلى العرش ويجبره من جديد على الاقتران بزوجته الثالثة ميسالينا. والحقيقة أن الرواية تبدو على ضوء تلك التقلبات الخاصة بكلوديوس وكأنها تركز على حياته العائلية ومشكلاته مع أسرته ومع اضطراره للعب دور الأبله المطواع كي ينقذ نفسه بأكثر مما تهتم أو يهتم هو كوار على أي حال، بإخبارنا حول التفاصيل السياسية والعسكرية لتلك الحقبة من تاريخ الإمبراطورية التي كانت حقبة اضطرابات وجرائم وتقلبات من حول العرش، من المهم أن كلوديوس عرف بلغته المباشرة والصريحة كف يقول لنا خلفيات نجاته منها حتى اللحظة التي وصل فيها هو إلى العرش.

بين الشكل والمضمون

ومن الواضح هنا أن هذا الجانب الذي ركز عليه روبرت غريفز في روايته بعيداً من الحكايات المغرقة في بعدها السياسي والتاريخي والعسكري، وكونه اختار أن يعطي الكلام لبطلها ذي الأطوار الغريبة شكلياً، إنما يخفي الذكاء الحاد في المضمون، هو ما أمن للرواية ذلك النجاح الهائل الذي جعلها تترجم إلى 17 لغة فور صدورها وتفوز بجائزتين أدبيتين، موطدة سمعة غريفز كروائي هذه المرة هو الذي كان معروفاً قبل ذلك كمؤرخ للأساطير الإغريقية، واشتهر له في هذا السياق واحد من أهم وأجمل الكتب حول تلك الأساطير، كما عرف كشاعر وكاتب سياسي استخلص كثيراً من الدروس والعبر من مشاركته في الحرب العالمية الأولى، وهو عاش آخر سنوات حياته معتزلاً العالم في جزيرة مايوركا الإسبانية منصرفاً إلى الكتابة بعدما أمنت له “أنا كلوديو” ومن ثم جزؤها الثاني “كلوديوس الإله” مداخيل لم يكن يحلم بها.

ولا بد من أن نذكر هنا أنه إذا كان مشروع أفلمة “أنا كلوديوس” يوم صدورها قد أخفق، فإن الرواية وقد ألحق بها جزؤها الثاني تحولت إلى مسلسل من إنتاج “بي بي سي” حقق نجاحاً كبيراً عام 1976، مما حمس إحدى شركات الإنتاج إلى العودة للمشروع السينمائي، من إخراج جيم شيريدان، لكن هذا المشروع الجديد سرعان ما اختفى حين اشترت شركة “إتش بي أو” الحقوق راغبة في أن تحول الرواية من جديد إلى مسلسل محدود في عدد الحلقات.

المزيد عن: الرواية الإنجليزية\روبرت غريفز\أنا كلوديوس\كلوديوس الإله

 

 

You may also like

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00