إرنست همنغواي (1898 - 1961) وبندقية الصيد التي انتحر بها (ويكيميديا) ثقافة و فنون “أن تملك أو لا تملك” تلك هي قضية همنغواي الحقيقية by admin 25 ديسمبر، 2024 written by admin 25 ديسمبر، 2024 25 السنة التي انقلبت فيها حياة الكاتب الأميركي وتبدلت توجهات ثورته الفردية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب حدث ذلك في عام 1937. العام الذي طرأ بالجديد على حياة الكاتب الأميركي إرنست همنغواي (1898 – 1961)، مما دفعه إلى إحداث انقلاب جذري ليس في حياته واختيارات تلك الحياة فحسب، بل كذلك في نزعاته الأدبية والفلسفية. ما حدث لإرنست همغواي حينها وكان يدنو من سن الـ40، بدا جذرياً وشديد الأهمية قبل أعوام طويلة من نيله جائزة نوبل الأدبية بالتالي من انتحاره بطلقة من بندقية صيد كان كثيراً ما يستعملها لاصطياد الوحوش. في اختياره تلك البندقية ذات الدلالة القصوى في حياته، كان همنغواي يبدو وكأن لسان حاله يقول، “ها أنذا وقد اخترت أن أضع حداً لحياتي بيدي وطبعاً بإرادتي وكأنني الوحش الأخير الذي اصطاده”. عندما أقدم همنغواي على الانتحار بتلك الطريقة كان في الـ63 ولا شك أنه كان يخطط لذلك منذ العام الذي بلغ فيه ما يدنو تماماً من الـ40. أو لنقل بالأحرى، منذ عام الذي أصدر فيه روايته “أن تملك أو لا تملك” (1937) محققاً عبرها انقلابه الجذري. ولكن في أي اتجاه كان ذلك الانقلاب؟ وما علاقته بتلك الراية التي لا يمكن القول إنها أقوى روايات همنغواي أو حتى أشهرها؟ فتلك المكانة تشغلها روايات له أخرى مثل “لمن تقرع الأجراس” أو “الشمس تشرق من جديد” أو خاصة “وداعاً للسلاح“، مما كتبه ونشره قبل الرواية التي نتحدث عنها هنا، لا سيما “العجوز والبحر” التي صدرت بعد ذلك بزمن طويل. واسطة العقد أما تلك الرواية ذات الرنة الشكسبيرية – الهاملتية الخالصة فلقد أتت متوسطة مسار همنغواي الحياتي والأدبي، وهو أمر لا يمكن أن يكون هو ما أعطاها مكانتها الفكرية المهمة في مسار ذلك الكاتب المغامر. ولا بد أن نشير هنا أول الأمر إلى كون “أن تملك أو لا تملك” رواية يمكن اعتبارها وفي وقت واحد رواية الخيبة ورواية الأمل. الخيبة أولاً انطلاقاً من كونها أتت لدى الكاتب كاستخلاص منه لما عده حينها إخفاق الثورة الفردية التي كانت تشكل التوجه الرئيس في حياته ونضالاته، وهو توجه كان يعكسه في أفكاره وحياته متمسكاً بنوع من عدمية تلذه معتقداً أنها ستوصله إلى أفق ما. لكن مآلات الثورة الإسبانية الجمهورية والديمقراطية التي انطلق مدافعاً عنها ضد الفاشية الفرانكوية ومن خلالها، ضد النازية الهتلرية والفاشية الإيطالية تلك المآلات دفعته نحو ضروب يأس مريرة لا شك أنه عبر عنها بقوة في تلك الرواية المفصلية، وقد أدرك للمرة الأولى ما سيرى أنه التوجه الثوري الوحيد الذي يمكنه عبره أن يحقق ذاته: الثورة على تلك الذات نفسها في تناغم مع ثورات الآخرين، الثورات الجماعية التي تنطلق من أهداف واضحة وتبعاً لابتعاد عن مسارات لا تفضي إلى أية نتيجة كانت تشكل سكته الواثقة منذ شبابه. ومن هنا يبدو لنا واضحاً “أن تملك أو لا تملك” ومن دون أن تكون عملاً حزبياً مميزاً في مسار همنغواي يقدمه لنا في رداء جديد. وهنا قبل التوغل بعض الشيء في هذا الاستنتاج، قد يكون من المفيد أن نشير إلى أن همنغواي، وبعد تلك القلبة لن يتابع بأية حال مساره الذاتي الجماعي الجديد بل سيتراجع عنه ليعود إلى ثورته الفردية مما سيقوده في النهاية إلى الانتحار، لكن من دون أن ينادي بتعميم ذلك التراجع. غلاف طبعة مبكرة من “أن تملك أو لا تملك” (أمازون) الكابوس الداخلي في الحقيقة همنغواي من بعد ذلك الانقلاب حمل الدعوة إلى الفرح بالحياة وإلى مواصلة النضال الجماعي، إنما المنفصل عن أي مستوى أيديولوجي، لا سيما لدى المبدعين الذين لديهم، وكما سيقول دائماً، من الفكر والوعي ما يمكنهم من نشر الاحتفاء بالحياة والدفاع عنها ما يغنيهم عن تنفيذ سياسات حزبية تكتيكية أو ضيقة الأفق بصورة عامة. المهم إن انتحار همنغواي في نهاية المطاف، وفي مرحلة من حياته بدا فيها أن أعلى درجات النجاح باتت تتوج مساراته، إنما كان إشارة مهمة إلى ذلك الانفصام الذي تجلى لديه منذ “أن تملك أو لا تملك” بين ذاتيته المفرطة ونزعته النضالية التي يبدو أنه قد عممها على الآخرين ولكن ليس على ذاته. وربما يمكننا عند هذه النقطة بالذات أن نفهم همنغواي وتقلباته الفكرية التي حكمت أساليبه الأدبية المميزة، إنما من دون أن يبتعد بها عن المستويات الكبرى التي بلغها في أعماله الضخمة. ومع ذلك كله، وعند مظاهر الأمور على أي حال، قد يكون من الصعب القول “أن تملك أو لا تملك” تختلف في موضوعها وكونها رواية مغامرات، وفي شخصياتها المتقلبة أو المناضلة عن شخصية المؤلف نفسه في تقلباته التي عرف دائماً كيف يعبر عنها بعبقريته السلوكية أو السيكولوجية وعن علاقته هو بها سواء لعب دور الراوي أو اكتفى بالبطولة في هذه الرواية أو تلك. فعم تتحدث “أن تملك أو لا تملك”؟ عادية البطل الاستثنائي الشخصية المحورية في هذه الرواية تحمل اسماً يكاد يكون عادياً في أدب همنغواي، هاري مورغان، ومهنته بدورها تكاد تكون “طبيعية” في عوالمه: هو مهرب عبر البحار يتحرك بين فلوريدا وكوبا ناقلاً شتى أنواع البضائع المهربة بواسطة مركبه المتنقل صيفاً وشتاء محملاً في طريقه بالأثرياء الذين يهوون الصيد في أعالي بحار تلك المناطق الفاتنة من العالم. وذات مرة يحدث لواحد من أولئك الأثرياء أن يستأجر منه المركب ليقضي مأربه منه ثم يتركه في ميناء هافانا من دون أن يسدد له ما اتفقا عليه مقابل ذلك. ولكن هاري يتمكن من إعادة مركبه عبر احتيال على مجموعة من الصينيين الذين يحصل منهم على المبلغ المطلوب مقابل إقناعهم أن في إمكانه أن يدخلهم إلى الأراضي الأميركية في فلوريدا. ولاحقاً فيما هو يحاول ذلك يجد نفسه متورطاً في معركة حامية مع رجال الجمارك الأميركيين وهي معركة يفقد خلالها ذراعه. غير أنه سرعان ما سيقتل إثر ذلك خلال اشتباك دام يندلع بين مجموعتين من الثوار الكوريين الذين كان ينقلهم من فلوريدا إلى هافانا. والحال أنه لئن كان هاري بطلاً من النمط الذي يملأ روايات همنغواي فإنه يبدو أقلهم استقامة هو الذي يقر بعدم نقائه، مردداً قولة مبدع شخصيته بأن ليس على البطل، لكي يكون بطلاً حقيقياً أن يكون نقياً. غير أن ذلك لا يعني أن هاري ليس في نهاية الأمر شخص طيب. فهو يتمتع وبحسب همنغواي نفسه، بتلك الفضائل التي يتمتع بها البطل الحقيقي: الرجولة والشجاعة اللتان تسمان معاني التصدي لعالم الانهيار البورجوازي المليء بالنذالة والتلاعب والكذب. إنه بطل عادي ولكن في عالم تبدو نذالته استثنائية. درس شديد الارتباك في هذا السياق، حتى وإن بدت رواية همنغواي هذه ذات عادية أسلوبية تتماشى مع بناء مرتبك في رسم الشخصيات، يبدو لنا أن ما كان يهم الكاتب ليس ذلك البناء في حد ذاته بل التفوق في رسم شخصية البطل، إلى درجة جعله واحداً من أكثر أبطاله وفي مجمل روايته، تعبيراً عنه ومن هنا تحويله من نمطيته إلى استثنائية ما، في مقابل تحويل المجتمع الذي يعيش ويتحرك فيه بطله كما يفعل هو نفسه، إلى مجتمع نمطي يجب الثورة ضده حتى وإن كان الأمر سينتهي بانتصار ذلك المجتمع، وهو ما يرمز إليه تدرج هاري من بطل مسيطر على وضعه إلى بطل يتم الاحتيال عليه بكل بساطة كما من ثم إلى ضحية يفقد ذراعه ثم حياته وصولاً إلى فشل ثورته الفردية واختفائه هو نفسه رغم صواب موقفه. المزيد عن: إرنست همنغوايجائزة نوبل للآدابالثورة الإسبانيةالفاشية الفرانكوية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post زيوت طهي شائعة تزيد حالات سرطان القولون لدى الشباب next post “الحياة الفاوستية” رحلة في عوالم غوته السرية You may also like يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024 كوليت مرشليان تكتب عن: الصحافي والكاتب جاد الحاج... 26 ديسمبر، 2024 إسماعيل فقيه يكتب عن: “دعوني أخرج”!… قالها الشّاعر... 26 ديسمبر، 2024 عقل العويط يكتب عن: سوف يصفّق في الظلام... 26 ديسمبر، 2024 روؤف قبيسي يكتب عن جاد الحاج … صفحات... 26 ديسمبر، 2024 بول شاوول يكتب عن: أمير القصة العربية يوسف... 25 ديسمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن.. جولان حاجي: الكتابة... 25 ديسمبر، 2024 (20 رواية) تصدّرت المشهد الأدبي العربي في 2024 25 ديسمبر، 2024 “الحياة الفاوستية” رحلة في عوالم غوته السرية 25 ديسمبر، 2024 أضواء جديدة على مسار فيكتور هوغو السياسي المتقلب 24 ديسمبر، 2024