أصبحت عضو الكونغرس ألكساندريا أوكاسيو كورتيز الصوت السياسي لجيل كامل، من الشباب والشابات (غيتي) Xمن البشر ألكساندريا كورتيز… أمل الديمقراطيين أم رجاء نساء أميركا؟ by admin 16 يناير، 2025 written by admin 16 يناير، 2025 16 أصبحت عضو الكونغرس اللاتينية الأصل الصوت السياسي لجيل كامل من الشباب والشابات وباتت مثل نجمة ثقافية تتجاوز قوتها السياسية اندبندنت عربية لم تفقد النسوة الأميركيات الأمل في أن تصل ممثلة عنهنّ إلى مقام الرئاسة الأميركية، على رغم تجربتين مؤسفتين سابقتين، الأولى في 2016، والثانية في 2024، حيث عجزت هيلاري كلينتون في مواجهة دونالد ترمب، ومن ثم خسرت كامالا هاريس السباق عينه، وأيضاً ضدّ ترمب قاهر النسوة إن جاز التعبير. التساؤل السائر الدائر عبر ثماني سنوات: هل المجتمع الأميركي مجتمع “جندر” أي مجتمع متعصب ضد النسوة؟ أم أن هناك أسباباً أخرى تقف خلف هذا القصور، أسباباً موصولة بطبيعة الشخصيات المرشحة بالفعل لشغل منصب رئيس مجلس إدارة العالم؟ المؤكد أن كثيراً من استطلاعات الرأي في الأشهر القليلة التي سبقت انتخابات الرئاسة الأميركية، أظهرت قصوراً واضحاً في قبول فكرة سيدة في رئاسة البيت الأبيض، الأمر الذي يحتاج إلى قراءة تحليلية خاصة، لا سيما في مجتمع ليبرالي على النحو المعروف. غير أن ذلك لا ينفي كون الشخصيتين النسائيتين اللتين تقدمتا إلى السباق الرئاسي، كانتا محملتين بكثير من المثالب التي اختصمت من حظوظهما، فهيلاري كان وراءها تاريخ إشكالي طويل، سواء في ما يتعلق بعلاقتها مع زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، أو بسلوكها الشخصي هي نفسها، إضافة إلى الصراعات غير النظيفة التي قامت بها داخل الحزب الديمقراطي ضد السيناتور بيرني ساندرز، وكثير من العلاقات الخارجية التي تحمل شبهات مثيرة بدورها. أما في حالة كامالا هاريس، فقد تم النظر إليها على أنها ستكون تابعة تدور في فلك باراك أوباما، ولم يزخمها أي تاريخ سياسي أو نضال مجتمعي، يجعل منها رمزاً تتجمع من حوله النسوة الأميركيات كما روزا بروكس على سبيل المثال. هنا يظل التساؤل “هل يمكن أن تطفو على سطح الأحداث الأميركية شخصية نسوية سياسية، ذات جاذبية وبريق متميزين يمكنها أن تحقق السبق الذي لم تدركه أي سيدة أميركية حتى الساعة؟ لعل قراءة معمقة لبعض الوجوه في الداخل الأميركي تشي بأن هناك من قد يتجرأ على هذا الأمل في القريب العاجل… عمن يدور الحديث؟ في حالة كامالا هاريس، فقد تم النظر إليها على أنها ستكون تابعة تدور في فلك باراك أوباما (أ ب) ألكساندريا كورتيز… ومعركة المستقبل بعد ما يقرب من ست سنوات على وصولها غير المتوقع إلى واشنطن، أصبحت عضو الكونغرس ألكساندريا أوكاسيو كورتيز الصوت السياسي لجيل كامل، من الشباب والشابات، وباتت مثل نجمة ثقافية تتجاوز قوتها السياسية. وخلال أول عامين لها في واشنطن، كانت تسير على الأقدام لبضعة مبان من شقتها إلى مكتبها في الكونغرس، كل صباح تقريباً، وهو روتين شعرت بأنها مضطرة إلى تغييره بعد ما جرى في الكونغرس نهار السادس من يناير (كانون الثاني) عام 2001. غير أنها الآن تقود سيارتها في معظم الأيام، وهي رحلة قصيرة بشكل مضحك تعتبرها احتياطياً أمنياً ضرورياً، ولكن لسبب ما، وهي غير متأكدة من السبب، قررت عضو الكونغرس السير إلى العمل من جديد. منذ عام 2018، باتت ألكساندريا كورتيز النجمة اللامعة في الحزب الديمقراطي على رغم صغر عمرها، وقد كانت كذلك منذ أن أطاحت بالنائب جو كرولي عن ولاية نيويورك في مفاجأة غير متوقعة في الانتخابات التمهيدية في مايو (أيار) من عام 2018، والحقيقة أن فوزها لم يطلق موجة من الانتصارات اليسارية في الانتخابات التمهيدية في ذلك العام، وهذا معناه أن ما يظهر فقط هو كونها ظاهرة متفردة ومتميزة. هيلاري كلينتون كان وراءها تاريخ إشكالي طويل سواء في ما يتعلق بعلاقتها مع زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون أو بسلوكها الشخصي هي نفسها (غيتي) ولا يشترك الجميع حول أسلوبها السياسي بطبيعة الحال، ولكن دائرتها الانتخابية توسعت إلى ما هو أبعد من المجموعة الأولية من الأيديولوجيين الذين دعموا التحدي لمنافسها السيناتور كرولي، بسبب ذكائها المذهل، وكاريزميتها، ومهاراتها في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وذكائها السياسي. وتبدو كورتيز في حضورها الطاغي قريبة الشبه من ترمب عام 2016، بمعنى أنها مثله سياسية من خارج الحزب، يحبها الملايين من الديمقراطيين، حتى لو كرهها بضع مئات من أركان الحزب الكبار بسبب انتصارها على مرشح يحظى بشعبية كبيرة. ولأنها، بصراحة، فائقة أكثر إثارة للإعجاب من بقية المرشحين، كما أنها حظيت ولا تزال بشعبية طاغية بين الديمقراطيين العاديين، انطلاقاً من كونها أمضت وقتاً طويلاً في عمل من بين أعمال الطبقة المتوسطة، كنادلة في مطاعم “برونكس” في نيويورك ما يجعلها تتمتع بشخصية جذابة. كيف وصلت هذه الفتاة الثلاثينية اللاتينية الأصل من قاع المدينة التي لا تنام حيث نضالات الطبقة العاملة إلى قائمة المرشحات من النسوة الأميركيات للرئاسة في 2028 بنوع خاص؟ كورتيز من “برونكس” إلى واشنطن ولدت ألكساندريا في أكتوبر (تشرين الأول) 1989، والتي ستعرف لاحقاً باسم AOC في حي “برونكس” في مدينة نيويورك، وانتقلت عائلتها لاحقاً إلى يوركتاون هايتس بنيويورك أيضاً حيث التحقت هناك بالمدرسة الثانوية، ثم التحقت بجامعة “بوسطن” حيث تخصصت في العلاقات الدولية والاقتصاد، وتخرجت بمرتبة الشرف لتعود إلى “برونكس” من جديد لتصبح ناشطة سياسية، وتكسب عيشها من عملها كنادلة و”بارمان”. في عام 2018 وقد كانت في الـ 29 وقتها، حظيت كورتيز باعتراف وطني عندما فازت في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي للدائرة الـ 14 في نيويورك، بعد أن هزمت رئيس الكتلة الديمقراطية جو كرولي الذي شغل المنصب لمدة 10 سنوات، فيما اعتبر، على نطاق واسع، أكبر انتصار مفاجئ في الانتخابات التمهيدية لانتخابات التجديد النصفي لعام 2018، ثم فازت بسهولة في الانتخابات العامة في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهزمت الجمهوري أنتوني بابا، وأعيد انتخابها من جديد في 2020 و2024. هل أميركا على موعد مع ناشطة سياسية وعضو كونغرس غير اعتيادي يبشر بالوصول إلى سدة البيت الأبيض عما قريب؟ يبدو سرّ كورتيز الحقيقي في فهمها حاجة الأميركيين الحقيقة في الوقت الراهن، وغالب الظن أن هذا الفهم، وذاك التلاحم هو ما سيقودها إلى البيت الأبيض. وبعد تخرجها من جامعة “بوسطن”، وعلى رغم الجدارة الأكاديمية التي أحرزتها، إلا أنها عادت إلى “برونكس” لتعمل في المطاعم والحانات من أجل مساعدة والدتها عاملة النظافة وسائقة حافلة مدرسية بهدف تخليص منزلهم من الحجز الذي كان واقعاً عليه. وخلال الانتخابات التمهيدية لعام 2016، عملت كورتيز كمنظمة للحملة الرئاسية للسيناتور اليساري الشهير بيرني ساندرز، ما جعلها قريبة من واحد من أهم العقول الأميركية الفاعلة في داخل الكونغرس عبر عقود طوال، ومنه أدركت كثيراً من الخبايا والخفايا التي تخص واشنطن حيث الكونغرس والبيت الأبيض. تبدو كورتيز وكأنها ستمر من بوابة البيت الأبيض على حساب تصرفات ترمب (اندبندنت عربية) وبعد الانتخابات العامة، سافرت عبر أميركا الواسعة بالسيارة، وزارت أماكن مثل فلينت وميشيغان ومحمية ستاندنج روك الهندية في داكوتا الشمالية، وتحدثت إلى الأشخاص المتضررين من أزمة المياه في فلينت وخط أنابيب داكوتا أكسيس. وتتذكر كورتيز زيارتها في ديسمبر (كانون الأول) 2016 إلى ستاندنج روك كنقطة تحول قائلة “قبل ذلك كنت أعتقد أن الطريقة الوحيدة للترشح لمنصب فعال هو الوصول إلى الثروة والنفوذ الاجتماعي والسلطة، لكن زيارتي إلى داكوتا الشمالية جعلتني أرى آخرين يضعون حياتهم بأكملها وكل ما لديهم على المحك من أجل حماية مجتمعاتهم”. يمكن القطع أن هذه الزيارة عززت لديها رؤاها الاشتراكية الديمقراطية، وجعلتها تستعيد إيمانها بالسياسة الانتخابية كمرشحة اشتراكية ترفع شعاراً مستوحى من “الملصقات والصور الثورية من الماضي”. ساندرز وتشومسكي يهنئان كورتيز بطريقة تلقي ظلالاً على حظوظها في الفوز بالرئاسة الأميركية في المستقبل القريب، استطاعت كورتيز أن تفعل ما لم يقدر أحد على فعله من السياسيين الديمقراطيين في مثل هذا العمر الصغير. وبدأت كورتيز حملتها لانتخابات الكونغرس في أبريل (نيسان) 2017، أثناء عملها كنادلة في مطعم “فلانس فيكس” في يونيون سكوير بنيويورك، وقد وصفت تلك الفترة لحقاً بقولها “كنت أعمل من وراء جدران هذا المطعم وأدير حملتي الانتخابية”. وبدت كورتيز أول من يتحدى جو كرولي، منذ عام 2004، رئيس الكتلة الديمقراطية، وغالب الظن أنها أدركت مفتاحاً نادراً قادراً على مشاغبة عقول الأميركيين، ذلك أنها، وفيما كانت تواجه عبء تمويل الحملات الانتخابية، رسخ لديها أنه “لا يمكن حقاً التغلب على الأموال الكثيرة بمزيد من المال، بل عليك التغلب عليهم بطريقة مختلفة تماماً”. وقامت حملة كورتيز بتعبئة شعبية، ولم تتلقّ تبرعات من الشركات، بل وجدت الدعم من المنظمات التقليدية ومنظمات حقوق الإنسان، والعديد من المسؤولين المنتخبين المحليين والنقابات العمالية، وبدا أن هناك تياراً شعبوياً لم تلحظه نيويورك من قبل يقف خلف كورتيز. وحصلت الفتاة التي لم تكن قد بلغت الـ 30 من عمرها على 57.13 في المئة من الأصوات، مقابل 42.5 في المئة لمنافسها كرولي، لتهزم شاغل المنصب لمدة 10 سنوات بنحو 15 نقطة مئوية في 26 يونيو (حزيران) 2018. وصدمت النتيجة العديد من المعلقين والمحللين السياسيين، وحظيت على الفور باهتمام وطني، وتساءلت كبريات الصحف مثل “نيويورك تايمز”، والقنوات الإخبارية لا سيما “سي أن أن” عن كيف تحدى الفوز تماماً توقعاتهم. تلقت كورتيز الطامحة في أعلى عليين تهاني ذات معنى ومبنى من عالم اللسانيات الأميركي الأشهر نعوم تشومسكي (أ ف ب) ولم يكن التمويل، بلا شك، هو السبب في نجاحات كورتيز الفائقة، بل في قدرتها على كسب كثير من المجموعات المؤثرة على يسار الحزب، ما أدى إلى اعتراف كرولي بالهزيمة في ليلة الانتخابات. في تلك الليلة تلقت كورتيز الطامحة في أعلى عليين تهاني ذات معنى ومبنى، من بيرني ساندرز القطب اليساري الأميركي الذي حرمته هيلاري، من قبل، من الوصول إلى مقام الرئاسة الأميركية، ومن عالم اللسانيات الأميركي الأشهر نعوم تشومسكي. وسيقدر لها أن تفوز في 2018 بالانتخابات العامة، وتصل إلى الكونغرس، ولعل ما مكّنها من الفوز تالياً لفترتين، هي مهاراتها في التعاطي مع الناخبين الأميركيين من الطبقة المتوسطة، صمام الأمان للمجتمعات الطامحة للترقي المجتمعي، وإن ينسى الأميركيون، فإنهم لا ينسون قولها حين فازت بمقعد في الكونغرس الأميركي، للمرة الأولى في 2018، أنه “لن تستطيع دفع نفقات إيجار شقة في العاصمة واشنطن، قبل أن تتسلم أول راتب لها كنائبة عن الشعب الأميركي”. كورتيز الاشتراكية وأميركا الرأسمالية أحد أهم الأسئلة المطروحة على ساحة النقاش الأميركي بالنسبة لكورتيز، هو كيف أنها تحقق نجاحات باهرة على رغم ميولها الاشتراكية الواضحة، في دولة رأسمالية الهوية والهوى، وتهزم مرشحين من غلاة الليبرالية الفكرية دفعة واحدة؟ المعروف أن كورتيز هي عضو في الجناح الاشتراكي التقدمي اليساري في الحزب الديمقراطي، والذي أرسى جذوره في الوقت الحاضر، باراك أوباما منذ فوزه الأول عام 2008. وتتبنى كورتيز تسمية الاشتراكية الديمقراطية كجزء من هويتها السياسية. وفي مقابلة لها مع برنامج “قابل الصحافة” الشهير على قناة NBC، وصفت الاشتراكية الديمقراطية بأنها “جزء مما أنا عليه. إنها ليست كل ما أنا عليه. وأعتقد أن هذا تمييز مهم للغاية”. جاء الجواب محيراً لكثيرين، ومؤكداً لتفردها وتميزها، وقدرتها على المواءمة بين كثير من الأيديولوجيات السياسية والاقتصادية، ذلك أنها، وفيما اعتبرت أن التوجه اليساري الاشتراكي جزء من هويتها، تركت الباب مفتوحاً لأجزاء أخرى من فكرة الهويات اللزجة التي تشكل معالم الشخصية الإنسانية في القرن الـ 21، وربما صرحت بذلك عمداً لمغازلة تيارات أخرى من اليمين أو يمين الوسط، عندما تدق ساعة اختيارها كمرشحة للرئاسة الأميركية. هذا الاستنتاج يتأكد ويتعمق مرة جديدة، من خلال إجابات قدمتها في برنامج “خط النار” على قناة PBS حين سئلت عن الاشتراكية الديمقراطية التي تدعو، في النهاية، إلى إنهاء الرأسمالية فقالت “في النهاية نحن نسير نحو التقدم في هذه القضية. أعتقد أننا سنرى تطوراً في نظامنا الاقتصادي بدرجة غير مسبوقة، ومن الصعب تحديد الاتجاه الذي يتخذه ذلك”. لكن الاشتراكي الذي في داخلها لا يضيع ولا يغيب، ولهذا بدا وكأنها تدرك مآلات الرأسمالية عما قريب، فقالت في مؤتمر لاحق “بالنسبة لي الرأسمالية غير قابلة للإصلاح”. ولعل نظرة سريعة على ما تؤمن به كورتيز، تبيّن للقارئ أنها شخصية ثورية في مجتمع يميل جزء غالب منه إلى المحافظة. على سبيل المثال لا الحصر، تدعم كورتيز المثل التقدمية مثل الديمقراطية في مكان العمل، وبرنامج الرعاية الصحية للجميع، والكليات العامة والمدارس المهنية، وضمان الوظائف الفيدرالية، وإلغاء ديون الطلاب المستحقة البالغة قرابة 1.6 تريليون دولار، وإجازة الأسرة المضمونة، وإلغاء إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية، وإنهاء خصخصة السجون، وسنّ سياسات السيطرة على الأسلحة وسياسات الطاقة التي تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 100 في المئة، وقد أخبرت المذيع اللامع أندرسون كوبر بأنها تفضل “السياسات التي تشبه إلى حدّ كبير ما نراه في المملكة المتحدة، والنرويج، وفنلندا والسويد”. وفي كل الأحوال، فقد رفضت كورتيز فكرة الحكومة الاشتراكية، ووصفتها بأنها “غير ديمقراطية”، و”سهلة الفساد”، لكنها أعربت عن دعمها لسيطرة العمال على وسائل الإنتاج، كما قالت إن اقتصادات السوق ليست غير متوافقة مع الاشتراكية الديمقراطية طالما يسيطر العمال على الشركات، مستشهدة بالتعاونيات العمالية كنموذج. شاركت كورتيز في رعاية ما عرف باسم الصفقة الخضراء الجديدة وهي حزمة تشريعية تدعو إلى إصلاح شامل للاقتصاد الأميركي لمكافحة تغير المناخ (غيتي) كورتيز وفرقة واشنطن النسائية ولعله من بين أهم القصص التي باتت تميز مسيرة كورتيز السياسية، هو أنها تبدو كمثل رأس الحربة لما يعرف بـ “الفرقة”، أولئك النسوة الأربع اللواتي كسرن الحواجز في طريقهنّ إلى الكونغرس، سواء اتفقنا معهنّ أو اختلفنا، ذلك أنهنّ بعد قرابة عام واحد من وصولهنّ إلى واشنطن، بتن يمثلن رقماً مثيراً من الشهرة والجدل والصراع لم يشهده أي من المشرعين في حياتهم. عمن يدور الحديث؟ عضوات الكونغرس المشار إليهنّ هنّ ألكساندريا كورتيز ديمقراطية من نيويورك، ورشيدة طليب ديمقراطية من ميشيغان، وإلهان عمر ديمقراطية من مينسوتا، وآيانا بريسلي ديمقراطية من ماساشوستس. ويبدو توجه الفرقة داخل الكونغرس واحداً، وتقوده كورتيز بالتنسيق مع الثلاث الباقيات، فقد قادت الهجوم على بعض أبرز المقترحات وأكثرها إثارة للجدل من مجلس النواب، والذي كان مسيطراً عليه من جانب الديمقراطيين في 2018. وشاركت كورتيز في رعاية ما عرف باسم الصفقة الخضراء الجديدة، وهي حزمة تشريعية تدعو إلى إصلاح شامل للاقتصاد الأميركي لمكافحة تغير المناخ، ودعمت الرعاية الطبية للجميع والكليات العامة المحلية، كما سبق ووعدت في برنامجها الانتخابي، ما جعل كثيرين يرون أن وعودها تتحقق ما يؤكد مصداقية أحاديثها ووعودها المستقبلية، كما دعمت التوجه لمعدل ضريبي هامشي بنسبة 70 في المئة للأميركيين الذين يكسبون أكثر من 10 ملايين دولار. وباتت كورتيز في الداخل الأميركي اليوم، رمزاً للأجيال السياسية الشابة القادرة على التعاطي بأدوات العصر من وسائط التواصل الاجتماعي، فهي غالباً ما كانت تستخدم “تويتر” “إكس” حالياً، للترويج لسياساتها، وكذلك في إدارة خلافاتها وقتالها مع منتقديها، ومن خلاله أيضاً تشجع زملاءها ومنتقديها في الفريق نفسه، كما أنها العضو الأكثر شعبية في مجلس النواب على “تويتر” حيث كان يتابعها في البدايات ما يقرب من خمسة ملايين أميركي، في وقت يصل اليوم هذا العدد إلى ما نحو 15 مليوناً، وحال ثبات مستوى تقدمها هذا عبر السنوات الأربع المقبلة، فإنها ربما لن تكون في حاجة إلى تمويل هائل لإدارة حملة انتخابية للوصول إلى الرئاسة الأميركية في 2028. ولعل سرعة حضورها عبر الوسائل العصرانية للتواصل، تلك التي تخلق عالماً جديداً فريداً في قادم السياسة الأميركية، هو ما دعا موقع “أكسيوس” الأميركي الشهير للإشادة بها بالقول “بقدر نفوذها على مواقع التواصل الاجتماعي، سوف تتصاعد فرص فوزها بمناصب أعلى في المدى الزمني المنظور”، على أنه من نافلة القول إن تلك النجاحات السريعة، كان ولا بد لها من أن تخلق أعداء مجانين، من أولئك المنافسين، سواء المؤدلجين، أو الكارهين لنجاحاتها من داخل الحزب، ولهذا حاول البعض إذلالها من خلال التذكير بأصولها الاجتماعية المتواضعة، فيما بعض هذه المحاولات جاءت من خلال نشر مقاطع فيديو قديم لها تظهر فيه وهي تؤدي حركات راقصة أعلى سطح أحد المباني عندما كانت لا تزال طالبة في جامعة “بوسطن” عام 2010، لتقلّد بعض مقاطع من فيلم “نادي الإفطار”، وقد كان الهدف من نشر هذا الفيديو هو التقليل من شأنها بعد أن أصبحت مسؤولة رسمية في إحدى أهم دوائر صنع القرار الأميركية . لكن ما حدث كان على العكس تماماً، حيث زادت شعبية كورتيز بعد نشر هذا الفيديو، وأصبحت حديث وسائل الإعلام التي سلطت الضوء على هذا الوجه السياسي الجديد، والتي ربما تكون شعبيتها ودفاعها عن الفقراء والطبقة العاملة سبباً يوماً في تحقيق أحلام كثيرة منها أن تصبح أول رئيسة لأميركا، وربما تكون أو من يصل إلى البيت الأبيض من أصول لاتينية. كورتيز والطريق إلى البيت الأبيض في أواخر عام 2018 وخلال تهيئة المسرح السياسي الأميركي لانتخابات الرئاسة 2020، علا كثير من الأصوات متسائلة “هل من الصواب حرمان كورتيز من المشاركة على أمل الفوز بمنصب الرئاسة الأميركية؟”. الذين طرحوا هذا التساؤل رأوا في كورتيز النجمة الكبرى الوهاجة في الحزب الديمقراطي، وعلى رغم أن الجميع لا يشترك في أسلوبها السياسي بطبيعة الحال، لكن دائرتها الانتخابية توسعت إلى ما هو أبعد من المجموعة الأولية من الأيديولوجيين الذين دعموا التحدي لكرولي، وذلك بسبب ذكائها المذهل. وكان سبب حرمانها من الترشح للرئاسة عام 2020 هو أن القانون يمنع أي شخص يقل عمره عن 35 سنة من تولي منصب الرئيس، في ذلك الوقت كان ترمب ساكن البيت الأبيض يبلغ الـ 70 من عمره، وكانت خطبه المتكررة غير المنطقية ونوبات الغضب المتفرقة على “تويتر”، تثير احتمالات تدهور أوضاعه العقلية، وفي الوقت نفسه على الأبواب كان هناك ديمقراطيان، يبلغ أحدهما 77 سنة، أي بيرني ساندرز، فيما جو بايدن 76 سنة. واعتبر الأميركيون وقتها أنه لا يوجد شيء خاطئ في كبار السن في حد ذاته، لكن المخاوف من أن تكون التطورات الجيوسياسية العالمية أسرع من القدرات العقلية للرجلين. وبالنسبة للشباب، فإن الوضع على النقيض من ذلك تماماً، فقد يقلق المرء من أن الرئيس الشاب الجديد يفتقر إلى الخبرة، ولكن هذا أمر سيتحسن مع مرور الوقت. وكانت المحاججة بأن عمر كورتيز وقتها 29 سنة، وأنه ليس سناً صغيراً إلى هذا الحد، لا سيما أنه في المؤسسة العسكرية الأميركية، هناك من يعهد إليهم بمهمات تتعلق بالحياة والموت، ضمن سياقات الحروب المتعددة التي عرفتها البلاد. في هذا السياق تحدث البعض بأن الحظر الدستوري على تولي الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة منصب الرئيس ما هو إلا إحدى هذه الثغرات الغريبة التي ورثها الأميركيون من القرن الـ 18. هل حان الوقت لتغيير هذا الوضع؟ وكان ذلك التساؤل قبل نحو ستة أعوام، وعند الوصول إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2028، ستكون كورتيز قد بلغت من العمر نحو 39 سنة، أو 40 سنة حين تنصيب الرئيس المنتخب. ويحاجج أنصارها بأن إحدى العلامات الجديدة التي تشير إلى ألكساندريا أوكاسيو كورتيز ينبغي أن تترشح لمنصب الرئيس هي أنها تحمل لقب AOC. فهل هذا الاختصار يعني أنها باتت في المجتمع السياسي الأميركي شعاراً معروفاً ومرفوعاً في انتظار اللحظات الحاسمة ولو طال الانتظار أربع سنوات مقبلة؟ والشاهد أنه ولو أن امتلاك علامة خاصة لا يعدّ مؤشراً قاطعاً على مستقبل رئيس أميركي متميز للغاية، إلا أن الأمر في كل الأحوال يعتبر دليلاً إيجابياً على أنها باتت نجمة سياسية حقيقية. فهل لنا أن نعتبر دخول كورتيز بقوة خلال السنوات الأربع المقبلة مسرح الأحداث، مشابهاً لما رأيناه عام 2008 حيث بدأ السيناتور الشاب باراك أوباما التحرك حثيثاً فوق المسرح الوطني الأميركي؟ منذ بداياتها تبدو كورتيز مؤدية لعمل كبير ومتميز داخل الكونغرس، وهي تستخدم هذا المقعد بالفعل لتحقيق تأثير طيب للغاية على مستوى الولايات المختلفة، ولعل السؤال المتجدد “هل تفصل النسوة الأميركيات في مسألة وصول إحداهنّ إلى الرئاسة بعد سنوات أربع، لا يدرك أحد كيف سيمضي ترمب خلالها، وعبر أي طرق تصالحية أو انتقامية سيترك الرئاسة والإمبراطورية الأميركية من ورائه؟”. كورتيز التي لا توفر النقد اللاذع لترمب وتقول في آخر تصريحاتها إنه عنصري (رويترز) هل يقود ترمب كورتيز للرئاسة؟ يدفعنا المشهد الأميركي، لا سيما بعد فوز الجمهوريين بالثلاثية الحاكمة إلى القطع بأن الغرور الإمبراطوري الجمهوري، قد يقود ترمب والجمهوريين إلى عدم البقاء طويلاً في البيت الأبيض، ليس أكثر من أربع سنوات، وأن أفضل طريق لعودة الديمقراطيين، هو ترك ترمب يتصرف على سجيته وطبيعته المتقلبة، وبحيث لا يعرف أحد ما الذي سيصنع أو إلى أين تؤول الأمور. هذه قد تكون بالفعل فرصة ذهبية لكورتيز التي لا توفر النقد اللاذع لترمب، ففي أحدث مقابلة لها مع قناة CBS الأميركية، أكدت كورتيز أنه عنصري، واستشهدت بتصريحات له على ذلك “عندما ننظر للكلمات التي يستخدمها، والتي اعتاد عليها المتطرفون البيض، وعندما ننظر إلى ردّ فعله على العديد من الحوادث العنصرية التي جرت في البلاد، مثل حادثة شارلوتسفيل التي وقعت بها أحداث عنف بين البيض وآخرين، وقتل فيها النازيون الجدد امرأة في مقابل هجومه على اللاجئين الساعين لملاذ قانوني على الحدود. فهذا دليل على أنه عنصري”. تبدو كورتيز وكأنها ستمر من بوابة البيت الأبيض على حساب تصرفات ترمب، لا سيما أنها أرجعت خسارة كامالا هاريس إلى التمييز الجنسي ضدّ النسوة في أميركا، وحذرت من أن الوقت سيكون مخيفاً في أميركا تحت ما سمّته بالحكم الفاشي لدونالد ترمب. وقالت كورتيز في مقطع فيديو جنائزي لها على “إنستغرام” من منزلها “ستكون هذه فترة صعبة للغاية، للغاية، للغاية، بالنسبة لملايين الأشخاص في هذا البلد، ستكون هذه فترة مخيفة للغاية”. وتعتبر كورتيز فوز ترمب انتكاسة كبيرة للديمقراطيين واليساريين الذين يدعون أنهم يقاتلون من أجل الأميركيين من الطبقة العاملة، وتبدو وكأنها تنتظر، بفارغ الصبر، سنوات ترمب الأربع المقبلة، كي تنصب له وللجمهوريين من حوله الفخاخ، بل إنها ترخي له الحبل ليشنق به نفسه كما يقول رجال السياسة الأميركيون. غير أن السؤال الأهم “هل كوادر الحزب الديمقراطي ستسمح لهذه السيناتور الشابة المغيّرة والمجددة بالوصول إلى هذا المنصب؟”. لقد قطعوا عليها، قبل أيام، الطريق لرئاسة لجنة الرقابة في مجلس النواب لمصلحة النائب جيري كونولي البالغ من العمر 84 سنة، والأكثر إثارة هو أن نانسي بيلوسي التي تقترب من الـ 90، الرئيسة السابقة لمجلس النواب، كانت من الذين قطعوا الطريق على كورتيز. هل تكون ألكساندرا أول مرشحة امرأة من خارج المؤسسة الأميركية الحزبية التي يشتم منها أخيراً رائحة العطر؟ المزيد عن: ألكساندريا كورتيزالنسوة الأميركياتهيلاري كلينتونكامالا هاريس دونالد ترمببيرني ساندرزنعوم تشومسكي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post التراث العربي بين التحديات الرقمية والفرص التكنولوجية next post أرشيف “خماسية كامبريدج” تفضح أكبر الأسرار You may also like إيلون ماسك… الحاكم الفعلي للولايات المتحدة؟ 13 يناير، 2025 قاسم سليماني: القائد العسكري الذي كان رأس حربة... 3 يناير، 2025 ماهر الأسد: “حارس العائلة” و”جزّار درعا”، فمن هو؟ 20 ديسمبر، 2024 ماهر الأسد… البعبع الذي أرعب السوريين 13 ديسمبر، 2024 سارة نتنياهو… “ديكتاتور” إسرائيل الخفي 31 أكتوبر، 2024 يحيى السنوار… حكاية «الرقم 1» يرويها «رفاق الزنزانة» 18 أكتوبر، 2024 رحلة نصرالله من الأحياء الفقيرة إلى ساحة الصراع 28 سبتمبر، 2024 تعرفت إلى الأسرة التي سكنت بجوار أوشفيتز 20 فبراير، 2024 ألكسي نافالني… الرجل الذي اختار طوعاً مصيره المأسوي 17 فبراير، 2024 علي رضا نوري زاده يكتب عن : هذه... 13 يونيو، 2023