ثقافة و فنونعربي أكبر عملية آكيولوجية في التاريخ كانت نقل 40 ألف حجر لمسافة 300 متر by admin 7 نوفمبر، 2022 written by admin 7 نوفمبر، 2022 22 إنقاذ “لؤلؤة مصر” الذي استغرق 20 عاماً وشغل العالم ولم يحلم به بيار لوتي اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب من المؤكد أنه لو كان الكاتب الفرنسي بيار لوتي حياً عند بدايات ثمانينيات القرن الـ 20 لكان في مقدم الأوروبيين والكتّاب العالميين الذين أفرحهم خبر شغل العالم في حينها، لكنه شغل الكتاب والمفكرين وعلماء الآثار أكثر من أي خبر آخر، وسبب ذلك الفرح الذي نفترضه هنا لا علاقة له بوطن ذلك الكاتب ولا بالروايات التي كان يكتبها، ولا بالاستشراق الذي كان يوجه خطواته، بل بالتحديد بمعبد فرعوني مصري يمكن القول إن الخبر المتحدث عنه كان يعتبر يومها معجزة آركيولوجية لكنه لم يكن مفاجئاً للأوساط المعنية، وسنوضح ذلك بعد سطور، أي بعد أن نجيب على سؤال قد يطرحه القارئ على نفسه وهو لماذا بيار لوتي؟ وما علاقته بالأمر؟ الجواب بسيط، فهذا الكاتب غريب الأطوار كان اهتمامه بالعرب والإسلام يتجسد في هوى جغرافي مصري في مقابل هوى جمالي يتعلق بتركيا العثمانية، وهو ضمن هذا الاهتمام المزدوج كتب ذات يوم عند بدايات القرن الـ 20 ذلك النص الرائع الذي عنونه “موت فيلة”، ويتضمن في سياقه الموارب على أية حال دعوة إلى إنقاذ المعبد من المياه ومن عبث الطبيعة ومن إهمال بني البشر، والخبر الذي بدأنا به هذا الكلام يتحدث تحديداً عن إنقاذ معبد فيلة ولكن ليس كما تصوره لوتي، بل من موضع مختلف تماماً، من موضع سنلجأ إلى الصحافة العالمية التي تناولته حينها للتعبير عنه. ومن هذه الصحافة تلك الفرنسية التي بدت معنية أكثر من غيرها بالنظر إلى أن وزير ثقافتها أندريه مارلو كان مشاركاً نظيره المصري ثروت عكاشة في دعم المشروع وتحقيقه. قالت الصحافة يومها بحماس شديد، “وأخيراً بعد 20 عاماً تم إنجاز آخر عمليات إنقاذ معابد فيلة الأثرية في منطقة مصر العليا، بعد أن كادت مياه سد أسوان والسد العالي تخفيها، وقد تكون عملية ساحرة أو مثيرة أو مجنونة بحسب الوجهة التي بها تنظرون إليها، لكنها على أية حال أكبر عملية إنقاذ آركيولوجية في تاريخ البشرية، فمنذ بضعة أشهر أنجزت في مصر أعمال إنقاذ آثار النوبة التي كان بوشر بها منذ نحو 20 عاماً، وتمخض الأمر عن نجاح لا سابق له وعن حكاية هي أقرب إلى الخيال العملي منها إلى الحقيقة والواقع”. مجمع معابد مهددة في البداية بدت المسألة وكأنها معضلة لا حل لها، فعلى جزيرة صغيرة واقعة على مستوى أول كاتاراكت للنيل وعلى بعد 1000 كيلومتر جنوب الاسكندرية، كان آخر الفراعنة قد أنشأوا مجمعاً كبيراً من المعابد ومن ضمنه معبد أبو سنبل وفيلة، لكن هذا المجمع سرعان ما بدأت المياه تغمره والحوامض تأكله منذ أن أنشئ سد أسوان الأول في بداية هذا القرن، فحدث لمياه النيل أن غمرت معبد فيلة الذي كان يكتفي بالظهور في قلب الماء وكأنه وحش بحري، فقط خلال فصل الصيف، أي خلال الفترة الواقعة بين شهري يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) من كل عام. لحظة الاختناق وفي عام 1960 حين شرع بإنشاء السد العالي صار الاختناق الكامل من نصيب المعبد، إذ إن المياه التي صارت تغمر المكان كله لم تعد تنسحب عن المعابد لا صيفاً ولا شتاء، والألوان الخلابة التي تزين معبد أيزيس، أكبر معابد الجزيرة، أخذت تمحى أو تسيل على طول الجدران كلها، وفي أماكن أخرى اختفت الألوان وصارت معالم المعابد بأسرها عرضة إلى الزوال. لم يكن من الممكن التخلي عن إقامة السد الذي من شأنه أن يسمح حين ينجز بسقاية ملايين الهكتارات من الأراضي وتخصيبها، فهل الإمكان الوحيد يكمن في التخلي عن إنقاذ فيلة؟ أبداً. واستنفر الرأي العام العالمي وبدأت الـ “أونيكسو” بتعبئة ما لديها من طاقات، وصير إلى التفكير بحلول عدة، ولكن الحل الذي تم التوافق عليه في نهاية الأمر كان الحل الوحيد الممكن، إذ تقرر نقل كل معابد فيلة حجراً حجراً إلى جزيرة أجيلكيا المجاورة والتي تبعد 300 متر إلى الشمال. وكانت المرحلة الأولى تقضي بإحاطة فيلة بسياج يمتد على مسافة 1000 متر ألقي فيه نحو مليون متر مكعب من الرمل بغية تجفيف التربة، وما إن أنجزت هذه العملية حتى صار بالإمكان مباشرة العمل الحقيقي وهذا لم يكن عملاً بسيطاً بأية حال، بل كان بالأحرى عملاً مثبطاً للعزائم لأن مياه النيل حتى حين تدخل مكاناً وتنسحب منه تترك وراءها قشرة من الحوامض المصفرة تبلغ سماكتها نحو مترين وتسيل في الصالات وتملأ الممرات وتسد السلالم وتتسلل إلى أصغر الحفر. وفي المعابد هناك نحو 10 آلاف طن من هذه المادة، ومن هنا تبدت ضرورة استخدام مئات العمال لإخلاء التوابيت التي غزتها المواد، فكان العمال ينقلون التوابيت واحداً بعد الآخر في عملية بطيئة تشبه إلى حد كبير تلك العمليات التي رسمت محفورة على جدران المعبد نفسه قبل 2500 عام. تسطيح جزيرة كانت ورشة كبيرة لم يسبق لأية عملية آركيولوجية أن شهدت ما يضاهيها عظمة، وكان ثمة في الميدان على الدوام خمسة من كبار علماء الأركيولوجيا و12 مهندساً يشتغلون على تصوير جدران المعبد في تفاصيل التفاصيل قبل أن يصار إلى تقطيعها أو تفكيكها، وكان المكان كله يبدو وكأنه استديو سينمائي يصور فيه فيلم ضخم بطريقة السينما سكوب، فهناك 40 ألف قطعة من الحجارة رقمت بعناية وقد يصل وزن الواحدة منها إلى 25 طناً، تنتشر على الأرض وكأنها في عنبر لأحد المرافئ. وكان يخيل للمتفرج وهو يحدق في الكتل وكأن عين فرعون الباقية متفردة على حجر ما، تراقب البحر أو الأرض أو العمل الدائر من حولها، أما يد الآلهة أيزيس البالغ طولها ثلاثة أمتار فبدت ممتدة وكأنها تحمي المكان أو تحمي الإله حورس غير المرئي. إعادة تشكيل مذهلة في تلك الأثناء وفي جزيرة أجيلكيا المجاورة التي تعلو إلى مستوى يجعلها غير قابلة للانغمار بمياه النهر العظيم، بدأت عمليات تسوية الأرض والصخور لكي تتمكن من استقبال مجمع المعابد الذي سيعاد تشكيله، وهكذا بعد عمليات طويلة وشاقة كان الديناميت سلاحها الأول، صارت تلك الجزيرة شيئاً آخر يختلف عما كانت عليه، فرميت في النهر مئات ألاف الأطنان من صخور الغرانيت. وعلى الجزيرة التي صارت مسطحة بصورة اصطناعية أعيد بناء معابد فيلة حجراً حجراً على الشكل الذي كانت عليه، وفي النهاية صير إلى زراعة أشجار النخيل والأكاسيا والبردى واللوتس، تلك النباتات التي كانت هي من يعطي جزيرة فيلة سحرها، وكان يبدو من الصعوبة بمكان زرعها في آجيلكيا قبل تمهيد أرضها وتسوية تربتها. أما الكلفة الإجمالية للعملية فبلغت 30 مليون دولار. جذور الديانة المصرية القديمة وهنا لا بد من أن نفتح هلالين لنذكر بأن منطقة النيل الأعلى ظلت لفترة طويلة من الزمن “أرضاً مجهولة”، إذ إن مملكة “كوش” القديمة التي كانت المصدر الأسطوري لذهب الفراعنة وكانت جزيرة فيلة تشكل مدخلها، تلك المملكة اعتبرت آخر معقل للديانة المصرية القديمة، إذ فيما كانت مصر السفلى الشمالية تخضع بسرعة للعالم الهلينستي وتندمج فيه، كان الشعب لا يزال مقيماً على إجلاله للآلهة المصرية ولا سيما أيزيس وأوزوريس في معابد فيلة. وفي تلك الجزيرة الصغيرة التي لا يزيد طولها على 400 متر وعرضها عن 135 متراً، يمكننا أن نعثر على آخر النماذج المعروفة للكتابة الهيروغليفية المخروطية، ولا بد من أن نتذكر هنا أن الفرنسي شامبوليون لم يتمكن من فك رموز الكتابة الهيروغليفية إلا عبر مقارنته للكتابة الموجودة على مسلة في معبد فيلة مع الكتابة الموجودة على حجر رشيد، وربما كان هذا سبباً إضافياً هو الذي دفع لإنقاذ تلك الجزيرة الصغيرة التي كان الكاتب والرحالة بيار لوتي من أكبر عشاقها مطلقاً عليها اسم “لؤلؤة مصر”. المزيد عن:بيار لوت\يعملية آكيولوجي\ةلؤلؤة مصر\موت فيلة\الصحافة العالمية\مصر\معابد فيلة الأثرية\الفراعنة\النيل\معبد أبو سنبل\سد أسوان 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post استعادة أليس نيل رسامة مهمشي أميركا وبؤسائها next post تزايد أسباب الإصابة بسرطان الفم وارتفاع هائل في عدد المرضى You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024
من المؤكد أنه لو كان الكاتب الفرنسي بيار لوتي حياً عند بدايات ثمانينيات القرن الـ 20 لكان في مقدم الأوروبيين والكتّاب العالميين الذين أفرحهم خبر شغل العالم في حينها، لكنه شغل الكتاب والمفكرين وعلماء الآثار أكثر من أي خبر آخر، وسبب ذلك الفرح الذي نفترضه هنا لا علاقة له بوطن ذلك الكاتب ولا بالروايات التي كان يكتبها، ولا بالاستشراق الذي كان يوجه خطواته، بل بالتحديد بمعبد فرعوني مصري يمكن القول إن الخبر المتحدث عنه كان يعتبر يومها معجزة آركيولوجية لكنه لم يكن مفاجئاً للأوساط المعنية، وسنوضح ذلك بعد سطور، أي بعد أن نجيب على سؤال قد يطرحه القارئ على نفسه وهو لماذا بيار لوتي؟ وما علاقته بالأمر؟ الجواب بسيط، فهذا الكاتب غريب الأطوار كان اهتمامه بالعرب والإسلام يتجسد في هوى جغرافي مصري في مقابل هوى جمالي يتعلق بتركيا العثمانية، وهو ضمن هذا الاهتمام المزدوج كتب ذات يوم عند بدايات القرن الـ 20 ذلك النص الرائع الذي عنونه “موت فيلة”، ويتضمن في سياقه الموارب على أية حال دعوة إلى إنقاذ المعبد من المياه ومن عبث الطبيعة ومن إهمال بني البشر، والخبر الذي بدأنا به هذا الكلام يتحدث تحديداً عن إنقاذ معبد فيلة ولكن ليس كما تصوره لوتي، بل من موضع مختلف تماماً، من موضع سنلجأ إلى الصحافة العالمية التي تناولته حينها للتعبير عنه. ومن هذه الصحافة تلك الفرنسية التي بدت معنية أكثر من غيرها بالنظر إلى أن وزير ثقافتها أندريه مارلو كان مشاركاً نظيره المصري ثروت عكاشة في دعم المشروع وتحقيقه. قالت الصحافة يومها بحماس شديد، “وأخيراً بعد 20 عاماً تم إنجاز آخر عمليات إنقاذ معابد فيلة الأثرية في منطقة مصر العليا، بعد أن كادت مياه سد أسوان والسد العالي تخفيها، وقد تكون عملية ساحرة أو مثيرة أو مجنونة بحسب الوجهة التي بها تنظرون إليها، لكنها على أية حال أكبر عملية إنقاذ آركيولوجية في تاريخ البشرية، فمنذ بضعة أشهر أنجزت في مصر أعمال إنقاذ آثار النوبة التي كان بوشر بها منذ نحو 20 عاماً، وتمخض الأمر عن نجاح لا سابق له وعن حكاية هي أقرب إلى الخيال العملي منها إلى الحقيقة والواقع”. مجمع معابد مهددة في البداية بدت المسألة وكأنها معضلة لا حل لها، فعلى جزيرة صغيرة واقعة على مستوى أول كاتاراكت للنيل وعلى بعد 1000 كيلومتر جنوب الاسكندرية، كان آخر الفراعنة قد أنشأوا مجمعاً كبيراً من المعابد ومن ضمنه معبد أبو سنبل وفيلة، لكن هذا المجمع سرعان ما بدأت المياه تغمره والحوامض تأكله منذ أن أنشئ سد أسوان الأول في بداية هذا القرن، فحدث لمياه النيل أن غمرت معبد فيلة الذي كان يكتفي بالظهور في قلب الماء وكأنه وحش بحري، فقط خلال فصل الصيف، أي خلال الفترة الواقعة بين شهري يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) من كل عام. لحظة الاختناق وفي عام 1960 حين شرع بإنشاء السد العالي صار الاختناق الكامل من نصيب المعبد، إذ إن المياه التي صارت تغمر المكان كله لم تعد تنسحب عن المعابد لا صيفاً ولا شتاء، والألوان الخلابة التي تزين معبد أيزيس، أكبر معابد الجزيرة، أخذت تمحى أو تسيل على طول الجدران كلها، وفي أماكن أخرى اختفت الألوان وصارت معالم المعابد بأسرها عرضة إلى الزوال. لم يكن من الممكن التخلي عن إقامة السد الذي من شأنه أن يسمح حين ينجز بسقاية ملايين الهكتارات من الأراضي وتخصيبها، فهل الإمكان الوحيد يكمن في التخلي عن إنقاذ فيلة؟ أبداً. واستنفر الرأي العام العالمي وبدأت الـ “أونيكسو” بتعبئة ما لديها من طاقات، وصير إلى التفكير بحلول عدة، ولكن الحل الذي تم التوافق عليه في نهاية الأمر كان الحل الوحيد الممكن، إذ تقرر نقل كل معابد فيلة حجراً حجراً إلى جزيرة أجيلكيا المجاورة والتي تبعد 300 متر إلى الشمال. وكانت المرحلة الأولى تقضي بإحاطة فيلة بسياج يمتد على مسافة 1000 متر ألقي فيه نحو مليون متر مكعب من الرمل بغية تجفيف التربة، وما إن أنجزت هذه العملية حتى صار بالإمكان مباشرة العمل الحقيقي وهذا لم يكن عملاً بسيطاً بأية حال، بل كان بالأحرى عملاً مثبطاً للعزائم لأن مياه النيل حتى حين تدخل مكاناً وتنسحب منه تترك وراءها قشرة من الحوامض المصفرة تبلغ سماكتها نحو مترين وتسيل في الصالات وتملأ الممرات وتسد السلالم وتتسلل إلى أصغر الحفر. وفي المعابد هناك نحو 10 آلاف طن من هذه المادة، ومن هنا تبدت ضرورة استخدام مئات العمال لإخلاء التوابيت التي غزتها المواد، فكان العمال ينقلون التوابيت واحداً بعد الآخر في عملية بطيئة تشبه إلى حد كبير تلك العمليات التي رسمت محفورة على جدران المعبد نفسه قبل 2500 عام. تسطيح جزيرة كانت ورشة كبيرة لم يسبق لأية عملية آركيولوجية أن شهدت ما يضاهيها عظمة، وكان ثمة في الميدان على الدوام خمسة من كبار علماء الأركيولوجيا و12 مهندساً يشتغلون على تصوير جدران المعبد في تفاصيل التفاصيل قبل أن يصار إلى تقطيعها أو تفكيكها، وكان المكان كله يبدو وكأنه استديو سينمائي يصور فيه فيلم ضخم بطريقة السينما سكوب، فهناك 40 ألف قطعة من الحجارة رقمت بعناية وقد يصل وزن الواحدة منها إلى 25 طناً، تنتشر على الأرض وكأنها في عنبر لأحد المرافئ. وكان يخيل للمتفرج وهو يحدق في الكتل وكأن عين فرعون الباقية متفردة على حجر ما، تراقب البحر أو الأرض أو العمل الدائر من حولها، أما يد الآلهة أيزيس البالغ طولها ثلاثة أمتار فبدت ممتدة وكأنها تحمي المكان أو تحمي الإله حورس غير المرئي. إعادة تشكيل مذهلة في تلك الأثناء وفي جزيرة أجيلكيا المجاورة التي تعلو إلى مستوى يجعلها غير قابلة للانغمار بمياه النهر العظيم، بدأت عمليات تسوية الأرض والصخور لكي تتمكن من استقبال مجمع المعابد الذي سيعاد تشكيله، وهكذا بعد عمليات طويلة وشاقة كان الديناميت سلاحها الأول، صارت تلك الجزيرة شيئاً آخر يختلف عما كانت عليه، فرميت في النهر مئات ألاف الأطنان من صخور الغرانيت. وعلى الجزيرة التي صارت مسطحة بصورة اصطناعية أعيد بناء معابد فيلة حجراً حجراً على الشكل الذي كانت عليه، وفي النهاية صير إلى زراعة أشجار النخيل والأكاسيا والبردى واللوتس، تلك النباتات التي كانت هي من يعطي جزيرة فيلة سحرها، وكان يبدو من الصعوبة بمكان زرعها في آجيلكيا قبل تمهيد أرضها وتسوية تربتها. أما الكلفة الإجمالية للعملية فبلغت 30 مليون دولار. جذور الديانة المصرية القديمة وهنا لا بد من أن نفتح هلالين لنذكر بأن منطقة النيل الأعلى ظلت لفترة طويلة من الزمن “أرضاً مجهولة”، إذ إن مملكة “كوش” القديمة التي كانت المصدر الأسطوري لذهب الفراعنة وكانت جزيرة فيلة تشكل مدخلها، تلك المملكة اعتبرت آخر معقل للديانة المصرية القديمة، إذ فيما كانت مصر السفلى الشمالية تخضع بسرعة للعالم الهلينستي وتندمج فيه، كان الشعب لا يزال مقيماً على إجلاله للآلهة المصرية ولا سيما أيزيس وأوزوريس في معابد فيلة. وفي تلك الجزيرة الصغيرة التي لا يزيد طولها على 400 متر وعرضها عن 135 متراً، يمكننا أن نعثر على آخر النماذج المعروفة للكتابة الهيروغليفية المخروطية، ولا بد من أن نتذكر هنا أن الفرنسي شامبوليون لم يتمكن من فك رموز الكتابة الهيروغليفية إلا عبر مقارنته للكتابة الموجودة على مسلة في معبد فيلة مع الكتابة الموجودة على حجر رشيد، وربما كان هذا سبباً إضافياً هو الذي دفع لإنقاذ تلك الجزيرة الصغيرة التي كان الكاتب والرحالة بيار لوتي من أكبر عشاقها مطلقاً عليها اسم “لؤلؤة مصر”. المزيد عن:بيار لوت\يعملية آكيولوجي\ةلؤلؤة مصر\موت فيلة\الصحافة العالمية\مصر\معابد فيلة الأثرية\الفراعنة\النيل\معبد أبو سنبل\سد أسوان