الشاعر الأميركي الكبير والت ويتمان (نادي الشعر الأميركي) ثقافة و فنون أعمال والت ويتمان الكاملة عربها عابد إسماعيل مع مقدمة شاملة by admin 30 يناير، 2025 written by admin 30 يناير، 2025 13 الحفاظ على خصائص شعره الحر وتوضيح المصطلحات وغوص في شعريته الرحبة اندبندنت عربية / أنطوان أبو زيد لا نحسب شاعراً عربيا حديثا، أو أديباً عربيا، منذ مطلع القرن العشرين، إلاّ واطّلع على شعر ويتمان، أو نبّهته المراجع الثقافية والأدبية الى أهمية هذا الشاعر الذي أحدث ما يشبه القطيعة ما بين الرومنطيقية الغربية المستندة الى بنيان تقليدي في النظم، وبين قصيدة النثر المتحررة من الإيقاع، والقائمة دلاليا على صيغٍ من التداعي الحرّ. وهنا تكمن أهمية ترجمة اسماعيل لأعماله الكاملة وكتابة مقدمة شاملة وضافيه عن الشاعر وتجربته. وكان سبق للشاعر عابد إسماعيل، وهو الحائز دكتوراه الدولة في اللغة الإنجليزية، أن ترجم للشاعر ويتمان مجموعته الشعرية الوحيدة لدى صدورها (1855) بعنوان “أوراق العشب” في صيغتها الأولى، والتي عمل وايتمان على تطويرها، والإضافة اليها طوال سنوات حتّى قبيل وفاته العام 1892. وكانت لعابد اسماعيل تجربة غنية للغاية في ترجمة الشعر، على امتداد الأربعين سنة الفائتة؛ إذ يمكن تعداد ما يقارب العشرين عملاً في ترجمة الشعر من الإنجليزية، من مثل ديوان الشعر الأميركي، وهارولد بلوم، وقصيدة “أغنية نفسي” للشاعر ويتمان، والأعمال الشعرية الكاملة للشاعرة سيلفيا بلاث، وتعاليم الشعراء الصينيين، وأعمال سردية لخورخي بورخيس، عطفا على ترجمة الاعمال الكاملة للشاعرة الاميركية الكبيرة إميلي ديكنسون، التي كانت بمثابة حدث ادبي. رؤية ويتمان المادية-الروحية الترجمة الكاملة لأعمال والت ويتمان (دار التكوين) في المقدّمة المستفيضة التي وضعها إسماعيل لعمله الترجمي الضخم (أكثر من الف صفحة)، يفصّل في الكلام على رؤية الشاعر، بل فلسفته في الشعر، من ضمن أمور كثيرة نأتي على أهمها؛ فلما أراد الشاعر أن يكون منشداً أفراح أميركا وأتراحها، ومثبّتاً الدعائم المعرفية والوجدانية والنفسية لعقلها الأمبراطوري، فقد أراد أن يكون شعره مواكباً، بهذا المعنى، هذه الافراح والأتراح، من خلال مظاهر مادية في حياة الأميركيين، أواسط القرن التاسع عشر، وقبيل الحرب الاهلية وبعدها. إذ جعل الشاعر يستقي من وهج الحياة اليومية، ومستمدّا رؤاه من شوارع المدن القريبة والبعيدة، ومن أزقّتها الضيّقة، ويغزل استعاراته من العشب الذي راح ينمو أمام ناظريه، ومن هدير أمواج المحيط في لونغ آيلاند، مسقط رأسه، ومانهاتن، ونهر هدسون. ويقول في هذا: “سوف أصنعُ قصائدَ المادّة،/ فأنا أؤمنُ أنها ستكون القصائد الأكثر روحانية،/ وسوف أصنع قصائد جسدي، وفنائي،/ فأنا أؤمن أنّي عندئذ سوف أزوّدُ نفسي بقصائد روحي وخلودي..” ومن هذه الرؤية يكتسب الصوت الويتماني أصالته التي تتبدّى في ولعه بالتفاصيل، والتناسق، والانسجام، ورحابة الرؤيا، وتنوّع المشاهد. زد على ذلك تطوّر ذائقة الشاعر نفسها من خلال المواضيع التي تزخر بها قصائه، من مثل الديمقراطية، والحرب الأهلية التي خبر مراراتها، والهوية الأميركية، ورفضه العنصرية، وفكرة الذات التي تتجاوز حدودها القومية، والحبّ، والموت، والصداقة، والطبيعة، والحلم… جمالية الشعر الأعمال الشعرية بالإنجليزية (أمازون) وفي ما خصّ مفهوم وولت ويتمان للجمالية في الشعر، كتب عابد إسماعيل معتبراً أنّ فكرة الفنّ للفنّ لم تعد صالحة عنده؛ ذلك أنّ لشعره مهمة سامية ومختلفة، تقوم على مواكبة الواقع الأميركية، مع قدر من الاحتفاء الجمالي به، بحيث يتشكّل من هذا الشعر واقعٌ آخر، وتنشأ صوَر لعالم جديد. بدليل أنّ شعر ويتمان يحيل على شبكة لامتناهية من الأحداث التاريخية والحياتية والفكرية التي عصفت بأميركا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (وأهمها الحرب الأهلية الأميركية، واغتيال الرئيس الأميركي ابراهام لينكولن). وبهذا المعنى يُعتبر منهج الشاعر في الكتابة هو البحث عن حقيقة أميركا العليا وتمثيلها جماليا في شعره، من دون إهمال الوقائع المصاحبة لحياته، أو الكائنات والأشخاص (من عامة الناس) الذين يمثّلون رؤيته الحرّة والمتفائلة في الحياة: “سمعتُ أنكم طلبتم شيئاً للبرهنة على هذا اللغز المسمّى العالم الجديد/ ولتعريف أميركا وديمقراطيّتها الفتيّة،/ من أجل هذا أرسل لكم قصائدي…” وهكذا، تُعتبر لغة ويتمان الشعرية قراءةً فنّية لأحداث الواقع وتناقضاته. أما التزامها (اللغة الشعرية) الأخلاقيّ فرهنٌ بسلامتها الفنّية، وليس بالرسالة الفكرية التي ترغب في نقلها الى القرّاء. وإذ يستند المترجم الباحث الى أعمال الناقد الأميركي هارولد بلوم في ما خصّ جمالية الشعر، يعتبر أنّ إبداعية ويتمان الشعرية إنما تحيل على الأدب المتخيّل الناجز وغير اللصيق بالواقع، على الرغم من أنّه، في جزء منه، انعكاس له. ولما كان مقدار تطلّب ويتمان من شعره كبيرا، على صعيد الموضوعات واللغة، فقد ارتقى بصورة القارىْ الى مستوى رفيع للغاية؛ فجعله ذاتاً عميقة، يسعها أن تستوعب جوّانيتنا المطلقة. ويؤكّد بلوم، على ما يورد الكاتب إسماعيل في مقدّمته، على أنّ جوّنيّة وولت ويتمان التي يتمثّلها القرّاء في شعره، هي من الرحابة بحيث تضاهي رحابة شكسبير، ودانتي، أو بودلير، وأنّ رهافتها توازي ما لدى الشعراء الخالدين. وفي أيّ حال، لا يتوانى ويتمان عن مدح مخيّلته، واعتبارها منبعاً ثرّا لإبداعيّته التي لا يعرف لها مآلاً: “وداعاً يا مخيّلتي!/ وداعاً يا رفيقتي، يا حبّي/ أنا ذاهبُ، لكنّي لا أعرف إلى أين..”. جزء من الديوان بالعربية (دار التكوين) أما أسلوب الشاعر ويتمان، في كلّ كتاباته الشعرية وقصائده الأربعمئة، فلم يخرج عن سمته الأوّل، أعني قصيدة النثر، حيث لا وزن، ولا قافية، مخالفاً بذلك كلّ ما درج عليه الشعراء الأميركيون، الى حينه، من إدغار آلان بو، الى جفرسون، والى إمرسون، وغيرهم من الشعراء ذوي النزعة الطهرانية (الروحية) المتزمّتة. الشعر وأسطورة أميركا ويواصل الباحث إسماعيل كلامه على أهمّ خصائص شعر ويتمان، بأن يفرد جزءا خاصا بالعلاقة الوثيقة بين الشعر وأسطورة أميركا؛ إذ يعتبر أنّ العمل الشعري عنده يتجاوز كونه مرآةً للواقع، أعني أميركا، الى كون مساهماً في خلق العالم، بل خلق عالم موازٍ للعالم المرجعي الحقيقي، من رحم الحلم. والحال أنّ من يقرأ شعر ويتمان، المتمثّل في قصائده الأربعمئة- موضوع الترجمة التي نهض اليها المترجم – يجد عالماً من الكائنات والأشخاص وفئات المجتمع الأميركي خليطاً من الطبقات والطبائع والشخصيات، و لا سيما من الفئات المتواضعة التي لطالما أنفت النخبة المثقفة من الاختلاط بها، على الرغم من أنها كانت تشكّل سواد المجتمع الأميركي العامل، في حينه. يقول في قصيدته الأثيرة “أغنية نفسي” : “أنا متيّمٌ بالفسحة الرحبة للهواء الطلق،/ بالرّجال الذين يعيشون بين الماشية،/ بنكهة المحيط أو الغابات،/ بالبنّائي وقباطنة السّفن،/ بمطوّعي الفؤوس والمطارق،/ وبسائسي الخيل، وأستطيع أن آكل وأنام معهم أسبوعاً وراء أسبوع…” ليس هذا فحسب، بل انّ الشاعر جعل من أمداء أميركا المترامية، ومدنها، ومعالمها الطبيعية، وجبالها، ووديانها، وشواطئها، وأنهارها الهدّارة، خلفية كثيرة التوشيحات اللونية للوحته الشعرية الضخمة، عنيتُ أسطورته الشعرية عن أميركا. ولن يكون غريباً بعد، لو قيل إنّ ويتمان صنع صورة فنية لأميركا، في شعره، تتجاوز صورتها الواقعية، بتراصف كائناتها، وتشابكها، وتلاحمها بوشاح طفيف من الغرابة والتخييل، لا يُخرجها عن معقوليّتها، وإنما يزيدها جمالاً وثباتاً في الذهن، ويرسّخ مقبوليتها في نفوس القرّاء، على أنها أرقى من واقع أميركا، وأنبل تمثيل لها. لماذا ترجمة ويتمان؟ رائد الشعر الحر في العالم (نادي الشعر الأميركي) يقول المترجم إسماعيل، في المقدّمة نفسها، بما معناه أنّ الترجمات الكثيرة الى العربية والتي تناولت شعر وولت ويتمان لم تكن، بغالبيتها العظمى، أمينة لأصلها الإنجليزي، إما لجهل العديد منهم خبايا اللغة الشعرية الإنجليزية، لضآلة عدّتهم الأدبية واقتصارهم على المعاني الطافية على سطح النصوص الشعرية عنده. وإمّا لاقتصار البعض، من الطامحين الى علوّ مقام في الثقافة مع كونهم شعراء مجلّين، على مقطّعات شعرية أو نماذج قليلة من شعره لا يمكن أن تقدّم تصوّرا كاملاً وصادقا عن تجربة ويتمان الشعرية وعالمه وإبداعيّته التي جعلت منه علَماً شعريا عالمياً، يحتذيه الشعراء الحديثون والمعاصرون من كلّ أمّة ولسان. وبناء عليه، رأى الكاتب المترجم أن يخوض غماراً لم يسبق له أن خبر اتّساعا مماثلا، عنيتُ ترجمة مجمل أعمال الشاعر الأميركي ويتمان، وعن الإنجليزية الأميركية التي سبر أغوارها عبر دراساته المتعمّقة في الولايات المتحدة الأميركية، وترفده خبراته السابقة في ترجمة الشعر الأجنبي. منهج ترجمة الشعر ويعقد الشاعر المترجم الفصل ما قبل الأخير من مقدّمته للكلام على المنهج الذي يتّبعه لترجمة قصائد وولت ويتمان الى العربية، من دون أن يعرّج على إشكاليات ترجمة الشعر من لغة أجنبية، ولا تعيين حدودها، كما يفعل العديد من علماء اللسانيات، وفقهاء اللغة. وإنما ينهض عابد الى الترجمة باعتبارها كتابة موازية للأصل، على ما قال في إحدى مقابلاته السابقة، تستلزم قدراً كبيراً من الكفاية اللغوية في كلتا اللغتين، المستهدفة بالنقل، والمنقول اليها، مثلما تقتضي من مترجم النص الشعري أن يكون ذا قدرة عالية على النفاذ الى أعماق معانيه الخافية، واستجلاء غوامض الأوجه الأسلوبية في النص الأصلي. والأهمّ من ذلك إعلان المترجم انه اتّخذ من بورخيس قدوة له في “البحث عن المشاعر الجمالية، مهملاً التعليقات والحواشي. ذلك أنّ القراءة بالنسبة له هي لحظة انخطاف رفيعة ترمي بنا خارج تخوم الذات”. وهذا ما يحثّ القارىْ عليه أي إيصاله الى لحظة انخطاف يكون منبعها قدرة فائقة على التذوّق الجمالي. وعليه، يكون على القارىْ أن يصغي الى موسيقى المعنى، لا المعنى ذاته، ولا سيّما الإصغاء الى الإيقاعات التي تتسرّب خلسة من ثنايا تلك الدلالات المركّبة التي يضمرها نص ويتمان الشعري المدهش في طيّاته”. وبهذا تصحّ مقاربة الشعر- قصائد ويتمان الأربعمئة المنقولة الى العربية- ذي الطابع الملحمي العابر للحدود، من خلال البحث عن لذّة النص بالمعنى الذي طرحه رولان بارث. “آه، يا لبهجة روحي-خارج القفص- تنطلقُ كالبرق!/ لن تكفي هذه الأرض بعينها، أو هذا الوقت بعينه،/ بل سوف أحتاجُ ألفَ أرضٍ، وأحتاجُ الزمانَ بأسره!” المزيد عن: والت ويتمانالولايات المتحدةشاعرالشعر الحرخصائص شعريةمقدمةترجمةالعربيةالمصطلحات 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كاهن من كابول يطمح في أن يكون البابا في “اجتماع سري” next post أليكس هانافورد يكتب عن: عمالقة التكنولوجيا دمروا أروع مدينة في أميركا والباقي مهدد You may also like كاهن من كابول يطمح في أن يكون البابا... 30 يناير، 2025 “ما وراء التلال” فيلم روماني عن المنافس الوحيد... 30 يناير، 2025 التلوث يغرق العالم في “البخارة” والممثلون يبحثون عن... 30 يناير، 2025 ظاهرة الزواج العصري المأزوم في مقاربة فلسفية 30 يناير، 2025 “موجز تاريخ الأدب البولندي” يرصد محطات الشيوعية وما... 30 يناير، 2025 فيلم “الخرطوم”: توثيق إرث ضائع وسط لهيب الحرب 30 يناير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: أفاعي موقع مسافي في... 28 يناير، 2025 جماليات التجريد الغنائي في لوحات جنان الخليل 28 يناير، 2025 قضايا الحرية والهوية والاغتراب تشغل 5 مجموعات قصصية 28 يناير، 2025 ياباني يكتب رواية صينية معاصرة عن الذاكرة الثقافية 28 يناير، 2025