أطنان إلى القمامة يومياً… مشروع قانون مصري لمكافحة هدر الطعام

النهار العربي \ القاهرة – ياسر خليل

يسعى البرلمان المصري إلى سن تشريع جديد لمكافحة هدر الطعام وإعادة توزيعه على مؤسسات تقدم الغذاء للفقراء مجاناً. وتقترح مسودة القانون الجديد عقوبات تراوح بين 100 ألف و500 ألف جنيه مصري (الدولار يساوي قرابة 18.5 جنيهاً)، كغرامة على المنشآت التي تتخلص من الطعام الصالح للاستخدام الآدمي من دون تسليمه لبنوك الطعام.

ويقدر “تقرير مؤشر هدر الأغذية لعام 2021” الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن نصيب المواطن المصري من الطعام المهدر في بلده يصل إلى 91 كيلوغراماً، أي أكثر من 9 ملايين طن من المواد الغذائية المهدرة كل عام.

وتنص مسودة مشروع القانون الذي قدمته النائبة أميرة صابر على أنه “يستهدف المساهمة في إنشاء برنامج قومي لمكافحة هدر الطعام، تشرف عليه الهيئة القومية لسلامة الغذاء، ووزارة التضامن، بالشراكة مع المجتمع المدني، والنظر والاستفادة من عدد من التجارب الدولية في هذا الشأن، ومن أبرزها تجارب فرنسا وإيطاليا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي والصين”.

ويأتي هذا المسعى في وقت تشهد الأسعار ارتفاعاً ملحوظاً في مصر، خصوصاً بعد ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري بأكثر من 17 في المئة منذ شهر آذار (مارس) الماضي، وذلك نتيجة عوامل عدة، أهمها الحرب على أوكرانيا، وتأثر التجارة العالمية، وكذلك تراجع السياحة الوافدة إلى مصر والتي يشكل الروس والأوكرانيون قرابة 35 في المئة منها.

الفئات المستهدفة

ويسعى مشروع القانون المقترح إلى الاستفادة من المواد الغذائية التي تنوي المنشآت المقدمة للطعام التخلص منها، لإعدادها وتقديمها للفئات الفقيرة.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة الفقر في مصر تصل إلى 29.7 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 100 مليون نسمة، وفق آخر إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ويخاطب الاقتراح التشريعي “جميع الأماكن المرخصة التي تقوم بتقديم الطعام، إما بنشاط تجاري يتضمن تصنيع أو بيع المنتجات والمواد الغذائية، أو تقديم المأكولات والمشروبات، سواء للاستهلاك داخل المكان ذاته أو خارجه، سواء كانت تلك الأماكن مستقلة أو تتبع لإحدى المنشآت الأخرى مثل الفنادق أو النوادي”.

ومن أمثلة تلك الجهات “المصانع، وسلاسل التجزئة، والفنادق، والمطاعم بكافة أشكالها وتبعياتها، والمقاهي والكافيتريات، ووحدات الطعام المتنقلة، وشركات خدمات التموين الغذائي”.

الكثير من المنشآت ترفض منح بقايا الأطعمة وتفضل رميها في المخلفات

رد غريب

إيمان عبد الهادي ناشطة في مجال تقديم الطعام للفقراء منذ سنوات عدة، وهي أيضاً منسقة مبادرة “إطعام”، وقد كانت لها تجربة مع أحد الفنادق التي حاولت السيدة أن تحصل منها على بقايا الأغذية بهدف إعادة تدويرها وتقديمها للمستفيدين من المبادرة.

وتقول عبد الهادي لـ”النهار العربي”: “كانت لنا تجربة مع مسؤولي أحد الفنادق الشهيرة في القاهرة، وطلبنا منهم استلام الطعام الذي ينوي الفندق التخلص منه، وأبلغناهم أننا سنعيد فرزه وتغليفه وتقديمه للمحتاجين، لكن كان لهم رد فعل غريب”.

وتضيف منسقة “إطعام”: “لقد قالوا لنا إنهم لا يمكنهم إعطاؤنا الطعام المتبقي، ولا يمكنهم أن يقدموه حتى لفريق العمل الخاص بهم، وسوف يعاقبون لو لم يتخلصوا منه (بإلقائه في المخلفات)”.

وتعبر عبد الهادي عن أمنيتها بأن يتم إصدار قانون هدر الطعام في أسرع وقت، وتقول إنه “سيوفر الأمان للكثير من الفقراء. الطعام يمثل أماناً بالنسبة للكثير من الأشخاص، وهذا القانون سيساعد على الاستفادة بعشرات الأطنان من المواد الغذائية المهدرة”.

هذا القانون الجديد، حسب رأي الناشطة المجتمعية “سيوفر على المتطوعين من أمثالنا الوقت الذي يقضونه في البحث عن متبرعين لتوفير المواد الغذائية اللازمة لإطعام الكثير من الناس، لذا أتمنى أن يجبر القانون الفنادق وغيرها من مقدمي الأطعمة على التبرع بفائض الأغذية المتبقية لديهم، وكذلك أن يقدم لهم حوافز مثل خفض نسبة الضرائب أو الإعفاء من بعض الرسوم، وما شابه”.

مبادرات عدة تقدم الطعام المجاني للفقراء والقانون الجديد سيساعدها

فائدة الغلاء

من جانبها، ترى الكاتبة الصحافية المهتمة بالشأن الاجتماعي رباب سعفان أن “حالة الغلاء التي تمر بها البلاد، لها فائدة، وهي أنها ستعلمنا قيمة الطعام والنعم التي نستمتع بها، ومشروع القانون الجديد ربما يكون أحد ثمار ارتفاع الأسعار”.

وتقول سعفان لـ”النهار العربي”: “أسعار الأغذية في مصر رخيصة للغاية إذا قارناها ببلدان أخرى، وهذا يجعل بعض الناس يهدرون الكثير من الطعام، لا سيما في المنازل، التي يصعب أن يطبق القانون عليها، لأنها تلقي الأطعمة في القمامة، وليس من السهل رصدها”.

وتشير الكاتبة الصحافية إلى أن “هناك بعض أصحاب المبادرات الخيرية الذين يتعاونون مع بعض الفنادق، ويحصلون على بقايا الأطعمة، ويعدونها ثم يقومون بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، لكن هذه نسبة ضئيلة للغاية”.

وتضيف: “ما يحدث في الكثير من الفنادق والمطاعم من إهدار للطعام شيء يثير الدهشة ويستفز المشاعر، خصوصاً الذين ينظمون مائدة مفتوحة (Open Buffet) للأفراح، فهم لا يلقون الطعام فحسب، ولكنهم يخلطون كل الأصناف معاً، ثم يلقونها في القمامة، وكأنهم يتعمدون ألا يستفيد منها أحد”.

وتعتقد سعفان أن مشروع القانون “بالغ الأهمية في هذا التوقيت، لأن أعداداً إضافية من الناس باتت بحاجة إلى الحصول على الطعام المجاني، الغلاء جعل الحصول على الغذاء أمر أكثر صعوبة بالنسبة إليهم”.

وتحدثت الكاتبة الصحافية عن أن “هناك دعوات حالياً لإرشاد الناس بأن يقوموا بوضع الأطعمة في أكياس محكمة قبل إلقائها في القمامة، وكذلك ظهرت ثلاجات في بعض الشوارع، يمكن للشخص أن يضع فيها بعض الأغذية الفائضة عن حاجته، حتى يستفيد بها غيره”.

وعلى أهمية تلك المبادرات إلا أن سعفان تعتقد بأن “القانون الجديد سيكون أكثر فعالية، لأن هناك أشخاصاً لا يبادرون من تلقاء أنفسهم بفعل ما يجب فعله، ومن ثم فهم بحاجة إلى أن يخضعوا للمساءلة القانونية والعقاب، لذا فإن مشروع القانون الجديد يعد خطوة جيدة نحو الاستفادة من بقايا الطعام بدلاً من هدره”.

المزيد عن : مصر \  البرلمان المصري \  هدر الطعام \  معدلات الفقر بمصر \  مبادرات خيرية \  مشروع قانون جديد