الإنسان البدائي وعلاقته بالطبيعة (غيتي) ثقافة و فنون “أسطورة العود الأبدي”… تأسيس للموسوعة الكبرى في تاريخ الأديان by admin 25 مايو، 2025 written by admin 25 مايو، 2025 15 قدم ميرشيا إيلياد في كتابه فكراً خلاقاً يهتم بالسمو الروحي للإنسان منحياً العقلانية جانباً ولو إلى حين اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب اشتهر الباحث الروماني الأصل ميرشيا إيلياد بواحد من أهم الكتب التي درست تاريخ الأديان والمعتقدات الروحية والتي وضعت في القرن الـ20. ولقد بلغت شهرة هذا الكتاب الواقع في أكثر من 2000 صفحة أن كثراً من القراء نسوا أن إيلياد هو نفسه الذي وضع معظم كتبه بالفرنسية، ودرس خصوصاً في الولايات المتحدة وكذلك ألف روايات غريبة الأجواء فلسفية اللغة والمواقف، منها واحدة اشتغل المخرج الأميركي فرانسيس فورد كوبولا على تحويلها فيلماً قبل سنوات. غير أن ما يشفع للقارئ “الناسي”، هو أن القسم الأكبر من أعمال إيلياد، سواء كانت كتباً تاريخية، دينية ضخمة أم مؤلفات أصغر حجماً أم نصوصاً إبداعية، تدور دائماً حول مواضيع أثيرة لديه، قليلة العدد جداً، أبرزها مسألة المقدس وعلاقة الإنسان به منذ فجر التاريخ. وهنا إذا قلنا “مقدس” نقول بالتالي، “أسطورة، حتى وإن كنا نعرف أن اهتمام إيلياد بالأساطير كان ضمن اهتمامه بتاريخ الأديان والمقدس، لا العكس… أي إنه في هذا يقف، دراسة، على النقيض من عالم الإناسة الكبير كلود ليفي ستراوس الذي كان اهتمامه بالأسطورة إنساني البعد أولاً وأخيراً”. دراسة المقدس بالنسبة إلى إيلياد، المهم قبل أي شيء آخر، هو دراسة المقدس، لأن ما من دراسة حقيقية لكينونة الإنسان، منذ ظهوره في الكون، يمكن أن تقف خارج تلك الدراسة. وإذا كنا نطالع هذه الفكرة الأساسية والتأسيسية في معظم نصوص ميرشيا إيلياد، فإننا سنجدها أكثر وضوحاً لديه في واحد من كتبه المبكرة وهو كتاب “أسطورة العود الأبدي” الذي أصدره عام 1949، أي في زمن كان إيلياد لا يزال يعد فيه عالم اجتماع وحسب. وهو أتى في هذا الكتاب ليخلص نفسه من ذلك التصنيف الأكاديمي الخالص، وليفتتح سلسلة أعماله التي راحت تتوالى في علاقة مباشرة مع تطور أفكاره وبحوثه حول المقدس والإنسان وتاريخ الأديان في صورة عامة. تنويع على كتاب مبكر هذا التطور الذي نشير إليه هنا، لم يجعل من “أسطورة العود الأبدي” نصاً قديماً تم تجاوزه، بل أتى، أي التطور، ليؤكده تأكيداً مدهشاً. ولعلنا لا نعدو الحقيقة إن نحن قلنا هنا، إن معظم بحوث إيلياد التالية، بما فيها كتابه العمدة “تاريخ الأفكار والمعتقدات الدينية”، إنما هي تنويع على ذلك الكتاب المبكر. ومنذ بداية الكتاب يلاحظ القارئ المهتم أن إيلياد ينطلق فيه من تفكير الإنسان البدائي، تماماً على الشاكلة نفسها التي ينطلق بها مفكرون آخرون لدراسة تاريخ الفكر اليوناني انطلاقاً من الإنسان الذي كان موضوع ذلك الفكر، أو الثورة الفرنسية انطلاقاً من تاريخها الطبقي الخاص. ميرشيا ايلياد “1907 – 1986” (غيتي) ويؤكد لنا إيلياد بداية أن السمة الرئيسة التي تطبع فكر الإنسان البدائي، إنما هي فكرة التناسق الأصيل والفهم الجذري للبيئة المحيطة، اللذين يجعلان الإنسان قادراً حقاً على أن يسكن عالمه من دون تصنع. وعلامة هذا هو الطبيعة نفسها، هذه الطبيعة التي هي منطقياً العالم نفسه بالنسبة إلى الإنسان البدائي، والتي لا تترك هنا أبداً عرضة للامعنى الذي تخلفه الأحداث العارضة، عادة، أي الأحداث التي تصنع ما يسمى التاريخ. بالنسبة إلى الإنسان البدائي يتخذ العالم طابعاً أونطولوجياً، لا طابعاً تاريخياً. التاريخ لا وجود له بالنسبة إليه. وفي هذا المعنى لا يعود للإنسان ذلك الموقع المركزي الذي يسبغه عليه الفكر الإنساني النهضوي. موقع في الكون في المقابل، إذا كان موقع الإنسان يمنعه من أن يؤله نفسه، فإنه يعطيه مكانة أساسية في الكون. وفي هذا الإطار يصبح واضحاً كيف أن إيلياد يصر على أن القداسة ليست هنا، كما يحلو أن للمفكرين العقلانيين أن يقولوا، مقولة سيكولوجية تعيش تدهوراً دائماً وتراجعاً مع تقدم الإنسان في علاقته مع التاريخ، بل هي ترتبط بالإنسان منذ ولادته، وتكون هي من يعطيه مداره الروحي. وهكذا، بدلاً من أن يكون كل تقدم تقني خطوة على طريق إبعاد الإنسان عن تلك النزعة الروحية، يصبح خطوة إضافية على طريق تأكيد إنسانيته بالتالي سماته الروحية. وهكذا، أيضاً، خارج نطاق هذا التطور التقني الذي يخدم الروح أكثر ما يخدم، لا يعود للإنسان، في سلوكه الشخصي، أية علاقة بالتاريخ. التاريخ لا تعود له، بالنسبة إلى الإنسان، علاقة بكينونته بل بما يملك… بالتالي بما يضاف على مر الزمن إلى تلك الكينونة من خارجها. عمر من التبرير على ضوء هذا يصبح المسعى الأساس للإنسان طوال وجوده، تبرير ما يمكن أن يكون عارضاً في سلوكه، عبر دمجه في التجدد المتواصل لزمن المقدس لديه. ومع هذا فإن هذا “الجديد” الذي لا يمكنه، في نهاية الأمر، إلا أن يكون تاريخياً ومندفعاً إلى الأمام في شكل لا راد عنه، هذا الجديد سيكون مستبعداً، على أي حال، من فكره التأملي، الذي يقف خارج كل تاريخيته، مهتماً فقط بفكرة العود الأبدي، أي الدائم، للأفعال ذات الإنجاز السماوي. وميرشيا إيلياد، إذ يصل في تحليله إلى هذا الحد يصرخ (كما فعل ليفي، ستراوس في مجال حديثه على صعيد آخر، عما خسره الفكر الغربي العقلاني حين رفض أن يلتقط اليد التي مدها هنود أميركا الحمر إلى كريستوف كولومبوس مرحبين، فإذا بالذي أتى “مستكشفاً” يتحول جزاراً): انظروا كم فقد الإنسان إذ تخلى عن تلك الثقافة الأصيلة! كم كانت خسارة للاإنسانية أن يقطع الإنسان عن ثقافيته الطبيعية القدسية، ليرمي به فريسة في فك التاريخ، أي تلك الكارثة المتسارعة؟ والحقيقة أن ميرشيا إيلياد، إذ يطرح هذه الأسئلة الشائكة، لا يحاول أبداً أن ينسينا أن فلسفة التاريخ، ولدى بعض كبار الذين اهتموا بتدوينها وشرحها، وفي مقدمتهم الفيلسوف الألماني هيغل، لم يفتها أبداً أن تؤكد، عقلانياً، ما يؤكده هو، حين يرى إيلياد في أفكار حول مثل هذا الموضوع عبر عنها هيغل في نصوص عدة له، مثل “أصول فلسفة الحق” و”فلسفة التاريخ” لا سيما “موسوعة المصطلحات الفلسفية”، نزوعاً إلى الوقوف بحيرة وإعجاب أمام الفكر البدائي الأصيل، ذلك الفكر “الذي احتوى الكينونة في شكل طبيعي من دون أن يرى من واجبه أن يفلسفها”. علاقة الإنسان بكينونته مع هذا فإن إيلياد ينبهنا إلى أنه إذا كان الفكر العقلاني الهيغلي قد توقف عند تلك الأصالة، فإنه جزء من طفولة الإنسان، حتى وإن كان تحدث عن تلك الأصالة كما لو كانت حلماً غير متماسك. أما بالنسبة إليه، هو، أي ميرشيا إيلياد، فإن الدور الذي يأخذ المقدس على عاتقه لعبه في حياة الكينونة، إنما هو الدور القائم في وضع كل ما هو موجود في علاقة تامة مع كينونته الخاصة. وبهذا تنتفي كلياً فكرة أن يكون لدى أصحاب الفكر البدائي أية لفته صوب ما يمكن تسميته تاريخ الإنسان. في ظل أن هذا التاريخ لا يعود موجوداً على اعتبار أن الوجود يصبح، في الفكر البدائي، هو الجوهر، ولا يعود الوجود تفسيراً للجوهر، أو الجوهر تبريراً للوجود. عندما وضع ميرشيا إيلياد (1907 – 1986) هذا الكتاب عام 1949، كان في الـ42 من عمره. وسيقول لاحقاً إن اشتغاله على “أسطورة العود الأبدي” لم ينتج لديه عن الغرق في أية أزمة روحية، كما حاول بعض كاتبي سيرته أن يقولوا. في معنى أن صوغه هذا النص الذي سنجد معظم أفكاره موزعة لاحقاً في كتبه التالية، سواء أرخت للأساطير، أو للمعتقدات الدينية، لأن هذا كله يمتزج في نهاية الأمر لدى إيلياد امتزاجاً تاماً، إذ يدور كله حول كلمة واحدة كانت وظلت دائماً أساسية لديه: المقدس، بحيث يمكن النظر إلى أسطورة العود الأبدي، كمفهوم وككتاب، باعتبارها الأسطورة المؤسسة لكل ذلك المتن الذي شكلته كتب إيلياد. والواقع أن المرء، إذ يغرق في كتابة روايات ميرشيا إيلياد، حتى وإن نحى دراساته العلمية الغزيرة، جانباً، سيدهشه أن يكون هذا الكاتب، استخدم المفاهيم نفسها كعمود فقري لعمله الروائي. ومن هنا، لن يكون غريباً أن نلاحظ أن عدداً لا بأس به من رواياته، تدور أحداثها في الهند. ذلك البلد – القارة، الذي درسه إيلياد طويلاً وفي العمق، على اعتباره صاحب الحضارة التي لم تتوقف عن أن تخص المقدس بكل اهتمامها، لا سيما المقدس في علاقته، مع الطبيعة من ناحية ومع الإنسان من ناحية ثانية. المزيد عن: الهندميرشيا إيليادالإنسان البدائيتاريخ الأديانأسطورة العود الأبدي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أسلوب جديد في المشي لحرق السعرات وخفض ضغط الدم next post “عائشة لا تستطيع الطيران” في قاهرة الغربة You may also like “عائشة لا تستطيع الطيران” في قاهرة الغربة 25 مايو، 2025 الموسم السابع من “بلاك ميرور”… في مديح الحب؟ 25 مايو، 2025 مراسلات الأربعة الكبار في الأدب الأميركي اللاتيني 25 مايو، 2025 المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي يحصد السعفة الذهبية... 25 مايو، 2025 مخرج إيراني “قلق” من العودة إلى بلده بعد... 24 مايو، 2025 “قيمة عاطفية” في “كان”… السينما كبلسم للجراح 24 مايو، 2025 “المخطط الفينيقي”: مغامرة بصرية برؤية ويس أندرسون الخالصة 24 مايو، 2025 لوحات ابن البندقية فيرونيزي… جماليات الضخامة المفرطة 24 مايو، 2025 إيمانويل تود يعيد قراءة المشهد العالمي في “هزيمة... 23 مايو، 2025 “متجول بين عالمين” رواية أخرى عن حرب لا... 23 مايو، 2025