ثقافة و فنونعربي “أسرى ألتونا” سارتر على طريقة فيتوريو دي سيكا by admin 2 أغسطس، 2020 written by admin 2 أغسطس، 2020 16 المخرج بعيداً من الواقعية الجديدة التي أسّسها واختفى اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كثر من هواة السينما الشعبية يعرفون الكوميدي الإنساني الإيطالي فيتوريو دي سيكا ويحبون حضوره على الشاشة. لكن معظم هؤلاء ينسون اليوم أن دي سيكا لم يكن ممثلاً فحسب، بل كان مخرجاً كبيراً. وكبيراً في بداياته إلى درجة أن فيلمه الرئيسيّ “سارقو الدراجة” كان لعقدين خليا من السنين يصنّف من قبل كبار النقاد والمؤرخين بوصفه واحداً من أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما العالمية، وهو ما سنعود إليه بعد قليل، أما هنا فقد يكون من الأفضل التوقف عند فيلم لدي سيكا أتى سنوات بعد “سارقو الدراجة” ليسجّل في العام 1962 البداية الحقيقية لنهاية ذلك السينمائي الكبير والمؤسس الذي عرفته السينما الإيطالية بين سنوات الأربعين والخمسين، ونعني به فيلم “أسرى ألتونا” المقتبس من مسرحية للفرنسي جان بول سارتر الذي قيل دائماً أن حظه مع السينما كان قليلاً. والحقيقة أن قائلي هذا الكلام يضربون بهذا الفيلم بالتحديد مثلاً على قولهم. لا شيء في الفيلم الذي تنطّح دي سيكا لإخراجه يشبه حقاً ما كتبه سارتر أو أراد أن يقوله. لقد جاء الفيلم شيئاً آخر تماماً حتى وإن كان السيناريو الأصلي الذي اشتغل على المسرحية من إنجاز آبي مان الذي كانت كتابته لسيناريو فيلم “محاكمات نورمبرغ” قبل ذلك بسنوات قد حققت له شهرة كبيرة وكانت هي وراء قبول سارتر أن تُقتبس روايته. غير أن ما لم يكن سارتر يتوقعه هو أن الإيطالي دي سيكا عاد واشتغل على السيناريو من جديد شراكة مع كاتبه المفضل تشيزار تزافاتيني معتقدين أنهما سيستعيدان عبر هذا العمل مجداً قديماً. فحصل أن حوّلا المسرحية السارترية الوجودية القاسية والتي تدور في مجال عائلي مغلق مكانياً، ولكن تاريخياً أيضاً في حلقة اليأس والندم والذنب الناتجة ممّا اقتُرف خلال الحرب العالمية الثانية ضمن إطار أفكار أتت ذات علاقة بالوضع الإيطالي المختلف تماماً والذي حاول دي سيكا وتزافاتيني رسمه من خلال التعديل الهائل الذي أجرياه على السيناريو وعلى العلاقات بين الشخصيات. وكانت النتيجة أن تفاقمت لعنة العلاقة بين سارتر والسينما، وأعلن كثر من النقاد ومؤرخي السينما أن من الأفضل لدي سيكا أن يتوقف نهائياً عن الإخراج، لينصرف إلى الفن الذي يبدع فيه حقاً: فن التمثيل. ملصق “أأسرى ألتونا” كما حققه فيتوريو دي سيكا (موقع الفيلم) عناد مشروع طبعاً لم يمتثل فيتوريو دي سيكا لذلك الحكم وهو الذي كان يعرف دائماً أن له من ماضيه ما يشفع له، لذلك رأيناه يمعن في الإخراج ليحقق بعد “أسرى ألتونا” شرائط أخرى، كما سوف نرى، ولكن من دون أن يحقّق له أيّ منها حضوراً سينمائياً حقيقياً يُبقي في الذاكرة ذلك السينمائي المبدع الذي كانه ذات يوم. ولنعدْ هنا إلى ذلك الماضي في محاولة لإنصاف هذا الفنان الذي يبدو منسيّاً إلى حد كبير اليوم. فإلى سنوات قليلة، حين كان يؤتى على ذكر الثورة التعبيرية التي حققتها السينما الإيطالية تحت اسم “الواقعية الجديدة” منذ أواسط سنوات الأربعين، كان اسم فيتوريو دي سيكا يتصدر أسماء أقطاب ذلك التيار، إلى جانب روسليني وفيسكونتي وأنطونيوني ولاتوادا وغيرهم، ولكن بعد ذلك راح اسم دي سيكا يُنسى بالتدريج على الرغم من أن واحداً من أفلامه الأساسية وهو “سارقو الدراجة” كما أشرنا، ظلّ يرد دائماً في أي لائحة يضعها هواة السينما متضمنة أهم عشرة أفلام في تاريخ الفن السابع. وربما كان السبب في ذلك أن فيتوريو دي سيكا اعتُبر على الدوام ممثلاً أكثر منه مخرجاً، وأن الأفلام المتميزة التي حققها كمخرج كانت قليلة العدد نسبياً إذا ما قورنت بأفلامه التجارية والترفيهية. ومع هذا ثمة حقيقة لا يتعين نسيانها، وهي أن واحداً من أفلام دي سيكا الأولى وهو “الأطفال ينظرون إلينا” (1944)، كان إشارة البدء إلى ولادة تيار الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية، وبدء تعاون دي سيكا الخلاّق مع كاتب السيناريو تشيزار تزافاتيني. وهذه الحقيقة كانت غالباً ما تنسى حتى خلال السنوات الأخيرة من حياة دي سيكا الذي حين رحل عن عالمنا في نوفمبر (تشرين الثاني) 1974، رثاه الكثيرون بوصفه واحداً من نجوم السينما الضاحكة في إيطاليا متذكرين الأدوار العديدة التي لعبها في أكثر من مئة فيلم منذ 1926، وكان معظمها من إخراج غيره بالطبع. ذو الابتسامة الملائكية في أفلامه الأولى التي مثلها قبل أن ينتقل إلى الجانب الآخر من الكاميرا، كان فيتوريو دي سيكا يبرع في الأدوار الكوميدية العاطفية، وكان يعرف كيف يسحر جمهوره المتزايد عدداً بابتسامته الملائكية وملامحه الشعبية. وفي جميع الأحوال لم يكن دي سيكا بعيداً من روح الشعب هو المولود في نابولي في 1901، والمنتقل إلى روما مع عائلته في 1912، حيث بعد أن درس المحاسبة بدأ اهتمامه بالمسرح والاستعراض اعتباراً من 1922، وراح يرتقي في عالم النجومية عبر عشرات الأفلام التي حققت له من الشهرة ما جعلته أوائل الأربعينيات يقرر التحول إلى الإخراج. وكان فيلمه الأول “الورود القرمزية” الذي تلته أفلام عديدة أخرى متفاوتة القيمة حتى كان فيلمه الأساسي “الأطفال ينظرون إلينا” الذي حقق خلال الحرب، وكان من الجودة بحيث دفع مخرجه، بعد انتهاء الحرب، إلى اتخاذ قراره بتكرار التجربة والمساهمة في بعث الحركة السينمائية الجديدة في إيطاليا المهزومة. وهكذا راح يحقق على التوالي بعض أروع أعماله: “تشوشيا” (1946) ثم “سارقو الدراجة” و”معجزة في ميلانو” (1951) و”أومبرتو د.” (1952)، وكلها أفلام رمى من خلالها دي سيكا إلى رسم صورة واقعية لإيطاليا ما – بعد – الحرب، صورة يختلط فيها العاطفي بالرصد الاجتماعي، والنزعة الإنسانية بحس التعاطف مع الشرائح المسحوقة في المجتمع من الأطفال المهجورين إلى العاطلين من العمل إلى المتقاعدين من دون أمل. اقرأ المزيد أغنيس فاردا ومكانتها في قلب الحركة السينمائية الفرنسية الجديدة “توباز” لمارسيل بانيول هل كانت أول اقتباس سينمائي عربي؟ رصيد إبداع من أربعة أفلام والحال أن هذه الأفلام الأربعة ظلت هي الرصيد الكبير الذي ملكه دي سيكا وبنى عليه كل سمعته اللاحقة، ونادراً ما تمكن في ما بعد من أن يضاهي ما أبداه من قوة تعبير فيها إلى درجة أن النقاد والمؤرخين انتهوا إلى اعتبار تزافاتيني لا دي سيكا المسؤول الأول عن جودة تلك الأفلام. في 1953 حقق دي سيكا فيلم “المحطة الأخيرة” الذي اعتبره النقاد بداية لمرحلة انحطاطه، وبالفعل منذ ذلك الحين حقق دي سيكا عدداً كبيراً من الأفلام، صحيح أنه كان بينها أفلام جيدة مثل “امرأتان” (1960) و”أمس، اليوم وغداً” (1963) و”الرحلة” (1974)، غير أن هذه الأفلام القليلة لم تتمكن من أن تعيد إليه سمعته القديمة كواحد من مؤسسي السينما الإيطالية الجديدة، بخاصة إذا ما قورنت بالعدد الكبير من الأفلام الترفيهية والتجارية التي لم يكف عن تحقيقها طوال العقدين السابقين على رحيله. وهذا ما جعل النقاد ينظرون إليه خلال سنواته الأخيرة باعتباره ينتمي إلى الماضي، غير أن النقاد الذين كانوا قد كفوا عن الاهتمام بأفلامه التي حققها كمخرج، لم يتوانوا عن تحية الممثل فيه، لا سيما حين كان يلعب أدواراً ذات طابع إنساني في أفلام يحققها غيره. وفي هذا الإطار ستظل في الذاكرة أدواره في أفلام مثل “السيدة…” لماكس أوفولس أو “الجنرال ديلا روفيري” لزميله وصديقة روسليني، حيث تمكن، في رأي نقاده من أن يفرض أبعاده الشخصية على الأدوار، تماماً كما فعل في أفلام حققها بعض أقطاب السينما الإيطالية مثل بلازيتي وكومنشيني. وإضافة إلى هذا يظل اسم فيتوريو دي سيكا مرتبطاً باسم صوفيا لورين التي عرف في أوائل الستينيات أن يعطيها أجمل أدوارها ولا سيما في فيلم “امرأتان” الذي أطلق شهرتها بشكل جديّ وعالمي، من دون أن يضيف كثيراً إلى سمعة دي سيكا. المزيد عن: فيتوريو دي سيكا/السينما الإيطالية/فيلم سارقو الدراجة/فيلم أسرى ألتونا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “المهيبة” الجزائرية حصة الخطيبة من عيد أهل الزوج المستقبلي next post “البندقية” يتحدى الجائحة: أول مهرجان سينمائي بعد كورونا You may also like أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.