ثقافة و فنونعربي “أرابيسكا تياترن” فرقة مسرحية تطرح أسئلة اللجوء العربي في السويد by admin 18 أكتوبر، 2020 written by admin 18 أكتوبر، 2020 130 ” شفق قطبي” و”شمس منتصف الليل” عرضان يقدمان المآسي اليومية للمهاجرين سينمائيا ومسرحيا اندبندنت عربية / منى مرعي قبل خمس سنوات أسَّست هيلين الجنابي وشريكها أوسكار روسين فرقة “أرابيسكا تياترن” (المسرح العربي) في مدينة ستوكهولم بالسويد؛ إذ كانت هناك حاجة لوجود مسرح ناطق باللغة العربية ينقل يوميات أهل بلاد الشتات، يطرح تساؤلاتهم ويعكس هواجسهم المزدوجة؛ تلك التي انتقلت معهم من أرضهم الأم، وتلك التي تطالعهم في الأرض التي يحاولون احتضانها. يبدو أن التأقلم ليس أمراً سهل المنال، ولعل هذا أكثر ما ركَّزت عليه الفرقة منذ ما يزيد على عامين، وتحديداً في عمليها المسرحيين الأخيرين: “شفق قطبي”، و”شمس منتصف الليل”، وهما عملان مسرحيان لـ”أرابيسكا تياترن” يتناولان موضوعي الشتات (السوري والعراقي)، وتحديات التأقلم. وجرى تحويلهما لاحقاً إلى فيلمين مصورين يتم تشاركهما على منصات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن المحتوى الرقمي المسرحي العربي محدود جداً على الشبكة العنكبوتية، ينضوي هذان العملان كمنتجين فنيين لصيقين بالمسرح ومنفصلين عنه في الوقت نفسه؛ فكون هذا المحتوى مكانته كمادة محكمة وعالية الجودة لها جمالياتها التصويرية، وإن اختلفت معالجة المسرحة كمادة سينمائية بين العمل الأول والعمل الثاني. لا سعادة ولا حزن في السويد مشهد من مسرحية “شمس منتصف الليل”( الخدمة الإعلامية للفرقة) للوهلة الأولى، يشير عنوانا العرضين المسرحيين إلى طبيعة المناخ الخاصة بالسويد، كما لو أن هناك إيحاءً منذ البداية – سرعان ما يتحول إلى جهر واضح وصريح – ينبئ بالانسلاخ الحاصل بين شخصيات النصوص ومآلات يومياتهم في البلاد التي لجأوا إليها. هو انسلاخ يبدأ من الإحساس بالطقس. الشفق القطبي هذا المزيج من الألوان الخلابة التي تتشكل على جانبي القطبين الشمالي والجنوبي نتيجة اصطدام مجسمات منبعثة من الشمس بالغلاف الجوي للأرض، والذي غالباً ما يظهر في شمال السويد، وهو أيضاً حامل لرمزية عالية تشتبك فيها شخصيات العرض – كمجسمات منبعثة من بلاد الشمس – مع مفاهيم وأفكار جديدة تحيلهم إلى الإحساس بالوحدة، وبتبدل القيم والأهداف، وبالتالي عدم الشعور بالأمان. شمس منتصف الليل أيضاً ظاهرة طبيعية خاصة بالبلاد التي تقع في شمال القطب الشمالي، إلا أن تيمة الطقس ورمزيتها بشكل عام، غيَّرتا ظاهرة في العرض الثاني، كما في عرض “شفق قطبي”؛ إذ تركز الحبكة على حكاية يزن الذي تعرَّض لحادث اعتداء على يد رجال الأمن في منتصف الليل إثر عودته هو وحبيبته ريم من سهرة راقصة. وفي خط مُوازٍ هناك وليد طبيبهما النفساني، وحكايته الرديفة مع مجد الذي يتعرض لطلق ناري في نهاية العرض من سلاح عصابة متطرفة وكارهة للاجئين. إن كان هناك من قواسم مشتركة أساسية بين العرضين اللذين كتب نصهما الكاتبان المسرحيان مضر الحجي (شفق قطبي)، ووسيم الشرقي (شمس منتصف الليل)، فهو الشعور بعدم الرضا وغياب السعادة والحنين والفقد وانكسار فكرة أن “فور وصول اللاجئ إلى بلاد اللجوء كفيل بتحقيق الأحلام المنشودة”. في المشهد الثاني لـ”شفق قطبي” يسأل عمار حبيبته هدى “ليش منك مبسوطة”، بينما في “شمس منتصف الليل” يسأل الشاب يزن حبيبته ريم عن سبب زيارتها للطبيب النفساني، فتجيبه أنها “مش مبسوطة”. بعد أن كانت طوال الوقت تلعب دور الفتاة التي تمتص حزن حبيبها وغضبه إثر تعرضه لصدمة حادث الاعتداء. تبوح ريم بمخاوفها التي لم تتقلص لدى حصولها على الإقامة في السويد: الخوف من المجهول، شعورها بالذنب لأنها تكذب على عائلتها في سوريا وتخفي علاقتها وسكنها مع حبيبها، ماذا ستفعل في المستقبل، كم ستسرق مراحل تعلم اللغة من سنوات حياتها، كلها أمور باعثة على القلق. لعل أكثر الجمل تعبيراً عن العرضين هي العبارة التالية التي نطقتها ريم في لحظة كشف غير متوقعة “حاسة إن حياتي قطار طلع عن السكة. عم بفقد مشاعري شوي شوي. ما في شي عم بيزعلني، بالوقت نفسه، ما في شي عم بيبسطني”. هذه هي أيضاً حال شخصيات “شفق قطبي”، حيث يركز العرض عبر مشاهده المتفرقة على فئات عمرية مختلفة. مايا في المشهد الأول من “شفق قطبي” تطلب من موظفة في إحدى الدوائر الرسمية نقلها كلاجئة هي وشريكها علاء إلى الشمال. في محاولة ثالثة لإقناعها بضرورة عملية النقل، تذكر مايا حلمها القديم منذ أيام الجامعة، عندما شبَّهها أستاذها بأورورا، ربَّة الفجر. تستغرق مايا في سرد الأسطورة التي تنتهي بتيثونوس الذي أصبح خالداً إثر تضرع أورورا، لكنّ الأخيرة نسيت أن تطلب من الآلهة أن تبقيه شاباً. نتيجةً لذلك، شاخ تيثونوس وذوى. تذكر بعض الترجمات أنه لم يبق منه شيء إلا صوته قبل أن يتحول إلى جندب. من مسرحية “شفق قطبي” في السويد (الخدمة الإعلامية للفرقة) تلاعب الكاتب والدراماتورج مضر الحجي بمضامين أسطورة آلهة الفجر بحيث تحولت أورورا إلى حبيبة قاسية حولت عشيقها إلى جندب لأنها خافت من عبء شيخوخته، حتى لتنتهي الأسطورة بقتل الأخير لأورورا بالخطأ. عبر هذا التلاعب بالأسطورة تكتمل دائرة الرمزية العالية لموضوعة مناخ السويد القاسي وانسلاخ الأحاسيس: أورورا هي أيضاً تسمية من تسميات عديدة لظاهرة الشفق القطبي التي قد تنتهي بشيخوخة قبل أوانها، وبقتل. يعود الحجي إلى مايا ويصورها بعد موافقة الموظفة على نقل الفتاة الحالمة إلى الشمال، وتحديداً إلى هاتبرندا، تنقلب كل المعادلة: تدخل إلى المخيم وتقبع في غرفتها لعشرة أشهر. يبلغ الشعور بالبرد أقسى مداه ويتحول كل ما كان مبتغى إلى وهم. تنهي مايا مشهدها بالجملة الآتية: “وهم. ما بدّي عيش تحت سما ملونة ما بعرفها، بدّي أعيش تحت السما اللي بعرفها. بدّي شمس”. النص بطل العرض استوحي معظم ما ورد في العرضين وبشكل كبير من شهادات وقصص حقيقية تم جمعها. حكاية مجد الذي أصيب وعلاقته مع الطبيب ان هي حكاية حقيقية. الأمر سيان في ما يخص هلوسات رهام في “شفق قطبي” التي تختبر حالة التشرذم بين الشام والسويد، والتي يطغى عليها الشعور بالذنب نتيجة خياراتها. يتمظهر الشعور بالذنب على شاكلة أصوات رجل وهمي. في لقاء مع “اندبندنت” تذكر هيلين الجنابي أن عملية كتابة نصوص كل من العرضين استغرقت ما يقارب الأشهر الخمسة؛ إذ تم جمع حكايات حرص فريق عمل “أرابيسكا تياترن” على توثيقها عبر مقابلات مطولة. خلال المقابلات، يتاح لصاحب الحكاية أن يختار جانباً معيناً ليركز عليه دون تدخل من الفنانين أنفسهم أو الباحثين الذي يجرون المقابلات. شددت هيلين الجنابي على أهمية فترة التحضير التي كانت تتطلب وقتاً يفوق مرحلة التمارين وإعداد النص لأن المسار المتبع فيه من التفصيل ما يتيح مجالاً لبناء رابط متين مع الأفراد الذين شاركوا تجاربهم وشهاداتهم، والتي كان يتم تسجيلها وتفريغها وإرسالها إلى الكاتبين. تلت هذه المرحلة ورشة عمل حول العرضين ضمت أصحاب الشهادات، كما حرصت فرقة “أرابيسكا تياترن” على أخذ موافقة كل من شارك حكاياته قبل تثبيت نص العرض. على الرغم من اختلاف أنماط النصين المسرحيين وأسلوبهما، وعلى الرغم من أن الفئة المستهدفة لكل نص مختلفة، تشدد هيلين على أن بطل العرض الحقيقي هو النص وحكايات الناس. وركز “شفق قطبي” على تجارب نساء متفرقة تربطهن لعبة المسرح داخل المسرح، ويظهر جلياً خط مواز لخط حكايات النساء، ألا وهو فعل مساءلة مسرحة الفاجعة السورية بحد ذاتها عبر شخصية المخرج السوري الذي اشتغل طوال الوقت على الإثارة وتسليع المأساة في حين هناك ممثل اسمه طه اختفى من العرض يسأل عنه زملاؤه طوال الوقت. مشهد من مسرحية “شفق قطبي” (الخدمة الإعلامية للفرقة) من ناحية أخرى، اشتغل وسيم الشرقي على نقل حيوات ثلاث شخصيات وفرد مساحة العرض كله لحياة يزن وريم كثنائي، وبمدارهما هنالك مساحة لوليد طبيبهما النفسي، بحيث شكل النص غوصاً في التفاصيل المكثفة الحميمية داخل غرفتين صغيرتين. مسرحة الصورة أم سطوة الرقمي؟ لدى مشاهدة المادتين المصورتين للعرضين المذكورين يلحظ فارق في المقاربة البصرية والسينمائية بين العرض الأول والثاني من ناحية جوهر ربط السينما بالمسرح. تذكر هيلين الجنابي أن كلتا المادتين المصورتين صنعتا للمسرح أولاً وآخراً. إلا أن طبيعة النصوص حتمت معالجة بصرية مختلفة لكل عرض؛ إذ ترى أن واقعية نص وسيم الشرقي حتمت معالجة بصرية واقعية على عكس عمل مضر الحجي. يحتم اشتغال الحجي هامشاً من المسرحة التي جعلت الكاميرا والكادر والمونتاج مجرد أدوات خادمة لفعل المسرحة بحد ذاته. وبنيت حبكة “شفق قطبي” على الطريقة البيرانديللية، فمنذ بداية العرض يخرج الممثلون من الكواليس إلى خشبة المسرح، وفي الخلفية يظهر بشكل واضح أن قاعة الجمهور فارغة، ويسمع صوت المخرج وهو يتوجه إلى ممثليه بكل حماسة طالباً منهم أن يكونوا على سجيتهم: “لا تمثلوا، كونوا أنتم. المطلوب هو صفع المتلقي، عودوا إلى الجمهور بلؤلؤة المعرفة”. ثم تتوالى المشاهد الخمسة المتفرقة التي تنقل حكايات شخصيات العرض التي تتقاطع مع مشاهد يتحدث فيها الممثلون مع المخرج حول أدوارهم تلك. من الطبيعي في هذه الحالة أن تستشف الكاميرا هذا المزاج، بحيث تتم مسرحة الصورة بشكل عملي مدروس، وفيه من الجمالية ما يستدعي الانتباه. واختلفت المعادلة في عرض “شمس منتصف الليل”، بحيث بدا أن ما نشاهده أقرب إلى مادة سينمائية لها جمالياتها، الأمر الذي يطرح تساؤلاً: هل من الحتمي أن تفرض واقعية نص وسيم الشرقي على المعالجة البصرية واقعية موازية، لا سيما في الفضاء المنقول عبر الشاشة الإلكترونية؟ وكيف السبيل للحفاظ على الإحساس بكثافة الهواء الذي نشعر به في فضاء المسرح – على حد قول الممثلة المسرحية الأميركية مود ميتشيل – ونحن نشاهد عرضاً خلف الشاشات الذكية في هذه الحالة؟ فريق تمثيل “شفق قطبي”: إنجي يوسف، وهيلين الجنابي، وإبراهيم منعم، إخراج سينمائي إبراهيم مهنا، وإخراج مسرحي منصور سلطي. فريق تمثيل “شمس منتصف الليل”: لين حشيشو، وعثمان عثمان، ونوار هرمز، إخراج سينمائي إبراهيم مهنا، وإخراج مسرحي هيلين الجنابي. وتم جمع شهادات لمهاجرين في السويد، ومؤسسة الممثل السويدي ميكايل ميكليس. المزيد عن: مسرح/عرض مسرحي سينمائي/السويد/الهجرة العربية/لاجئون عرب/مسرح داخل المسرح 3 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أورهان باموق عن الكتابة والذاكرة على هامش توغله في مدينته next post روايات المنفى ترفع الستار عن هموم المجتمع الإيراني You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 3 comments tinder site 24 يناير، 2021 - 5:50 م browse tinder for free , tider https://tinderdatingsiteus.com/ Reply free online dating without registration 31 يناير، 2021 - 11:38 م dating sites free http://freedatingsiteall.com Reply badge for police 13 أغسطس، 2024 - 3:36 م Such a well-structured and engaging article. Thank you! Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.