الكاتب البريطاني ميك هيرون (أ ب) ثقافة و فنون أدب الجاسوسية في أزمنة الفوضى بعين بريطانية by admin 31 ديسمبر، 2023 written by admin 31 ديسمبر، 2023 109 ميك هيرون يكشف أسرارا في “كتاب وجواسيس وقتلة” اندبندنت عربية / سناء عبد العزيز لفتت الجاسوسية انتباه الكتاب والناشرين عقب فضيحة الضابط الفرنسي دريفوس التي تداولتها الصحف لمدة 12 عاماً (1894-1906)، ولم يفتر شغف القراء حيالها، لكنها لم ترق إلى مصاف الأدب إلا بعد الحرب العالمية الثانية مع ظهور مجموعة من الكتاب البريطانيين برزوا في هذا النوع النادر، واضطلعوا بتطويره من واقع تجاربهم في هذا العالم الشائك المليء بالحيطة والأسرار. ويكشف كتاب “كتاب وجواسيس وقتلة” الذي يضم مجموعة من الدراسات لنقاد وباحثين، عن روائيين نعرفهم تماما كانوا عملاء للاستخبارات منهم “إيان فيلمينج”، و”سومرست موم”، و”غراهام غرين”، و”ديفيد كورنويل”، العميل الذي أغوته الكتابة وهو في خضم مهامه فاضطر إلى الفضفضة تحت الاسم المستعار “جون لو كاريه”، وسجلت روايته “الجاسوس القادم من الصقيع” أعلى المبيعات على الإطلاق. ويعد الكاتب البريطاني ميك هيرون من أبرز الكتاب المتربعين على عرش الجاسوسية الآن، وهو مؤلف سلسلة “سلاو هاوس/ Slough House” التي تصدرت قائمة المبيعات وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان “الخيول البطيئة/ Slow Horses” استطاع أن يجذب جمهوراً عريضاً، مما جعل مجلة “نيويوركر” تمنحه لقب “أفضل روائي في جيله”، غير أن طريق هيرون للوصول إلى هذا اللقب لم يكن أبداً سهل المنال، إذ سبقته سلسلة من التجريب في أجناس مختلفة مثل الشعر والقصة والرواية البوليسية، منيت جميعها بالفشل الذريع وتركت مرارة. جئت أحدثكم عن الفشل عرف هيرون بنهمه للقراءة، فمنذ طفولته تعود أن يقرأ كل ما تطوله يداه، وفي سن المراهقة بدأ بكتابة الشعر، إلى أن خذلته الكلمات، فاتجه إلى الرواية، وصدرت روايته الأولى “في طريق المقبرة/ Down Cemetery Road” عام 2003. وهي الجزء الأول في سلسلة “أكسفورد” المؤلفة من أربعة أجزاء وتتخذ من المحققة زوي بوهم والمواطنة سارة تاكر بطلتين لها. لسوء الحظ لم تحقق السلسلة بأكملها أي نجاح لكاتبها لا على مستوى النقد ولا المبيعات. في السابع من يوليو (تموز) عام 2005، بينما كان هيرون في طريقه إلى العمل، قام انتحاريون بتفجير 4 قنابل في لندن، ثلاث في مترو الأنفاق وواحدة في حافلة. هنا انبثقت الفكرة ودخل بقدميه عالم الجاسوسية. كتب يقول “أدرك تماماً أنني لست مؤهلاً للكتابة عن القضايا العالمية، لكن أحد الأشياء التي تعلمتها في هذا اليوم هو أنه ليس من الضروري أن تكون خبيراً حتى تتورط. كلنا متورطون”. من كتب ميك هيرون (أمازون) بدأ هيرون رحلته إلى الجاسوسية بفكرة بسيطة، وإن بدت مختلفة: ماذا لو قرر المسؤولون، بدلاً من طرد العملاء الذين لم يحالفهم الحظ في مهام عدة، نفيهم إلى مكان لا يزعجون فيه بقية الجواسيس “الحقيقيين”؟ وسرعان ما استدعت الفكرة إلى ذهنه مبنى مريباً له بوابة حديدية قذرة كان يمر به كل يوم في طريقه إلى العمل، وما إن تمكنت منه وتجسد المكان، برزت شخصيته المثيرة للاشمئزاز “جاكسون لامب” وبقية طاقمه من الفاشلين والمستبعدين كانعكاس لما مرت به محاولاته في الكتابة بالفشل. هؤلاء الفاشلون المثيرون للإعجاب والسخرية أطلق عليهم اسم الخيول البطيئة. يقول في حوار معه “يمكنني أن أتعاطف بسعادة مع الأشخاص الذين لا لم يحققوا نجاحاً في مهنتهم”. صدر الجزء الأول من سلسلة سلاو هاوس عام 2010، ويحكي قصة اختطاف “أبناء ألبيون” لممثل كوميدي مسلم وتهديدهم عبر بث مباشر أنهم يعتزمون قطع رأسه في غضون 48 ساعة، لكن الحدث المركزي في الرواية، كان أبعد ما يكون عن الواقع، فلا خطر متوقعاً من القوميين البيض الذين أطلق عليهم “أبناء ألبيون”، وليت الأمر يقتصر على ذلك، يتذكر هيرون رد أحد الناشرين على حبكته قائلاً “ما هذا؟ هل هي رواية إثارة أم كوميديا؟ كما لم يبد أحد حماساً لنشر كتابه الثاني من السلسلة “الأسود الميتة/ Dead Lions”، حتى بعد أن نشرته دار سوهو الأميركية لم يحقق مبيعات، في هذا الصدد تقول جولييت جرامز، المسؤولة عن قسم الجرائم “لم نتمكن من جعل الناس يستمعون إلينا في شأن هذا الرجل”، وهو ما جعله يعتقد أن حلم التفرغ للكتابة أصبح عسير المنال. الأمنيات تتأخر لكنها تتحقق لم يكن كل ما سبق سوى الطريق الطويل الذي يسبق محطة الوصول. الرعد الذي يسبق المطر. ذات يوم التقط أحد محرري الناشر جون موراي نسخة من الكتاب من محطة ليفربول ستريت بمحض الصدفة، وجاءت الأحداث على أرض الواقع لتبدل المشهد لصالحه، على رأسها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتولي ترمب رئاسة أميركا. فجأة، لم يعد “أبناء ألبيون” محض خيال من أوهام الكاتب، وهو ما دفعه إلى القول “كثيراً ما اعتقدت أن القصة لها وقتها الخاص. يبدو أن مزاج الكتاب يتناسب مع مزاج بريطانيا ما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، ولكن سيكون من الإجرام أيضاً التغاضي عن الحملات التسويقية التي قام بها جون موراي”. بحلول عام 2017، تمكن هيرون من تقديم استقالته، وتحقيق حلم التفرغ الذي اعتقد منذ قليل في استحالته بيد أن عدم التصديق لازمه كثيراً، كتب يقول “لفترة طويلة لم أكن أثق حقاً في الأموال التي كانت تأتي إلينا. شعرت وكأن شخصاً ما قد يطلب إعادتها”. كان من الصعب بعد أن لعب الممثل غاري أولدمان دور البطولة في خيول هيرون البطيئة ألا تظهر المقارنة بين لو كاريه وبينه. نظراً إلى أن أولدمان هو نفسه من لعب دور جورج سمايلي، في الفيلم المأخوذ عن رواية لو كاريه “سمكري، خياط، جندي، جاسوس” 2011. ليس هذا فحسب، مثل لو كاريه، الذي تضمنت كتاباته كلمات عن “الخلد”، و”الشبح”، و”قواعد موسكو”، ابتكر هيرون لغة خاصة حول “المركز” و”الكلاب” و”فرق النمور” و”بائعي الحليب”. وكما شخصيات لو كاريه المعيبة التي لا تتشابه مع صفات جيمس بوند الخارقة، يلتقط هيرون شخصياته من وسط خرائب اليأس كاشفاً عن ذكائها النفسي والسياسي. مع ذلك يشتبه كاتبنا في أن لو كاريه قد يجد عمله مضحكاً وإن كان يدين له بكثير ويهدي أبطاله نسخاً من أعماله في رواياته. وبينما يشتبه الجميع في كون هيرون بدوره جاسوساً مثل سلفه، يقر الرجل الغامض قليل الكلام سريع التورد كمراهق “كنت سأؤدي دور جاسوس فظيع. لأني أفتقر إلى القدرات العملية. في هذه الأيام، معظم أعمال الجواسيس تدور في منظومة تكنولوجية، وهو ما لا أجيده. ليس لديَّ هاتف ذكي. وليس لديَّ واي فاي”. هكذا ينفي هيرون قدرته على أن يكون جاسوساً، على رغم روايته الحديثة التي تتناول تجربة كاتب يعمل بالجاسوسية، وبدلاً من ذلك، يعزو تفوقه في هذا العالم إلى شيئين: الأول عمله كمحرر وكيف مرنه على دقة استخدام اللغة على نحو مقتصد، أما الثاني والأهم فهو الشعر. لهذا يطعم أعماله العنيفة بمقتطفات من الشعر، فمع حقيقة تخليه عن كتابته، أو بالأحرى تخلي الشعر عنه، ظل من الجالسين على أعتابه، مثل غيره من الشعراء الذين هجرهم الشعر، شغوفاً بكل ما يحققه غيره، واستعصى عليه، لا سيما أشعار شيموس هيني وديريك ماهون، وروبرت لويل وجون بيريمان وإليزابيث بيشوب، وهو الآن متحمس جداً لقصائد هانا سوليفان وظفار كونيال. يظهر وعي هيرون أيضاً بالإيقاع أثناء الكتابة، سواء في تكوين الجملة أو في العناوين الفرعية المتناغمة “البجعات السوداء/ الحيتان البيضاء”، “الأصدقاء المزيفون/ الأعداء الحقيقيون”، “شيء يشبه الشمس/ لا شيء يشبه المطر”. أما عوالمه التي قد تبدو خيالية فهي في حقيقة الأمر ليست إلا مجرد تعبير مباشر عن زمننا المعاصر. يعزز هذا اعتمادها على قضايا حقيقية مثل قضية تسمم آل سكريبال التي وقعت عام 2018، حيث تعرض الضابط الروسي وعميل أجهزة الاستخبارات البريطانية المزدوج سيرغي سكريبال وابنته للتسمم في بريطانيا، بغاز للأعصاب تم تطويره في روسيا. كذلك قضية جيفري إبستين التي اتهم فيها بتهريب بشر لأغراض الجنس. يقول هيرون “في العامين الماضيين، بغض النظر عن المدى الذي وصلت إليه الرواية، هناك شيء أغبى وأسوأ يحدث في العالم الحقيقي”. ربما بهذا الإنجاز تخرج رواية التجسس عن جمهورها المعتاد، لأنها اليوم، كما يقول لو كاريه، تؤدي وظيفة ديمقراطية ضرورية في عالم تكون فيه سرية الأجهزة الرسمية شمولية. وهي أن تحمل المرآة، مهما كانت الصورة مشوشة، لهذا العالم السري وتظهر الوحش الذي يمكن أن نستحيل إليه”. المزيد عن: الجسوسيةأدب التجسسروايات بوليسيةروائيونأسراركاتب بريطانيالحبكةاللغز 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post بطل هاروكي موراكامي يعيش مأساة فقدان الصداقة next post أفلام منتظرة في 2024: من “جوكر 2” إلى “كثيب 2” You may also like محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024