حافظ فلاديمير بوتين متسلحاً بالسنوات التي قضاها ضابطاً في جهاز الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) وانعدام ثقته بالآخرين، على قبضة حديدية على الكرملين لمدة عقدين من الزمن (غيتي) بأقلامهم آن ماكيلفوي تكتب عن : بوتين و”زمرة بطرسبورغ”… كواليس الحياة السرية لزعيم روسي by admin 20 مارس، 2024 written by admin 20 مارس، 2024 139 كيف يبدو الرئيس الروسي خلف الأبواب المغلقة؟ نلقي نظرة متأنية في التقرير التالي على عقله ومزاجه، وكيف يعيش ويحب، ومن استطاع الوصول إلى حلقة الأشخاص المقربين منه… اندبندنت عربية / آن ماكيلفوي آن ماكيلفوي هي رئيسة التحرير التنفيذية لمجلة بوليتيكو وتقدم بودكاست “لعبة القوة” الأسبوعي. في نهاية الأسبوع الماضي، تذوق 100 مليون روسي و6 ملايين آخرين يعيشون في الأراضي الأوكرانية المحتلة طعم الديمقراطية على طريقة فلاديمير بوتين، وهي كما يقول المثل الروسي الساخر “انتخابات بلا خيار”. وكان الشعور السائد بحتمية النتيجة، مقترناً بسيطرة الكرملين شبه الكاملة على السلطة، سبباً في ضمان ضعف المعارضة بشدة حتى قبل بدء التصويت. وقد تجسد ذلك بشكل مأسوي في مصير أليكسي نافالني، المنشق صاحب الشخصية الكاريزمية الذي توفي في ظروف غامضة في معسكر اعتقال في القطب الشمالي الشهر الماضي. ويسلط الهجوم الأخير على ليونيد فولكوف، الحليف المقرب لنافالني، والذي تعرض للاعتداء بمطرقة في ليتوانيا الأسبوع الماضي، الضوء على اتساع نطاق تكتيكات الترهيب. فولكوف وصف الاعتداء بأنه “تحية من رجل عصابات في الكرملين”، الذي “أراد أن يصنع مني شريحة لحم”. ومع ذلك، فإن هذا الوضع الكئيب يدفعنا إلى التأمل في عقلية ومزاج الرجل الذي نهض من عالم السياسة المضطرب في سانت بطرسبورغ ليتولى الرئاسة في عام 2000. لقد راقبت من كثب مسيرة بوتين المهنية منذ سنوات تردي الأوضاع في ظل بوريس يلتسين، عندما استغل بوتين الفوضى السياسية والاقتصادية لبلوغ المنصب الأعلى فاكتسب لقب “المتطفل الذي لا يحظى بالترحيب”، على حد تعبير أحد حلفاء يلتسين الرافضين [لبوتين]. وبعد مرور ربع قرن من الزمن، تجد روسيا نفسها في قبضة بوتين، وهو يأتي الآن مع سلسلة جديدة من [حلقات] العدوان العلني. إن خلفية بوتين في الاستخبارات السوفياتية وشخصيته الميالة إلى الشك تعني أنه منجذب إلى مبدأ “القوة دوماً على حق”. كما أنه يشغل نفسه لساعات بقراءة أعمال المفكرين الروس الذين يروجون لأطروحة “أوراسيا“، التي تصور روسيا كـ”حضارة فريدة من نوعها ذات تأثير واسع يشمل أوراسيا وأوروبا والمحيط الهادئ”، على حد تعبير الرئيس. وهذه هي العظمة التي تدعم الآن رؤية بوتين لروسيا باعتبارها دولة استثنائية تتمتع باستحقاقات لا مثيل لها، إلا أن طموحاته الدولية تتناقض بشكل صارخ مع الدائرة المحدودة من المستشارين في الداخل. ومن بين حلفاء الرئيس الأكثر ثباتاً يأتي إيغور سيتشين، الذي يترأس شركة النفط الحكومية الضخمة روسنفت، ونيكولاي باتروشيف، وهو الرئيس السابق لوكالة التجسس التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي (FSB) والذي يشغل الآن منصب سكرتير مجلس الأمن الروسي، ويقال إن معاداة الأخير لأميركا تفوق حتى جنون الارتياب المتنامي لدى بوتين. بوتين يلتقي مع سيرغي شويغو وزير الدفاع وفاليري غيراسيموف رئيس هيئة الأركان العامة، في موسكو في 27 فبراير (شباط) 2022 بعد وقت قصير من غزو روسيا لأوكرانيا (سبوتنيك/ أ ف ب/ غيتي) شأنه شأن بوتين، ينحدر باتروشيف من خلفية الـ”كي جي بي” الغارقة في المعلومات المضللة، وهي سمة يتقاسمها أيضاً مع سيرغي ناريشكين، رئيس وكالة الاستخبارات الخارجية الروسية. غير أن الحرب في أوكرانيا أظهرت أنه حتى هذه العلاقات الوثيقة يمكن لها أن تتدهور بصورة مفاجئة. وغالباً ما يستمتع بوتين في إظهار نزعة علنية من الخسة، فيهين علناً كبار المسؤولين إذا تصرفوا على نحو فردي ولم يلتزموا الخط الرسمي أو إذا ثبت أن من الصعب عليهم تحقيق رغباته. على سبيل المثال، وبخ بوتين ناريشكين علناً خلال جلسة استماع في عام 2022. عندما بدا رئيس الاستخبارات متردداً في شأن تأييد الدمج الكامل للمناطق التي تسيطر عليها روسيا في دونيتسك وشرق أوكرانيا، قاطع بوتين حليفه المتلعثم بالقول: “تحدث بوضوح”. أضاف: “إذاً، هل تريد التفاوض معهم – أم ماذا؟”. كان هذا التبادل غير المريح يهدف إلى التأكيد أن ما من منصب أو سجل حافل يضمن الحصانة لأي أحد أمام بوتين. إن عالم بوتين هو في الغالب عالم رجل واحد. في جلسات الاستماع الروتينية لكبار المسؤولين ومكالمات الفيديو المتلفزة مع الزعماء الإقليميين، ترى دوائر من الرجال، تراوحت أعمارهم ما بين الـ60 ومنتصف الـ70، يتسابقون بعضهم مع بعض في مدح الزعيم البالغ من العمر ٧١ سنة. غالباً ما تستخدم النساء، مثل مارغريتا سيمونيان، لأغراض دعائية، حيث تعمل سيمونيان كمؤيدة بارزة للكرملين والتي صعدت إلى منصب رئيسة التحرير في هيئة الإذاعة الحكومية “روسيا اليوم”. وهي تلعب الآن دوراً رائداً في بث الدعاية الروسية على قنوات التلفزيون والفيديو الكبرى. وكما يقول تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، فهي “تقدم الأكاذيب على أنها حقيقة، وذلك مع ابتسامة”. جزء من الأساطير الشخصية لبوتين تصوره على أنه مخلص بصورة لا تصدق لعمله. وبعيداً من الصور التي تم إعدادها بعناية له وهو يمارس أنشطة مثل ركوب الخيل أو السباحة أو لعب هوكي الجليد، فهو لن يجد سوى قليل من الوقت لحياة اجتماعية أو صداقات حقيقية. صورة لبوتين مع حصانه خلال عطلة له خارج بلدة كيزيل في جنوب سيبيريا عام 2009 (أ ف ب/ غيتي) وغالباً ما بدأت تحالفاته الشخصية في السنوات التي قضاها كمساعد لرئيس بلدية سانت بطرسبورغ القوي والملوث بالفساد، أناتولي سوبتشاك، ويشار إلى هؤلاء الأفراد باسم “زمرة بطرسبورغ” ممن يحتفظون بمناصب مؤثرة… وكثيراً ما يرتبط “الأصدقاء” الدائمون الآخرون بالأمور المالية، مثل الأخوين المليارديرين بوريس وأركادي روتنبرغ. حياته الشخصية محاطة بتكتم بالغ. وتردد أن بوتين كان على علاقة مع لاعبة الجمباز الإيقاعي الأولمبية السابقة ألينا كاباييفا منذ عام 2008، على رغم أنه ظل مقترناً بزوجته الثانية لودميلا أوشيريتنايا حتى عام 2014. تلقى بوتين تدريباً على الكلام، وفقاً لمدرب في اللغويات واللهجات، وذلك للتخلص من عادة تركيب الجمل القصيرة اللفظية، التي أخفت توتره في سنواته الأولى في الحياة السياسية كاباييفا، التي كانت معروفة في السابق بصورتها العامة كرمز رياضي ساحر، أجابت من دون تصنع في عام 2008 على أسئلة حول علاقتها بالزعيم الروسي بتصريح بسيط عن كونه “رجلاً رائعاً، رجلاً عظيماً”. ومع ذلك، توقف أي انفتاح حول علاقتهما بعد ذلك: فقد دخلت كاباييفا جهاز السلطة التابع لبوتين، وخدمت في البرلمان الروسي كما أيدت تشريعات متشددة، بما في ذلك القوانين التي تعارض تبني الأطفال الروس من قبل الأجانب. وبعد ذلك تولت منصباً في مجلس إدارة المجموعة الوطنية للإعلام براتب قد يصل إلى ملايين الجنيهات، على رغم افتقارها أي خبرة إعلامية سابقة. ويتلقى المقربون من بوتين مكافآت سخية، فقد حصلت أخت كاباييفا على منصب قانوني رفيع في تتارستان (عائلتها نصفها من التتار). بوتين يقدم الزهور لمارغريتا سيمونيان رئيسة تحرير قناة RT الروسية الحكومية، في عام 2019 (أ ف ب/ غيتي) ولا يرى بوتين حاجة إلى دور رسمي لـ”السيدة الأولى”، مما يثير إحباط البعض. عندما أجريت مقابلة مع آلا فيربر، وهي شارية الأزياء الشهيرة والمعروفة باسم “العرابة الخيالية للأزياء” الروسية، قبل وفاتها في عام 2022، وسألتها كيف كان الكرملين يشتري الملابس (لدى كل من بوتين وكاباييفا ولع بالأشياء الفاخرة، من الساعات إلى الفراء)، بدا أنها كانت تشعر بالإحباط بسبب عدم وجود سيدة أولى لكي تنتقي لها الملابس التي ترتديها في الأماكن العامة. قالت بأسف وهي تشير نحو الميدان الأحمر “لم أر أحداً من هناك قط”. وأضافت “لكنهم يرسلون أشخاصاً لشراء أشياء. لكن ليس كما كان الحال مع رايسا غورباتشوفا [زوجة غورباتشوف]، فتلك كانت سيدة أولى”! ونظراً إلى [كونه يعاني] الذعر في شأن انتهاك خصوصيته، فقد أجبر بوتين وسائل الإعلام التي كانت تتحدث عن علاقته العاطفية وحجم عائلته على الإقفال. ويبدو أن لديه ستة أطفال، رزق بهم من ارتباطين طويلين وعلاقة غرامية واحدة، لكنه لم يؤكد ذلك على الإطلاق. وفي فورة غضب خاصة قال إنه “يحتقر دائماً أولئك الذين يحشرون أنوفهم بشكل متعجرف في الشؤون الخاصة للآخرين لكي يشبعوا تخيلاتهم الجنسية”. ولنلاحظ النبرة الخشنة والفظة للغة “الشارع” التي يلجأ إليها بوتين عندما يستشيط غضباً. لقد تلقى تدريباً على الكلام، وفقاً لمدرب في اللغويات واللهجات، من أجل الإقلاع عن عادة استعمال الجمل القصيرة التي كانت تخفي توتره خلال السنوات الأولى من خوضه غمار السياسة. وهو يتحدث الآن بلغة روسية مشذبة، موشاة بمسحة من لهجة بطرسبورغ. غير أن بوتين “الحقيقي” سرعان ما يلجأ إلى اللغة الفظة التي كان يستخدمها في شبابه والمستمدة من ماضيه [كضابط] في جهاز الاستخبارات السوفياتية، فيتحدث على سبيل المثال عن “التخلص من الأعداء بدفق من المياه في المرحاض”، وهو ما ينظر إليه كثر على أنه تعبير ملطف فج عن الاغتيالات. لم يشعر بوتين قط بالارتياح خارج روسيا، أو مع الروس الذين يقيمون لفترة أطول مما ينبغي في الغرب. وقد أخبرتني إحدى الروسيات اللاتي يتمتعن بالشهرة، والتي كانت تسافر جواً لفترة طويلة بين وطنها وأوروبا الغربية، أنه بالنسبة إلى بوتين، “عدم العيش بصورة كاملة في روسيا يعد سلفاً علامة تثير الشبهة”. لاعبة الجمباز ألينا كاباييفا عام 2001، والتي تردد أنها شريكة حياة بوتين في السر منذ عام 2008 (أ ف ب/ غيتي) حكاية أخرى تتعلق بقطب إعلام سابق مقيم في المملكة المتحدة، الذي روى محادثة مع بوتين. دار الحديث حول أحد معارفه القدامى من موسكو الذي كان يتزوج من امرأة إنجليزية. وكان رد فعل بوتين مفاجئاً إذ قال “لماذا يتعين عليه أن يفعل ذلك؟ عندما يكون لدينا الآلاف من النساء الجميلات في روسيا.” تعزز ميل تفكير بوتين نحو التشكيك منذ الإغلاق. كان جنون الارتياب لديه في شأن الإصابة بفيروس كوفيد شديداً إلى درجة أن الضيوف اضطروا إلى الجلوس إلى طاولة طويلة إلى حد سخيف، كما أجبرت الفرق التابعة له على الاستحمام بالمطهرات في الأنفاق تحت الكرملين قبل الاجتماعات. إن ثروته الشخصية وموارده كبيرة جداً، حتى إن عداءه مع نافالني كان قد تفاقم بسبب قيام فريق الأخير بتجميع مقاطع فيديو محرجة حول مجمع “قصر بوتين” الضخم القائم على ساحل البحر الأسود، والذي تكفل بدفع كلفته أوليغارشيون من رجال الأعمال الذين يعتمدون على تأييد بوتين. ومع ذلك، هناك القليل من الدلائل على أن بوتين يقضي بعض الوقت هناك. “قصر بوتين” على ساحل البحر الأسود كما صور في فيلم وثائقي لأليكسي نافالني (أليكسي نافالني/ يوتيوب) ويتكهن بعض الأوليغارشيين الذين كانوا مقربين سابقاً أنه، نظراً إلى وجود نظام أمني متقدم، ومنطقة حظر الطيران حول المجمع والمنفذ الخاص إلى البحر، فإن الغاية من القصر هي أن يكون مخبأ “الملاذ الأخير”، لاستعماله في حالة إقالة بوتين من السلطة، أو إذا احتاج إلى مغادرة البلاد. ولئن كان هذا يبدو احتمالاً بعيد المنال، فمن الجدير بنا أن نتذكر أن قلة قليلة من زعماء الكرملين تركوا مناصبهم بمحض إرادتهم. تذكرنا انتخابات نهاية الأسبوع بأن السلطات المهمة كلها في روسيا أصبحت الآن في يد رجل واحد، وهو كبير في السن وغير خاضع للمساءلة. لقد تم تعديل الدستور للسماح لزعيم الكرملين بالترشح لولاية خامسة، مع احتمال التمديد في عام 2030. ولكن النهاية ستأتي ذات يوم. وعندما أسأل أحد رجال الأعمال الأوليغارشيين الذي يتخذ من لندن مقراً له عما يعتقد أنه سيحدث بعد بوتين، يجيب ببساطة “بعد بوتين، مزيد من بوتين”. © The Independent المزيد عن: فلاديمير بوتينالاستخبارات الروسيةالكرملينالأوليغارشية الروسيةروسياسيرغي شويغوالغزو الروسي لأوكرانياالدعاية الروسيةبوريس يلتسينأوراسياروسيا اليومالانتخابات الروسيةأليكسي نافالني 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أشواك الخطاب الديني تجرح المجددين في مصر next post دنيس روس يكتب عن: إسرائيل بحاجة إلى استراتيجية جديدة You may also like غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: ماذا جرى في «المدينة... 15 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ترمب ومشروع تغيير... 15 نوفمبر، 2024 منير الربيع يكتب عن..لبنان: معركة الـ1701 أم حرب... 15 نوفمبر، 2024 حميد رضا عزيزي يكتب عن: هل يتماشى شرق... 15 نوفمبر، 2024 سايمون هندرسون يكتب عن.. زعماء الخليج: “مرحبًا بعودتك... 15 نوفمبر، 2024 الانتخابات الأمريكية 2024: وجهات نظر من الشرق الأوسط 15 نوفمبر، 2024 نادية شادلو تكتب عن: كيف يمكن لأميركا استعادة... 14 نوفمبر، 2024 جهاد الزين يكتب من بيروت عن: تأملات ثقافية... 12 نوفمبر، 2024