ثقافة و فنونعربي آلي سميث تغوص في تناقضات النفس الإنسانية المعاصرة by admin 21 أكتوبر، 2022 written by admin 21 أكتوبر، 2022 159 نساء يتشاركن قصصاً من الوحدة والفقد في “فندق العالم” اندبندنت عربية \ نشوة أحمد يستدعي اسم آلي سميث بصمة أدبية خاصة ومنهجاً متفرداً في الكتابة الإبداعية. فالكاتبة المولودة في إنفرس (اسكتلندا) عام 1961 استطاعت، مراراً، عبر منتجها الأدبي أن تطرح رؤية مغايرة للنفس والعالم وأن تجمع أشياء بلا رابط فتجعلها وثيقة الصلة وأن تعيد بناء عالم من الشذرات والشظايا وأن تتوغل في أعماق بعيدة من النفس فتفكك تعقيداتها وتناقضاتها ونواقصها. ربما كان كل ذلك سبباً في شهرة أعمالها ومنها “المصادفة” و”كيف تكون كليهما” و”رباعية الفصول”. “فندق العالم” وهي واحدة من رواياتها التي وصلت الى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية وترجمتها أخيراً إلى العربية أميمة صبحي (دار العين).يحيل عنوان الرواية إلى دلالات تشي بتباعد الشخوص المحورية في النص التي تشبه في اختلافها وتنوعها تنوع البشر في العالم الحقيقي، بينما جمعتها سميث في عالم أصغر أسمته “فندق العالم”. فمنحت بذلك للمكان دور البطولة في بنائها الروائي الذي يماثل الفندق في تعدد طوابقه. ويحمل من العالم عذاباته وتناقضاته وطبقيته وعبثيته ولا جدواه. هكذا لعب المكان دوراً محورياً في السرد، إلى جانب خمس شخصيات نسائية. الواقعية والفانتازيا شرعت الكاتبة في رحلتها السردية بسقوط فتاة شابة لم يتجاوز عمرها 19 سنة “سارة ويلبي” من مصعد الطعام في الفندق الذي تعمل فيه خادمة لتنتهي ميتة. واستمر حضور الشخصية، على رغم موتها، داخل النص ولكن في هيئة شبحية، فكانت رافداً للفانتازيا وحيلة مررت عبرها سميث رؤاها حول الموت ومآل الروح ومصيرها بعد فناء الجسد. وعززت أثر ما طعمت به النص من فانتازيا وحققت له مزيداً من الصدقية والانسجام مع واقعية النسيج بمنحها الشبح صوت السرد الذي تحول مع انتهاء دور الشخصية من ذاتي إلى مركزي. والتقفه راو عليم، يرى بقية الشخوص من الخارج. وحققت لهذا المزيج من الواقع والخيال مزيداً من الصدقية والإيهام بواقعية بل آنية الحدوث عبر مساحات الحوار بين الروح وجسدها المسجى في القبر، وعبر المساحة الحوارية نفسها، دفعت “سميث” بجرعة تشويقية غلفتها بغلالة من الضبابية والغموض، فظلت تثير الأسئلة حول ملابسات السقوط وفرضية أن يكون حادثاً وشبهة أن يكون انتحاراً، “أنا بحاجة إلى معرفة شيء ما، هل تستطيعين تذكر السقوط،؟ هل تستطيعين تذكر كم استغرق من الوقت؟ هل تستطيعين تذكر ما حدث قبله رجاء؟” ص 22. العالم في الألفية الثالثة رصدت الكاتبة غرق العالم في الألفية الثالثة في ثقافة استهلاكية وحياة غير صحية وزحام خانق وتطور منقبض، تصاحبه الحروب والنزاعات والتعذيب والموت والتعاسة وبيئة تئن جراء التلوث، ومررت عبر هذا الرصد حنيناً ضمنياً لعالم بكر، لم يعرف كل هذا العطب، واستدعت رصيداً من الفنون تنوعت بين الأدب والدراما والسينما والإعلام والإعلان وثقت عبره تلك التحولات، “كم أصبح هذا العالم صغيراً. كم هو ضخم هذا العالم. رأيت باريس على شاشة التلفزيون. رؤية مدينة مليئة بالناس يمشون، الدخان يتصاعد، السيارات تعصف، الأيام تمر، كان مرعباً” ص 106. الرواية البريطانية (أمازون) ومثلما رصدت الكاتبة هذا المناخ القاتم، رصدت كذلك انعكاساته على البشر من خلال شخوص الرواية التي تشاركت جميعها سمات العزلة والكآبة والاستسلام للعيش كضرورة تماثل ضرورة الرحيل. وربما كانت تلك السمات تفسيراً منطقياً ساقته الكاتبة لتبرر تناقضات الشخوص التي تراوحت بين القسوة والشفقة والمساعدة والتخلي والاكتراث واللامبالاة. فـ”سارة” هي الفتاة التي حققت الصدارة في سباقات السباحة، مما يشي بما كانت تتحلى به من أمل وحب للحياة، لكنها هي نفسها التي خاطرت بحياتها وخسرتها من أجل رهان على خمسة جنيهات. و”ليز”، الموظفة اللطيفة التي تعاطفت مع امرأة مشردة يضربها البرد والسعال على الرصيف خارج الفندق، فمنحتها غرفة لليلة واحدة، هي نفسها من تتنصل من مسؤوليتها عما أحدثته المشردة من أضرار بالغرفة وتتسبب في إقالة إحدى الخادمات التي تحملت اللوم بلا جريرة ولا ذنب. أما “بيني” الصحافية نزيلة الفندق، فتعاطفت أيضاً مع “إلس” المشردة ومنحتها شيكاً بمبلغ مالي كبير، لكنها عادت وتواصلت مع البنك من أجل إلغائه بدافع أن المال خطر على الفقراء لأنهم لا يعرفون كيف ينفقونه. وعبر هذه التناقضات أبرزت الكاتبة ما تحتويه النفس البشرية من تعقيد وتركيب، مستعينة بتيار الوعي والمونولوغ الداخلي الذي حضر بكثافة على طول خط السرد. كما أبرزت حالاً من التفاوت الطبقي في “بريطانيا بلير” وشعوراً بالحقد لدى الطبقة الأدنى تجلى في سلوكيات كثيرة مثل بصق الخادمات في طعام نزلاء الفندق الأثرياء. ثنائية الوحدة والألم سلكت سميث في كثير من أعمالها أسلوب الحكايات المتداخلة. وفي هذا النص الذي يعتبر العمل الثاني لها اعتمدت بناء يبدأ من نهايته، ثم يتداخل فيه الزمن ويمتزج الاسترجاع مع التدفق الأفقي إلى الأمام. وربطت بين شخوصها بخيوط الوحدة والألم، فباتت كل شخصية تؤدي إلى الأخرى، وبات كلا الشعورين قاسماً مشتركاً لدى خمس نساء. وخلقت هذه الثنائية المتوازية “الوحدة والألم” التي يؤدي أحد قطبيها إلى الآخر حالاً من الحزن الشفيف خيمت على المناخ العام للسرد، تزامن معها انحياز ضمني إلى المرأة، تجلى عبر قرار الكاتبة أن تكون كل بطلاتها من النساء، بينما لا يحظى الرجل إلا بحضور باهت، لم يظهر عبره إلا قاسياً، أو لا مبالياً، أو متجرداً من الشعور، بل كان سبباً مباشراً وأصيلاً في معاناة أولئك النسوة. فكان “وايتلو” الأربعيني يمارس الجنس مع “إلس” حين لم يكن عمرها قد تجاوز 14 سنة ويستغلها في غفلة من والديها. وكان الأب غير المبالي بموت ابنته “سارة ويلبي”، الأسرع في تجاوز فقدها، بل حارب رغبة أختها “كلير” في الاحتفاظ بما تبقى منها. أما بالنسبة إلى الصحافية “بيني” فقد قام أبوها بخيانة أمها، فانتقمت منه بلجوئها إلى السرقة والسماح لصديقه الذي أساء إليها بدوره باستغلالها جسدياً. ولدت هذه الإحباطات على المستوى الفردي والأسري، إلى جانب الإحباطات الناجمة عن التحولات الاجتماعية في بريطانيا شعوراً لدى الشخوص بالضياع والفقد. ذلك الشعورالذي تحول إلى ثيمة رئيسة للنص وتنوعت صوره بين فقد خارج حدود الذات مثل فقد “كلير” أختها التي غيبها الموت وفقد “إلس” المشردة للمأوى ودفء البيت. أما الصورة الثانية، فالتقطت عبرها الكاتبة ما يحدث داخل حدود الذات حين تفقد النفس سلامها الداخلي، فتجني ألواناً شتى من المعاناة وهو ما جسدته عبر “ليز” التي تعاني اغتراباً عن واقعها ومرضاً لم تعرف ماهيته. بينما تفقد “بيني” القدرة على التعاطف مع الآخر فلا تتحمل بكاء الخادمة ولا تحاول مواساتها. وتعدل سريعاً عن قرارها بمساعدة المشردة. وعزت الكاتبة هذه الصورة من الفقد أو الضياع الذي يحدث في عوالم الشخوص الداخلية إلى ميراث الطفولة والانتماء لعوائل فككها غياب الحب وإن بدت غير ذلك. اللغة والأيديولوجيا خصوصية اللغة عند سميث وقدرتها على تطويعها وإنتاج مفارقات دلالية كانت دافعاً للمترجمة لمحاولة نقل هذه الخصوصية وتلك المفارقات إلى النص في نسخته العربية وإن كان بغير لغته الأم. وفضلاً عن ازدواجية الدلالات وما حوته لغة سميث من إحالات مبطنة ودلالات ضمنية اتسمت أيضاً بالمشهدية الفائقة، لا سيما في رسم جولات شبح الفتاة في الفضاء على الأرض وتحتها. “لمرة أخيرة، انزلقت داخل جسدنا القديم، رفعت كتفيها ودفعت نفسي داخل ساقيها وذراعيها وداخل أضلاعها القوية، لكن الجسد لم يكن مناسباً، لقد كانت محطّمة وعفنة، لذا استلقت نصفاً في الداخل ونصفاً في الخارج” ص 21. كذلك مررت الكاتبة عبر ما ساقته من أحداث نقداً وكراهية للرأسمالية وحملتها مسؤولية كل ما حل بالعالم من فقر وقبح. وفي المقابل مررت رؤى أيديولوجية تعلي من شأن الاشتراكية، أحياناً بشكل ضمني، لا سيما حين جعلت المشردة نزيلة في فندق جنباً إلى جنب مع الأثرياء. وهذه الصورة تقابل صورة عكسية رسمتها الكاتبة عن الرأسمالية التي تدفع فتيات صغيرات إلى العمل كخادمات في الفندق. وحمل النص في مجمله تناظراً بين العالم والفندق ففي كليهما يعيش أناس في المركز وآخرون يموتون على الهامش. المزيد عن: رواية بريطانية\رواية نسائية\الناقضات الإنساني\ةسرد\شخصيات\المجتمع 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فرق المغرب الشعبية ترقص على وتر المعاناة next post في “الجندي الصغير” لغودار… الفاشيون والثوار متساوون في التعذيب You may also like نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024