السينمائي الألماني فرنر هرتزوغ خلال تصوير أحد الأفلام (موقع السينما الألمانية) ثقافة و فنون آخر كبار ثوريي ستينيات السينما الألمانية يفضل اعتباره كاتبا by admin 9 ديسمبر، 2024 written by admin 9 ديسمبر، 2024 23 فرنر هرتزوغ ينشر مذكراته في حين تحتفل باريس بنصف قرن على بداياته السينمائية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لسنا ندري ما إذا كان السينمائي الألماني فرنر هرتزوغ على علم بأن ناقداً عربياً هو البحريني أمين صالح قد أصدر عنه قبل أعوام عديدة كتاباً يروي فيه سيرة حياته محللاً أفلامه، ويمكن للعارفين بسينما هذا الألماني المخضرم اليوم (82 سنة)، أن يعتبروه من الكتب الجيدة التي صدرت عن سينمائي يكاد يكون مجهولاً في بلد يصدر كتاباً عنه. بل لا شك في أن هرتزوغ لم يتوقف يوماً طوال مسيرته السينمائية التي تضم 60 فيلماً ليتساءل عما إذا كان ثمة أصلاً هواة للسينما في البلدان العربية يعرفونه ويعرفون أفلامه، لكن الذي ندريه بالتأكيد اليوم هو أن هذا الفنان وبفضل ستة كتب أصدرها حتى اليوم طوال المسيرة ذاتها، يفضل أن ينظر إليه ككاتب أكثر مما ينظر إليه كسينمائي. وهو في هذا الصدد لم يتردد عن إخبار الفرنسيين الذين يزور عاصمتهم لمناسبة عروض استرجاعية لأفلامه في صالة مركز بومبيدو الثقافي العريق وسط باريس، بأنه فيما يعتقد الأجانب أنه سينمائي يحدث له أن يكتب بين الحين والآخر فإن مواطنيه يعرفون حقاً أنه كاتب يتوقف عن الكتابة بين الحين والآخر ليصنع أفلاماً. من ثم بأكثر مما يتحدث عن أفلام هذا السينمائي القديمة والجديدة والمستعادة والتي تناقش بوفرة في باريس طوال ما لا يقل عن ثلاثة أسابيع، يفضل أن يتحدث عن كتابه الجديد الصادر مترجماً إلى الفرنسية بعنوان يبدو في نهاية الأمر مستقى من سينماه نفسها “كل واحد لنفسه والله ضد الجميع” مع أن الكتاب الواقع في 400 صفحة يضم مذكرات لا أكثر. خاتمة من دون تنقيط والحقيقة أنه لئن تساءل المرء عما هو جديد هنا فالجواب بسيط: جديده جديد حقاً ولو في واقع أنه يكاد يكون كتاب المذكرات الوحيد في تاريخ الأدب الذي يختمه الكاتب بإرادته وليس لأنه مات وهو يكتبه أو أجبر بقوة قاهرة أخرى على ذلك. يختمه صاحبه في منتصف جملة كان يمكن أن يدونها وينتهي الأمر، غير أنه لم يفعل. لماذا؟ لأنه وبحسب ما أخبر صحافياً فرنسياً كان يطرح عليه السؤال، فيما كان يكتب جملته نظر من النافذة ليرى حمالاً مكتهلاً يعبر الطريق اختفى فجأة عن ناظريه من دون أن يدري هو كيف اختفى. أوقف الكتابة فوراً وأرسل النص كما هو للنشر وقد تذكر أن ثمة في الحياة على ذلك النحو أموراً تتوقف من دون إنذار أو تفسير. وإذ قال هرتزوغ هذا وكأنه أمر في منتهى العادية ترك لسائله أن يتذكر أن ثمة نصوصاً أدبية كثيرة تتميز بالقطع نفسه. لكنه سرعان ما تنبه إلى أن هذا يحدث في أعمال الروسي نيقولاي غوغول أو لدى كافكا أو توماس بنشون أو من هم على مستواهم من أصحاب الخيال الغريب، لكن ليس في مذكرات! ومهما يكن من أمر هنا، فلا بد أن نلاحظ أن ذلك القطع لم يكن الأمر الوحيد الغريب في تلك المذكرات. فمثلاً إذا كان كثر قد لاحظوا أن السطور الأولى من الفصل الذي يكرسه الكتاب لوالدة السينمائي تعد بصفحات شديدة الكثافة والقوة تهيمن على مناخ الكتاب كله، سرعان ما يكتشفون أن الكاتب ينتهي به الأمر لأن يوقف هذا الفصل بعد ما لا يزيد على نصف صفحة. لماذا؟ لأن الأمر كما يقول بات شاقاً عليه “فأمي لعبت في حياتي دوراً كبيراً تعجز الكلمات عن وصفه” فإذا كانت الحال كذلك مم يتألف الكتاب إذاً؟ ببساطة مرة أخرى، من صفحات مكثفة كرسها الكاتب للحديث عن أفلامه كسينمائي، عن عداواته (الكثيرة) وصداقاته (القليلة)، بل أحياناً عن ذلك المزج لديه في حالات كثيرة بين الصداقات والعداوات (في هذا السياق نال الحديث عن الممثل كلاوس كينسكي الذي أبدع بعض أهم أدوار حياته في ثلاثة من أقوى أفلام هرتزوغ: “أغيري غضب الرب”، و”نوسفراتو” و”فيتزكارالدو” وخرجا من تجربة العمل معاً مبهورين وغاضبين كلاً على طريقته. ونلاحظ كيف أن هرتزوغ يصف عدوه اللدود هذا بصاحب الجنون الخلاق، وهو نفس الوصف الذي كان كلاوس كينسكي أسبغه على مخرجه “المفضل” بحسب وصفه فكان تعليق ناستاسيا ابنة كلاوس ونجمة هرتزوغ المفضلة أن الاثنين على حق! مناسبة مميزة لاستعادة تاريخ في نهاية الأمر، هذا كله وأمور كثيرة غيره تعيشه باريس السينمائية هذه الأيام بزخم لا ينسى خلال هذه العروض لكنها ستعيشه تحديداً من خلال تعرفها من كثب على مبدع لم يكن قريباً منها قرب عدد من كبار مواطنيه من سينمائيين شاركوه ثورته السينمائية من فيم فندرز إلى فاسبندر وهيلما سندرز وغيرهم من مبدعين يبدو أن الأقدار قد اختارت هذا الأخير الباقي منهم كي يؤرخ لنفسه من خلال التأريخ لهم في وقت يزعم فيه أنه لئن كان أحبهم ورافقهم حقاً فإنه دائماً ما فضل الكتابة على مهنتهم ومهنته. فهل كان هذا صحيحاً؟ الحقيقة أن استعراضا هنا، لمناسبة تاريخ هرتزوغ كما لم يكتبه هو، كفيل بأن يعطينا الخبر اليقين. في البدء كان الألماني فرنر هرتزوغ واحداً من أبرز مخرجي الموجة الأكثر جدة في السينما الألمانية منذ سنوات الـ70 إلى جانب فيم فندرز وسيبربرغ وفاسبندر وآخرين، لكنه سرعان ما خرج عن تلك الحلقة ليبرز سينمائياً شديد التنوع والخصوبة. ومن هنا باتت الفيلموغرافيا الخاصة به تضم بين 1968 واليوم نحو 25 فيلماً روائياً طويلاً وأكثر من نصف دزينة من الأفلام الروائية القصيرة، وما لا يقل عن 10 أفلام وثائقية طويلة وضعفها من الأفلام التلفزيونية القصيرة والطويلة، ناهيك بأفلام كتب السيناريوهات لها ولم يخرجها، وأخرى مثل فيها تحت إدارة آخرين، وناهيك أيضاً بأوبرات أخرجها، لا سيما أعمال لفاغنر ومسرحيات وكتب ألفها. الألماني فرنر هرتزوغ وكلاوس كينيسكي (موقع السينما الألمانية) إنه، بالتأكيد، متن يمثل حياة بأكملها… لكنه، هو، لم يكتمل. فهرتزوغ لا يتوقف عن العمل. ولئن كان عالم السينما ومحبيها تحدث بوفرة عن أفلامه ومشاريعه الأخيرة مثل “كهف الأحلام المنسية”، و”يا بني… يا بني… ماذا فعلت؟”، بدأ مع كتابة “هذا شعب سعيد: عام في التايغا”… وطبعاً إلى جانب مفاجآته الكبرى التي كانت قبل سنوات عبارة عن فيلمه الذي أراد فيه مقارعة “لورانس العرب” مع أنه بدا خارجاً تماماً عن سياقه السينمائي المعتاد “غرترود بيل… ملكة الصحراء”. ومع هذا كله، وعلى رغم النجاح الذي يحققه هرتزوغ على نطاق واسع في السنوات الأخيرة في أعمال مثل “الرجل المغبر” و”صديقي اللدود”، وإعادته إنتاج فيلم آبيل فيرارا “الملازم الفاسد”، وصولاً إلى “كهف الأحلام المنسية”، تظل شعبيته الكبرى مرتبطة بأفلامه القديمة: تلك التي إن كان يمكن تحديد موضوع لها، فإن الموضوع سيكون الجنون. والإنسان في أعلى درجات هامشيته وعظمته. ففي أفلام مثل “فيتز كارالدو”، عن قائد يريد أن ينقل سفينة بكاملها عبر مناطق جبلية في أميركا اللاتينية، و”آغويري” عن قائد آخر لا يقل عنه جنوناً يغزو تلك القارة. وفي أعمال مثل حتى “الأقزام بدأوا صغاراً” أو “لغز كاسبار هاوزر”، لا سيما “فويتسيك” المأخوذ عن مسرحية جورج بوخنر الشهيرة… وهذه كلها أفلام أرخ فيها هرتزوغ لأنماط بشرية استثنائية. في كل هذه الأفلام، عرف هرتزوغ كيف يستخدم الكاميرا –من دون سيناريو متكامل جاهز سلفاً– لسبر أغوار الإرادة الإنسانية، وللتعامل مع ما هو استثنائي، كأنه العادي، صارفاً النظر عن العادي الحقيقي. وهو لتحقيق هذا، حلق من حوله، ومنذ البداية تقريباً، مجموعة من فنانين وتقنيين رافقوه في معظم الأعمال. أما نموذجهم الصارخ فكان الممثل كلاوس كينسكي، الذي مثل في نحو خمسة من أفلامه الأساس مثل “فيتز كارالدو” و”آغويري”… فكان إلى حد ما، أناه الآخر… بحيث صار أي ذكر لهرتزوغ يعني استرجاع صورة ما لكينسكي. والحقيقة أن العلاقة بين الاثنين وكل منهما كان مجنوناً على طريقته، كانت علاقة تناحرية-تكاملية، مما عبر عنه هرتزوغ، في واحد من أجمل وأقوى أفلامه: “صديقي اللدود أو المفضل إذا شئتم!”، الذي حققه عام 1999، وعرض عامها في مهرجان كان. في هذا الفيلم استعرض هرتزوغ، من خلال ما يشبه السيرة المزدوجة، عمله وعمل صاحبه كينسكي، وصور في 95 دقيقة أخاذة، ذلك الصراع والتكامل بينهما. المزيد عن: ألمانيافرنر هرتزوغكافكاالسينما الألمانيةالسينما الفرنسيةتاريخ الأدبكلاوس كينسكي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الشوكولاتة الداكنة لتقليل خطر السكري من النوع الثاني next post إسرائيل: سندمر الأسلحة الاستراتيجية الثقيلة في سوريا You may also like “الممتثل”… بين فضح الفاشية وتحليل النفس البشرية 12 ديسمبر، 2024 الشاعر السوري أدونيس يدعو لتغيير “المجتمع” وليس النظام... 12 ديسمبر، 2024 “ستموت في القاهرة” رواية عن شاه إيران وصراعاته 11 ديسمبر، 2024 بول شاوول يكتب عن: التجديد المسرحي العربي في... 11 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: طبق نحاسي من موقع... 11 ديسمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: قصة «أيمن» الحقيقي بطل... 11 ديسمبر، 2024 دي ميرابو… مع الثورة ولكن أليست الملكية أعدل؟ 10 ديسمبر، 2024 كيف تثبت الروايات القصيرة مكانتها في الأدب الإنجليزي؟ 10 ديسمبر، 2024 ندى حطيط تكتب عن: نحو تاريخ ثقافي لـ«أوراق... 10 ديسمبر، 2024 الرغبة الإنسانية في عدم المعرفة بين جهل ومراوغة 9 ديسمبر، 2024