الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » حرب إيران في الداخل

حرب إيران في الداخل

by admin

إبراهيم رئيسي وانتصار المتشددين

اندبندنت عربية \ محمد آية الله طبار 

  • *محمد آية الله طبار هو أستاذ مشارك للشؤون الدولية في كلية بوش للإدارة الحكومية والخدمات العامة بجامعة تكساس “أي أند أم”، وزميل في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس. وهو مؤلف كتاب “فن الحكم الديني: سياسة الإسلام في إيران”.

تعد جمهورية إيران الإسلامية دولة منقسمة على نفسها. فمنذ نشأتها في عام 1979، سادها التوتر بين الرئيس، الذي يرأس حكومتها المنتخبة، والمرشد الأعلى، الذي يقود مؤسسات الدولة الموازية التي تجسد المُثل الإسلامية الثورية لإيران الحديثة. ولقد شغل المرشد الأعلى الحالي، علي خامنئي، منصب الرئيس من عام 1981 إلى عام 1989. وخلال فترة رئاسته، اشتبك مع المرشد الأعلى في ذلك الوقت روح الله الخميني، وهو رجل الدين الكاريزمي الذي قاد الثورة الإيرانية، حول مسائل السياسة والموظفين والأيديولوجيا. وبعد وفاة الخميني في عام 1989، عُين خامنئي مرشداً أعلى، واستمر في الصراع مع سلسلة طويلة من الرؤساء الأكثر اعتدالاً منه.

لم يكن الرؤساء الإيرانيون الجدد متطرفين بمعايير المؤسسة السياسية في البلاد، لكن على الرغم من اختلاف وجهات نظرهم العالمية وقواعدهم الاجتماعية، فإنهم اتبعوا جميعاً سياسات داخلية وخارجية وصفتها الدولة الموازية بأنها علمانية وليبرالية ومضادة للثورة وتخريبية. وفي كل حالة، تحرك خامنئي وفيلق الحرس الثوري الإسلامي، الذي يخضع مباشرة للمرشد الأعلى، بقوة ووحشية في بعض الأحيان لاحتواء الحكومة المنتخبة والسيطرة عليها. أدت تلك المعارك إلى استنزاف الإدارة الحكومية وشلّها.

وبانتخاب الرئيس الإيراني الجديد، ربما يكون هذا الصراع قد حسم أخيراً لصالح الدولة الموازية، إذ يعتبر إبراهيم رئيسي، الذي تولى الرئاسة في انتخابات هُندِست بدقة في يونيو (حزيران)، موظفاً مخلصاً للنظام الديني الإيراني. ولعقود من الزمان، شغل رئيسي بشكل غير بارز منصبي المدعي العام وقاضٍ، بما في ذلك عندما كان رئيساً للسلطة القضائية الإيرانية لمدة عامين. خلال مسيرته المهنية، اشتهر رئيسي بدوره المزعوم في الإعدام بإجراءات موجزة لآلاف السجناء السياسيين وأعضاء الجماعات المسلحة اليسارية في أواخر الثمانينيات. ومن الواضح أن حرصه على القضاء على أي تهديد محتمل للدولة الموازية أكسبه ودَّ خامنئي، ولا شك في أن إحدى أولوياته كرئيس ستكون إحكام سيطرة المرشد الأعلى على الهيئات الإدارية للحكومة المنتخبة.

كما سيتطلب السياق الذي تولى فيه رئيسي الرئاسة قطيعة مع الماضي، إذ عانت إيران من الفقر بسبب خناق العقوبات الأميركية وجائحة “كوفيد-19”. علاوة على ذلك، فإن التطلعات الديمقراطية للطبقة الوسطى المنكوبة آخذة في التآكل بينما يرتفع الشعور الجماعي بالعزلة ووضع الضحية. في حين، لا تزال المنطقة المحيطة مصدر تهديد لإيران، ما يقوي أولئك الذين يقدمون أنفسهم كحماة الأمن القومي. في ظل كل هذه الاضطرابات، ستحتاج إيران قريباً إلى زعيم جديد – في مرحلة انتقالية من المقرر أن يلعب فيها الرئيس الجديد دوراً حاسماً، ومن المحتمل أن يصعد فيها إلى أعلى هرم الحكم في الجمهورية الإسلامية.

تعد هذه التغييرات بحقبة جديدة في تاريخ الجمهورية الإسلامية، إذ يمكن للاضطراب الناجم عن انقسام النظام أن يفسح المجال أمام إيران لتكون أكثر تماسكاً وأكثر حزماً في محاولة تشكيل المنطقة على طريقتها الخاصة. ومع تلاشي العديد من القادة والحركات التي هيمنت على السياسة الإيرانية على مدى العقود الثلاثة الماضية، أصبح لدى فصيل من القادة اليمينيين الفرصة لإعادة صياغة المشهد السياسي والمجتمعي في إيران بطرق من شأنها تمكين الحرس الثوري من بسط سيطرته على اقتصاد البلاد، ما سيؤدي إلى تقييد الحريات السياسية بشكل أكبر، مع إبداء تسامح محدود في القضايا الدينية والاجتماعية. وسيدافع هذا الفصيل الجديد عن القومية الإيرانية لتوسيع قاعدته الشعبية على الصعيد المحلي، مع الاعتماد على الأيديولوجيات الشيعية والمعادية للولايات المتحدة لاستعراض القوة إقليمياً.

يمكن لهذه التغييرات أيضاً أن تعيد تشكيل علاقة إيران بالعالم، بخاصة مع الولايات المتحدة. ولن تتردد الحكومة الجديدة -مدعومةً من الحرس الثوري الواثق من نفسه وغير خائفة من أعمال تخريبية محلياً- في مواجهة التهديدات الوجودية المتصورة من الولايات المتحدة. وعلى الرغم من احتمال تقديم تنازلات في الملف النووي للتخفيف من الأزمات الاقتصادية والبيئية المتصاعدة في الداخل، فإن فريق السياسة الخارجية القادم سيتجاهل تطلعات الرؤساء السابقين في التقارب مع الغرب، ويسعى بدلاً من ذلك إلى إقامة تحالفات استراتيجية مع الصين وروسيا. وسيكون تركيزها الأساسي على الشرق الأوسط، إذ ستسعى إلى إبرام اتفاقات أمنية وتجارية ثنائية مع جيرانها ومضاعفة جهودها في تقوية “محور المقاومة،” الذي يمثل شبكة متشعبة من الوكلاء في العراق ولبنان وسوريا واليمن وبقية المنطقة.

في هذا الصدد، ستكون العلاقات الأميركية الإيرانية عبارة عن صفقات مرتبطة بمخاوف أمنية ملحة، ولن يجد الوعد المغري بتحقيق تقارب أوسع أرضية خصبة في طهران بعد الآن، لأن نافذة الفرصة “لعقد صفقة كبرى” بين البلدين ستكون ربما قد أُغلقت.

من رحم الصراع

وُلد النظام السياسي الذي أتى به الخميني في عام 1979 من رحم الصراع. وبينما كان إسقاط الشاه، وهو الديكتاتور الذي حكم إيران منذ عام 1941، حدثاً سلمياً إلى حد ما، كان الصراع بين الإسلاميين وخصومهم دموياً ومطوّلاً. ولقد حارب أنصار الخميني رجال الدين التقليديين والقوميين والماركسيين من أجل السلطة، فيما عزز استيلاء الطلاب الموالين للخميني على السفارة الأميركية في 1979 قبضة الإسلاميين على السلطة، وكذلك فعلت الحرب التي خاضتها إيران ضد جارتها العراق من 1980 إلى 1988، والتي ساعدت في توسيع قوتها شبه العسكرية المتمثلة في الحرس الثوري كقوة موازنة الجيش الإيراني الذي دربته الولايات المتحدة.

أنشأت القوى الإسلامية الغالبة مؤسسات موازية أطلقوا عليها بشكل جماعي اسم “نظام”، الذي صُمم لتحييد أي تهديدات من الدولة العلمانية. لكن سرعان ما وجدت إيران نفسها ممزقة بالخلافات بين المرشد الأعلى والرئيس، وبين قادة الحرس الثوري والجيش، وبين الفقهاء الدينيين في مجلس صيانة الدستور (الهيئة التي تتمتع بحق النقض على التشريع) وأعضاء البرلمان. ولقد تعمقت الانقسامات بعد وفاة الخميني، عندما تولى الجناح المحافظ للإسلاميين السلطة وأطاحوا إخوانهم اليساريين. لكن الطائفة الحاكمة انقسمت مبكراً بين الدولة الموازية والحكومة برئاسة المرشد الأعلى الجديد والرئيس على الوالي.

يعتبر المرشد الأعلى بموجب الدستور صاحب القرار النهائي في إيران، لكن بإمكان الرئيس والهيئات الحكومية أحياناً استغلال المشاعر الشعبية للتغلب عليه. وتسلط الانتخابات الضوء على قضايا مثيرة للفُرقة مثل الحقوق المدنية وقواعد اللباس الإلزامية والفساد والعلاقات مع الولايات المتحدة، ما يحفز الحركات الاجتماعية والاحتجاجات التي لا تستطيع الدولة الموازية تجاهلها. ولقد أدت الانتخابات الرئاسية لعام 1997 إلى ولادة حركة إصلاحية هائلة أحدثت تطلعاتها “الديمقراطية الدينية” تغييراً حتى مصطلحات المرشد الأعلى.

لكن بالنسبة إلى رؤساء إيران الجدد، عادةً ما تنتهي محاولات استغلال المشاعر الشعبية للضغط من أجل الإصلاح بالإحباط والفشل. وفي هذا الصدد، سبق أن تعّهد جميع الرجال الذين عملوا رؤساء لإيران خلال العقود الثلاثة الماضية – أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد وحسن روحاني – بشق طريق مستقل وفتح البلاد على العالم. لكنهم فشلوا حتماً بمجرد توليهم المنصب، بسبب معارضة المرشد الأعلى النشطة. ولقد بدأ كل هؤلاء الرجال أيضاً حياتهم المهنية موالين متحمسين للدولة الموازية، وساعدوا بالفعل في بناء أسس الجمهورية الإسلامية.

كان رفسنجاني أول رئيس يحاول إضعاف الدولة الموازية، وهو الذي كان أحد مؤسسي المؤسسة الدينية، فضلاً عن كونه داعمًا فعالاً لتعيين خامنئي مرشداً أعلى. وخلال فترة رئاسته من 1989 إلى 1997، حاول رفسنجاني إخراج البلاد من مرحلتها الثورية وإعادة بناء اقتصادها المتصدع عن طريق تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا. لكن سرعان ما انخرط في صراع على السلطة مع خامنئي عندما سعى لإدماج الحرس الثوري الإيراني في الجيش أو في الأقل تحجيمه إلى فرقة نخبوية صغيرة. كان هدفه تركيز صناعة القرار داخل الحكومة ومنع مصالح الدولة الموازية من تحديد الأمن القومي.

لكن خامنئي أحبط تلك الخطة، وألغى تعديلاً دستورياً مقترحاً كان سيسمح لرفسنجاني بالترشح لولاية ثالثة على التوالي. لكن عندما ترك رفسنجاني منصبه عام 1997 لم يخرج من المشهد السياسي. وبدلاً من ذلك، أدخلت المنافسة بينه وبين خامنئي عنصراً من التقلب في السياسة الانتخابية الإيرانية التي استمرت ربع قرن.

لذا يعود الفضل جزئياً في الفوز الساحق الذي حققه خاتمي في انتخابات عام 1997 إلى رفسنجاني، الذي استخدم سيطرته على الآلة السياسية لدعم المرشح الإصلاحي غير المتوقع. ولقد حظي برنامج خاتمي التقدمي بإعجاب فئة الشبان الساخطة والنساء والطبقة الوسطى التي تضخمت بسبب إصلاحات رفسنجاني الاقتصادية. وخلال ولايته، أشرف خاتمي على فترة وجيزة من الانفتاح، إذ ظهرت مئات من وسائل الإعلام الجديدة وطرح المثقفون أفكاراً حول التعددية الدينية التي هددت احتكار المرشد الأعلى الحقيقةَ الإلهية. لكن تحرك خامنئي والحرس الثوري بقوة لإحباط أجندة خاتمي الإصلاحية، ودرء أي تقارب مع الولايات المتحدة، واعتقل مئات الصحافيين والمثقفين والطلاب.

في أعقاب هذا القمع، بدت الدولة الموازية على وشك الفوز في صراعها على السلطة مع الحكومة. في انتخابات 2005، أدار أحمدي نجاد حملة شعبوية وهزم رفسنجاني الذي وصفه برمز النظام الفاسد. وطوال فترة رئاسة أحمدي نجاد، اخترق الحرس الثوري الإيراني مؤسسات الدولة، وسرّع العمل في البرنامج النووي للبلاد، واستغل عزلة إيران الدولية تحت العقوبات لتعزيز أنشطته الاقتصادية. وعندما احتج ملايين الإيرانيين على إعادة انتخاب أحمدي نجاد المطعون فيها في عام 2009، سحق الحرس الثوري الإيراني المظاهرات بعنف. حينئذ، قامت الدولة الموازية بسجن العديد من القادة الإصلاحيين ووضع آخرين رهن الإقامة الجبرية. وكان من بين القتلى والمعتقلين أطفال وأقارب كبار المسؤولين المحافظين. وفي لحظة ما، حتى الدولة الموازية تصدعت، واضطر قادة الحرس الثوري الإيراني إلى التجوال في جميع أنحاء البلاد لإطلاع الأعضاء العاديين وغيرهم من الشخصيات المحافظة على مبرراتهم لاستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين.

ومع ذلك، حتى أحمدي نجاد اشتبك في النهاية مع خامنئي والحرس الثوري الإيراني. ففي ولايته الثانية، تخلى عن موقفه المناهض لأميركا لصالح المبادرات تجاه واشنطن، واستبدل خطابه الإسلامي السابق بمناشدات القومية الفارسية. كما اتهم الحرس الثوري ووكالات المخابرات بتهريب سلع فاخرة مثل السجائر ومنتجات التجميل النسائية (وغيرها من السلع) تحت ستار كونها مواد حساسة من وإلى إيران. وفي محاولة لتجاوز المؤسسة الدينية ذاتها التي أوصلته إلى السلطة، ألمح إلى أنه يتمتع بعلاقة من نوع ما بـ”الإمام الغائب،” وهو شخصية مخلِّصة يبجلها الشيعة.

بعد أن تحمّلوا رئيساً خارجاً عن السيطرة لثماني سنوات، بدأ الإيرانيون يدعمون الإصلاحيين الذين وعدوهم بالعودة إلى الحياة الطبيعية. استُبعد رفسنجاني من الترشح في انتخابات 2013 من قبل مجلس صيانة الدستور، المكلف تقييم ولاء المرشحين للمرشد الأعلى، ولجأ إلى حشد الدعم لحليفه روحاني، الذي عمل مستشاراً سابقاً للأمن القومي ومفاوضاً بشأن البرنامج النووي لدى رفسنجاني وخاتمي. تبنى روحاني برنامجاً طموحاً في حملته الانتخابية، وتعهد بالدفاع عن المواطنين ضد عسكرة الحرس الثوري والتطرف الديني الذي قيد الحياة اليومية للمواطنين، ورفع الإقامة الجبرية عن القادة الإصلاحيين، وتحسين الاقتصاد عن طريق حل المأزق النووي. وفي هذا الصدد، ربط النمو الاقتصادي بالمفاوضات النووية، قائلاً “من الجيد تشغيل أجهزة الطرد المركزي، لكن حياة الناس يجب أن تسير؛ يجب أن تشتغل مصانعنا”.

أنصار إبراهيم رئيسي يحتفلون بفوزه الانتخابي في العاصمة الإيرانية يونيو 2021 (رويترز)

بدعم رفسنجاني والإصلاحيين، انتُخب روحاني رئيساً في عام 2013 وأعيد انتخابه في عام 2017. عاد التكنوقراط إلى المناصب العليا واستأنفوا المفاوضات النووية التي بدؤوها قبل عقد من الزمن في عهد خاتمي، لكن هذه المرة، تحدثوا ليس فقط مع القوى الأوروبية ولكن أيضاً مباشرة مع الولايات المتحدة. كانت المحادثات النووية الأولية بين إيران والولايات المتحدة قد بدأت سراً في عُمان، بمباركة خامنئي، قبل بضعة أشهر من انتخاب روحاني. لكن الفريق الجديد استخدم تفويضه الشعبي للضغط على المرشد الأعلى لإظهار المزيد من المرونة في المفاوضات أكثر مما كان قد يرغب. وبعد عامين، أبرم مفاوضو روحاني اتفاقاً مع ست قوى عالمية، سُمي بخطة العمل الشاملة المشتركة، التي عرضت على إيران تخفيف بعض العقوبات مقابل السماح بتفتيش منشآتها النووية والحد من تخصيب اليورانيوم في الأقل لبعض الوقت.

الأسرار المسربة

ردت الدولة الموازية بقوة لتهدئة الحماس الذي استقبل به الاتفاق النووي لعام 2015. لكن من خلال القيام بذلك قدمت دليلاً فاضحاً على الصراعات الداخلية داخل الدولة الإيرانية. في أبريل من هذا العام، سُرب ملف صوتي من ثلاث ساعات كان جزءاً من سجل شفوي سري تابع لذراع في مكتب الرئيس، بشكل مجهول إلى وسائل الإعلام. وفي هذا الملف الصوتي، يمكن سماع وزير الخارجية محمد جواد ظريف، يقول بصراحة إن سياسة إيران الخارجية كانت دائماً في خدمة الحرس الثوري الإيراني.

يؤكد هذا التسريب أن إدارة روحاني اعتبرت البرنامج النووي الإيراني مشروعاً للحرس الثوري، ولا يصب بالكامل في صالح الدولة. وفي المحادثة المسجلة، قال ظريف إنه أخبر خاتمي وروحاني أن “مجموعة [يُفترض أن تكون الحرس الثوري الإيراني] ألقت بالبلاد في بئر، وهذه البئر هي بئر نووية”.

وذهب ظريف إلى حد اتهام الحرس الثوري الإيراني بالتعاون مع روسيا لإحباط جهوده الدبلوماسية بشأن القضية النووية. ولقد خشي الروس من أن تؤدي اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية إلى تقارب إيراني أميركي. وبحسب ظريف، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، فور إعلان خطة العمل الشاملة المشتركة لمناقشة الصراع السوري. ثم بدأت الصواريخ والطائرات الروسية بالتحليق عمداً في مسار أطول عبر الأجواء الإيرانية لمهاجمة القوات التي تقاتل نظام بشار الأسد في سوريا. ويشير ظريف إلى أن بوتين كان ينوي ربط إيران بالتعاون مع روسيا في معركة إقليمية كوسيلة لإبقاء طهران في صراع مع واشنطن.

وفي التسجيل الصوتي المسرب، صرخ ظريف بأن الدولة الموازية أمضت ستة أشهر قبل دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ وهي تحاول تخريبه. وأوضح أن إطلاق الحرس الثوري “صاروخاً كُتب عليه يجب محو إسرائيل، وتلك الأمور مع روسيا والأحداث الإقليمية التالية، مثل اقتحام السفارة السعودية [في طهران]، والاستيلاء على السفن الأميركية – كل ذلك تم لمنع تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة”.

في السنوات التي أعقبت تبني خطة العمل الشاملة المشتركة، وجد ظريف نفسه يسعى باستمرار لإصلاح الأضرار التي يلحقها الحرس الثوري الإيراني بدبلوماسيته الحذرة، ولم يكن سليماني يخبر ظريف الكثير عن خططه. على سبيل المثال، في يناير 2016، خُففت العقوبات الأميركية على شركة الطيران الإيرانية الرئيسة، “إيران إير”، كجزء من الاتفاق النووي. لكن بعد خمسة أشهر، علم ظريف من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أن الخطوط الجوية الإيرانية لم تستأنف فقط استخدام الرحلات المدنية المفترضة لنقل الأسلحة إلى حزب الله في سوريا، وهو الذي أدى إلى فرض العقوبات عليها في المقام الأول، وإنما زادت من عدد تلك الرحلات ستة أضعاف بناءً على أوامر مباشرة من سليماني.

عرضت تلك الرحلات الجوية أسطول “إيران إير” المتقادم لخطر عقوبات جديدة. ولقد لخص ظريف بغضب وجهة نظر الحرس الثوري الإيراني بشأن المسألة، وهي أنه إذا كان استخدام شركة الطيران الإيرانية لهذا الغرض يمنح ميزة اثنين في المئة على البدائل، “حتى لو كلف ذلك دبلوماسية الدولة 200 في المئة، فإن الأمر كان يستحق العناء لاستخدامه!”. (قد يكون قبول سليماني المخاطر واستعداده لاستفزاز الولايات المتحدة أسهم في نهايته، إذ استُهدِفَ في أوائل عام 2020 وقُتِلَ بواسطة طائرة أميركية مُسَيَّرة في بغداد).

يتحسّر ظريف على حقيقة أن شعبيته بين الإيرانيين انخفضت من 88 في المئة إلى 60 في المئة في السنوات التي أعقبت وضع اللمسات الأخيرة على خطة العمل الشاملة المشتركة. في حين، قفزت نسبة تأييد سليماني إلى 90 في المئة بفضل تصويره البطولي في وسائل الإعلام المدعومة من الحرس الثوري.

طوال فترة توليه منصبه، وجد روحاني نفسه في حالة حرب مع الدولة المُوازية، تماماً مثل أسلافه. بالعودة إلى سنوات الثمانينيات، ساعد روحاني على توسيع الحرس الثوري الإيراني من منظمة تطوّعية صغيرة إلى جيش متكامل، بقوات برية وبحرية وجوية. وبعد ثلاثة عقود، اتهم علناً الحرس الثوري الإيراني بالتدخل الواسع. خلال مؤتمر لمكافحة الفساد عُقد في عام 2014 مع رؤساء القضاء والبرلمان، عبر عن إحباطه من الأنشطة غير العسكرية للحرس الثوري. ومن دون تسمية الحرس، قال صراحة إنه “إذا تجمعت الأسلحة والمال والصحف والدعاية في مكان واحد، يُمكن للمرء أن يكون واثقاً من وجود فساد”.

مدد إلهي

كان من الممكن أن ينتهي هذا الصراع المألوف بين الحكومة الإيرانية المُنتَخبة، في عهد روحاني، ومؤسسات الدولة الموازية في عهد خامنئي، بشكل غير حاسم مثل الاشتباكات السابقة. لكن عاملاً خارجياً -الذي يتمثل في انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة في عام 2016- حسم المعركة لصالح الدولة الموازية. كانت حكومة روحاني قد طمأنت الإيرانيين بأنه سيكون من المستحيل على الولايات المتحدة إلغاء الاتفاق النووي من جانب واحد، لأنه كان اتفاقاً دولياً تم التفاوض عليه بين القوى العالمية الست، وصادق عليه مجلس الأمن الدولي. لكن الحرس الثوري الإيراني قدّم رهاناً مختلفاً، لأنه لا يثق بوعود الولايات المتحدة ولا بالاتفاقات الدولية. ما إن فاز ترمب بالرئاسة الأميركية حتى اصطفت الشركات الوهمية للحرس الثوري على أبواب البنك المركزي ووزارة البترول والوكالات الحكومية الأخرى للمشاركة في مناقصات الحصول على عقودٍ للتحايل على العقوبات المالية وعقوبات الطاقة الأميركية المحتملة.

عندما انسحب ترمب رسمياً من الاتفاقية في مايو (أيار) 2018، كان هؤلاء “المستفيدون من العقوبات” على أهبة الاستعداد للسيطرة على القطاع المالي الإيراني. وبسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية، اضطرت إيران الآن إلى الاعتماد على شبكة الحرس الثوري للتحايل على الشبكات المصرفية الدولية لبيع نفطها وجلب العائدات إلى البلاد. ووفقاً للرئيس السابق للبنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همّتي، فإن استيلاء الحرس الثوري الإيراني على هذه المعاملات المالية مكنه من تلقي عمولة تُعادل 20 في المئة على كل حوالة تقوم بها الحكومة. لذا فإن سياسات الولايات المتحدة مكَّنت بشكلٍ فعال الحرس الثوري من تعميق نفوذه الاقتصادي.

نفت إدارة ترمب وجود انقسامات سياسية ذات معنى داخل الجمهورية الإسلامية، وتبنت على هذا الأساس سياسة “الضغط الأقصى” الهادفة إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر وخنق اقتصادها. لكن، داخل البيت الأبيض، لم يكن هناك توافق على الهدف النهائي. بينما كان هدف ترمب إجبار إيران على التفاوض بشأن اتفاقية جديدة، ضغط وزير خارجيته آنذاك، مايك بومبيو، ومستشاره للأمن القومي في ذلك الوقت، جون بولتون، من أجل تغيير النظام. وبغض النظر عن هدفه النهائي، فإن النهج الجديد لم يُجنب حتى المسؤولين الإيرانيين الذين عارضوا الحرس الثوري الإيراني من الداخل، إذ فرضت إدارة ترمب عقوبات على الوزير ظريف في يوليو (تموز) 2019. هكذا أدى انتخاب ترمب إلى ترجيح كفة الميزان لصالح الدولة الموازية على حساب الحكومة الإيرانية المنتخبة.

لقد أصبح إصرارُ إدارة ترمب على أن النخبة الإيرانية موحدة بمثابة نبوءةٍ تُحقق ذاتها، إذ دفعت تصرفات ترمب السياسة الإيرانية في اتجاه أكثر تطرفاً. وفي ظل التهديد الوجودي الذي تمثله سياسة ترمب في فرض عقوبات أميركية شديدة القسوة، خفَّت حدة الانقسامات الداخلية في إيران. وساعدت سياسات البيت الأبيض على صياغة توافق واسعٍ بين النخب الإيرانية على أن الطريقة الوحيدة لحماية المصالح الوطنية للبلاد هي تأمين النظام، الأمر الذي سمح للحرس الثوري الإيراني بتقديم نفسه، لأول مرة منذ تأسيسه، بطلاً للقومية الإيرانية.

لطالما ادعى الحرس الثوري الإيراني أن صواريخه الباليستية المتطورة وشبكة الوكلاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط تحمي وحدة أراضي إيران. في عام 2019، بعدما اتضح أن سياسة “الصبر الاستراتيجي” الإيرانية في التمسك بخطة العمل الشاملة المشتركة لم تؤتِ ثمارها، شرع الحرس الثوري الإيراني في اتخاذ إجراءات لإرساء الردع ضد المزيد من الضغوطات الأميركية. ولقد بدأ في تنفيذ هجمات متمادية، وشن غارات مُروعة ودقيقة بطائرات مُسَيَّرة على منشأة لمعالجة النفط في المملكة العربية السعودية، وأسقط طائرة أميركية من دون طيار فوق الخليج العربي. في يناير (كانون الثاني) 2020، أطلق الحرس الثوري الإيراني صواريخ باليستية على القوات الأميركية في العراق رداً على اغتيال سليماني. كما عملت هذه العمليات على إسكات مُعارضي الحرس الثوري الإيراني داخل الدولة والمجتمع.

على مدى عقود، كانت الدولة المُوازية تخشى أن يتحد المجتمع الإيراني مع الحكومة المنتخبة للتغلب عليها، لذا كانت تتصرف بسرعة وعنف في كثير من الأحيان لإحباط هذا الاحتمال. الآن يُمكن أن تتصوّر مُستقبلاً جديداً يتحد فيه كلٌّ من المجتمع الإيراني والحكومة خلف الدولة الموازية، ما يجعل المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني الأدوات الأساسية لتطلعاتهما.

اصطفاء الميدان

بحلول انتخابات هذا العام، تغير المشهد السياسي والاجتماعي في إيران. توفي رفسنجاني، الذي كان على مدى عقود قوة مهمة في السياسة النخبوية، توفي فجأة إثر نوبة قلبية في عام 2017. ولا يزال خاتمي قيد الإقامة الجبرية الفعلية، وتمنع الحكومة وسائل الإعلام الإيرانية من ذكره أو نشر صورته، فيما لا يزال أحمدي نجاد منتقداً صريحاً. ولقد أوضح مستشارون سابقون في وسائل الإعلام الإيرانية أن أحمدي نجاد يتصور نفسه كبوريس يلتسين إيران، قدره أن يمتطي صهوة الاحتجاجات الجماهيرية إلى السلطة لإنقاذ الأمة، لكن فصيل أحمدي نجاد طُهِّر منه كل مؤسسة مهمة.

كانت الكتلة الإصلاحية الخاسر الأكبر في انتخابات 2021، التي فشلت خلالها قيادتها المُسِنَّة في تقديم جبهة مُوحَّدة أو خطة عمل متماسكة. لقد استطاعت الحركة ذات مرة حشد ما يكفي من الدعم الشعبي لدفع خاتمي إلى الرئاسة، وشكلت لاحقاً جزءاً مهماً من التحالف وراء روحاني. الآن، ومع ذلك، تبدو منفصلة عن الواقع، إذ ارتفع معدل التضخم في إيران إلى 40 في المئة بعد انسحاب ترمب من خطة العمل الشاملة المشتركة بينما تغرق البلاد في الفقر. وحسب منظمة الضمان الاجتماعي الإيرانية، تضاعف معدل الفقر المُدقع في غضون عامين فقط، من 15 في المئة في عام 2017 إلى 30 في المئة في عام 2019. وتراجعت جهود المجموعات الطلابية والمنظمات النسائية لتنظيم الاحتجاجات ضد القمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان، وحلت محلها أعمال شغب عنيفة مُرتَجلة بسبب المظالم الاقتصادية ونقص المياه وانقطاع التيار الكهربائي. ويوحي شعار المحتجين الغاضبين -“الإصلاحيون، المحافظون، انتهى وقتكم”- بأنهم ينظرون إلى الإصلاحيين كمتواطئين في بؤسهم.

في الماضي، نجح الإصلاحيون في الانتخابات من خلال بث الفُرقة في المشهد السياسي. على سبيل المثال، تبنى خاتمي في حملته الانتخابية برنامجاً وأجندة لتعزيز المجتمع المدني والديمقراطية، فيما وعد روحاني بحل القضية النووية وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. وتُعتبر هذه القضايا بمثابة إسفين في جسد المجتمع الإيراني، وقد أدت إثارتها إلى تحويل حملات هؤلاء المرشحين إلى حركات اجتماعية زادت من إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع، لا سيما بين النساء والشبان. ولقد نجحت هذه الاستراتيجية في إجهاض أول محاولة لرئيسي لبلوغ منصب الرئاسة في عام 2017، عندما خسر بشكل كبير أمام روحاني.

لكن في انتخابات هذا العام، لم يجد خامنئي والحرس الثوري الإيراني مُقاومةً تُذكَر في طريقهما إلى هندسة فوز رئيسي. استبعد مجلس صيانة الدستور جميع المرشحين الذين كان بإمكانهم تحفيز الناخبين، ولم يقتصر الأمر على منع كل الإصلاحيين وأحمدي نجاد ولكن أيضاً علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق المعتدل نسبياً، وكبير المفاوضين النوويين سابقاً. وكان المرشح المعتدل الوحيد الذي بقي في اللعبة هو محافظ البنك المركزي، عبد الناصر همّتي.

في النهاية انقسم أنصار الإصلاحيين إلى ثلاثة معسكرات: الذين قاطعوا الانتخابات، والذين أدلوا بأصوات فارغة، وأولئك الذين صوتوا لصالح همّتي. وجاءت نسبة المشاركة 49 في المئة، وهي أدنى نسبة لانتخابات رئاسية في تاريخ الجمهورية الإسلامية. في معقل الإصلاحيين بطهران، صوت 26 في المئة فقط من الناخبين المؤهَّلين. وبحسب الأرقام الرسمية، حصل رئيسي على 62 في المئة من الأصوات، وهمّتي على ثمانية في المئة فقط.

الكتلة الإصلاحية الخاسر الأكبر في حملة 2021

نجحت حملة المتشددين ليس فقط عن طريق القمع ولكن أيضاً من خلال سرقة صفحة من كتاب قواعد اللعبة الخاص بخصومهم. وعلى الرغم من أن رئيسي ينحدر بشكل مطلق تقريباً من خلفية القضاء الديني، فإنه كمرشحٍ رئاسي، شدد على الأمن والازدهار بدلاً من الدين والأيديولوجية. ولقد خاض حملة انتخابية على أساس أجندة مكرسة لبناء “إيران قوية”، واعداً بمعالجة الفساد الحكومي وتحييد تأثير العقوبات من خلال استنساخ تجربة اعتماد الحرس الثوري الإيراني على نفسه في صناعة الدفاع في المجالات غير العسكرية أيضاً. وعندما نظم أنشطة انتخابية في الأسواق والمصانع وفي بورصة طهران، أظهرته وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري وهو يتحدث إلى العمال والتكنوقراط حول إعادة فتح الشركات المُفلِسة وإنعاش الاقتصاد.

لم يقدم رئيسي نفسه كتكنوقراط وسطي فحسب، بل انتزع من الإصلاحيين خطابهم العلماني أيضاً. وفي هذا الصدد، وعد بمحاربة العنف المنزلي وتعهّد بمنع شرطة الآداب المكروهة بشدة من مضايقة الناس العاديين وتشجيعها بدلاً من ذلك على ملاحقة الفساد الاقتصادي والإداري. ولقد أظهرت الصور التي نشرتها حملته إلى أن من بين مؤيديه نساء متحررات لم يلتزمن الزي الرسمي الصارم.

لجأ متشدّدون آخرون إلى النبرة عينها. ففي مناظرة بين الإصلاحيين والمتشددين في تطبيق الدردشة “كلوب هاوس” خلال الحملة، سخر مسعود دهناماكي، وهو رجل أمن وقائد ميليشيا سيئ السمعة اعتاد منذ التسعينيات على الهجوم الجسدي ضد المثقفين والطلاب والأشخاص العاديين بسبب سلوكهم “غير الإسلامي”، من الإصلاحيين لتركيزهم على القيود الاجتماعية. وفي لحظة معبرة، قال إن الحجاب الإجباري لم يعد مصدر قلق كبير للنظام.

من ناحيته، قال رئيسي أيضاً في مناسبات عديدة إنه يدعم الانفتاح على العالم. ويمثل هذا تحوّلاً كبيراً عن نهج المواجهة الذي اتبعه المتشددون تقليدياً. كما أوضح أنه لا يعترض على الصفقة النووية في حد ذاتها، بل فقط على الجوانب المُحَدِّدة للاتفاقية التي سمحت للولايات المتحدة بانتهاكها من دون محاسبة. وحدث التحول الأكثر دراماتيكية في أوساط مؤيدي رئيسي المتشددين، الذين عارضوا بشدة خطة العمل الشاملة المشتركة حتى أسابيع قليلة قبل بدء حملته، حين غيروا رأيهم وتعهدوا بالامتثال للاتفاقية. من هؤلاء مُجتبى زنور، العضو البارز في البرلمان الذي قاد ذات مرة مجموعة من المحافظين إلى المنصة وأضرم النار في نسخة من الاتفاق النووي بعد انسحاب ترمب منه. بعد انتقاد خطة العمل الشاملة المشتركة لسنوات، بات يدعم الآن التزام رئيسي بها، طالما أن الولايات المتحدة تحترم التزاماتها.

الدولة الموازية كدولة مُوحدة

هذه المرة، قد يُصاب بخيبة أمل أولئك الذين يتوقعون تكرار الصراع المألوف بين رئيس الجمهورية والمرشد الأعلى. وسوف يخيم الانتقال الوشيك إلى المرشد الأعلى التالي على رئاسة رئيسي. وعلى الرغم من شح المعلومات بشأن حالة خامنئي الصحية والبالغ من العمر 82 سنة، باستثناء جراحة البروستاتا التي أعلِن عنها في عام 2014، يُتوقع على نطاق واسع أن يُستبدل خامنئي خلال فترة رئاسة الرئيس الجديد.

في هذا الصدد، تعمل القوى التي هندست انتصار رئيسي على تطهير أعلى المراتب في الجمهورية الإسلامية لتسهيل عملية الخلافة هذه. وإذا لم يُعين هو نفسه خليفة لخامنئي، فسوف يلعب رئيسي دوراً أساسياً في تحديد المرشد الأعلى المقبل. لذا، من غير المرجح أن يمضي فترة رئاسته في تحدّي الشاغل الحالي أعلى منصب في البلاد.

ويُعتبر رئيسي ببساطة جُزءاً من مشروعٍ سياسي أكبر يسعى إليه خامنئي في سنواته الأخيرة. قد يقوم الرئيس الجديد بتعديل مواقفه من الناحية التكتيكية، لكن أي تحول حقيقي في السياسة سيحدث بتنسيق مع المرشد الأعلى. وعملت الدولة المُوازية على توسيع قاعدتها الاجتماعية إلى أبعد من الإسلاميين لتشمل القوميين غير المُتدينين، في محاولة لاستيعاب التأثير المتزايد لأولئك الذين يحتقرون الفرض الرسمي والانتقائي للشريعة الإسلامية. ولقد انضمت نساءٌ محجبات كثيرات إلى الحملة المناهضة للحجاب، لأنهن يرون أن الزي مثيرٌ للانقسام، ويُولد الاستياء تجاههن في الشارع. ويهدف استحواذ رئيسي الانتقائي -الذي يُمكن الرجوع عنه- على أجندات السياسة الخارجية والاجتماعية للإصلاحيين إلى تقويض قدرتهم على العودة إلى المشهد السياسي في هذه اللحظة الحاسمة من التاريخ الإيراني.

تعميق العلاقات الأمنية والاقتصادية مع الصين وروسيا

على الرغم من بدايتها السلسة فإن هذه المناورة العالية المخاطر يمكن أن تنهار بسرعة، إذ سيحتاج رئيسي وفريقه من التكنوقراطيين اليمينيين الشبان إلى رعاية الدولة لاستمالة النُخب المُستاءة، لا سيما فئة المحافظين المُهمشين. كما سيتوجب عليهما تلبية احتياجات السكان الفقراء، الذين دعم جُزءٌ منهم رئيسي بسبب وعوده الاقتصادية.

في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، سيُحاول رئيسي قلب التطلعات العالمية الفاشلة لأسلافه رأساً على عقب. كان الرؤساء السابقون يعتقدون بأن أفضل طريقة لضمان أمن وسلامة إيران هي جعل البلاد جُزءاً مُزدهراً من الاقتصاد العالمي. وعلى عكس ذلك، يرى رئيسي أن جعل إيران دولة قوية ذات نفوذ إقليمي بلا منازع هو وحده القادر على ردع القوى الخارجية وتحقيق الازدهار الاقتصادي. لذا، من المتوقع أن يُعزّز القدرات العسكرية للحرس الثوري لمواجهة الضغط الأميركي، وهذا يعني تعزيز شبكة الوكلاء التابعة للفيلق في العراق ولبنان واليمن وخارجها، وكل ذلك في خدمة حماية الدولة المُوازية الأصلية في إيران.

كما ستعمل الإدارة الجديدة على تعميق العلاقات الأمنية والاقتصادية لإيران مع كل من الصين وروسيا. وكان بوتين وجّه واحدةً من أولى وأقوى التهاني للرئيس الجديد، إذ أعرب عن ثقته في أن انتخاب رئيسي سيؤدي إلى “زيادة تطوير التعاون الثنائي البنّاء بين بلدينا”. كما وقعت طهران أخيراً شراكة تجارية وعسكرية مدتها 25 عاماً مع بكين، التي أُجلت في البداية في عام 2016، لأن إيران كانت تأمل في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا.

من المفارقة أن استبعاد أي تقارب مُحتَمل مع الولايات المتحدة أدى إلى تماسك السياسة الخارجية الإيرانية، إذ إن هناك الآن إجماعاً عاماً بين مكونات الطيف السياسي الإيراني على أن العلاقة العدائية بين بلادهم والولايات المتحدة ستستمر إلى أجل غير مسمى. وبالتالي، لم تعد الفصائل المُتنافسة في إيران مهووسة بالتداعيات المحلية لتحسين العلاقات مع واشنطن. وهذا يعني أنه لا نجاح خطة العمل الشاملة المشتركة ولا فشلها يمكن أن يخلّا بشكل كبير بتوازن القوى الداخلي. ولقد قللت هذه الديناميكية الجديدة من احتمالية حدوث عمل تخريبـي داخلي في حالة تحقيق اختراق دبلوماسي، لكنها أيضاً عززت موقف إيران التفاوضي في المفاوضات الجارية.

يحتاج رئيسي إلى نجاحٍ دبلوماسي على الجبهة النووية للتعامل مع بحر من المشاكل الداخلية. لكن على عكس روحاني، فهو لا يرهن مصيره السياسي بالاتفاق النووي. ويرى فريق السياسة الخارجية المتشدد التابع له أن الولايات المتحدة مُلتَزِمة أيديولوجياً تدمير الجمهورية الإسلامية، ويَفتَرِض أن واشنطن ستحاول التراجع عن أي اتفاق إما بشكل صريح، كما فعل ترمب، وإما بدهاء، كما فعلت إدارة أوباما، من خلال عدم إزالة العقوبات المالية على إيران كما يجب. لذلك، تُحضّر القوى السياسية التي دفعت رئيسي إلى الرئاسة، لإجراءات انتقامية خطوة بخطوة في حال تعثّر إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. كما أنها مُلتزمة الحفاظ على البنية التحتية النووية الإيرانية، لامتلاك خيار تسليح البرنامج بسرعة إذا انهار الاتفاق. في غضون ذلك، قد يؤدي توقيع اتفاق نووي جديد بشكل غير مقصود إلى خلق بيئة إقليمية أكثر قابلية للاشتعال. وتخشى طهران من أن يمنح ذلك الولايات المتحدة حرية مطلقة للتصدي لنفوذها الإقليمي، فيما يخشى أعداء طهران من أن الاتفاق سيزود إيران بالمزيد من الموارد لتعزيز وكلائها وبرنامجها الصاروخي.

يبدو أن المعضلة الأمنية الناتجة عن ذلك مُهَيَّأة لتصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة، المتورطتين سلفاً في صراعٍ منخفض المستوى ومستمر مع ذلك في العراق، حيث تصطدم القوات الأميركية والميليشيات الموالية لإيران بشكل متقطع. وعلى الرغم من إصرار رئيسي على احتمال إجراء محادثات مع القوى الإقليمية لتقليل التوترات، ترى القيادة الموحدة الناشئة في إيران نفسها في وضع رابح-رابح. إنها واثقة من جيشها وعرفت منذ فترة طويلة كيف تزدهر في النزاعات وكيف توسع دائرة حلفائها من غير الدول (ميليشيات وأحزاب). وبفضل التحوّل السياسي الداخلي الجديد، يُمكنها أيضاً تقديم تنازلات تكتيكية لخصومها من دون المخاطرة بتفاقم الانقسامات الداخلية. ومع بدء عهد جديد للجمهورية الإسلامية، تسير إيران والولايات المتحدة على مسارٍ تصادمي.

مترجم من فورين أفيرز، سبتمبر (أيلول)/ أكتوبر (تشرين الأول) 2021

المزيد عن: |إيران\أزمات إيران\إبراهيم رئيسي\النفوذ الإيراني\فورين أفيرز\اخترنا لكم

 

 

You may also like

93 comments

why web hosting 28 أغسطس، 2021 - 12:24 م

Everyone loves what you guys are up too. Such clever
work and reporting! Keep up the fantastic works guys I’ve incorporated you
guys to my blogroll.

Reply
bitly.com 30 أغسطس، 2021 - 12:15 ص

Hey there would you mind letting me know which webhost you’re utilizing?
I’ve loaded your blog in 3 different browsers and I must say this blog loads a lot
quicker then most. Can you recommend a good web hosting provider at a honest
price? Kudos, I appreciate it!

Reply
j.mp 2 سبتمبر، 2021 - 12:40 م

Howdy! This is kind of off topic but I need some help from an established blog.
Is it very hard to set up your own blog? I’m not very techincal but I can figure things out pretty fast.
I’m thinking about creating my own but I’m not sure where to begin. Do you have
any tips or suggestions? With thanks

Reply
bit.ly 4 سبتمبر، 2021 - 9:09 م

constantly i used to read smaller posts which as well clear their motive,
and that is also happening with this article which I am reading at this time.

Reply
cialis for sale online 5 سبتمبر، 2021 - 7:12 ص

Diovanforsale

Reply
Propecia 5 نوفمبر، 2021 - 1:01 م

Viagra Bestellen Erfahrungsberichte

Reply
Prednisone 15 نوفمبر، 2021 - 3:23 م

Pharmatheke Viagra

Reply
stinken 3 ديسمبر، 2021 - 11:35 م Reply
Guilliarp 17 يناير، 2022 - 8:54 م

grougs Flagyl Generic Alcohol http://www.alevitrasp.com

Reply
에볼루션사이트 14 أبريل، 2023 - 1:02 ص

you are really a good webmaster. The site loading speed is amazing. It seems that you’re doing any unique trick. In addition, The contents are masterpiece. you’ve done a excellent job on this topic!

https://www.artporat.com/

Reply
Coquitlam traffic control plan development and implementation 16 أبريل، 2023 - 8:31 ص

Hello there, just became alert to your blog through Google, and found that it’s really informative. I am going to watch out for brussels. I?ll appreciate if you continue this in future. Many people will be benefited from your writing. Cheers!

https://s3.us-west-004.backblazeb2.com/traffic-control-coquitlam/what-is-the-secret-to-unlocking-uninterrupted-traffic-flow-in-coquitlam-16.html

Reply
presupuesto para su estudio 16 أبريل، 2023 - 10:18 م

of course like your web site but you have to check the spelling on quite a few of your posts. Several of them are rife with spelling issues and I find it very troublesome to tell the truth nevertheless I?ll certainly come back again.

https://uec.edu.ve/members/lotusmehlelxb/activity/

Reply
visita nuestra pagina web 17 أبريل، 2023 - 1:44 ص

I have learn some excellent stuff here. Definitely price bookmarking for revisiting. I wonder how so much effort you place to create such a excellent informative site.

https://news.npo.digital/index.php?title=User:Jimmie3576

Reply
Blog Comment Backlink 2023 17 أبريل، 2023 - 4:05 م

It?s really a nice and useful piece of information. I am glad that you shared this useful info with us. Please keep us informed like this. Thanks for sharing.

https://www.fiverr.com/freeson/create-100-000-blog-comment-backlinks-using-scrapebox

Reply
Best Guest Post 2023 18 أبريل، 2023 - 4:51 ص

Thanks for your post. I would love to remark that the very first thing you will need to perform is determine whether you really need credit repair. To do that you have got to get your hands on a duplicate of your credit score. That should really not be difficult, ever since the government mandates that you are allowed to obtain one free of charge copy of your real credit report yearly. You just have to consult the right persons. You can either look at website for that Federal Trade Commission or even contact one of the leading credit agencies straight.

https://www.fiverr.com/freeson/give-your-one-crypto-guest-post-backlink-on-my-dr71-website

Reply
remove junk from home near me 19 أبريل، 2023 - 10:54 ص

Usually I don’t read post on blogs, but I wish to say that this write-up very forced me to try and do so! Your writing style has been amazed me. Thanks, very nice article.

https://costplusjunkremoval.com/home-junk-removal/

Reply
nos ocupamos de todo 20 أبريل، 2023 - 5:21 م

I have taken notice that in digital cameras, exceptional devices help to {focus|concentrate|maintain focus|target|a**** automatically. The sensors regarding some cams change in in the area of contrast, while others make use of a beam involving infra-red (IR) light, particularly in low lighting. Higher standards cameras often use a combination of both methods and likely have Face Priority AF where the digital camera can ‘See’ a new face while keeping focused only on that. Thank you for sharing your opinions on this blog.

https://pbase.com/reformas1/image/171733484

Reply
flat rate merchant pricing 22 أبريل، 2023 - 9:13 ص

Attractive element of content. I just stumbled upon your weblog and in accession capital to say that I get in fact loved account your weblog posts. Anyway I?ll be subscribing for your augment or even I fulfillment you get entry to consistently quickly.

https://boostadvertisingonline.com/choosing-the-right-credit-card-processing-company/

Reply
apply for a merchant account 22 أبريل، 2023 - 2:25 م

Thanks for your post. I would like to say this that the very first thing you will need to carry out is find out if you really need credit improvement. To do that you have got to get your hands on a replica of your credit file. That should never be difficult, since government necessitates that you are allowed to receive one cost-free copy of your actual credit report each year. You just have to request that from the right people today. You can either find out from the website with the Federal Trade Commission or maybe contact one of the major credit agencies directly.

https://sacredbrigantia.com/what-on-the-web-cost-processing-solutions-need-to-present/

Reply
Canonical Tags 27 أبريل، 2023 - 9:21 م

Thanks for discussing your ideas. The first thing is that pupils have a solution between government student loan as well as a private education loan where it can be easier to select student loan debt consolidation loan than with the federal education loan.

https://tasktigerdesigns.blob.core.windows.net/seo-new-jersey/what-is-the-secret-to-opening-effective-seo-in-new-jersey-7.html

Reply
dominoqq 1 مايو، 2023 - 1:36 ص

Thank you for the good writeup. It in fact was a amusement account it. Look advanced to more added agreeable from you! By the way, how can we communicate?

https://murahqq.powerappsportals.com/

Reply
how to become a payment processing company 5 مايو، 2023 - 9:32 م

Thanks for the strategies presented. One thing I also believe is the fact that credit cards featuring a 0 apr often lure consumers in with zero monthly interest, instant authorization and easy on the web balance transfers, however beware of the main factor that can void that 0 easy road annual percentage rate plus throw anybody out into the poor house in no time.

https://oyundakral.com/help-your-business-prosper-with-help-from-your-local-credit-card-processing-company/

Reply
chennai security services 5 مايو، 2023 - 11:08 م

Wow, superb blog structure! How lengthy have you been running a blog for? you make blogging look easy. The whole glance of your site is magnificent, as well as the content material!

https://www.thebangaloreescorts.in/

Reply
ฝาก20รับ100 10 مايو، 2023 - 3:44 ص

Good blog! I truly love how it is simple on my eyes and the data are well written. I am wondering how I could be notified when a new post has been made. I’ve subscribed to your RSS feed which must do the trick! Have a nice day!

https://www.youtube.com/watch?v=1cObDeG6cP0

Reply
reformas fachadas 11 مايو، 2023 - 5:40 ص

Thanks for making me to obtain new suggestions about desktops. I also contain the belief that one of the best ways to keep your laptop computer in perfect condition is by using a hard plastic material case, and also shell, that will fit over the top of the computer. These kinds of protective gear are model precise since they are made to fit perfectly above the natural casing. You can buy these directly from owner, or via third party places if they are readily available for your laptop, however not all laptop can have a covering on the market. Once again, thanks for your points.

https://pxhere.com/en/photographer-me/3620248

Reply
reformas integrales casas zaragoza 12 مايو، 2023 - 2:49 ص

I?ve recently started a site, the information you provide on this website has helped me tremendously. Thanks for all of your time & work.

https://pedro.asti.dost.gov.ph/gitlab/ronaldfeliciano

Reply
how to start a merchant processing company 16 مايو، 2023 - 8:51 ص

I acquired more new things on this weight reduction issue. One particular issue is that good nutrition is tremendously vital if dieting. A huge reduction in junk food, sugary food items, fried foods, sugary foods, beef, and bright flour products could be necessary. Possessing wastes organisms, and wastes may prevent aims for shedding fat. While certain drugs momentarily solve the problem, the awful side effects are usually not worth it, and they also never supply more than a short lived solution. It is a known idea that 95 of fad diets fail. Thanks for sharing your ideas on this web site.

https://sryjz.com/try-to-make-revenues-in-all-places-along-with-a-phone-card-developing-treatment/

Reply
ikaria juice buy 22 مايو، 2023 - 9:15 ص

I am really impressed together with your writing skills as well as with the structure to your weblog. Is that this a paid theme or did you modify it your self? Either way keep up the nice high quality writing, it?s rare to look a nice weblog like this one today..

Reply
ikaria lean belly juice buy 22 مايو، 2023 - 11:32 م

I do accept as true with all of the ideas you have offered to your post. They are very convincing and will definitely work. Nonetheless, the posts are very quick for starters. Could you please extend them a little from next time? Thank you for the post.

Reply
Actiflow 26 مايو، 2023 - 4:10 ص

I believe that a foreclosures can have a major effect on the borrower’s life. Real estate foreclosures can have a 7 to decade negative relation to a applicant’s credit report. Any borrower who may have applied for home financing or almost any loans for instance, knows that a worse credit rating will be, the more tricky it is to have a decent mortgage. In addition, it could affect the borrower’s capacity to find a respectable place to let or rent, if that gets the alternative houses solution. Thanks for your blog post.

Reply
credit card processing sales jobs 26 مايو، 2023 - 11:19 م

Very great post. I simply stumbled upon your blog and wished to say that I have truly enjoyed browsing your weblog posts. After all I will be subscribing for your rss feed and I am hoping you write again very soon!

Reply
film porno 27 مايو، 2023 - 10:49 ص

I?ve been exploring for a little for any high quality articles or weblog posts on this kind of area . Exploring in Yahoo I at last stumbled upon this web site. Reading this information So i am glad to show that I’ve a very good uncanny feeling I came upon exactly what I needed. I most definitely will make certain to do not overlook this website and give it a look regularly.

Reply
video porno 29 مايو، 2023 - 8:26 ص

I was suggested this blog by my cousin. I’m not sure whether this post is written by him as no one else know such detailed about my problem. You’re wonderful! Thanks!

Reply
link bokep 29 مايو، 2023 - 8:18 م

I haven?t checked in here for some time since I thought it was getting boring, but the last few posts are good quality so I guess I will add you back to my daily bloglist. You deserve it my friend 🙂

Reply
how to sell payment processing services 31 مايو، 2023 - 12:42 م

I think that a property foreclosure can have a significant effect on the debtor’s life. Mortgage foreclosures can have a 6 to ten years negative influence on a borrower’s credit report. The borrower who’s applied for a home loan or any kind of loans even, knows that your worse credit rating is usually, the more difficult it is to get a decent loan. In addition, it could affect the borrower’s capability to find a quality place to let or hire, if that results in being the alternative real estate solution. Good blog post.

Reply
how much does it cost to start a payment processing company 3 يونيو، 2023 - 3:41 ص

I have been absent for some time, but now I remember why I used to love this website. Thanks , I will try and check back more frequently. How frequently you update your website?

Reply
part time jobs stay at home 4 يونيو، 2023 - 5:40 ص

One thing I’d like to reply to is that weight loss program fast may be accomplished by the appropriate diet and exercise. Someone’s size not merely affects the look, but also the quality of life. Self-esteem, despression symptoms, health risks, plus physical capabilities are afflicted in weight gain. It is possible to make everything right but still gain. Should this happen, a medical problem may be the root cause. While too much food instead of enough physical exercise are usually to blame, common health conditions and widespread prescriptions can easily greatly help to increase size. Thanks a bunch for your post here.

Reply
fontaneros profesionales madrid 5 يونيو، 2023 - 7:12 م

Thanks, I’ve been hunting for facts about this subject matter for ages and yours is the best I’ve discovered so far.

Reply
mua ghế lười ở tphcm 6 يونيو، 2023 - 10:19 ص

I have seen a lot of useful issues on your web-site about pc’s. However, I’ve got the opinion that lap tops are still less than powerful more than enough to be a wise decision if you typically do jobs that require lots of power, for instance video editing. But for world wide web surfing, statement processing, and the majority of other frequent computer work they are just fine, provided you never mind the small screen size. Many thanks sharing your ideas.

Reply
gai goi quan 8 8 يونيو، 2023 - 8:02 م

I just added this blog to my rss reader, excellent stuff. Can not get enough!

Reply
film porno 9 يونيو، 2023 - 2:18 م

I was curious if you ever considered changing the layout of your blog? Its very well written; I love what youve got to say. But maybe you could a little more in the way of content so people could connect with it better. Youve got an awful lot of text for only having one or two images. Maybe you could space it out better?

Reply
empresa construccion y reformas zaragoza 12 يونيو، 2023 - 7:36 ص

Oh my goodness! I’m in awe of the author’s writing skills and talent to convey complex concepts in a straightforward and concise manner. This article is a real treasure that merits all the accolades it can get. Thank you so much, author, for sharing your expertise and giving us with such a priceless treasure. I’m truly grateful!

Reply
thùng xốp quận 10 14 يونيو، 2023 - 7:49 ص

Thanks for the write-up. My spouse and i have often observed that most people are eager to lose weight as they wish to look slim and also attractive. However, they do not usually realize that there are more benefits for losing weight also. Doctors declare that fat people experience a variety of ailments that can be directly attributed to their own excess weight. The good thing is that people that are overweight in addition to suffering from a variety of diseases can help to eliminate the severity of their particular illnesses by way of losing weight. You are able to see a gradual but noted improvement with health as soon as even a bit of a amount of weight-loss is reached.

Reply
free porn 16 يونيو، 2023 - 11:01 ص

My brother suggested I might like this website. He was totally right. This submit actually made my day. You can not imagine just how a lot time I had spent for this information! Thank you!

Reply
Indonedian porn 16 يونيو، 2023 - 3:50 م

Many thanks for this article. I will also like to mention that it can always be hard while you are in school and starting out to create a long history of credit. There are many individuals who are just simply trying to make it through and have a good or beneficial credit history can be a difficult point to have.

Reply
crypto casino 17 يونيو، 2023 - 1:48 ص

Howdy! I know this is kinda off topic nevertheless I’d figured I’d ask. Would you be interested in trading links or maybe guest authoring a blog post or vice-versa? My site covers a lot of the same subjects as yours and I think we could greatly benefit from each other. If you happen to be interested feel free to shoot me an email. I look forward to hearing from you! Wonderful blog by the way!

Reply
EscortsBliss Twitter 18 يونيو، 2023 - 5:30 ص

Thanks for giving your ideas with this blog. Also, a delusion regarding the finance institutions intentions any time talking about foreclosures is that the bank will not have my repayments. There is a degree of time which the bank requires payments here and there. If you are too deep inside hole, they’re going to commonly require that you pay the particular payment 100 . However, that doesn’t mean that they will have any sort of installments at all. In the event you and the financial institution can be capable to work something out, the foreclosure method may stop. However, if you ever continue to miss out on payments underneath the new program, the foreclosures process can just pick up exactly where it was left off.

Reply
1000 Watt Led Flood Light 20 يونيو، 2023 - 12:19 ص

Good day very cool site!! Man .. Excellent .. Wonderful .. I’ll bookmark your site and take the feeds additionally?I am glad to find so many helpful info here in the submit, we need develop more techniques in this regard, thank you for sharing. . . . . .

Reply
presupuesto energia solar 25 يونيو، 2023 - 2:53 م

Thanks for the tips you have provided here. Furthermore, I believe there are several factors which will keep your car insurance premium decrease. One is, to think about buying cars that are inside good report on car insurance providers. Cars which might be expensive are definitely more at risk of being lost. Aside from that insurance coverage is also based on the value of your truck, so the higher priced it is, then the higher the premium you pay.

Reply
iso payment processing 28 يونيو، 2023 - 6:21 ص

What?s Happening i am new to this, I stumbled upon this I’ve found It positively helpful and it has aided me out loads. I hope to contribute & aid other users like its helped me. Great job.

Reply
เย็ดนักศึกษา 3 يوليو، 2023 - 4:46 م

Thanks for the points you have discussed here. Yet another thing I would like to talk about is that computer system memory specifications generally increase along with other innovations in the engineering. For instance, as soon as new generations of processors are introduced to the market, there is usually a related increase in the dimensions demands of all personal computer memory as well as hard drive room. This is because the application operated by means of these processors will inevitably boost in power to use the new technological know-how.

Reply
What is a global cart 3 يوليو، 2023 - 10:15 م

Pretty section of content. I just stumbled upon your website and in accession capital to assert that I acquire actually enjoyed account your blog posts. Any way I?ll be subscribing to your augment and even I achievement you access consistently quickly.

Reply
fundraising app 6 يوليو، 2023 - 3:14 م

Thank you admin!

Reply
The Foundation Experts 6 يوليو، 2023 - 4:22 م

Hi, Neat post. There’s a problem with your site in internet explorer, would check this? IE still is the market leader and a large portion of people will miss your fantastic writing because of this problem.

Reply
Ecommerce 8 يوليو، 2023 - 11:11 ص

It was wonderfull content

Reply
Psychic Medium 9 يوليو، 2023 - 4:27 م

Hi! Do you know if they make any plugins to assist with Search Engine Optimization? I’m trying to get my blog to rank for some targeted keywords but I’m not seeing very good success. If you know of any please share. Thanks!

Reply
lucky cola 12 يوليو، 2023 - 10:38 ص

It?s really a nice and helpful piece of info. I?m glad that you shared this helpful info with us. Please keep us informed like this. Thank you for sharing.

Reply
Camera Supraveghere Portabila 13 يوليو، 2023 - 2:53 ص

Excellent goods from you, man. I have understand your stuff previous to and you are just extremely great. I actually like what you have acquired here, certainly like what you are saying and the way in which you say it. You make it entertaining and you still take care of to keep it sensible. I can not wait to read much more from you. This is actually a tremendous website.

Reply
Custom Cabinet & Kitchen in Cayman island 13 يوليو، 2023 - 5:34 ص

Hey There. I found your blog the use of msn. This is an extremely smartly written article. I?ll be sure to bookmark it and come back to learn extra of your helpful information. Thank you for the post. I?ll definitely comeback.

Reply
jago88 15 يوليو، 2023 - 11:41 م

The subsequent time I read a weblog, I hope that it doesnt disappoint me as much as this one. I imply, I do know it was my choice to learn, but I really thought youd have one thing interesting to say. All I hear is a bunch of whining about one thing that you can repair in case you werent too busy searching for attention.

Reply
mpo777 16 يوليو، 2023 - 6:44 م

Hello there, You have done an incredible job. I?ll certainly digg it and for my part suggest to my friends. I’m sure they’ll be benefited from this website.

Reply
how to start a merchant services business 19 يوليو، 2023 - 11:05 م

Hi there, I discovered your web site by way of Google at the same time as looking for a comparable matter, your website came up, it appears to be like good. I’ve bookmarked it in my google bookmarks.

Reply
moms working from home online 26 يوليو، 2023 - 4:06 م

Nice weblog right here! Additionally your website loads up very fast! What web host are you the use of? Can I get your affiliate hyperlink on your host? I wish my website loaded up as fast as yours lol

Reply
Metanail 1 أغسطس، 2023 - 12:38 م

This will be a excellent blog, will you be involved in doing an interview regarding just how you created it? If so e-mail me!

Reply
hula dancing 6 أغسطس، 2023 - 10:22 م

My partner and I stumbled over here from a different web address and thought I should check things out. I like what I see so now i am following you. Look forward to going over your web page repeatedly.

Reply
miami strippers 12 أغسطس، 2023 - 8:25 ص

I’m in awe of the author’s ability to make complicated concepts accessible to readers of all backgrounds. This article is a testament to his expertise and commitment to providing valuable insights. Thank you, author, for creating such an engaging and enlightening piece. It has been an absolute pleasure to read!

Reply
bingo plus 13 أغسطس، 2023 - 2:16 م

Thanks for your post. One other thing is that individual American states have their own personal laws that affect people, which makes it extremely tough for the the legislature to come up with a different set of guidelines concerning property foreclosures on home owners. The problem is that each state has got own legislation which may interact in a damaging manner on the subject of foreclosure policies.

Reply
Nicasio Co III cheater 16 أغسطس، 2023 - 11:18 ص

尼卡西奥公司 III 作弊者

Reply
nashville strip club 16 أغسطس، 2023 - 6:25 م

What?s Happening i’m new to this, I stumbled upon this I’ve found It positively useful and it has helped me out loads. I hope to contribute & assist other users like its helped me. Great job.

Reply
exotic dancers 16 أغسطس، 2023 - 8:53 م

Wonderful blog! I found it while browsing on Yahoo News. Do you have any suggestions on how to get listed in Yahoo News? I’ve been trying for a while but I never seem to get there! Thanks

Reply
merchant services agent 17 أغسطس، 2023 - 8:47 م

Magnificent beat ! I would like to apprentice at the same time as you amend your website, how could i subscribe for a blog site? The account aided me a applicable deal. I have been tiny bit familiar of this your broadcast provided vivid transparent concept

Reply
how to become a credit card processing agent 18 أغسطس، 2023 - 10:39 ص

WONDERFUL Post.thanks for share..more wait .. ?

Reply
paper bag 19 أغسطس، 2023 - 1:05 ص

Thanks for your short article. I would also like to say that the health insurance brokerage service also utilizes the benefit of the particular coordinators of any group insurance coverage. The health insurance broker is given a directory of benefits looked for by an individual or a group coordinator. Exactly what a broker does is hunt for individuals and also coordinators that best fit those needs. Then he presents his suggestions and if each party agree, the particular broker formulates a contract between the two parties.

Reply
nashville strippers 21 أغسطس، 2023 - 12:22 ص

I used to be very pleased to search out this net-site.I needed to thanks to your time for this excellent read!! I definitely having fun with every little bit of it and I’ve you bookmarked to check out new stuff you weblog post.

Reply
hollywood fl strip clubs 21 أغسطس، 2023 - 7:03 ص

Yet another thing is that when searching for a good on the net electronics shop, look for online stores that are continuously updated, trying to keep up-to-date with the hottest products, the top deals, and also helpful information on products. This will make sure that you are dealing with a shop that really stays on top of the competition and provide you what you should need to make educated, well-informed electronics expenditures. Thanks for the important tips I have learned through your blog.

Reply
selling merchant services 21 أغسطس، 2023 - 11:16 م

I will immediately take hold of your rss as I can’t in finding your email subscription link or e-newsletter service. Do you’ve any? Kindly let me understand so that I may just subscribe. Thanks.

Reply
vertical lathe 22 أغسطس، 2023 - 4:18 م

Heya i am for the first time here. I came across this board and I find It really useful & it helped me out much. I hope to give something back and help others like you helped me.

Reply
SMD LED 24 أغسطس، 2023 - 10:12 ص

I just added this blog to my google reader, great stuff. Can not get enough!

Reply
how to start a credit card processing company 25 أغسطس، 2023 - 4:35 م

Thanks for the ideas shared on your own blog. Yet another thing I would like to say is that fat reduction is not exactly about going on a dietary fad and trying to get rid of as much weight as you can in a couple of days. The most effective way to shed weight is by consuming it bit by bit and obeying some basic ideas which can enable you to make the most from your attempt to lose fat. You may understand and be following some tips, but reinforcing awareness never affects.

Reply
what is registered iso of a bank 29 أغسطس، 2023 - 2:17 ص

Hi there! I could have sworn I’ve been to this website before but after checking through some of the post I realized it’s new to me. Anyways, I’m definitely glad I found it and I’ll be book-marking and checking back frequently!

Reply
situs porno 29 أغسطس، 2023 - 7:09 ص

Thank you sharing these kind of wonderful blogposts. In addition, an excellent travel in addition to medical insurance system can often ease those issues that come with journeying abroad. Some sort of medical emergency can rapidly become extremely expensive and that’s absolute to quickly decide to put a financial impediment on the family finances. Having in place the ideal travel insurance program prior to leaving is definitely worth the time and effort. Thank you

Reply
try this out 5 سبتمبر، 2023 - 11:01 م

Good day! I know this is kinda off topic but I was wondering if you knew where I could locate a captcha plugin for my comment form? I’m using the same blog platform as yours and I’m having problems finding one? Thanks a lot!

Reply
machine for debit card 12 نوفمبر، 2023 - 4:01 ص

Useful post

Reply
virtual terminal credit card processing 22 نوفمبر، 2023 - 2:19 م

Useful post

Reply
anti fraud chargeback 26 نوفمبر، 2023 - 10:39 ص

Great share!

Reply
payment gateway fraud detection 14 ديسمبر، 2023 - 1:45 ص

Nice info!

Reply
clover credit card machines 27 ديسمبر، 2023 - 1:27 م

https://r.search.yahoo.com/_ylt=AwrEs55Wp4tlEF4eSaDrFAx.;_ylu=Y29sbwNiZjEEcG9zAzQEdnRpZAMEc2VjA3Ny/RV=2/RE=1704860758/RO=10/RU=https3a2f2fhelp.rapidcents.com2f/RK=2/RS=.mHn43T7r_PWUx.keVSimmBs3SQ-

Reply
qr code to pay 3 فبراير، 2024 - 2:44 ص

This is amazing, love the content , Thank you!

Reply
is it expensive to ship to canada 19 فبراير، 2024 - 9:10 ص

Kudos to the author for presenting complex ideas in a clear and concise manner. It makes the content easily digestible.

Reply
what is chargeback fraud 23 فبراير، 2024 - 3:52 ص

The comment section here reflects a community engaged in meaningful discussions. It’s great to see readers sharing their perspectives.

Reply
ecommerce platform recurring billing 18 أبريل، 2024 - 11:36 م

ach payment systems

Reply
interac machine 14 نوفمبر، 2024 - 1:46 ص

I found the links to additional resources at the end of the post very helpful for further exploration.

Reply
free donation software 19 نوفمبر، 2024 - 8:30 م

Great, Thank you!

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00