ثقافة و فنونعربي القرية التي وسمها الإسكندر باسمه أضحت مدينة العالم الكوزموبوليتي by admin 20 يوليو، 2022 written by admin 20 يوليو، 2022 46 أسرار الإسكندرية عبرت الحضارت وما برحت تشغل الشعراء والروائيين والفنانين اندبدنت عربية \ شريف صالح اكانت ثمة قرية للرعاة والصيادين اختارها الإسكندر عاصمته بعد احتلال مصر 332 ق.م. سُميت باسمه، وكانت أفضل حظاً من صاحبها الذي مات في ريعان الشباب، وأسعد قدراً من ست عشرة مدينة حملت اسم الإسكندر واندثرت جميعها. وصفها نابليون بونابرت بأنها “عاصمة الدنيا” لأنها واقعة بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. وحين دخلها عمرو بن العاص كتب إلى الخليفة: “لقد استوليت على مدينة فيها 4 آلاف قصر و400 حمام و400 مسرح”. ليس سهلاً أن تصمد مدينة لتقلبات العصور لأكثر من ألفي عام، وأن تبقى “عروس المتوسط”. حيث توسعت واشتهرت معالمها خصوصاً منارتها إحدى عجائب العالم القديم وإن باتت أثراً بعد عين بفعل الزلازل. كانت بحق مدينة العالم، تعايش فيها مصريون ويونانيون وسوريون ويهود ومغاربة وطليان، وانتشرت فيها ـ قديماً ـ اللغات الإغريقية والمصرية والآرامية والعبرية. الجذر الهيللنستي الإسكندرية القديمة (متحف طولون) لم تكن مجرد جغرافيا وسّعها اليونانيون على الساحل، بل نقطة التقاء حضارتين عظيمتين: إحداهما كانت في طور الأفول والأخرى توشك على البزوغ. تعززت الصلات القائمة بين مصر واليونان، حيث نقل هؤلاء معظم علوم وآداب وأسرار الحضارة المصرية لتشكل لاحقاً بذرة الحضارة الأوروبية. اهتم البطالمة بالطب والرياضيات والجغرافيا والفلسفة، وأنشأوا مكتبة الإسكندرية العظيمة إحدى أقدم جامعات العالم. فكان يتم تفتيش كل سفينة تمر لأخذ ما بها من كتب وإضمامات. وكان من أوائل من تولوا رئاستها زنودوتوس صاحب أول وأقدم نسخة منقحة لملحمتي هوميروس: الأوديسا والإلياذة، وأبوللونيوس مؤلف “الملحمة الأرجونيتية” عن رحلة آرجو لاستعادة الفروة الذهبية. خصص العلامة سليم حسن المجلد الرابع عشر من موسوعة مصر القديمة للحديث عن الإسكندرية وعصر البطالمة. ورأى أنها اشتهرت بالشعر أكثر من النثر. وكان الشعر يميل إلى التغني بالطبيعة والتصوير والحب والسخرية والأساطير. فاشتهر كالمياخوس بمقطوعات شعرية قصيرة وساخرة ومن أشهر قصائده نص “خصلة شعر برنيس” وهي زوجة الحاكم التي وهبت شعرها للمعبد فنظم مرثية له. بحسب نبيل راغب في كتابه “عصر الإسكندرية الذهبي” كانت هناك معركة شعرية بين كاليماخوس وتلميذه أبوللونيوس بسبب انحياز الأول للأبيجرامات والقصائد القصيرة، بينما دافع الآخر عن الملاحم الطويلة. وإلى المدينة وفد ثيوقريطس الذي تميز شعره بالفكاهة والأساطير والحب وأناشيد الرعاة. منارة الإسكندرية القديمة (غيتي) من أشعار الحب المنسوبة لأحد أمناء المكتبة: “من الذي يستطيع أن يجعل من الحب تمثالاً/ وأن يضعه بالقرب من البحيرة/ معتقداً أنه يمكن أن يطفئ لهيب الحب بالماء؟”. للأسف تعرضت المكتبة لحريق غامض طاول أكثر من أربعين ألف كتاب، وكان ذلك إيذاناً بأفول عصر ثقافي ازدهر لثلاثة قرون. عصر الرومان كانت الإسكندرية حلم رجل عظيم هو الإسكندر وبسبب أنانية امرأة هي كليوباترا انتهت إلى السقوط. هزمها أوكتافيوس فباتت مصر ولاية رومانية. تفاوت اهتمام الأباطرة بزيارة الإسكندرية، وممن قضوا فيها شهوراً هادريان المولع بالصيد حيث اعتاد أن يصطحب الشعراء وأبرزهم بانكراتيس الذي كتب عن صراع الإمبراطور مع أسد، ولشدة إعجابه بالقصيدة جعلها بمرتبة بلاغ رسمي فاستلهمها الفنانون في المنحوتات والنقوش. كانت المدينة تفقد تدريجاً العلم الإغريقي الذي شيدت على أساسه والتسامح الديني، ومباهج الفنون. وليس أدل على ذلك من قرار الإمبراطور كاراكللا إذ منع العروض المسرحية والمآدب العامة وفصل بين المناطق بأسوار وحراس حتى لا يتبادل الناس الزيارات. المكتبة القديمة التي كانت تضم أهم المخطوطات (متحف طولون) وشهدت تلك الحقبة صراعات بين أتباع المسيحية ـ الديانة الناشئة آنذاك ـ وبين الوثنيين. فيما استمر الجانب المبهج في الملاهي والموسيقى، لكن العلوم والآداب تراجعت، إذ حرقت الكتب وخربت المدارس وقُتلت الفيلسوفة وعالمة الرياضيات هيباتيا ومُثل بجثتها في الشوارع، وكتب عنها بورفيري أحد أتباع أفلوطين:”عندما أفكر ملياً في كتابتكِ/ وفيكِ أنتِ يا هيباتيا المبجلة/ عندئذ أركع لمرأى/ وطن العذراء المزدان بالنجوم”. لم تكن هيباتيا فيلسوفة وعالمة من الصف الأول لكن مقتلها المأساوي كان نبوءة لرعب سوف يجيء. واستلهمت روايات وأفلام كثيرة قصتها منها فيلم Agora ويوسف زيدان في روايته “عزازيل”. استمر بعض الشعراء يكتبون باليونانية ويحاولون محاكاة الشعراء العظام. ولم تضعف اللغتين اليونانية والقبطية إلا مع دخول العرب إلى مصر. دخول العرب مثلت الإسكندرية حضارة ضفتي المتوسط المصرية واليونانية، بينما كانت القاهرة خير تمثيل للحضارة العربية. مع توالي العصور العربية والإسلامية من أمويين وعباسيين وفاطميين وأيوبيين ومماليك وعثمانيين تراجعت مكانة الإسكندرية السياسية والثقافية لأسباب كثيرة، منها أن القاهرة باتت العاصمة الرسمية، والانشغال أكثر بالكتب الدينية واللغوية، مسيحية وإسلامية. المكتبة الجديدة (صفحة فيسبوك) كأن تيارين كبيرين تصارعا وامتزجا في هوية المدينة، التيار الفرعوني الهللينستي، مقابل تأثير الديانات السماوية الثلاث. فالإسكندرية حفظت الكلمة المقدسة لأول الكتب السماوية الثلاثة؛ ففي رحابها أمر بطليموس الثاني بكتابة أقدم نسخة معروفة للتوراة باللغة اليونانية بمشاركة 72 حبراً، سميت بالنسخة السبعونية. وكانت كتابتها باليونانية ـ اللغة العالمية آنذاك ـ إيذاناً بأفول استعمال العبرية. وضمت المدينة آنذاك جالية يهودية كبيرة ونافذة. وكانت من أوائل المدن التي اعتنقت المسيحية وأنشأت الكنيسة المرقسية، وبعد دخول الإسلام غلبت الثقافة الدينية حيث قدر ابن الأثير عدد مساجدها آنذاك بعشرين ألف مسجد، وظهر بها أئمة ومتصوفة كبار مثل الإمام الشاطبي (باسمه منطقة إلى اليوم) وأبو بكر الطرطوشي والشيخ العجمي (له منطقة باسمه) وأبي الحسن الشاذلي وتلميذيه المرسي أبو العباس وابن عطاء الله السكندري. آنذاك قدمت هجرات من الأندلس والمغرب العربي، وزارها الرحالة ابن جبير حيث أشاد بحسن موقعها واتساع مبانيها واحتفال أسواقها وعجيب منارتها. مرفأ المدينة (صفحة فيسبوك) سعى الفاطميون لبث دعوتهم الدينية والسياسية في الإسكندرية أولاً ودخلوها قبل القاهرة وهنأ ابن هانئ القائد جوهر الصقلي قائلاً: “وقد جاوز الإسكندرية جوهر/ تصاحبه البشرى ويقدمه النصر”. وكان من أشهر شعرائها ظافر الحداد وعلي بن عياد وابن قلاقس وابن مكنسة المعروف بالفكاهة والعذوبة. لكن للأسف معظم الشعر الفاطمي أباده الأيوبيون فيما أبادوا من تراث ذلك العصر، بحسب أحمد النجار في كتابه “الإنتاج الأدبي في الإسكندرية في العصرين الفاطمي والأيوبي”. ولا نعدم بزوغ اسم شاعرة في العصر الأيوبي هي تقية بنت غيث التي وصفت إحدى رياض الإسكندرية بقولها:” والورد يحكي وجنة محمرة/ انحل من فرط الحياء لثامها”. في العصر العثماني ازداد التراجع وعلى رغم ذلك حافظت على روحها الكوزموبوليتانية، وتزايدت هجرات الأرمن والشركس والشوام والطليان واليونانيين بحثاً عن فرص في الصيد والملاحة والتجارة، خصوصاً عقب الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الأولى. العصر الحديث ظل النسيج السكندري لأكثر من ألفي عام، بالغ الثراء والتعقيد. وكثرت النصوص التي كتبها مبدعون اسكندريون ـ وإن اختلفت أصولهم ـ أشهرهم قسطنطين كفافيس (1863 – 1933) الذي وصفه فورستر بأنه “رجل يوناني يرتدي قبعة من القش ويقف بلا حراك على الإطلاق بزاوية طفيفة من الكون”. الشاعر اليوناني الكبير كفافيس (متحف كفافيس) كتب كفافيس عشرات القصائد وأسهم في إحياء الشعر اليوناني عالمياً واعتمد على تجاربه الشخصية واستلهام أساطير وأبطال العصر الهللينستي، وتحول بيته في الإسكندرية إلى متحف. شاعر اسكندري آخر مهم من أصل إيطالي هو غوزيبي أونغاريتي (1888 – 1970) غادرها إلى إيطاليا ثم فرنسا في الرابعة والعشرين من عمره. كان يكتب بالإيطالية والفرنسية وتأثر بالتيار الرمزي والتجريبي إضافة إلى إحساسه بالموت بسبب اليتم وفقد أبيه، وتجربة الجندية إبان الحرب العالمية، ومن أجوائها كتب: “ليلة بأكملها،/ أتمدد بجوار رفيق مذبوح،/ فمه العابس في اتجاه القمر،/ بدكنة يديه التي اخترقت صمتي،/ كتبت رسائل مليئة بالحب/ لم أكن قط ملتصقاً بالحياة هكذا”. رباعية داريل ولا يمكن السياحة عبر تاريخ الإسكندرية من دون المرور برباعية لورانس داريل (1912 – 1990) على رغم أنه إنكليزي من مواليد الهند لكنه طاف ببلدان عدة، وجرب حظه في الشعر لكن صداقته الوطيدة مع هنري ميللر دفعته بقوة إلى عالم السرد. عاش لفترة في حي محرم بك في فيلا “أمبرون” ضيفاً على صاحبها المهندس الإيطالي هرباً من الحرب العالمية الثانية، حيث التقى زوجته الثانية السكندرية إيف كوهين، ومن وحيها ووحي المدينة كتب رباعيته الشهيرة: جوستين، وبلتازار، وماونت أوليف، وكليا. لورانس داريل صاحب الرباعية (صفحة الكاتب – فيسبوك) وزارها مجدداً في شيخوخته عام 1977 لتجهيز وثائقي عنه، فكتب متحسراً عن تبدل أحوالها واختفاء القصور والحدائق تحت زحف كتل خراسانية قبيحة. تأسست روايته على فضاء الإسكندرية إبان الحرب العالمية الثانية، وطبيعتها الكوزموبوليتانية حيث تعدد الأعراق والأديان، وهي رؤية كولونيالية استعلائية تنظر للإسكندرية كحلم أوروبي ونموذج أفسده أهل الشرق إذ صبغوه بالدين الواحد والعرق الواحد، وهي رؤية صحيحة جزئياً. وثمة روائيون يونانيون أقل شهرة مثل ذيميتريس ستيفاناكيس مؤلف “أيام الإسكندرية” التي تعالج النصف الأول من القرن العشرين وتحولات المدينة والجالية اليونانية. ومن المؤكد أن لدينا تياراً كاملاً من الكتابات الروائية والسيرية لمبدعين من أصول أوروبية مختلفة عاشوا فيها قبيل الخروج الأخير الذي واكب جلاء الاحتلال وقيام جمهورية يوليو. زعفران إدوار الخراط إدوار الخراط روائي المدينة (صفحة الكاتب – فيسبوك) أما من ليسوا من أصول أوروبية، فأبرزهم الروائي إدوار الخراط (1926 -2015) والمفارقة أنه لم يكتب عنها إلا بعدما هجرها إلى القاهرة. كأنها تحولت إلى مدينة ميتافزيقية تهيمن على وعيه بحكاياتها وأساطيرها، ففي “ترابها زعفران” حاول التملص من كونها نصوص “سيرة”. وأضاف: “هي وجد، وفقدان، بالمدينة الرخامية البيضاء ـ الزرقاء، التي ينسجها القلب باستمرار، ويطفو دائماً على وجهها المزبد المضيء”. استحوذت المدينة أيضاً على مشروع الروائي محـمد جبريل (1938) خصوصاً “رباعية بحري: أبو العباس، ياقوت العرش، البوصيري، وعلي تمراز”، وهو ما يوحي ـ لا شعورياً ـ باقتفاء أثر داريل على نحو مضاد، لتقديم الرؤية الشعبية المسكوت عنها، عن الفترة ذاتها من عمر المدينة. ويأتي إبراهيم عبد المجيد (1945) ضمن من كتبوا عنها بعد هجرتهم إلى القاهرة، خصوصاً “لا أحد ينام في الإسكندرية” الحائزة جائزة نجيب محفوظ، وتقع في أكثر من خمسمئة صفحة. وحرص عبد المجيد في التقديم إلى الاستعانة بجمل من داريل وكفافيس، كأنه ينسب نفسه امتداداً لهم في الانتماء والمشروع. ولم يبعد عن الفترة الزمنية ذاتها. هذا الإلحاح على تلك السنوات القليلة ليس فقط لما شهدته من أحداث جسام غيرت وجه العالم، لكن يبدو أنها كانت اللحظة التاريخية الحاسمة التي انكفأت فيه المدينة على ذاتها، وفقدت مجدها القديم. في المقابل لدينا أدباء سكندريون ولدوا وحافظوا على العيش فيها مثل سعيد سالم ومصطفى نصر. مع ذلك ليس شرطاً أن تكون سكندرياً بالمولد والمعيشة كي تقع في هواها، أو تغني لها كما غنت فيروز، إنها حنين دائم لعباقرة ولدوا ونشأوا فيها مثل جورج موستاكي وديميس روسوس وسيد درويش وعمر الشريف. ولمبدعين كبار انتموا إليها روحياً ورأوا فيها المدينة الحلم. فأي وحي ألهم الكاتب الفرنسي أناتول فرانس (1844- 1924) الحائز على نوبل، كي يكتب روايته “تاييس” عن فاتنة سكندرية في عصر الرومان؟ حيث سعى لهدايتها أحد الرهبان، وعلى رغم استجابتها إلا أن قلب الراهب انشغل بها عن الإيمان، وضمن فرانس روايته حوارات مطولة تعرض للفلسفات الرواقية والأبيقورية التي ميزت المدينة في عصرها الذهبي. وعلى خطى “شيفرة دافينشي” استلهم الكاتب الأميركي ستيف بيري (1955) مكتبة الإسكندرية في تشييد رواية قوطية غامضة بعنوان “لغز الإسكندرية”. إنها مدينة تحيا في الوعي والتراث الإنساني أكثر مما هي في الواقع الآني، تعكس صدى السنين والأغاني وقصص الحب والبطولة والأساطير والأديان. ولعل أبلغ عنوان يعبر عنها كتبه مايكل هاج “الإسكندرية: مدينة الذكرى”، أو كما قال شاعرها كفافيس: “سوف تلاحقك المدينة… وستهيم في الشوارع نفسها بلا نهاية”. المزيد عن: العصر اليوناني\مدينة كوسموبوليتية\لورانس داريل\إدوار الخراط\كفافيس\شعراء 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post المغربية مريم التوزاني تفجر المكبوتات في فيلم “ازرق القفطان” next post ترودو يعد بمزيد من المال للصحة، لكن ليس دون شروط You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024