شنيد أوكونور مغنية إيرلندية حولت آلامها وآلام الآخرين إلى موسيقى

انطلقت أوكونور، الفنانة المعقدة والرائعة، إلى عالم الشهرة سنة 1990 مع نسختها من أغنية برينس “لا شيء يقارن بك”، مواجهة الأمة بكل صدمتها وضعفها.

اندبندنت عربية \ هيلين براون

سماع الأخبار المروعة عن وفاة شنيد أوكونور (في سن الـ56 فقط) سيعيد كثيرين منا إلى ظهورها الذي أثار صدمة ثقافية في برنامج “أفضل أغاني البوب” على شاشة “بي بي سي” في عام 1990. محاطة ببحر ساحر من الشابات المرتديات الجينز الباهت وذوات الشعر الأشقر الكثيف، وقفت هناك بكنزة سوداء ذات ياقة عالية تغني أغنية برينس “لا شيء يقارن بك” Nothing Compares 2 U. كانت لوحدها، باستثناء إيقاعات الدرامز والثلج الاصطناعي المحيطين بها.

لا أعتقد أن الأمة البريطانية قد شهدت في أي وقت من الأوقات هذا الكم من الهشاشة ممزوجاً بمواجهة لا تتزعزع. كان الوجه الساحر وتلك العينان الواسعتان برموشهما الكثيفة في تناقض آسر مع الرأس الحليق والفك الجامح والنظرة البرية ولكن الخاضعة للسيطرة الكاملة. كان الصوت رقيقاً بشكل غريب، لكن أوكونور توغلت بعمق في الزوايا الخجولة لكل الأحرف الساكنة كما لو كانت تفقأ الدمامل.

كانت تغني أغنية حب كتبها برينس عام 1985، في العام نفسه الذي شهد وفاة والدة أوكونور في حادثة سيارة لما كانت هي في الـ18 من العمر، لكن الرسالة التي أوصلتها كانت: “أشعر بألم لا يطاق، وأحتاج منكم أيها الأوغاد أن تعرفوا عرضه وعمقه واتساعه حتى نتمكن من تحمله معاً”. كان ماضيها –الذي شهد إزالتها من حضانة أم عنيفة شعرت أنها “ليست لديها قدرة على الحب”– محمولاً فوق كتفها مثل تابوت. كان جمهور التلفزيون من حاملي النعوش متزعزعاً ومتفاوتاً تحت الحمل.

بعد أكثر من ثلاثة عقود، أصبحنا أكثر دراية بمظهر وأصوات الأشخاص الذين يعبرون عن الصدمة، لكن في ذلك الوقت، كان سلوك أوكونور جديداً جداً، يهز المشاعر وغير مريح. كي تكون لديكم فكرة عن السياق في تلك المرحلة، فإن عام 1990 هو العام الذي حصل فيه جيمي سافيل على لقب الفروسية الخاص به. لم يكن من يمتلكون السلطة مستعدين بعد لسماع ما يقوله ضحاياه وكانوا يعرفون ذلك. كان بإمكان المملكة المتحدة فقط -وبسبب وجود شكاوى- أن تتسامح مع ما تقوله ضحية ما إذا جاء بطريقة آمنة على هيئة أغنية حب، مرفقة بموقعها المثير للضحك في سباق الأغنيات.

كفتاة في الـ15 من عمري، شعرت بالسعادة والخوف والأهم من ذلك كله كان لديّ فضول حيال أوكونور. لم يكن لدى وقت للصبيان في المدرسة الذين يحبون مجلات الروك، الذين هزئوا من نجاحها لكونه عائداً إلى عبقرية برينس. كانت هذه المرأة الغريبة تمتلك شيئاً ما، لكن ما هو؟ اقتنيت الألبوم مسجلاً على شريط كاسيت، وفي حين أنه لم يكن هناك شيء يضاهي التجربة المربكة لمشاهدتها تغني، فقد استمتعت بالطريقة التي يمكن أن ينتقل صوتها من الزمجرة إلى التنهد في مساحة نصف كلمة. كيف كان بإمكانها ابتلاع الغضب أو تركه يثور كما يشاء. أدركت لاحقاً أن إتقانها المطلق للعاطفة في الغناء كان مخالفاً لما بدا عجزاً عن التحكم بها في حياتها الحقيقية.

لأي شخص مهتم بسيرة أوكونور، أوصي بالفيلم الوثائقي الممتاز لـكاثرين فيرغسون “لا شيء يقارن” Nothing Compares الصادر عام 2022. من خلاله، ترون أوكونور الشابة تكافح ضد الكنيسة الكاثوليكية المتحيزة جنسياً، التي تخفي سوء المعاملة، ومجبرة على العيش في الحديقة، معترفة بأن الموسيقى كانت “علاجي، أردت فقط أن أصرخ”.

أتذكر مقابلة وصفت فيها نفسها لما كانت طفلة تبلغ من العمر ثماني سنوات، أبعدت عن والدتها وأمضت طوال اليوم مستلقية على السرير “تعوي مثل ذئب”. حتى في أكثر حالاتها إيلاماً وضعفاً، كانت أوكونور المفصولة عن قطيعها غير المكترث، تصور نفسها على أنها مخلوق قادر على مواجهة العضة بواحدة مثلها.

واصلت المسير بمفردها، لا تعرف الخوف ظاهرياً رغم أنها كانت خائفة في كثير من الأحيان. واصلت إعلاء صوتها بشكل مثير للجدل –وكنسوية- عن السياسة والدين والجنس، بينما كانت تتجول في برية تجارية مع ألبومات تقدم فيها أغنيات موسيقى الريغي وأحياناً تأملات ذات ألحان متواضعة.

تزوجت أربع مرات، وأنجبت أربعة أطفال، وتردد أنها حاولت الانتحار وأنه تم تشخصيها باضطراب ثنائي القطب. كانت لديها علاقات مع النساء وكذلك الرجال. رسمت في كهنوت ترايدنتاين واعتنقت الإسلام في عام 2018. عندما توفي ابنها شين منتحراً في الـ17 من عمره العام الماضي، ودعته على الطريقة الهندوسية.

باختصار، كانت حياتها فوضوية ومشوشة، لكنني لا أعتقد أنها كانت قادرة على الكذب. بين هذه الفوضى، كانت هناك إنسانة استثنائية وذكية ولكن محطمة تبحث بضراوة عن حقيقة لتتشبث بها، ناهيك بالتسجيلات العظيمة العديدة التي حققتها عبر رحلتها. أتعرض للسخرية بسبب هذا، لكنني ما زلت من المعجبين بنسختها من أغنية “تضحية” Sacrifice لإلتون جون. أعتقد أن أوكونور تفعل شيئاً يتجاوز السحر، على أنغام القيثارة، وهي تكرر في الخاتمة جملة “لقد أعطيت قلبي”. إنها عبارة اتهامية وخاضعة وتساؤل وإجابة. لقد كانت أوكونور كل شيء. أوصي أيضاً بالاطلاع على ألبوم “ما رأيك في أن أكون نفسي (وتكون أنت أنا)”How About I Be Me (And You Be You) الصادر عام 2012، والذي بدت فيه وكأنها تستعيد التركيز وتغني بفرح وشدة ملهمة: “لا أريد أن أضيع الحياة التي منحني إياها الله/ ولا أعتقد أن الأوان قد فات لإنقاذي”.

على كل حال، بدا في النهاية أن أوكونور تعتقد أنه لا يمكن إنقاذها. في منشور حديث على وسائل التواصل الاجتماعي، تحدثت عن “العيش كمخلوق ليلي غير ميت” منذ وفاة شين. ووصفت ابنها بأنه “حب حياتي، ومصباح روحي”.

كشخص تربى على يد أم تعاني من مشكلات مع سلامتها العقلية، آمل أن يعرف أبناؤها الآخرون أنها ربما لم تكن تفكر بشكل سليم عندما قالت ذلك. آمل أن يفهموا أن الخسارة تؤثر في الرؤيا أكثر من أي شيء آخر. أنا متأكدة من أنها في أيامها الجيدة كانت تحبكم جميعاً ولن تتمنى لأي منكم الألم الذي تشعرون به الآن. لأن شنيد أوكونور كانت مغنية قادرة على تخفيف آلام أي من مستمعيها من خلال غنائها لهم بوضوح شديد. كانت قوة تغيير مؤثرة في ثقافة رفضت في ذلك الوقت سماع صدمة الناس. من المحزن للغاية أنها لم تتمكن أبداً من تخفيف آلامها لفترة كانت أطول بكثير مما استغرقته في الغناء عنها.

© The Independent

المزيد عن: شينيد أوكونوراضطراب ما بعد الصدمة النفسيةاضطرابات نفسية