الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Home » مهى سلطان تكتب عن: “غاليري ميم” في دبي يحتفي بالفنّان أسادور… رسام الذّاكرة والغربة والفَقْد

مهى سلطان تكتب عن: “غاليري ميم” في دبي يحتفي بالفنّان أسادور… رسام الذّاكرة والغربة والفَقْد

by admin

 

هكذا ترتدي الطبيعة المعمارية الهندسية في محفورات أسادور وجوهاً استعارية – شعرية عديدة، متّصلة بالإنسان – المتنزّه العابر – الذي يكتشف حطاماً ومخلّفات من أشياء مفقودة، متناثرة على أرض محروقة، مليئة بالفجوات المظلمة، والمربعات والدوائر والمثلثات

 النهار العربي \ مهى سلطان      

الدخول إلى عالم الفنان أسادور يشبه المتاهة، ليس لأنه معقّد ومغلق، بل لأنه ساحر بخلائه وبقع أنواره وأشباح ظلاله وبلاط غرفه المتقاطعة حتى آخر الأفق.

في ذاك العالم، يخيّم الصمت الذي لا يقطعه سوى تدحرج عجلات على سكك مرقّمة في فضاء مأهول بالكواكب والأقمار والمثلثات والأدوات والأرقام والجداول الحسابية، ما يوحي بأن البحث عن جماليات المكان لا يتم إلا من سبيل الهندسة.

وهو بحث مضن وحثيث وأحياناً غير مجدٍ، لأن المكان ليس على الأرض وليس له وجود في الحقيقة ولا في الواقع، بل يشبه المنام حين يغدو ويروح ويترك بصمات عبوره على لحاف السماء.

الحديث عن فن أسادور يأتي بمناسبة المعرض الذي تقيمه له “غاليري ميم” في دبي (حتى 9 أيلول/ سبتمبر 2023)، تتويجاً لسلسلة معارضها المستمرة التي تركز على صناعة الطباعة الفنية في العالم العربي، التي وصلت إلى جزئها السابع (Arab Print VII).

يضمّ المعرض خمسة عشر نقشاً لأسادور، هي بمثابة شهادة على حياته المهنية المتميزة في الطباعة والنقش. تعكس أعماله الفنية الآسرة تراثه وطفولته ونشأته وأمواج أحلامه الصاخبة، التي أدت إلى خلق عالم جديد وخيالي، عالم يتناول فيه موضوعات الهوية والذاكرة والفَقْد والاغتراب والتجربة الإنسانية.

ولد أسادور بزديكيان (المعروف عالمياً باسم أسادور) في ضواحي برج حمود في بيروت عام 1943 لعائلة من أصول أرمنية. نشأ في وسط البيئة المتنوعة والنابضة بالحياة والغنية ثقافياً في العاصمة اللبنانية، حيث تعرّض لعدد لا يحصى من التأثيرات الفنية التي من شأنها تشكيل أسلوبه الفني.

“كان أسادور دائماً غريباً، نظراً لشخصيته المتمردة، لم يكن خائفاً من تحدي الوضع الراهن”، كما أشار الناقد جوزيف طراب في مقالته التي كتب فيها يقول إن: “أسادور يسعى إلى وضعنا في منطقة غير مألوفة، لزعزعة الاستقرار وإثارة الارتباك فينا”.

تأليف بيضاوي – محفورة من مجموعة غاليري ميم

 

 

غنائي ومنطقي

تلقى أسادور تعليمه على يد الفنان جان خليفة، وكان دون العشرين من عمره حين سافر إلى إيطاليا لدراسة النقش والرسم في أكاديمية بيترو فانوتشي في بيروجيا، بعدما حصل على منحة دراسية من المركز الثقافي الإيطالي في بيروت.

وفي بيروجيا، بدأ في تنفيذ نقوشه الأولى تحت تدريب كاهن فرنسيسكاني محلي يُدعى الأب دييغو.

أثناء إقامته في إيطاليا، زار أيضاً روما وفلورنسا وبعض العواصم الإيطالية، فتأثر بأعمال أساتذة عصر النهضة الإيطاليين الأوائل أمثال جيوتو وأوتشيلو وسيمابو.

في عام 1964، فاز أسادور بمسابقة نظّمها قسم الفنون التابع لوزارة التربية اللبنانية، نال على أثرها منحة دراسية لمدة ثلاث سنوات، فالتحق بالمدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس، حيث تدرب على يد الفنان الفرنسي لوسيان كوتود، وهو شخصية محورية في رحلة الفنان وتوجهاته الفنية، كما كان لباريس تأثير عميق وتحويلي على نهجه في صناعة العمل الطباعي، يقول أسادور: “اخترت الطباعة، لأنني أحببت عملية النقش. عند الطباعة، يجب أن تكون جاداً ومنضبطاً، لأنها تجربة طويلة وشاقة. من ناحية، أنا منطقي جداً، ومن ناحية أخرى، أنا غنائي جداً. أحتاج إلى كلا الجانبين، وهو أمر ليس سهلاً أبداً بالنسبة لشخصية متناقضة”. (منشورات متحف أوستهاجن هاجن، قصتي الصغيرة، أسادور، 2022).

ملصق معرض الفنان أسادور في غاليري ميم في دبي

 

الوجود العبثيّ

مقيمٌ منذ أواخر ستينات القرن العشرين في باريس. تخطّت شهرته العواصم العالمية، لأنه من الحفّارين القلائل الذين أوجدوا طرائق لاستمرار التقنيات الطباعية في مخاطبة عصرها والتعبير عن مشاعر العزلة والحلم وضياع الأمكنة وعوالم الخيال. في أوائل السبعينات انضم أسادور إلى عدد من المنظمات والصالونات الفرنسية المرموقة، ومنذ عام 1975 كان عضواً من أعضاء الرسامين-الحفّارين الفرنسيين.

بدأت شهرته تتصاعد مع فوزه بالميداليات الذهبية والجوائز التي نالها عن مشاركاته في معارض الغرافيك، لا سيما في إيطاليا وباريس، بالإضافة إلى إقامة معارض فردية عبر أوروبا.

في تلك المرحلة أخذ أسلوبه يتجه نحو دمج الصور الرمزية والمناظر الطبيعية المجزّأة مع طبقات من الملامس اللونية والظلّية، وكان يجمع بمهارة بين عناصر الواقعية والتجريد، ويمزج بين العوالم المادية والميتافيزيقية.

شهدت أعماله على حضور تيمة الدمية المفككة، تلتها مرحلة أشياء وركام، مع ظهور أشكال هندسية في مناخ عبثي وشعري أقرب إلى الفانتازيا. كما أن استخدامه وتفاعله المنظّم للأرقام والحروف والخطوط والأشكال أدى إلى إنشاء لغة بصرية ثرية المعالم والتفاصيل، تُحرّك إيهامات عالمه الهندسي المبهم، المكوّن من مادتين هما الهوس بالوقت والخوف منه. كل ما له علاقة بالوقت – الأرقام، الأجزاء، حتى العناوين التي يضعها على محفوراته مرتبط بالوقت ومروره. هذا التعلق بالأرقام ينعكس على تاريخ معرضه الذي يقفل في اليوم التاسع من الشهر التاسع من عام 2023.

في الثمانينات بدأت تدخل الألوان على محفوراته، فتبنّى أسادور نهجاً أكثر تجريداً وتصورياً لأعماله الفنية، مبتعداً من استخدام عناوين محددة. كان هذا اختياراً متعمداً لدعوة مجموعة أوسع من التفسيرات وإشراك المُشاهد في حوار أكثر شخصيةً واستبطاناً.

يتضح تركيزه على المناظر الطبيعية المجردة من خلال هيكلة وتجميع العناصر والزخارف المختلفة التي يطبقها عادةً، مثل الحروف التي تقطعت بها السبل أو الأنماط التي تُشكل المنظومة الكونية التي أنشأها أسادور واشتهر بها. كما وسّع ممارسته إلى ما وراء استخدام اللوحات والألواح النحاسية، فوجدت محفوراته طريقها إلى أغلفة وصفحات الكتب ودواوين الشعراء العرب والفرنسيين المعاصرين. أما في التسعينات وما تلاها فقد ركّز على الحضور الإنساني الذي يتماهى مع الأيقونية البوذية والأقنعة الأفريقية. وفي مرحلته الأخيرة، أخذت أعماله تتجه نحو تجسيد المشهدية الكونية بهندستها المتخيلة مع القامة البشرية بين النظام والفوضى.

لعلّ سر لوحة أسادور هو أنها تبتغي بعث الحياة في الأشياء الساكنة والجامدة. الاستحالة تغدو شيئاً ممكناً إذا ما قورنت ببحثه أيضاً عن مدن مفقودة، وفي بحثه الجاري عن هذه المدن يقوم أسادور مثل منقّب عن الآثار بالحفر بواسطة الإبرة على سطح المعدن، في عملية شبيهة بالتنقيب في باطن الأرض، حيث يتم رفع الركام والأنقاض وصولاً إلى بواطن عميقة ولجج وطبقات منسية، شبيهة بطبقات الذاكرة. من السطح الأعزل إلى العمق هي الحركة نفسها التي يتم فيها البحث عن الذات، التي تتوارى خلف أقنعتها العديدة المتحايلة درءاً من الكشف عن العواطف المخبأة وصور الطفولة الهاربة، وخاصة الوجود العابث.

لوحة من أعمال أسادور من مرحلة الثمانينات

 

 

سرّ الولع بالأرقام

هل تلتقي دروب أسادور مع الدروب التي حفرها في عصر النهضة الألماني الشهير ألبرشت دورر Albrecht Dürer، في بحثه عن أسرار الأعداد والأرقام السحرية والشيفرات الملغزة، حين ربط الفن بالعلم حتى وصل إلى الكآبة التي أضحت عنوان محفورته المعروفة باسم Mélancolie.

على الأرجح أن العقلانية الحسابية لدى أسادور، تشير إلى العمق الحضاري لمدن قديمة مندثرة في رمال الأزمنة، حيث كانت العلوم الرياضية والحسابية سبباً في تطوّر منشآتها ومعابدها، ولم يبق منها سوى طقوسها السحرية، وقد تحتمل أيضاً تلك العقلانية الهندسية قراءات متأتية من فانتازيا البحث عن اللامألوف وعناصر الدهشة والصدمة التي تحدثها عناصر غريبة مجاورة بعضها لبعض في فكر شعراء السوريالية وفنانيها. لكنْ، ثمة هاجس آخر يسيطر على لوحة أسادور هو كابوس المدن الصناعية والعالم التكنولوجي والازدحام الخانق، ما يدفع الفنان إلى عزل نفسه خارجه، لذا يرسم فراغ المدينة على أنه الفراغ الجوّاني المحسوس، كما رسم جيورجو دي شيريكو من قبل المدن الخاوية في حلمه الميتافيزيقي، حين صوّر الإنسان شبيهاً بمانيكان الخياطة في ساحات شاسعة وفارغة إلا من الأبراج والأبنية المغلقة على ذاتها.

محفورة من مجموعة غاليري ميم عام 1999

 

الطّبيعة الهندسيّة

هكذا ترتدي الطبيعة المعمارية الهندسية في محفورات أسادور وجوهاً استعارية – شعرية عديدة، متّصلة بالإنسان – المتنزّه العابر – الذي يكتشف حطاماً ومخلّفات من أشياء مفقودة، متناثرة على أرض محروقة، مليئة بالفجوات المظلمة، والمربعات والدوائر والمثلثات، وسط عالم من الرموز والتبصيمات والإشارات التي تؤكد قوة الفراغ والغياب والهجرات في أعقاب المجازر والحروب، بل قوة حضور الأثر Trace. إنها مناظر لفضاء مريب أو لأرض مجهولة، من منظور جوي استكشافيّ وأحياناً من منظور أفقي – داخليّ، تتبدى كجسد مفتوح للعراء، كصحراء الذاكرة القتيلة التي يمشي عليها رجل أو امرأة من أشباه الدمى الخشبية، والدمية تحمل بيدها دولاب الزمن، كرمز للقفزة الحضارية في التنقل والحركة والتقدم العلمي، لتبيان تلك العلاقة التعارضية المأساوية بين تطوّر أدوات العلم وانقراض البشرية.

المزيد عن: الفنان أسادور

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00