الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » هدم جبانات مصر… موت قديم بأكفان جديدة

هدم جبانات مصر… موت قديم بأكفان جديدة

by admin

أوجاع الفقد تتكرر بصورة أثقل ومواطنون يبحثون عن مقابر ذويهم البديلة ولا يملكون غير الدموع

اندبندنت عربية \ عبد الله عويس صحافي مصري

باب صغير يفصل ما بين عالمي الأحياء والأموات، وتجلس ندى عمران أمام قبر جدها وجدتها لأبيها، منفذة وصيتهما بعدم قطع الزيارات، تحدثهما حديث الأحياء وتأنس بوجودها في المكان فتخاطبها كما لو كانا مستمعين من دون انتظار رد، وتقرأ لهما الفاتحة وما تيسر من القرآن، لكنها ومع انتشار صور هدم بعض مقابر مصر التاريخية سارعت إلى هناك لتكتشف أن رفاتي جدها وجدتها لم يكونا موجودين في المكان منذ ثلاثة أشهر.

كان انتشار صور هدم بعض مقابر الإمام الشافعي والسيدة نفيسة وغيرها من مقابر منطقة القاهرة التاريخية بدعوى التطوير باعثاً على أن تذهب ندى إلى مقابر جدها التي تقع على بعد أمتار من مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة، لترى الهدم قد وقع ولم تعد هناك مقبرة لتصرخ فيمن حولها “أين جدي وجدتي؟”.

أين جدي؟

ما بين حيرة ودهشة وبكاء، قطع تساؤلاتها عامل في تلك المقبرة ليخبرها أن الهدم جرى بالأمس، أي في الـ 28 من مايو (أيار) الماضي.

ضاعت الكلمات من رأس الشابة وقد أخذها الخوف على مصير جدها وجدتها، ثم تمالكت نفسها قبل أن تتصل بالأسرة عبر الهاتف ليطمئنوها أنه قد جرى نقلهما مسبقاً، لكن الأسرة لم تخبرها كي لا تتأثر بالأمر لصلتها القوية بجدها.

المدافن التي تعرضت للهدم تضم في ما بينها مدافن مسجلة كمكان أثري (مواقع التواصل)

 

يحترم المصريون الموتى ويؤمنون بالعالم الآخر منذ المصري القديم ومعتقداته، وكذلك تؤمن بذلك الأديان السماوية ومن بينها الإسلام، ديانة الأكثرية، ويكتسب هذا التقديس بعداً دينياً وشعبياً وحضارياً، فيقفون في لحظات مرور أية جنازة من دون اعتبار لدين الميت أو مذهبه، ويرفضون الشماتة في الموت ويحترمون الميت ومسكنه الجديد، باعتباره رحلة ما بين الحياة الدنيا والآخرة حيث يقوم الناس ليوم الحساب بعد ذلك، وفق قناعات ومعتقدات دينية راسخة في الأذهان.

ولذلك السبب اكتسبت قضية نقل جثث الموتى بعداً اجتماعياً ونقاشاً تخطى الفضاء الرقمي للواقعي، وبات حديث الناس على مدى الأيام الماضية، وتم استدعاء فتاوى قديمة مثلما حدث مع صفحة دار الإفتاء المصرية التي نشرت في أبريل (نيسان) عام 2019 فتوى حول نقل المقابر خارج العاصمة، فأجابت بأنه “يحرم نقل المقابر الواقعة داخل المدينة أو أطرافها أو إلى خارجها إذا حصل قبل المدة التي يعرف بواسطة أهل الخبرة أنه معها تستحيل أجساد موتى هذه المقابر إلى الصورة الترابية”.

رأي الدين

وتوضح الإفتاء أن ذلك إن كان بعدها، أي بعد تحول الأجساد إلى الصورة الترابية، فما كان منها له مالك شخصاً أو جهة، فيشترط رضاه ببيعها أو استبدالها وإلا كان حراماً أيضاً.

لكن الإفتاء وضعت استثناءات لهذا الأمر، مثل المقابر الأثرية والعلماء والأولياء الصالحين والتي، بحسبها، لا يجوز مطلقاً نبشها بغرض نقلها “وإن فرضنا موافقة أصحاب المقبرة الحاليين على أخذ عوض عنها”.

ومع استدعاء تلك الفتوى عبر العالم الافتراضي خلال الأيام الأخيرة وتداولها بشكل كبير مع انتشار صور وأخبار هدم بعض المقابر في القاهرة التاريخية، إلا أن الفتوى لم تعد متاحة عبر صفحة الإفتاء المصرية.

وكانت تلك الفتوى انتشرت رفقة صور لمقابر لعلماء دين كبار في أزمنة مختلفة، وقد أعلن عن نقل أجساد أصحابها إلى أماكن أخرى وهدم المقابر الخاصة بهم.

تقول ندى في حديثها لـ “اندبندنت عربية” إنها حين اتصلت بأسرتها سردوا لها الحكاية منذ البداية، ففي ديسمبر (كانون الأول) 2022 اتصل “تربي” مقبرة الأسرة بهم، وهو شخص منوط به متابعة المقابر وفتحها حين الدفن، ليخبرهم بأن المقبرة سيجري هدمها، وكانت الدولة قد وفرت لهم بديلاً بمدينة العاشر من رمضان، وهي بعيدة جداً عن محل سكن الأسرة بحي المهندسين في محافظة الجيزة.

هدم الأحلام

لكن لذلك المدفن الخاص بالعائلة حكاية تعود لعام 2017 حين اشترى عمران أحمد ذلك المدفن الذي يقع قريباً من مسجد السيدة نفيسة تلبية لأمينة قديمة كانت تتمناها زوجته التي توفيت عام 2014 بأن تدفن على مقربة من السيدة نفيسة لحبها المسجد ولتعلقها به، وكانت الأسرة تذهب كلها إلى هناك يوم الجمعة.

وتضيف، “حين اشترى جدي ذلك المدفن كان فرحاً، وجمع العائلة كلها وأخبرنا أنه حقق حلم عزيزة في مكان تدفن فيه إلى جوار السيدة نفيسة”.

استطاع جد ندى أن يجد مكاناً يصلح للدفن في محيط السيدة نفيسة لم يكن صاحبه قد استغله في دفن أحد أقاربه، ودفع آنذاك 1.5 مليون جنيه مقابل ذلك المدفن، وحقق لزوجته التي توفيت عام 2014 أمنيتها، ونقل جثمانها من مقابر البساتين إلى السيدة نفيسة، وكانت الإجراءات صعبة، وحين توفي هو عام 2020 دفن إلى جوارها على أن يبقى المدفن لأولاده من بعده.

منظمة “يونيسكو” أدرجت جبانات القاهرة التاريخية على قائمة التراث العالمي منذ عقود (مواقع التواصل)

 

“لم نكن نعتقد أبداً أن تلك المقابر ستتم إزالتها فنحن على طريق رئيس وإلى جوارنا مدفن الشيخ المراغي، وهو أحد علماء الأزهر وشيوخه الكبار”.

تحكي ندى التي كانت تتابع منذ عام 2021 إزالة بعض المدافن لتعارضها مع عمليات تطوير وإنشاءات، فتطمئن لأنها بعيدة من مقابر أسرتها، وتقارن الشابة الإجراءات التي زامنت نقل جدتها من مقابر البساتين إلى السيدة وإجراءات نقل جدها وجدتها من السيدة بعد ذلك فتقول إن الأولى كانت أكثر صعوبة، لكن الأخيرة لم تكن صعبة على الإطلاق.

موت جديد

كان المدفن الذي عوضت به الدولة أسرة ندى في العاشر من رمضان، لكن المكان موحش ووسط صحراء، ولا يستطيعون الذهاب إلى هناك بشكل متكرر، مما يعني أن وصية الجد بتكرار الزيارة لن تكون محققة، فكان القرار أن يتم إعادة الدفن في مقابر العائلة بالبساتين.

“لم يستطع والدي أن يشرف على الأمر وكانت لحظات ثقيلة وصعبة، ابن عمي من استطاع فعل ذلك لكن شعرنا بأنه موت من جديد”، وجرى نقل رفاتي جد وجدة ندى في فبراير الماضي، لكنها عرفت بالأمر متأخراً بعد هدم المدفن.

تقول ندى إن الأمر مرعب بالنسبة إليها أن تتخيل عملية النقل على غير رغبة وصية الميت الذي بات بلا حول ولا قوة، ولا يملك من الدنيا أي شيء. “الكلمات لا تصف ما أشعر به ومن شاهد صوراً غير الذي وقف أمام بعض المدافن التي هدمت، ظللت لمدة أسبوع لا أستطيع الخروج من المنزل”.

ومنذ عرفت الشابة نقل جدها وجدتها لم تذهب إلى زيارتهما، “أقرأ لهما الفاتحة وأخبرهما بأنه لا شيء في يدي أقدمه لهما، لكن ما حدث ورؤيتي للمدفن بعد هدمه لن يزول من ذاكرتي”.

كانت بداية الهدم خلال الآونة الأخيرة من “قرافة المماليك” عام 2020 لمصلحة محور مروري، وهي مقابر تاريخية تعود لمئات السنين، ثم مقابر الإمام الشافعي وخطة محافظة القاهرة لإزالة 2700 مقبرة في السيدة نفيسة والإمام الشافعي لمصلحة مشاريع مرورية.

وتضم تلك المقابر شخصيات تاريخية تعود لأزمنة مختلفة وتنتمي لعوالم السياسة والصناعة والفكر والثقافة ممن كان لهم بصمة واضحة في التاريخ المصري على فترات مختلفة.

وعلى رغم أن تلك المدافن تضم في ما بينها مدافن مسجلة كمكان أثري، فإن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري نشر بياناً في مايو (أيار) الماضي قال فيه إنه “لا صحة لتنفيذ الحكومة حملة شاملة لهدم مقابر أثرية”، مشدداً على أن المقابر الأثرية كافة قائمة كما هي ولا يمكن المساس بها، فهي تخضع لقانون حماية الآثار رقم (117) لسنة 1983 الذي يجرم أي عمل يتلف أو يهدم أثراً، مؤكداً “حرص الدولة على الحفاظ على الآثار بجميع أنواعها وأشكالها، ليس فقط للأجيال القادمة ولكن للإنسانية جمعاء”.

قانون الآثار

وبحسب نص المادة الأولى من ذلك القانون فإنه يعد أثراً كل عقار أو منقول متى توافرت فيه شروط عدة، أن يكون نتاج الحضارة المصرية أو الحضارات المتعاقبة، أو نتاجاً للفنون أو العلوم أو الآداب أو الأديان التي قامت على أرض مصر منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى ما قبل 100 عام، وأن يكون ذا قيمة أثرية أو فنية أو أهمية تاريخية باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارة المصرية أو غيرها من الحضارات الأخرى التي قامت على أرض مصر، وأن يكون قد أنتج أو نشأ على أرض مصر أو له صلة تاريخية بها.

فيما أعطت المادة الثانية من القانون الحق لرئيس مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير المتخصص بشؤون الآثار أن يعتبر بقرار منه “أي عقار أو منقول ذا قيمة تاريخية أو علمية أو دينية أو فنية أو أدبية أثراً متى كانت للدولة مصلحة قومية في حفظه وصيانته، من دون التقيد بالحد الزمنى الوارد بالمادة السابقة”.

وتزخر المقابر التي يجري هدم بعضها بقباب أثرية وشواهد تعود لـ 1000 عام، وكتابات ومنحوتات مزركشة تسر الناظرين إلى الحد الذي دفع بعضهم إلى التدوين حولها واعتبارها وتسجيلها قطعاً أثرية، حماية لها من هدم محتمل أو اندثار، فيما ذهب بعضهم إلى المقارنة بين تلك المقابر ونظيرتها في دول أخرى باتت ضمن مزارات تستقبل سائحين من شتى أنحاء العالم.

مشاهير تحت التراب

نجت بعض تلك المدافن من الهدم مثلما حدث مع مدفن عميد الأدب العربي طه حسين في منطقة الخليفة، لتعلن أسرته تفكيرها في نقل رفاته إلى فرنسا وإقامة ضريح له هناك، باعتبار فرنسا بلداً عاش فيها لفترة، ليتم التراجع عن قرار هدم المقبرة. كذلك كان التصرف مع قبر الشيخ محمد رفعت قارئ القرآن الشهير، لكن ذلك لم يحدث وسط ضغط إعلامي وشعبي.

لكن بعض تلك المقابر لم تنج من الهدم مثل مقبرة الفيلسوف المصري أحمد لطفي السيد ورئيس وزراء مصر الأسبق حسن باشا صبري، وعبود باشا الذي يعد أحد أعمدة الاقتصاد المصري في القرن الـ 20، وزكي بك المهندس أحد أهم مؤسسي التربية والتعليم في مصر، وهو والد الفنان فؤاد المهندس، والإذاعية صفية المهندس ونازلي هانم حفيدة محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، وناظر الملكية في عهد الملك فاروق الأول مراد باشا محسن.

وأخيراً تم نقل جثمان الكاتب المصري الراحل يحيى حقي في منطقة السيدة نفيسة التي دونت الأسرة بسبب مقبرته منشورات عدة، لكن في النهاية أعلنت ابنته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 أنه جرى نقل جثمان الكاتب إلى مكان جديد في مقبرة بديلة بمدينة العاشر من رمضان شمال شرقي القاهرة، على إثر قرار هدمها في منطقة السيدة نفسية.

وكانت منظمة “يونيسكو” أدرجت القاهرة التاريخية بما فيها جبانات القاهرة التاريخية على قائمة التراث العالمي منذ عقود، لكنها خلال السنوات الأخيرة اشتكت من الإهمال الذي تتعرض له المنطقة مهددة بشطبها من قائمة التراث العالمي ووضعها على قوائم التراث المعرض للخطر.

مقبرة الخالدين

في الـ 12 من يونيو (حزيران) الجاري أصدر المتحدث الرسمي لرئاسة المصرية بياناً قال فيه إن الرئيس عبدالفتاح السيسي وجه بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء تضم جميع الجهات المعنية والأثريين المتخصصين والمكاتب الاستشارية الهندسية “لتقييم الموقف في شأن نقل المقابر بمنطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي، وتحديد كيفية التعامل مع حالات الضرورة التي أفضت إلى مخطط التطوير، على أن تقوم اللجنة بدرس البدائل المتاحة والتوصل إلى رؤية متكاملة وتوصيات يتم الإعلان عنها للرأي العام قبل الأول من يوليو (تموز) 2023″، وذلك انطلاقاً من حرص الدولة على تقدير رموزها التاريخية وتراثها العريق على النحو اللائق، بحسب بيان متحدث الرئاسة المصرية.

مع كل جثة تخرج كانت أكفان جديدة في انتظارهم تمهيداً لعملية النقل (مواقع التواصل)

 

كما أضاف البيان أن الرئيس المصري وجه بإنشاء “مقبرة الخالدين” في موقع مناسب لتضم رفات عظماء ورموز مصر من ذوي الإسهامات البارزة في رفعة الوطن، كما أنها ستتضمن متحفاً للأعمال الفنية والأثرية الموجودة بالمقابر الحالية، ويتم نقلها من خلال المتخصصين والخبراء “بحيث يشمل المتحف السير الذاتية لعظماء الوطن ومقتنياتهم، ويكون هذا الصرح شاهداً متجدداً على تقدير وتكريم مصر لأبنائها العظام وتراثها وتاريخها الممتد على مر العصور والأجيال”.

ليسوا خالدين

الباحث في تراث الجبانات إبراهيم طايع يرى أن فكرة “مقبرة الخالدين” جيدة، لكنه يتمنى أن يكون الإشراف على عملية النقل بواسطة متخصصين مع الحفاظ على بعض الأحواش والعمارة التي فيها، مثل حوش “محمد راتب باشا” سردار الجيش المصري في عهد الخديوي إسماعيل.

ويقول إبراهيم خلال حديثه مع “اندبندنت عربية” إن “كثيراً من المواطنين غير راضين عن نقل رفات أقاربهم لكن ليس بيدهم حيلة، وهؤلاء قد يكون لديهم فرصة في مقبرة الخالدين إذ ليس أقاربهم سوى مواطنين عاديين صادف أن أعمال التطوير التهمت مدافنهم”.

وكان إبراهيم أحد من عثروا على شاهد قديم يعود لـ 1000 عام وجرى تسليمه لوزارة السياحة والآثار، وأي شاهد يجري العثور عليه إذا كان قد تخطى 100 عام فيتم تسليمه لوزارة الآثار لتسجيله كأثر أو عرضه في متاحف.

وبدأت علاقة مؤسس صفحة “جبانات مصر” بالمقابر التاريخية منذ ثماني سنوات، وكان ينشر تفاصيل تتعلق بها على رغم أن دراسته لا تتقاطع مع الآثار أو التاريخ، لكن اهتمامه كان منصباً تجاه الجبانات كافة وليست جبانات القاهرة التاريخية وحسب.

وكانت قراءة التاريخ والعثور على أسماء شخصيات تاريخية مدفونة دافعاً لزياراته المتكررة إلى الجبانات، وأنشأ صفحته منذ سبعة أشهر وبات ينشر تفاصيل أكثر عن مدافن وأحواش مختلفة، وتلقى منشوراته تلك رواجاً كبيراً.

100 جثة و9 ساعات

لكن محمد محمود، وهو اسم مستعار بناء على طلب المصدر، لا يعبأ بمسألة تراث المكان وقيمته وما إلى ذلك، وكل ما كان يهتم في شأنه هو إخراج العشرات من أقارب زوجته دفنوا عبر سنوات طويلة بمقابر السيدة نفيسة في أربعة عيون، بعد أن أخبرهم عامل المقابر أن عليهم إخراج الجثث منها ونقلها إلى أماكن أخرى.

ولم يكن والد زوجة محمد قد مر عليه عام منذ وفاته ودفن في مقابر العائلة التي اشترتها منذ سنوات طويلة، فتشاوروا جميعاً في الأمر بعد أن تم إبلاغهم بأن حوش الدفن ستتم إزالته وهو يضم عشرات الجثث.

ومنذ ثلاثة أشهر توقف الدفن في المكان وبحثت الأسرة عن طريقة إخراج الجثامين، فأخبرهم حارس المقابر بأنه سيساعدهم في عملية الإخراج مقابل 7 آلاف جنيه لإحضار آخرين يساعدونهم، وحين كان يوم إخراج الجثامين لم يكن مع ذلك الحارس سوى شخص آخر فقط.

ويقول محمد في حديثه لـ “اندبندنت عربية” إنه وجد نفسه ومن حضروا معه مضطرين إلى التشمير عن سواعدهم لإخراج الجثامين في موقف صعب لم يمر عليه من قبل، فكان يعرف من كبار السن الحاضرين أين تكون رؤوس الموتى وأقدامهم، ويخرجها مع آخرين حضروا لإخراج باقي أفراد العائلة، “بعضهم لم يستطع الحضور لوجودهم خارج مصر وكانت لحظات قاسية”.

كانت بداية إخراج الجثث في السادسة صباحاً واستمرت حتى الثالثة عصراً بتوقيت القاهرة، وكانت الربع ساعة الأولى الأصعب على محمد.

“أنت تخرج موتى مرت عليهم سنوات طويلة وعظام وأقفاص صدرية، حتى إنني عثرت على نصف جثة من دون النصف الآخر، وخلال تلك الساعات تم إخراج أكثر من 100 جثة”.

أكفان جديدة

ومع كل جثة تخرج كانت أكفان جديدة في انتظارهم تمهيداً لعملية النقل، وحين كان يجري تكفين جديد لجثة قطع جزء من كفن القديم فإذا بالمُكفن جسد سيدة جرى التعرف عليه من خلال الشعر الطويل، فكان الأمر إشكالاً جديداً وبات عليهم محاولة التعرف على جثث النساء والرجال لفصلها عن بعض، إذ ليسوا جميعاً محارم بعضهم، كما تقتضي عملية الدفن في الأحكام الشرعية الإسلامية.

وبات على المجموعة أن تقطع جزءاً من الكفن القديم من الرأس لتبيّن نوع الجثة المدفونة، ويضعونها إما مع السيدات أو الرجال، وكان ذلك قاسياً على محمد الذي يهاب زيارة المقابر، فإذا به يضطر لعملية نقل اعتبرها أصعب من دفن الموتى.

أخيراً تم نقل جثمان الكاتب الراحل يحيى حقي إلى برة بديلة بمدينة العاشر من رمضان (مواقع التواصل)

 

نقل ذلك الكم من الجثث في سيارات خاصة بالموتى لم يكن منطقياً، سواء من توافر سيارات أو كلفة النقل، فبحثت المجموعة عن سيارات نقل كبيرة لحمل الجثامين ونقلها إلى مقابر أخرى، لكن كثيراً من السائقين كانوا يرفضون، غير أن محمد وأقارب زوجته استطاعوا من خلال معارفهم إحضار سيارات عدة للنقل.

“الفزع كان مسيطراً عليّ في بداية الأمر ثم اعتدت المشهد، لكنه لا يزال في رأسي ولن أنسى ذلك اليوم”. يحكي محمد الذي يعتبر تفاصيل الساعات التي بدأت بفتح العيون وانتهت بفتح عيون أخرى لوضع الجثامين فيها بالأكثر قسوة في حياته، ولم يكن يتوقعه في يوم من الأيام.

زوج وأم وأب

وما بين ناقل لرفات أقاربه وباحث عن مدافن خشية النقل المفاجئ، تتابع شادية، وهي عجوز مات زوجها منذ أشهر، تفاصيل عمليات نقل المقابر، وتخشى أن يدخل زوجها المدفون في مقابر السيدة نفيسة بالقاهرة في عمليات الإزالة، “ربما لم تتحلل جثته بعد وسيكون هذا صعباً، وأسمع في إذاعة القرآن الكريم أن للميت حرمته”.

مشاعر الخوف لدى شادية من نقل جثة زوجها كانت البكاء حين علمت بأن أحد أفراد الأسرة نقل جثة أمها منذ أشهر بعدما ذهبت لزيارتها وأخبرها العامل في المقابر أنه جرى نقلها.

تقول لـ “اندبندنت عربية” إنها ظلت تبكي لأيام لشعورها بالتقصير تجاه والدتها، لكنها في الوقت نفسه لا تملك أي شيء تستطيع فعله، “أنا عجوز ومريضة وفي أقرب فرصة سأزور أمي في مقبرتها الجديدة”.

ومنذ سنوات طويلة جرى إنشاء طريق صلاح سالم، وكانت مقبرة والد شادية في منطقة صحراء المماليك، وجرى نقل كثير من المدافن لمصلحة ذلك الإنشاء، وكان والدها ممن جرى نقلهم، وشادية صغيرة في ذلك التوقيت فلم تعلم لمكانه مقراً، “أكتفي بقراءة الفاتحة له وأثق في أن ذلك سيصله”.

المزيد عن: مصرهدم المقابرالجبانات التاريخيةمقابر الخالدين

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00