الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » “لصوص المقابر” تروي مصر بعيون الآخرين

“لصوص المقابر” تروي مصر بعيون الآخرين

by admin

السويسرية فرانسين ماري ديفيد تسائل التاريخ  في رحلة الى الأقصر

اندبندنت عربية \ نشوة أحمد

بعد رحلاتها إلى بيرو وغواتيمالا والمكسيك؛ بحثاً عن “أبناء الآلهة”، من أجل مخطوط شرعت في كتابته يحمل العنوان نفسه، قررت المصورة والكاتبة السويسرية فرانسين ماري ديفيد، أن تغير وجهتها باتجاه مصر. وحين وصلت إلى الأقصر، تفتش عن ضالتها بين ما تحويه من آثار، وجدت نفسها تخوض مغامرة جديدة، سعت عبرها للكشف عن المخبوء في الماضي، وبين سطور التاريخ. ووثّقت هذه المغامرة في روايتها “لصوص المقابر… رحلتي إلى وادي الملوك”، التي صدرت حديثاً في ترجمتها العربية عن دار “العربي” في القاهرة بعد أن ترجمتها من الألمانية د. سمر منير.

قطعت الكاتبة آلاف الأميال في رحلتها من سويسرا إلى مصر، لتبدأ بعد وصولها رحلة أخرى إلى الماضي، وكان ضمير المتكلم الأسلوب الأنجع الذي اتسق وتجربتها الذاتية، لاستكشاف المكان والتاريخ. وعلى رغم ما بدا من نزوع رومانسي هيمن على بداية السرد، فإن هذا الحب الذي جمع بينها وبين “طايع” والذي أثمر زواجاً سريعاً بعد يوم واحد من لقائهما، ووصولها إلى مدينة الأقصر، لم يكن سوى توطئة مراوغة، مهدت عبرها طريقاً سلكته إلى الماضي، لتتكشف الأسرار تباعاً. فقد كان “طايع” أحد أبناء عائلة عبد الرسول، التي هيمنت على البر الغربي للأقصر حيث وادي الملوك الزاخر بكنوز مصر القديمة، لقرون عدة سبقت وصول محمد علي إلى الحكم في عام 1805 ومعه تدفق مغامرون أوروبيون على مصر، طمعاً في تلك الكنوز.

خصوصية ثقافية

الرواية بالترجمة العربية (دار العربي)

 

بعين الآخر التقطت الكاتبة مفردات المكان، وخصوصية الثقافة المصرية، لا سيما في الأوساط الشعبية في جنوب مصر، فرصدت الأزياء التقليدية وطقوس النساء اليومية في التسوق، وتحية الرجال بعضهم بعضاً بالتقبيل، والامتناع عن تقبيل نسائهم في العلن، التزام الزوجة بطاعة والدة زوجها، أكثر من طاعة زوجها نفسه، واقتصار تشييع الموتى إلى قبورهم على الرجال من دون النساء. كما رصدت بعض العادات والعلاقات الاجتماعية المتشابكة والعائلة الكبيرة كسمة رئيسة لمجتمع القرية، ما جعل من أغلب قاطنيها أبناء عمومة لزوجها، إضافة إلى مشاركة معظمهم اسم محمد. وفي مواضع سردية متفرقة عمدت فرانسين لعقد مقارنات بين ثقافتها وثقافة زوجها واللتان تتباينان أكثر مما تتقاطعان: “عندئذ صرنا متزوجين بالطريقة الصحيحة. حتى وإن كان من دون التعبير عن الإيجاب ومن دون عبارة حتى يفرقكما الموت، ومن دون عبارة يحق للزوجين الآن أن يُقبلا بعضهما بعضاً” ص34.

ولكون العين الأخرى الوافدة أكثر قدرة على التقاط التفاصيل، من عينٍ ألِفّتها، توقفت الكاتبة منبهرة عند بعض مفردات البيئة المحلية، مثل مشاهدة فلاح يعتلي جبلاً من العشب فوق حمارته. كما حفزت الخصوصية الثقافية للمجتمع حس الفكاهة لدى الكاتبة والذي بدا في غير موضع من السرد: “مررنا بأحد المساجد. سألتُ نفسي، كيف يعثر كل شخص كل على حذائه من جديد بينما يغادر الجميع المسجد في الوقت نفسه” ص40.

صراع محموم

وكما التقطت الكاتبة الكثير من العادات والسمات الاجتماعية للطبقات التي تقطن الهامش، التقطت كذلك وحدة النسيج المصري على تعدد انتماءاته الدينية، والتي تجعل من قيام مسلمين بحمل نعش امرأة مسيحية، وتشييعها إلى مثواها الأخير، أمراً مألوفاً شديد العادية. ورصدت طقوس احتفالات المصريين في الجنوب، ورقصاتهم الشعبية “التحطيب”، وأغانيهم التراثية في مديح النبي. وأبرزت تناقضات المجتمع الجنوبي، وما يجتمع فيه من الحميمية والألفة والمروءة والضحكات والعصبية والثأر والقتل!

عبر رحلتها العكسية، رصدت الكاتبة الصراع المحموم، الذي اشتعل في القرن التاسع عشر، بين الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا وبريطانيا، للسيطرة على مواقع التنقيب عن الآثار، فكان أغلب الكشوف دائماً ما ينتهي بنقل أكثر ما تمَّ العثور عليه، إلى متاحف أوروبا. ونقلت الكاتبة السباق الإنجليزي الفرنسي، والمنافسة الشرسة بين القنصل البريطاني هنري سولت، والقنصل الفرنسي برناردينو دورفيتي، للاستحواذ على تلك الآثار: “في السادس من ديسمبر (كانون الأول) عام 1818، أطبق ثلاثون رجلاً مسلحاً من بلطجية دورفيتي الحصار على بلزوني في معبد الكرنك. انطلقتْ خلف بلزوني رصاصة من أحد المسدسات. كانت رسالة واضحة. لقد حان وقت الانصراف” ص101.

لغة مشهدية

واستدعت الكاتبة صراعات مماثلة، اشتعلت بين الفرنسي أوغست مارييت ومدير منطقة الأقصر من أجل تملق الخديوي سعيد، والصراع بين غاستون ماسبيرو، مدير مصلحة الآثار، وعائلة عبد الرسول “1873” بسبب شكوكه في معرفتهم بمقابر ملوك الأسرة الثامنة عشرة، بعدما ظهرت في سوق تجارة الآثار؛ قطع حلي وبرديات تعود لتلك الحقبة. وعزّز من أثر الصراع، ما اعتمدته الكاتبة من لغة مشهدية، وما استدعته من تكنيك سينمائي، لا سيما عبر القطْع، وتقنيات الانتقال بين أحداث الماضي والحاضر.

اعتمدت فرانسين التقابل، فقارنت – ضمناً- بين تهافت الأوروبين على الكنوز المصرية، وتهاون محمد علي باشا في الحفاظ عليها. وأيضاً بين سماح محمد علي للأجانب بنهبها، ومحاولات الوالي عباس حلمي منع نقلها إلى أوروبا. بين السيدة الإنجليزية لوسي غوردون التي تعلَّق بها أهل قرية القرنة، مركز عائلة عبد الرسول، لنبلها، وانخراطها معهم، وبين غيرها من الأجانب الذين انقطع ذكرهم. وكان تقبل المصريين للأجانب أو نفورهم، كلمة السر في نجاح أعمال التنقيب، وهذا ما أحالت إليه الكاتبة في مواضع متفرقة من النص. فقد مررت من الرؤى ما يؤكد أن عائلة عبد الرسول وحدها، كانت تعرف بشأن المقابر، وأنها لم تفش أسرارها، سوى لأولئك الذين ألفوهم، ومنحوهم ما يستحقونه من احترام. فبينما لم يحصل ماسبيرو على معلومة واحدة من أحمد عبد الرسول بشأن مقابر ملوك الأسرة الثامنة عشر، حصل هوارد كارتر الذي عاش بين أهل القرية، على كشف عظيم لمقبرة توت عنخ آمون في 1922. وربما كان كارتر الأثري الوحيد، الذي أسند فضلاً للمصريين في كشوفاته، ولم يفعل ذلك غيره. وقد ساقت فرانسين أدلة تثبت دور المصريين في تلك الكشوفات. وفتحت للقارئ، مساحة لتأمل تلك الأدلة، وتفنيدها، والمشاركة في لعبة السرد.

خطاب معرفي

برز التقابل أيضاً، عبر الوصف والصور التي نقلتها الكاتبة، والتي بدا عبرها التناقض العجيب لمدينة الأقصر، حيث يتلاحم الماضي البهي، والحاضر المرير، المباني الأثرية العظيمة، والبيوت من الطين، الآثار التي تشي بالغنى والثراء، والواقع الذي يفيض بالفقر، والعوز، واعتياد المعاناة. وكما كانت المدينة مثالاً على التناقضات الصارخة، كان أبناؤها أيضاً على الحال ذاته من التناقض، فكان الشيخ علي عبد الرسول، يجمع بين صيت اللصوصية، وبين احترام الناس له!

أسفرت رغبة الكاتبة في تتبع الصراع الأوروبي على الثروات المصرية، عن حضور كثيف للخطاب المعرفي داخل السرد، إذ استدعت حمولات معرفية غزيرة، أودعتها مساحات واسعة من النسيج، ورصدت عبرها ما ترتَّب على هذا التنافس من نقل الكثير من تلك التحف إلى الدول الأوروبية، فقد نقل جيوفاني بلزوني رأس تمثال رمسيس الثاني، “كهدية” للمتحف البريطاني في لندن. وقام الإيطالي روزوليني، بنقل تحف أصلية لمدينة تورينو. أما الفرنسي شامبليون فقد بلغ به الأمر حدَّ أن قطّع أجزاءً من زخرفة جدار مقبرة سيتي الأول، ليعيد جمعها في متحف اللوفر، وطلب مسلة رمسيس الأكبر، من أجل تشييد نصب تذكاري يليق بجيش نابليون في باريس. وبالفعل نُقلت المسلة البالغ وزنها 250 طناً، في رحلة استغرقت عامين، وهي موجودة اليوم في ميدان “الكونكورد”. ودخلت ألمانيا هي الأخرى السباق، إذ أخذ ليبسيوس ألف وخمسمئة قطعة أثرية إلى متحف برلين، شملت رأس تمثال أمنحتب الثالث، وثلاث غرف دفن كاملة. أما أوغست مارييت، فعلى رغم أن علم الآثار سجل اسمه باعتباره رجلاً شريفاً، لأنه أسس مصلحة الآثار، والمتحف المصري، فقد قام قبل ذلك بتهريب أربعة وأربعين صندوقاً خشبياً، بها 7 الآف قطعة أثرية إلى باريس.

لعنة الفراعنة

ولم يكن السطو قاصراً على الآثار الفرعونية وحدها، فقد سقى الإنجليز؛ الرهبان خموراً، وسرقوا المحتوى الكامل لمكتبة الدير، بما فيه من مخطوطات نادرة. وإضافة إلى عمليات السطو، رصدت الكاتبة الأساليب الكارثية، التي تعامل بها المستكشفون مع المومياوات: “في سبيل تخفيف الحمولة، تخلينا عن التابوت، وأمسكنا بجلالته من طرف رأسه ومن قدميه. عندئذ انكسرت مومياء الفرعون من المنتصف، وحمل كل منا نصفها أسفل ذراعه. بعد السير على الأقدام لمدة نصف ساعة، ركب الشقيقان عربة حنطور، ومعهما مومياء الملك المنشطرة، وذهبا بها إلى مارييت المحتضر” ص133.

مع كل ما ساقته الكاتبة من صراعات وأحداث، تتصل بالكشوفات الأثرية، والعثور على الكثير من كنوز قدماء المصريين، كان لا بد لها من استدعاء بعض الأحداث السيئة التي تعرض لها المستكشفون، وإن لم تضعها – تصريحاً- في إطار اللعنة، كما يعتقد المصريون. ومن بين تلك الأحداث، تسلل ثعبان كوبرا إلى قفص عصفور الكناري، الذي كان يمتلكه كارتر والتهمه، بعد اكتشافه مقبرة توت عنخ آمون بأيام قليلة، ووفاة اللورد كارنارفون ممول كشف كارتر، نتيجة لدغة بعوضة نقلت إليه عدوى. وكان هذا المصير هو نفسه ما لاقاه بلزوني، الذي مات نتيجة إصابته بمرض الدوسنتاريا، وبعد أن وضع كل أمواله في بعثة استكشافية، فعاشت زوجته سارة فقيرة حتى ماتت. أما ليسبيوس فقد مر بمتاعب بالتزامن مع أعمال الحفر، إذ أخذت حشرات الجراد تلتهم كل المزروعات من حوله. وانتشرت الفئران في خيمته. ومثلما حضرت أسطورة لعنة الفراعنة في ظلال الأحداث، استدعت الكاتبة أساطير أخرى صراحة، مثل أسطورة الجعران، الذي آمن المصري القديم بقدرته على جلب الحظ. فكانت الخنفساء، التي التقت بها فرانسين بعد وصولها الأقصر؛ تميمة حظها التي جلبت لها الحب، وكشفت لها الأسرار!

المزيد عن: رواية مترجمةمصر الفرعونيةالأقصرتاريخسردالآثار المصريةأدب رحلة

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00