ثقافة و فنونعربي يوم اجتمع الفرنسيان سيمون دي بوفوار وكلود شابرول في فيلم “أميركي” لا معنى له by admin 11 أبريل، 2023 written by admin 11 أبريل، 2023 26 “دم الآخرين”: نزوة المخرج الكبير أوقعت رواية صاحبة “الجنس الآخر” ضحية لها اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب لعله واحد من الاجتماعات الفرنسية الأكثر فشلاً بين رواية وفيلم، أو بالأحرى بين كاتبة ومخرج سينمائي كان يومها في عز شهرته ونجاحه. ومن نتحدث عنهما هنا هما سيمون دي بوفوار وكلود شابرول. أما الرواية موضوع الاجتماع فكانت “دم الآخرين” لدي بوفوار التي حولها شابرول إلى فيلم كان قد بنى عليه الكثير من الآمال. من ناحية مبدئية كان يفترض بالفيلم أن يكون فرنسياً خالصاً بالنظر إلى أنه مأخوذ من رواية لواحدة من كبيرات الأديبات والمفكرات الفرنسيات أواسط القرن الـ20، والتي كان كتابها “الجنس الثاني” قد حقق نجاحات هائلة منذ صدوره. واعتبر فتحاً في عالم الفكر النسوي وسيكون له مستقبل كبير يوازي مستقبل كاتبته، لكن الفيلم لن يكون فرنسياً بأية حال، بل كان أميركياً، وبالتأكيد كمنت هنا نقيصته الكبرى، بحسب النقاد الفرنسيين الذي أثار استياءهم يوم عرض، واعتبروه نوعاً من الخيانة لأدب الكاتبة التي نعرف أنها كانت رفيقة جان بول سارتر حتى النهاية. كلود شابرول: سقطة طريفة لسينمائي شعبي كبير (الموسوعة البريطانية) فالواقع أن شابرول شاء من فيلمه على الأرجح أن يكون مدخلاً للعالمية وللإنتاجات الأميركية الضخمة التي يبدو أنه كان يتطلع لخوضها، فما كان منه بكل بساطة إلى أن أخذ الرواية ونقل أحداثها نفسها تقريباً في السيناريو الذي وضعه لها غير مبالٍ بأن تتحول إلا ما لا يتماشى أبداً مع ما أرادت الكاتبة أن تقوله من خلال تفلك الأحداث فتصبح أحداثاً خطية لا عمق فيها ولا روح، وسيقول النقاد لاحقاً إنه حتى وإن كان شابرول ككاتب للسيناريو قد أبقى على هوية الشخصيات ووظائفها في الحدث وتجاه بعضهم البعض، فإن المشكلة كمنت هنا في التفاصيل، كما يحدث عادة. نجوم أميركيون وفي هذه التفاصيل أن المخرج جعل البطولة للممثلة الأميركية، والمفرطة في أميركيتها في ذلك الحين، جودي فوستر في دور المناضلة الفرنسية الصبية والحسناء التي ستنخرط في المقاومة ضد النازيين، فنحن هنا عند بدايات الحرب العالمية الثانية، وقد بدأ هؤلاء يهيمنون على فرنسا، فيما كانت هيلين، تعيش حكاية غرام مع خطيبها وقد تعاهدا على الهوى وبدأت هي تستعد للاقتران به بشكل طبيعي، فإذا به الآن يتهرب من ذلك متحججاً بالحرب، وقد انخرط في الجيش الفرنسي فيها. وبالتأكيد، شكل لها ذلك التهرب صدمة ستكون أحد دوافعها للمشاركة في المقاومة، وكذلك للالتقاء بالنقابي جان الذي ما لبث بدوره أن تهرب من إلحاحها منخرطاً في صفوف المقاومة بعيداً منها. في خضم ذلك، يكون جان قد نقل إلى الجبهة حيث يشارك في المعارك فيما تحاول هي تتبع أخباره، وذلك حتى اليوم الذي يصاب فيه بجراح في المعركة قبل أن يعتقله الألمان ويأخذوه أسيراً، وهكذا تتحرك هيلين لإنقاذه، ولكن ليس عبر فعل عسكري بطولي، بل وهذا أسوأ بالطبع، عبر ضابط في دوائر التموين الألمانية التابعة للقوات المحتلة فرنسا هو برغمان الذي تقصده ليساعدها على العثور على حبيبها وإطلاق سراحه باذلة كل ما يمكنها في سبيل ذلك، والحال أن برغمان سرعان ما يقع في هوى هيلين. وبالفعل، يتمكن برغمان في نهاية الأمر من العثور على جان وإطلاق سراحه، ولكن بعد أن تكون هيلين نفسها قد بدأت تتحول إلى علاقة مع الضابط الألماني لا يلبث جان أن يكتشفها فلا يكون منه أمام نكران هيلين إلا أن يسعى هو ورفاقه في المقاومة إلى وضعها موضع التحقيق لاكتشاف الحقيقة. فيلم منسي والواقع أن هذا الاكتشاف ليس مهماً هنا، ولا أهمية بالطبع لبقية ما تبقى من الحكاية. فلا هذا كان من اهتمامات دي بوفوار وليس موضوعها المطلوب. ومن هنا، ما شاهدت الفيلم حتى صرخت متأوهة مذكرة بسوء طالعها مع السينما التي لم تتمكن أبداً من تصوير أعمالها بشكل منطقي وعميق. فبالنسبة إلى الكاتبة، كانت تفترض أن هذه الرواية إنما هي عن شغف مثلث الأضلاع، شغف جان بهيلين ثم شغفها هي ببرغمان، وذلك على خلفية حرب تكشف أعماق الشغف وحدوده، من ناحية، ومن ناحية ثانية عالم الخيانة وما هي حدودها وما مبرراتها خلال حرب كانت حتى ذلك الحين غامضة كل الغموض، والحقيقة أن ذلك ما كانت دي بوفوار تتوخى التعبير عنه من خلال نص، شاءته في ظاهره حدثاً عادياً، وإن ابتعد عن أعماقه بات خالياً من أي معنى. فهل سها كل ذلك عن شابرول وهو يكتب سيناريو لا يبقي عن النص سوى قشرته الخارجية؟ ذلك ما افترضه النقاد الذين صرخوا: “يا للفضيحة!” متهمين المخرج بالخضوع لمنطق منتجيه الأميركيين راغبين فقط في أن يوفروا لنجمتهم الشابة في ذلك الحين جودي فوستر دوراً أهميته الوحيدة أنه من كتابة دي بوفوار وإخراج كلود شابرول، أما هذا الأخير فاتهم النقاد أنهم أوقعوا فيلمه ضحية المشاهر المعادية لهوليوود مؤكداً أن يوماً ما سيعاد للفيلم اعتباره. فكانت النتيجة أن الفيلم اليوم منسي تماماً. مهما يكن، ومهما كان، رأينا في هذا الفيلم الذي يمكن اعتباره مجرد “نزوة” تبدو عارضة في مسار كلود شابرول الراحل قبل ما يقارب العقد ونصف العقد من السنوات، وكان واحداً من سادة السينما الفرنسية الكبار، ولا سيما “موجتها الجديدة”، وإن لم تكن أفلامه دائماً “موجة جديدة”، فإننا نتوقف عند هذا الفيلم هنا بالنظر إلى أنه يجمع بن الاسمين الكبيرين: سيمون دي بوفوار ككاتبة وشابرول كمخرج، هو الذي بدأ مثل رفيقيه فرانسوا تروفو وجان – لوك غودار ناقداً في مجلة “كاييه دو سينما”، وكان سباقاً في اكتشاف السينما الأميركية ومعلميها الكبار، لا سيما ألفريد هتشكوك وهوارد هوكس. واعتبر الأهم في فهم السينما الهتشكوكية، فكان بالتالي سابقاً تروفو في كتاب وضعه عن سيد سينما التشويق، وكان عبارة عن كتاب حواري مع سيد سينما التشويق الهوليوودي بالاشتراك مع إيريك رومر سابقه إلى العالم الآخر. خالق نجوم بيد أن شهرة شابرول ليست هنا، بل في كونه انتقل إلى الإخراج باكراً نهاية خمسينيات القرن الـ20 ليحقق أفلاماً متتالية قد يصعب اليوم بالتالي ربط معظمها حقاً بالموجة الجديدة، حيث في مقابل سينما تروفو ورومر وغودار المجددة في اللغة السينمائية كما في الموضوعات، آثر شابرول أن يطور فقط سينما شعبية ذكية تستقي أساليبها من معلمي التشويق الأميركيين كما من بعض سينما جان رينوار، وتبدو في مواضيعها كأنها تنهل حيناً من صفحات الحوادث في الجرائد والمجلات، وحيناً آخر من الأدب، وإن كان يصر دائماً على خوض سينما المؤلف ككاتب. وبالنسبة إلى هذا البعد الأخير، قد يكون مفيداً أن نذكر أن شابرول لم يصعب عليه أبداً تمويل أفلامه، في مرحلة أولى مستنداً إلى ثروة عائلته الغنية، وبعد ذلك لأن أفلامه بتشويقها وبشعبية مواضيعها وحضور الممثلين النجوم أو ممثلين صاروا بين يديه نجوماً (منهم زوجته الفنانة الكبيرة ستيفان أودران، ثم إيزابيل هوبير التي أمن لها فيلم مبكر من إخراجه أول جائزة كبيرة حظيت بها لأفضل ممثلة (عن “فيوليت نوزيير” من إخراجه في “كان” 1978)، وحظيت بنجاحات جماهيرية كبيرة كان من شأن أي مخرج مؤلف كبير آخر أن يغبطه عليها. الثرثرة فن جميل في المقابل، لا بأس من الإشارة إلى أن شابرول، وبفضل شعبية سينماه ربما، لم ينل من التكريم المهرجاني ما ناله رفاقه مثل الراحل تروفو أو غودار، لكن هذا لن يمنع أفلاماً له مثل “سيرج الجميل” و”عشيق ليدي تشاترلي” و”الخادمتان” و”بقفل مزدوج”، وغيرها، من أن تدخل تاريخ السينما العالمية والفرنسية من باب عريض، كما أن خصوصيته في سينما المؤلف وكثافة ثقافته الفنية لن تمنعا الجمهور العريض من أن يحب مشاهدة أفلامه الأكثر شعبية، تلك التي أراد فيها أن يحاكي أفلام جيمس بوند، من حول شخصية سماها ماري شانتال، أو من حول جاسوس مبتكر سماه “النمر”، أما عشاق سينما الأدب فسيذكرون له دائماً تجرؤه على غوستاف فلوبير في “مدام بوفاري”. في اختصار، كان شابرول شديد التنوع والانتقائية، بالتالي شديد التفاوت في تعاطيه مع السينما وحبه إياها، وهو لهذا جدير بمزيد من الحديث عنه بالتأكيد، هو الذي كان يحب الثرثرة ويفتخر بأنه جعل منها فناً جميلاً. المزيد عن: سيمون دي بوفوار\كلود شابرول\فرانسوا تروفو\جان – لوك غودار\ألفريد هتشكوك\هوارد هوكس\السينما الهتشكوكية\غوستاف فلوبير\مدام بوفاري 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا غادر صدام حسين المطعم مسرعا قبل دقائق من قصفه؟ next post زهير جزائري يكتب عن : 20 عاماً على لحظة سقوط الصنم… مرحباً يا بغداد! You may also like مستقبل مقاومة هوليوود الليبرالية بوجه ترمب 29 نوفمبر، 2024 نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024