ثقافة و فنونعربي فتنة اليابان كما صوّرها الرسام أوتاغاوا هيروشيجي by admin 17 مارس، 2023 written by admin 17 مارس، 2023 22 معرض باريسي يكشف عن جانب جمالي شعري مجهول من عمله اندبندنت عربية \ انطوان جوكي نعرف أوتاغاوا هيروشيجي (1797 ــ 1858) واحداً من آخر الرسامين الكبار في حقبة “إيدو”، اشتهر برسومه المحفورة على الخشب (estampes) التي تحضر فيها بطريقة موحية، الطبيعة المحيطة بجبل “فوجي” أو مشاهد معبّرة من الحياة اليومية في مدينة إيدو (طوكيو اليوم)، قبل التحولات التي شهدتها بسبب الثورة الصناعية. لكن هذه الأعمال، على أهميتها، لا تختصر سيرورة إبداع هذا العملاق وتنوّع عمله اللذين يتجليان بقوة في رسوم مجهولة له رصدها لتزيين المراوح (éventails)، وأسقط فيها مشاهد لمواقع شهيرة من العاصمة اليابانية، مناظر طبيعية، تشكيلات من زهور وطيور، إضافةً إلى مشاهد تاريخية، أدبية أو اجتماعية ساخرة. أعمال باهرة يمكننا اليوم، وللمرة الأولى، تأمّل مختارات واسعة منها في المعرض الذي يخصّصه لها متحف “غيميه” الباريسي. من لوحات الرسام الياباني (خدمة المعرض) وتجدر الإشارة بدايةً إلى أن هذه الرسوم هي من بين أكثر أعمال هيروشيجي المحفورة تنميقاً وندرة، وتشكّل في الوقت نفسه حصيلة تاريخ طويل للمروحة في اليابان، يعود إلى القرن الرابع، وتحلّت هذه الأداة خلاله بوظيفة احتفالية، نفعية، حربية، تزيينية وحتى دعائية. مثبّتة على مقبض طويل ومرصودة لإخفاء وجه شخص رفيع المستوى، كانت المروحة في الماضي البعيد رمزاً للقوة والمكانة العالية، قبل أن يتعمم استخدامها خلال حقبة “إيدو” وتصبح واحدة من ركائز التعبير لرسامي مدرسة “أوكيو” التصويرية. وفعلاً، بعد انطلاق عملية بيعها خلال الصيف من خلال باعة متجولين أو داخل أكشاك مؤقتة في مناسبة الأعياد، عُرضت “مراوح إيدو” انطلاقاً من نهاية القرن الثامن عشر في واجهات متاجر الرسوم المحفورة والكتب المصوّرة، حين بدأت الرسوم التي تعلوها تحمل تواقيع فنانين مشهورين. رسوم حصة هيروشيجي منها أكثر من ستمائة وخمسين، معظمها عبارة عن نماذج غير مقصوصة، في طبعتها الأولى، تشهد النضارة الكبيرة لألوانها، وجودة تدرّجاتها، ووجود ثقوب تجليد في هوامشها أحياناً، على أنها لم تصل إلينا إلا لأن تجاراً أو هواة جمعوها داخل ألبومات حفاظاً عليها من الضوء وأيدي العابثين. بورتريهات وطبيعة رسم من وحي الحياة اليابانية (خدمة المعرض) في المعرض، نعرف أن هيروشيجي أنجز هذه الرسوم على مدى 25 عاماً، من منتصف ثلاثينيات القرن التاسع عشر حتى وفاته عام 1858. وتشهد النماذج الأولى منها على الشهرة التي كان هذا الفنان قد اكتسبها بفضل نجاح سلسلة محفوراته المشهدية، لا سيما تلك التي خصصها لطريقَي “توكايدو” و”كيزوكايدو” اللتين كانتا تربطان إيدو، مركز السلطة، بمدينة كيوتو، عاصمة الإمبراطورية. لكن الحقبة الأهم من إنتاجها هي تلك التي تمتد على طول أربعينيات القرن التاسع عشر وخمسينياته ، وهي حقبة نضج الفنان. موضوعات هذه الأعمال تسمح بترتيبها داخل ست مجموعات. في المجموعتين الأولى والثانية، نشاهد رسوماً لمواقع شهيرة من إيدو أو من سائر المحافظات اليابانية. في المجموعة الثالثة، بورتريهات نسائية. في المجموعة الرابعة، رسوم مستوحاة من موضوعات تاريخية، أدبية أو مسرحية. في المجموعة الخامسة، رسوم ساخرة. وفي المجموعة الأخيرة، رسوم لزهور وطيور. ومع أن أكثر من نصف هذه الأعمال مرصود لمواقع شهيرة، لأن هيروشيجي هو قبل أي شيء رسام مشهدي، لكن تلك التي قارب فيها موضوع الزهور والطيور، تبدو في نظرنا الأكثر جاذبية، سواء بمهارة خطّها ودقته، أو بألوانها المتعددة وتوليفاتها الباهرة. لوحة من وحي هيروشيما القديمة (خدمة المعرض) تفتننا أيضاً الرسوم التي عالج فيها موضوعات أدبية، تارةً كلاسيكية مستقاة من ريبرتوار مسرح الدمى “جوروجي” ومسرح “كابوكي” الذي يمزج الأداء المسرحي بالرقص الياباني التقليدي، وطوراً حديثة مستقاة من الروايات الهزلية لمعاصره الكاتب جيبينشا إيكو. أما الرسوم ذات الموضوعات الساخرة، فتستند غالباً إلى تلاعب حاذق وطريف بمراجع تاريخية وأدبية، كإسقاط الفنان في بعضها آلهة معبد أزاكوزا الشهير في صالة مسرح “كابوكي” متخيَّل، أو تحويله في رسوم أخرى شخصيات من مسرح “جوروجي” إلى تجار يتخالطون داخل مشهد مديني خرافي. جبل فوجي في مقدمته لألبومه “مئة مشهد لجبل فوجي”، يتحدث هيروشيجي عن دقة رسمه الوثائقية، مقارنةً برسم معاصره الرسام هوكوزاي، الذي “جاء ابتكاره في التشكيل على حساب أصالة المنظر المرسوم”، في نظره. ويتأكد هذا الجانب من عمله حين نطّلع على دفاتره التي تعجّ برسوم أنجزها في أحضان الطبيعة، أثناء أسفاره، وشكّلت المصدر الرئيس لمحفوراته المشهدية، بما في ذلك تلك المرصودة لتزيين مراوح. لكن هذا لا يعني أنه لم يلجأ أحياناً إلى رسوم مرجعية مستقاة من ألبومات لرسم مشاهد ذات طابع تاريخي، أو إلى شكل من أشكال الارتقاء الشعري بالمواقع المرسومة. في أحد الأعياد اليابانية (خدمة المعرض) وهذا ما نستنتجه في بعض أعماله المعروضة حالياً في متحف “غيميه”، لا سيما تلك التي رصدها لمواقع شهيرة من مدينة إيدو، وتظهر فيها مشاهد مدينية، حدائق عامة، معابد، أماكن ترفيه وتنزّه، إضافة إلى “حيّ الملذات”، يوشيوارا. رسوم تتضمن عملية التمثيل فيها إشارات لموسم إنجازها، للساعة المعيّنة التي رسمها فيها، لطقوس أو أعياد، وتحييها شخصيات غالباً ما تكون نسائية أنيقة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المناظر التي رسمها خارج المدينة بدقة وثائقية، وتتراوح بين منتجعات صحية، مناظر بحرية أو نهرية، أماكن للحج، وتشكّل كمّاً من المشاهد الخلابة. أعمال تشهد على إبداع في الرسم، كبير لفنان هجس في أن يكون مترجماً متواضعاً ووفياً للطبيعة، ونجح، بتقنية الحفر على الخشب المتقشّفة في وسائلها، في نقل الشفافيات الرقيقة لمناخاتها المختلفة، كما من خلال نافذة سحرية. رسوم يتميّز تشكيلها بإتقان حاذق ومدهش للألوان، خصوصاً الأخضر والأزرق الطاغيين عليها، بهاجس التصوير من المشهد الأمامي، الذي تأثر به الرسام الفرنسي دوغا ثم المصوّرون الفوتوغرافيون من بعده، وبتناغم في الخطوط والألوان فتن الرسامين الانطباعيين وترك أثراً دامغاً على أعمالهم وأعمال “الفن الجديد” في أوروبا. باختصار، لم يحُل وفاء هيروشيجي للمشهد المرسوم دون تمكّنه من الارتقاء به، سواء بأسلوبه الخاص في الرسم، أو بلجوئه إلى المطر أو الثلج أو ضوء القمر أو الضباب لإحلال أجواء آسِرة داخله، وإضفاء بعد غنائي أكيد عليه. المزيد عن: رسام ياباني\معرض تشكيلي\باريس\طبيعة اليابان\التعبيرية\الصوفي\ةالجمالية\مناظر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post باولو أوتشيلو: 3 لوحات في غرفة الحاكم المتنور لتمجيد شاعرية الحرب next post طعام البحر المتوسط يخفض خطر الإصابة بالخرف You may also like ثقافة “الهاليو”… قوة كوريا الجنوبية الناعمة التي اجتاحت... 30 نوفمبر، 2024 عودة غودار من منفاه النهائي احتجاجا على كارثة... 30 نوفمبر، 2024 مقولة النصر والهزيمة في ضوء الفلسفة والنقد التاريخي 30 نوفمبر، 2024 كتّاب المرحلة الروسية الفضّية في “زهرة تحتَ القدَم” 30 نوفمبر، 2024 مستقبل مقاومة هوليوود الليبرالية بوجه ترمب 29 نوفمبر، 2024 نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024