ثقافة و فنونعربي عندما كانت كلارا شومان حدثا نادرا في الموسيقى كمؤلفة وعازفة وامرأة by admin 5 مارس، 2023 written by admin 5 مارس، 2023 27 ثلاثة من أقطاب الموسيقى بينهم زوجها في حياة صاحبة “رومانسيات للكمان والبيانو” اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب في وقت كانت تشعر فيه أنها بعد جهود موسيقية في حياة صعبة، قد امتدت لسنوات طويلة يقال إنها أهملت خلالها كونها امرأة مع وجود ثلاثة مبدعين رجال كبار في حياتها قد تقدمت في السن، وباتت أكثر انشغالاً بمسؤوليات أخرى في الحياة، واجدة صعوبة في التأليف والكتابة الموسيقيين بانتظام، كان لا بد لكلارا شومان أن تعترف أخيراً قائلة “اعتقدت ذات مرة أنني أمتلك موهبة إبداعية، لكنني كان لا بد لي في النهاية من أن أتخلى عن هذه الفكرة، وبت واثقة من أن على المرأة ألا ترغب في التأليف. ففي النهاية لم يكن هناك أية امرأة قادرة على القيام بذلك حتى الآن. فهل كان يجب عليَّ أنا أن أكون تلك المرأة؟”. والحقيقة أن هذا الاعتراف الذي كان لا بد منه في السنوات الأخيرة من حياتها إنما كان بالنسبة إليها صدى لما كان قد قاله زوجها الموسيقي روبرت شومان قبل ذلك بسنوات طويلة، حين صرح لصحافي سأله عن الأسباب الكامنة خلف قلة إنتاج كلارا في مجال التأليف مقابل غزارة عملها في العزف على البيانو وتدوين النوتات وغير ذلك، فكان رد روبرت “لقد قامت كلارا بتأليف سلسلة من المقطوعات الصغيرة، والتي تظهر إبداعاً موسيقياً وحناناً كما لم تحققه من قبل أية امرأة سواها، لكن إنجاب الأطفال، والزوج الذي يعيش دائماً في عالم الخيال، أمران لا يتماشيان مع التأليف الذي يتطلب تفرغاً تاماً وعملاً منتظماً لا يمكن زوجتي الانصراف إليهما، والحقيقة أنني غالباً ما أشعر بالانزعاج لمجرد التفكير في عدد الأفكار العميقة التي ضيعتها كلارا لأنها لم تستطع إيجاد الوقت الكافي لمواصلتها والخروج من ذلك باستكمالها”. كلارا وروبرت شومان: الحب الوحيد في حياتها (غيتي) تضحيات زوجة وأم طبعاً نعرف أن روبرت شومان (1810 – 1856) يعتبر دائماً من كبار موسيقيي القرن التاسع عشر على رغم أنه لم يعش سوى 46 عاماً، وهو الذي اشتهر بأعمال موسيقية خالدة ربما يكون قد تمكن من إنجازها بفضل كلارا (1819 – 1896) وتفانيها، ولكن كذلك بحجم التضحيات بمواهبها الأكيدة وسط حياة كان عليها أن تهتم فيها بمهنتها كعازفة بيانو من مستوى هائل بالتواكب مع تربيتها نصف دزينة من أطفالهما، واعتنائها بزوجها الذي كانت شديدة الإعجاب به والحدب عليه في سنواته الأخيرة، ولكن كذلك الاعتناء برجلين آخرين من كبار الموسيقيين أحدهما يوهان برامز (1833 – 1897) المؤلف الموسيقي الكبير الذي دخل حياة الزوجين يافعاً فاحتضناه إلى درجة أن كلارا كانت لها يد بيضاء في تنقيح سيمفونيته الأولى، لكنه هو أغرم بها حقاً من دون أن يتجاوز حدوده حتى حين كان روبرت في المستشفى آخر عامين من حياته وكذلك حين ترملت كلارا، فظل داعماً لها فلا يرحل إلا بعد رحيلها بعام وقد اطمأن عليها. أما الآخر فكان الموسيقي الكبير والعازف وقائد الأوركسترا جوزيف جواكيم الذي ربطتها به هو الآخر صداقة عميقة جعلتها تهديه بعض مؤلفاتها ولا سيما “رومانسيات للبيانو والكمان”. والحقيقة أن كلارا أعطت كثيراً من وقتها لتلك المواهب الكبيرة لكن حبها الأول والأخير ظل لروبرت الذي تعرفت إليه أول صباها فآمنت بموهبته مضحية بكثير في سبيله، ولا سيما بأوقات كان يمكنها فيها أن تثبت مكانتها كمؤلفة. موهبة موءودة؟ ومؤلفة كبيرة الموهبة بدورها على أية حال كما يشهد على ذلك إبداعها القليل الذي يظل حياً حتى اليوم بل يعاد اكتشافه أكثر وأكثر في مراحل زمنية متتالية. ولا شك أن قطعها المعروفة بعنوانها “الغجري”، “ثلاث رومانسيات للكمان والبيانو” تعتبر خير دليل على ذلك – وإن كان لها عمل آخر يفوقها شهرة هو “الكونشرتو السابع للبيانو والكمان” – الذي كتبته عام 1853 ونشر لأول مرة عام 1855. وبعد انتقالها إلى دوسلدورف عام 1853، أنتجت كلارا شومان – التي قالت وربما مستعيرة هذا القول من رأي أبداه زوجها روبرت أن “النساء لم يولدن للتأليف” – العديد من الأعمال، بما في ذلك هذه الرومانسيات الثلاث التي أهدتها إلى جواكيم كما أشرنا. وتقول الحكاية إن أول ظهور على الملأ لذلك العمل كان حين توجهت كلارا يرافقها زوجها روبرت وصديقهما جواكيم في جولة عزف بدأت في هانوفر حيث قدمت “الرومانسيات” أمام جورج الخامس ملك تلك المقاطعة الألمانية الذي، وبحسب شهود عيان وأقلام صحافية متنوعة لم يخف تأثره، وهو الذي بدا “منتشياً تماماً” عند سماعه موسيقى كلارا، ولا سيما “الرومانسيات” التي أشاد بها أحد نقاد مجلة “نيو برلينر تسايتونغ” التي كانت صاحبة النفوذ الأكبر في عالم النقد الثقافي حينها قائلاً “إن كل واحدة من هذه القطع الثلاث تعبر عن شخصية متفردة تم تصورها بطريقة واقعية وصادقة حقاً ومكتوبة بخط دقيق ورائع”، بينما كتب الناقد الإنجليزي ستيفن بيتيت لصحيفة “التايمز” قائلاً من ناحيته كم أن هذه الأعمال مؤثرة، “فهي تجعل المرء يندم على أن مهنة كلارا كملحنة أصبحت تابعة لمهنة زوجها”. صورة كلارا شومان على المارك الألماني (غيتي) تجديد رومانسي ويشرح الخبراء الموسيقيون كيف أن التجديد في هذا العمل أتى من ناحية كون بناء الرومانسيات المكتوبة لتعزف على الكمان والبيانو، مكتوبة بثلاث حركات هي على التوالي “أندانتي مولتو” و”اليغريتو” و”لحن شغف”. ويبدأ الرومانسيرو الأول – مع تلميحات مقتبسة من مواضيع الرثاء عند الغجر – وقد جرى التعارف حتى زمن فدريكو غارسيا لوركا على أن المصطلح يخص كل ما له علاقة بالفنون الغجرية، حتى وإن كان مقتبساً لغوياً من تراوح بين “الرواية العاطفية” والفن الذي تعود بداياته إلى مدينة روما، بالتالي قد يمكن ترجمة رومانسيات بـ”غجريات”، قبل أن يتبع ذلك موضوع مركزي موجز مع أصوات تتابعية دينامية، ثم يلي ذلك لحن أخير مشابه للجزء الأول، حيث تستعيد كلارا شومان بشكل ساحر الموضوع الرئيس من أول سوناتا كمان لزوجها روبرت شومان، بيد أن الرومانسيرو الثاني يبدو أكثر حزناً بالتالي أكثر إثارة للشغف من الأول، مع العديد من الزخارف التي ينظر إليها أحياناً على أنها ممثلة لمجموع الحركات الثلاث، بدءاً من التمهيد الحزين إلى القفزات النشطة والمنبثقة والأصوات المختلطة، متبوعاً بقسم أكثر تطوراً في ارتباطه بوجود السمة الأولى، في حين أن الحركة الأخيرة تشبه إلى حد بعيد الحركة الأولى ولكن بالطول نفسه تقريباً مثل الحركتين الأوليين، إلا أنها تتميز بألحان طويلة المخارج مع لحن بديع يعزف على بيانو متموج ومرن. الغرام الوحيد في حياتها مهما يكن من أمر وحتى خارج هذه الأبعاد التقنية التي اتسمت بما اعتبره كثر من النقاد والمؤرخين الذروة التي وصل إليها أداء كلارا شومان كمؤلفة وعازفة، بل عازفة بدت من “الشطارة” بحيث إنها في عملها المبكر هذا إنما عرفت كيف تكرم زميلها العازف على الكمان جواكيم الذي كان هو طبعاً من رافقها على كمانه في تلك الجولة، ولكن تعبر أكثر من ذلك عن حبها لزوجها روبرت الذي اقتبست من أعمال له جملاً لحنية معروفة وكأنها تريد بذلك أن تعبر ليس فقط عن التحامهما العاطفي بل المهني أيضاً. وهو تعبير ربما يكون قد أتى كنوع من الرد العملي على نقاد كانوا لا يتوانون عن “اتهام” روبرت بكونه “عائقاً في وجه تعبير كلارا عن عظيم مواهبها”. مهما يكن، لا بد من التذكير هنا بأن كلارا وعلى رغم العدد الكبير من الرجال الذين تحلقوا حولها وتقربوا منها، بمن فيهم برامز، لم تحب في حياتها سوى روبرت شومان الذي عندما كان قد تقدم طالباً يدها من أبيها بعد قصة حب شغلت الناس في زمنه، تحدت رفض أبيها وأقامت مع روبرت دعوى قضائية ضد الأب انتهت بانتصارهما بل حتى بعقد زواجهما في تحايل على القانون، وذلك قبل يوم واحد من بلوغها السن التي يجيز لها القانون أن تكون سيدة نفسها في عقد قرانها بما يلغي سلطة والدها عليها. المزيد عن: كلارا شومان\موسيقى\روبرت شومان\فدريكو غارسيا لورك\ايوهان برامز 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أفلام لم تستحق فوزها بالأوسكار… من “الفتاة الدنماركية” إلى “شكسبير عاشقا next post “خزانة” محمد أركون تنتقل إلى المكتبة الوطنية للمغرب You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024