بأقلامهمعربي جهاد الزين من بيروت : عن خطاب ماريو فارغاس ليوسا أمام الأكاديمية الفرنسية: by admin 16 فبراير، 2023 written by admin 16 فبراير، 2023 120 هل يُنقذ الفنُُ الروائي الديموقراطيّةَ؟ النهار اللبنانية \ – جهاد الزين قبل بضعة أيام ( 9 شباط ) ألقى الروائي البيروفي المعروف عالمياً ماريو ڤارغاس ليوزا خطابا أمام أعضاء الأكاديمية الفرنسية بمناسبة اختياره كأول عضو لم يكتب نتاجه بالفرنسية في هذه الأكاديمية التي تضم من يُسَمّون في فرنسا “الخالدون” ( Les Immortels). اختيار ڤارغاس، كاتب رواية “عرس التيس”، بين رواياته العديدة باللغة الأسبانية، أثار جدلا لسببين أولهما ما أشرنا إليه أنه لم يكتب بالفرنسية وإن كانت كل كتبه طبعا تُرجِمتْ إلى الفرنسية، الثاني أنه اتهم من عدد واسع من الباحثين الفرنسيين على أنه داعمٌ دائم لمرشحي اليمين الراديكالي في أميركا اللاتينية. هو يشرح في مقدمة خطابه كيف صنعت منه باريس والثقافة الفرنسية كاتباً ومثقفا أيا تكن اللغة التي كتب بها. وإذا أَخَذْنا نصَّ خطابِه فهو كاتبٌ يتقن الفرنسية بعدما سبق أن عاش في باريس وعمل فيها. لكن الخطاب، وهو خطاب لعضو جديد يتضمّن حسب تقاليد “الأكاديمية الفرنسية” وجهةَ نظر بِ وشرحاً لأعمال العضو المتوفّي (ميشال سير) الذي حلّ مكانه، ذو خاتمة مطوّلة يستهلها بطرح سؤال مبني على ما يعتبره الروائي لويزا نظريته الخاصة به “التي تساوي ما تساويه، قليلاً أكثر ودون شك قليلاً أقل، من النظريات الأدبية المتداوَلة في عصرنا” كما يذكر في الخطاب. السؤال الذي يطرحه ماريو فارغاس ليوزا هو : “الرواية” أي الفن الروائي، هل تُنقِذ الديموقراطية في عالم اليوم أم تتضرّر معها وتختفي؟ وإذا كان ماريو فارغاس يسبغ على الأدب الفرنسي الكبير ميزات عظيمة هي فعلا عظيمة لكن لا أراها تخص هذا الأدب وحده مثل قوله أن الأدب الفرنسي جعل العالم بكامله يحلم بعالم أفضل يعود فيستدرك أنه ” على الأقل عالم مختلف” لينتقل إلى طرح السؤال الكبير بعد أن يكون قد انتقد الديكتاتوريات متوقفا عند “ديكتاتورية فلاديمير بوتين” ويتساءل: “هل يستطيع الأدب أن ينقذ العالم؟ ويحمي هذه الكرة الأرضية الصغيرة التي ملأتها الحماقة الإنسانية بالقنابل الذرية والهيدروجينية؟” في سياق تلك الخاتمة يحسم ماريو ليوسا موقفه في أن الكلمة ستنتصر على الصورة، بهذا المعنى الأدب على السينما، ف “الصورة تترك أثرا عابرا في الذاكرة” أما “الكلمة والأفكار التي تحملها” فهي إذن أعمق اختزاناً وتأثيرا، ملاحظاً أن المعركة بين الكلمة والصورة كخيارين بدأت للتو على ما يبدو. شخصياً سأتوقف عند سؤال لم أقرأ مثله سابقا وهو المتعلق ب ِهلْ تنقذ الروايةُ، الفنُ الروائي، الديموقراطيةَ؟ وأبدأ بسؤال مضاد: هل هو طرح مبالَغ به ومن أين للرواية كمخزون إنساني إبداعي أو كما يقول ماريو ليوزا كداعية لعالم أفضل أن تتحوّل إلى قوة إنقاذ وجودية للنُظُم السياسية؟ هل هي في ما تستطيع أن تعرِّيه من ظلم وديكتاتوريات؟ كاتب رواية “عرس التيس”التي كان الديكتاتور يختبر ولاء حراسه فيها بإجبارهم على قتل أشخاص عزيزين عليهم، وهو مشهد إعدام يمثِّل المشهد الذروة في الرواية من وجهة نظري، هل كان يقصد الرواية السياسية في خلفية طرحه للسؤال أم الرواية بشكل عام القادرة على فضح هشاشة المشاعر البشرية، قوتها وضعفها في آن، عزلتها وتأثيرها. على أي حال نجمٌ بارزٌ مثل ماريو ليوسا آتٍ من أدب أميركا اللاتينية ورواياته المعاصرة التي بهرت قراء العالم ب “واقعيتها السحرية” في النصف الثاني من القرن العشرين والتي أضافت أبعادًا غنية على بنى وتكوين وظلامات ديكتاتوريات العالم يستطيع طرح السؤال وربما عليه واجب طرح السؤال : هل تنقذ الروايةُ الديموقراطيةَ؟ لاشك تساهم في إنقاذها. لا السؤال ولا الإجابة، أيا كان وكانت، لا تخص معشر الروائيين وحدهم. لكن السؤال كسؤال دور الفن يصلح أيضا للتعميم: هل تنقذ الصورةُ المتلفزة أو المهوتفة ( من هاتف) الديموقراطيةَ؟ الصورة كفعل كاشف متزايد الأهمية والشيوع مع الثورة التكنولوجية؟ إذا كان العالم أصبح مصوَّرا في كل لحظة والقدرة على الكشف أقوى من أي وقت سابق هل سيكون هذا التحول مدعاةً لديكتاتورية أقل وماذا عن الرواية المصوّرة أو الرواية المشفّهة (من شفاهة) بل ماذا غدا عن غياب الفارق بين المشافهة والكتابة حين يتمكّن الذكاء الاصطناعي من تحويل الشفهي إلى أحرف مكتوبة وفي اللحظة نفسها وهو ما بدأ يحصل وتتزايد سهولته يوماً بعد يوم. وُلدت الرواية بعد ولادة الشِّعر قال الكاتب اللامع في سياق خطابه. وهذا يفتح على نقاش آخر أقل تفاؤلاً مع نظرية “موت الشِّعر”…الذي لم يمت! تزدهر الرواية اليوم لاشك، لكن جزءا مهما من ازدهارها له علاقة بتكيُّفها مع الرأسمالية وقطاعاتها الترفيهية لاسيما السينما، كما بتخصيص أموال ضخمة لتعزيزها عبر اكتشاف كفاءات شابة جديدة. لامس خطاب ليوزا حدودَ التمييز بين الأدب الخاضع للرقابة الديكتاتورية وبين أدب العالم الديموقراطي لكنه وإن كان لم يتوسّع في ذلك لم يدخل في النقاش بالتعقيد الذي يستحقه وهو الأدب الكبير الذي يصدر من أفراد مبدعين يعيشون في ظل التوتاليتاريات. أحد الأمثلة المعاصرة على ذلك هو الروايات الصينية؟ إنما يبقى الإطار العام أن الإبداع الأدبي، والفني عموما، يندرجان في المسعى النضالي للتحرر الإنساني وكسر القيود والمحرّمات. jihad.elzein@annahar.com.lb Twitter: @ j_elzein 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “رجل المناطيد”.. من هو العالم الصيني الذي “حير” واشنطن؟ next post Matisse’s The Dance: The masterpiece that changed history You may also like مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: ماذا جرى في «المدينة... 15 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ترمب ومشروع تغيير... 15 نوفمبر، 2024 منير الربيع يكتب عن..لبنان: معركة الـ1701 أم حرب... 15 نوفمبر، 2024 حميد رضا عزيزي يكتب عن: هل يتماشى شرق... 15 نوفمبر، 2024 سايمون هندرسون يكتب عن.. زعماء الخليج: “مرحبًا بعودتك... 15 نوفمبر، 2024 الانتخابات الأمريكية 2024: وجهات نظر من الشرق الأوسط 15 نوفمبر، 2024